احتل حزب الاستقلال المقدمة داخل مجلس المستشارين بعد حصوله على أربعة وعشرين مقعدا، متقدما على حزب الأصالة والمعاصرة بفارق صوتين، فيما تدحرج حزب العدالة والتنمية إلى الصفوف الأخيرة. القراءة الأولية لهذه النتائج، التي تحكم فيها هذه المرة الناخبون الكبار، تقول إن الحسبة ليست عادلة ولا مستقيمة. كيف يعود حزب الاستقلال لتبوؤ المرتبة الأولى في الوقت الذي كانت فيه نتائج استحقاقات الرابع من شتنبر وما قبلها قد منحت «البام» الصف الأول إلى جانب حزب العدالة والتنمية، دون الحديث عن بقية الأحزاب التي وجدت أن حصتها من مقاعد الجماعات المحلية هي غير حصتها من مقاعد مجلس المستشارين؛ وهو ما يعني، بصيغة أخرى، أن الكثير من هؤلاء الناخبين الكبار لم يلتزموا بقرارات أحزابهم ومنحوا أصواتهم إما لمن دفع أكثر، كما اعترف بذلك زعماء أحزاب، أو ردا للجميل. غير أن المثير في العملية كلها هو عودة الروح إلى حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي سبق أن قدم استقالته من قيادة حزب علال الفاسي بعد أن تراجع ترتيبه في استحقاقات الرابع من شتنبر إلى الصفوف الأخيرة، وهو ما اعتبره الاستقلاليون تراجعا وطالبوا على إثره برحيل شباط الذي كان قد لوّح بالاستقالة إذا لم يحتل حزبه الصف الأول. استقالة شباط ظلت تراوح ردهات مقر حزب الاستقلال بالرباط، وقال استقلاليون إنها مرفوضة، ووعد آخرون بالنظر فيها خلال اجتماع اللجنة التنفيذية الذي سيعقد قريبا لتقييم الحصيلة النهائية للحزب، فيما راح بعض ثالث يبحث عن أمين عام جديد. أما صديقنا شباط فقد خرج منبها إلى أنه لن يستقيل.. كيف أستقيل، يقول الأمين العام للحزب والاستقلال يحتل الصف الأول، وهو المرشح الأقوى لنيل رئاسة مجلس المستشارين ليسحب البساط من تحت أقدام إخوته الأعداء في حزب الأصالة والمعاصرة الذي ظل يرأس هذا المجلس منذ 2009. إنه طائر الفينيق الذي انبعث من رماده.. ذلك الطائر الأسطوري الذي يرفض أن يموت، وفي كل مناسبة ينتفض ليعلن عن قدومه. هو ذا حال شباط اليوم بعد نتائج الثاني من أكتوبر. الرجل الذي هدد بالاستقالة ثم وضع نسخة منها أمام أجهزة الحزب، قبل أن يعود اليوم ليقول لا وألف لا لهذه الاستقالة. منطقيا، وإن كانت السياسة تمارس في مغرب اليوم بدون منطق، يعتبر شباط منتصرا مادام قد احتل الصف الأول في آخر سباق انتخابي. وسياسيا، يفترض في مناضلي حزب سي علال أن يتشبثوا به أمينا عاما لحزبهم، لهذا السبب أولا، وأيضا لأسباب أخرى تبدو أقوى. لقد نجح الرجل في معركته مع عفاريت وتماسيح الدولة العميقة حينما شبه وزير الداخلية بالجنرال الدموي أوفقير دون أن تطاله يد الحساب والعقاب ردا منه على ما اعتبرته أم الوزارات ابتزازا للدولة؛ وهي المعركة التي انتهت، اليوم، باحتلال حزب الاستقلال الصف الأول في الغرفة الثانية للبرلمان المغربي. من قال إن السياسة هي فن الممكن مطالب، اليوم، بأن يعيد النظر في هذا المفهوم؛ فنتائج الرابع من شتنبر ثم نتائج الثاني من أكتوبر الجاري تؤكد أن سياسيينا الكبار غير مقتنعين بهذا الأمر.. هم خصوم ألداء في عز الحملات الانتخابية، وهم «سمن على عسل» أثناء تكوين مكاتب المجالس الجماعية أو الجهوية؛ أما حينما يتعلق الأمر بمقاعد الغرفة الثانية في البرلمان فلا بد أن تختلط كل الأوراق وينتهي هذا الفن الممكن، فلا يمين ولا يسار ولا وسط وإنما تحالفات هجينة لا يحكمها منطق سياسي ولا هم يحزنون. والحصيلة هي أن «تجار» الانتخابات، أولئك الذين يعرفون كيف يكسبون سوقها منذ أول يوم يعلن فيه عن افتتاحها، هم الذين يواصلون الرحلة إلى محطة الوصول. وحزب الاستقلال، سواء مع شباط أو مع غيره، يفهم جيدا قواعد اللعبة. بقي فقط أن نتساءل: هل يتراجع شباط عن قراره بالخروج من صف المعارضة لمساندة حكومة بنكيران، كما وعد بذلك مباشرة بعد الرابع من شتنبر، أم إن نتائج الثاني من أكتوبر ستجعله ينكث وعدله ويغير موقفه في اتجاه الاستمرار في القيام بالمهمة التي جاء من أجلها؟