رغم الفيضانات في مراكش ومدن أخرى، فإن البلاد لاتزال تنتظر المطر. لكن، من الغريب أن الانتظار الطويل يأتي دائما بالكوارث وما يشبهها، وكأن الأمطار التي تتأخر تبقى محبوسة فوق السحاب ثم تنهمر في لحظات، ويكون ما يكون. في الوهلة الأولى، تبدو الأمطار في المغرب شبيهة بالانتخابات الشفافة، ينتظرها الناس طويلا وعندما تأتي تُغرق كل شيء، تماما كما حدث خلال انتخابات الرابع من شتنبر الماضي حين فرح الناس بانتخابات وصفوها بكونها نزيهة وشفافة، غير أن شفافيتها كانت زائدة على الحد فأنتجت، في النهاية، خرائط سياسية إباحية. لكن هذه المقارنة جائرة ولا تصح، لأن الأمطار أفضل بكثير من الانتخابات لأنها تهطل فوق رؤوس الجميع ولا تُغرق سوى القليلين جدا، بينما الديمقراطية تسقط فوق رؤوس القليلين وتُغرق الجميع. المطر في هذه البلاد هو الوحيد الذي يمارس ديمقراطية حقيقية، فهو يأتي كل عام ولا يحدد وقتا معينا لمجيئه ولا تتدخل فيه وزارة الداخلية ولا البرلمان ولا القياد والباشوات؛ كما أن المغاربة لا يخسرون فلسا واحد استعدادا للأمطار، عكس الانتخابات التي تستنزف مئات الملايير من جيوب الناس. الأمطار تختلف، أيضا، عن الانتخابات لأنها تحيي كل شيء وتمنح الاخضرار للبلاد وتينع بها الأشجار وتمتلئ بفضلها جيوب الفلاحين؛ بينما الانتخابات تفعل العكس تماما، إنها تحرق الأخضر واليابس وتحول الميزانيات إلى يباب، وبسببها تظهر جحافل الجراد المشكّلة من آلاف المنتخبين الذين يقصفون أي درهم يتحرك. الأمطار في المغرب لا تشكل أي خطر على الناس، بل إن الناس هم الذين يشكلون خطرا على الأمطار، لأنك تجدنا في كل موسم شتاء قد أغلقنا المزيد من الأودية في وجهها، وتجدنا بنيْنا آلاف العمارات الإضافية فوق أوديتها ومجاريها، وتكتشف أن البحيرات التي كانت تستقر فيها مياهها تحولت إلى مشاريع سكنية عملاقة. عندما نغرق وتصل المياه حتى حناجرنا، نتهم الأمطار بأنها هطلت أكثر من اللازم، بينما نحن الذين «عيّقْنا» معها أكثر من اللازم وحرمناها من ممراتها وبحيراتها الطبيعية، فلم تجد بدا من الدخول إلى منازلنا لترتاح معنا جنبا إلى جنب. عندما ستعود إلينا الأمطار، ستجد مسؤولينا وسياسيينا مشغولين بالدسائس والمؤامرات الانتخابية؛ وعندما تفيض المدن بالماء والوحل، سيتهم المسؤولون المطر من جديد بأنه المسؤول عما جرى، بينما كان واجب المسؤولية يقضي بأن ينظفوا الأوعية والقواديس من أطنان البلاستيك والنفايات التي يرميها الناس طوال العام كأنهم يضعون الشوك في حلوقهم، وعندما يغرقون يتساءلون عن السبب! ستعود الأمطار من جديد وستجد علال القادوس في انتظارها كما يفعل دائما. إنه الآن يجلس قبالة محطة القطار في وسط الرباط ويلتقط صورا مع معجبيه ولا يطيق صبرا على رؤية الأمطار تهطل بغزارة من جديد، فهذا الرجل يشبه كثيرا بطل فيلم «رجل المطر»، لا يمكنه أن يحيى إلا عندما يجد نفسه يستعرض عضلاته الهزيلة وهو ينظف القنوات ويخلص أحياء بكاملها من الفيضانات، كما لو أنه شخصية أسطورية من الرسوم المتحركة، لكن أبطال الرسوم المتحركة الحقيقيين هم مسؤولونا ومنتخبونا الذين لم يسبق لكثيرين منهم أن بللوا أحذيتهم بالمطر. الأمطار هي، أيضا، شاهدة على تحولات كثيرة وخطيرة أصابت المجتمع المغربي؛ فحين غاب المطر لبضع سنوات في الأيام العجاف للثمانينيات والتسعينيات، نشأت في المغرب طبقة اجتماعية جديدة من المسؤولين السلطويين والمنتخبين، الذين راكموا الملايير من خلال فتح أبواب المدن أمام جحافل رهيبة من المهاجرين من القرى، وتمت إحاطة المدن الكبرى ببراميل بارود ستبقى كذلك إلى الأبد، ومنذ ذلك الوقت كلما حدثت فيضانات اتهمنا المطر دون أن ننتبه إلى أولئك الفاسدين الذين باعوا الأودية ومجاري المياه ورخصوا بالبناء في قلب البحيرات. أكيد أن الأمطار ستأتي كما تأتي كل عام؛ صحيح أنها تتأخر أحيانا، لكنها تأتي. إنها الوحيدة في هذه البلاد التي تفي بوعودها؛ وعندما تتأخر، نصلي من أجلها صلاة الاستسقاء، ثم نفكر باستمرار لماذا لا يفعل النصارى مثلنا، إنهم لا يصلون من أجل الأمطار ومع ذلك تنهمر فوق رؤوسهم مدرارة. أكيد أن الأمطار تتهاطل على النصارى بدون صلاة استسقاء لأنها تعرف أنها عندما تهطل ستجد ممراتها المعتادة كما هي، كما أنها لن تجد أباطرة العقار قد استعمروا بحيراتها وبنوا فوقها مجمعات سكنية مثل فضلات البعير.