أمين المجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية يشيد بالالتزام الثابت لمديرية الأمن في حماية الوطن والمواطنين    المغرب يشارك في المنتدى العالمي للماء    اتحاد جزر القمر يجدد تأكيد دعمه لمخطط الحكم الذاتي    أوكرانيا تنفذ عملية إجلاء من خاركيف    "القسام" تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا.. وتدمير 100 آلية عسكرية إسرائيلية خلال عشرة أيام واستعدادها لمعركة استنزاف طويلة    تصفيات كأس العالم.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 عاما يفوز برباعية نظيفة على الجزائر ويتأهل للدور الرابع    جو حار وقطرات مطرية بالمنطقة الشرقية اليوم السبت    مصرع دركي في حادثة سير ضواحي طنجة    بونعمان :الثانوية التأهيلية ابن خلدون تحتضن ورشات الاستعداد النفسي والمنهجي للإمتحانات الإشهادية ( صور )    المغربي مهندس مطار غزة يبرز "لقاءات مع التاريخ" في دعم القضية الفلسطينية    البحث عن الهوية في رواية "قناع بلون السماء"    بيان صحفي: ندوة لتسليط الضوء على مختارات من الإنجازات البحثية ضمن برنامج الماجستير في إدارة حفظ التراث الثقافي    بسبب سلوكه.. يوفنتوس يقيل مدربه أليغري بعد يومين من تتويجه بكأس إيطاليا    أمن البيضاء يجهض عملية تهريب وترويج شحنة مهمة من المؤثرات العقلية    بعد تعليق دعم تدريس الأطفال المعاقين..أباكريم تجرُّ الوزيرة " عواطف" إلى المساءلة    مدرب مانشستر يونايتد: "سعيد بتألق سفيان أمرابط قبل نهاية الموسم"    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    السلطات تمنع مؤتمرا يحتفى بزيارة الحسن الثاني لآسا ويرفض تفويت "أراضي الصحراويين"    الدورة الأكاديمية "الشعري والسردي" فاس، 23-24 ماي 2024    كيف تهدد الجزائر و"البوليساريو" أمن الساحل والصحراء؟    البحث العلمي وبعض الشروط الأساسية من أجل الإقلاع!    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة بركان والزمالك في نهائي الكاف    من قمة المنامة..رسائل ملكية قوية إلى من يهمهم الأمر    طنجة.. توقيف شخصين وحجز الآلاف من قنينات الكحول غير مصرح بها    الصين: مصرع 3 أشخاص اثر انهيار مصنع للشاي جنوب غرب البلد    بدء وصول المساعدات عبر الرصيف العائم وحماس تشكك في نوايا واشنطن وتؤكد الاستعداد لمعركة استنزاف طويلة    وزير الخارجية الإسباني: رفضنا السماح لسفينة أسلحة متجهة لإسرائيل بالرسو بموانئنا    قرار جديد من الفيفا يهم كأس العالم 2030 بالمغرب    شفشاون.. الطبخ المغربي فسيفساء أطباق تعكس ثقافة غنية وهوية متعددة    الساكنة تستنكر لامبالاة المسؤولين تجاه حادث انفجار أنبوب للماء الصالح للشرب وسط الناظور    فرق كبيرة تطارد نجم المنتخب المغربي    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش        افتتاح مهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية على أرض التسامح والانفتاح        المغرب يفرض رسوم مكافحة إغراق السوق على سلعة تركية    مقاولات جهة طنجة-تطوان-الحسيمة توفر أكثر من 450 ألف منصب شغل سنة 2022    الفيفا تقر تعديلا يمنع انتقال أي لاعب من أي بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    افتتاح بيت الحمية المتوسطية بشفشاون..تكريم ثقافة عريقة وتعزيز التنمية المستدامة    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    كيف يتم تحميص القهوة؟    إسرائيل: حرب غزة "ليست إبادة جماعية"    الخزينة تكتتب ما يعادل 3,4 مليار درهم في سوق السندات ما بين 8 و 15 ماي    الطالبي العلمي يجري مباحثات برلمانية بالصين    سانشيز يعلن الأربعاء موعد الاعتراف بفلسطين    القمة العربية في مواجهة التحديات    السيد العمراني يلتقي أجاي بانغا.. إرادة قوية لتعزيز التعاون بين البنك الدولي والمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وعي الذات في السياق التاريخي
نشر في ميثاق الرابطة يوم 29 - 05 - 2015

عندما يريد الباحث اليوم دراسة واقع أمته التاريخي الراهن بغرض تحصيل وعي الذات ووعي العالم، يشعر وكأنه يتجاسر على الخوض في إشكال موضوعي كبير لا قِبل له به..!!
إشكال عبارة عن ركام هائل من الأحداث الفاجعة، والتحديات الضخمة، والمِحن التي يعسر-أحيانا-ردها إلى أسبابها وجذورها. ذلك أن ما اعترى العالم الإسلامي من فتور واستلاب وتقهقر شامل لم يكن من عمل يوم وليلة، وإنما هو نتيجة تراكمات وتفاعلات عميقة في النفس والتاريخ، وحصاد أيام وتجارب لم تزل آثارها باقية، وتوابعها مشهودة على مدار الزمان والمكان والإنسان.
هذه الأحداث والابتلاءات التي صهرت الأمة واستدرجتها إلى النفق المسدود، يمكن رصدها وتصفحها كما وقعت في تاريخها الحديث من خلال المعالم والمحطات الآتية:
– المحطة الأولى: يقتنع فيها الناقد والمؤرخ أن المسلمين كانوا دون مستوى فهم طبيعة "الصراع الجديد" الذي فرض عليهم خوضه في بداية القرن العشرين.
فمن المعلوم أن محاولات اغتيال هذه الأمة حضاريا، وعزلها عن سياقها الإسلامي التاريخي- وهي المهمة التي نهض لها الاستعمار- ليست بالحدث الجديد، وإنما كانت حلقة بين سلسلة حلقات ما فتئت تكاشف الأمة بالإذاية والعدوان، وتراودها على إضلالها عن جادة الملة: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن اِستطاعوا" [سورة البقرة، الآية: 217].
والتاريخ بوثائقه ونصوصه شاهد على ما قاساه العالم الإسلامي من بلاء الاجتياح والابتزاز والتقسيم والغصب مما لا يزال يؤدي ثمنه حتى اليوم.
ولكن الأمر الجديد والمثير للاستغراب في آن واحد هو طريقة الرد التي اختارها العالم الإسلامي للدفاع عن نفسه: فالمتأمل في المواقع والأساليب والأفكار التي كان يدير بها هذا العالم مواجهته مع الاستعمار الأوربي يخلص إلى "علامات تعجب" كبيرة عن مدى تأخر الوعي عن مجريات الواقع وحقائقه، وأسئلة الزمان ومقتضياته، وتخلف العقلية السائدة في تلك الفترة عن استيعاب أبعاد التطور الحضاري الجاري. كما يخلص إلى أن أنماط التفكير، ومقولات الثقافة ورواسبها، وطبيعة المواضعات السياسية والاجتماعية فعلت فعلها فيما مُني به هذا العالم في نفسه وقدرته وريادته الحضارية، وأنها هي الأسباب الحاسمة التي أغرت الأعداء بالتكالب عليه، ونهب ثروته وسلب حريته.
فالاستعمار لم يكرس سياسته الاستيطانية المكشوفة حتى وجد المناخ المناسب الذي هيأه المسلمون بما كسبت أيديهم؛ فمثلا عندما شرع السلطان سليم في أوائل القرن التاسع عشر في القيام بجملة من الإصلاحات تتعلق بتحديث الإدارة والدولة والجيش، قام بعض الزعماء من فقهاء التقليد بضغوط شديدة لتعطيل هذا المشروع، وعَدوا تنظيم الجيش بأسلوب عصري بدعة خطيرة تخالف نصوص الشرع! كما أفتوا بتحريم استعمال الأسلحة لأنها رجس من عمل الكفار، وقد كان من نتائج هذه الفتوى خلع السلطان سليم عن كرسي الخلافة عام 1807م بدعوى عمله بخلاف الشرع!!!. وقد علق المودودي رحمه الله على هذا الحدث بقوله: "هذه أول مرة قدم فيها الزعماء الدينيون لجهالتهم وظلمة فكرهم التصور الخاطئ بأن الإسلام عائق للرقي"[1].
ولما كانت أوربا تحكم استمساكها بأزمة التقدم وأسبابه، كان العالم الإسلامي يغط في سبات عميق راكنا إلى قلاعه القديمة، وبعبارة المفكر المجري جرمانوس: "لم يقدم العالم الإسلامي بطولات خلاقة سامية منذ وفاة ابن خلدون عام 1406م، وتقهقرت صناعاته وأضحت حياته الاقتصادية تعيش في الجو الرومانسي (الخيالي) القائم على الاقتصاد الزراعي والبدائي.. ولا تزال المدارس الإسلامية تدرس نفس الكتب القديمة التي كانت تدرس بها منذ ألف سنة مضت"[2].
كان الخمول الفكري والمعنوي، والركود الحضاري سمة ظاهرة تكاد تصم كافة قطاعات الحياة، وكانت المحاولات المعبرة عن حالة الوعي واليقظة والرغبة في الانعتاق من إسار الجمود وأوزاره تصطدم في كل مرة بمعوقات جمة متكلسة في أذهان الناس بسبب الثقافة التقليدية والأوضاع المستحكمة.
تلك هي الملاحظة الرئيسة التي يخرج بها المتصفح للنقول والوثائق المؤرخة لفترة عصيبة من تاريخنا الفكري والسياسي والتي يصف أحوالها وأطوارها "فيليب حتي" قائلا: "إن سقوط الخلافة الإسلامية في أواسط القرن الثالث عشر للميلاد… قد خلفت العالم العربي في ظلام دامس دام ستة قرون كاملة، كانت فترة طويلة من الركود السياسي والروحي معا. غير أن الانحطاط الروحي لم يكن سببه فقدان السلطة السياسية، إذ إن السبب كان داخليا أكثر مما كان خارجيا، ذلك لأن العاصفة إذا هبت فإن الأشجار التي تنقصف بسبب تلك العاصفة إنما هي الأشجار النخرة"[3].
هذه الفترة التي يتحدد مجالها الزمني من أواسط القرن الثالث عشر الميلادي إلى أواخر القرن التاسع عشر، هي المعنية بحديثي عن مرحلة الجدب الفكري والحضاري التي مهدت بعللها وأعراضها المختلفة لدورة السقوط في حضن الغزو الأجنبي؛ دورة "ما بعد الموحدين"[4].
ومن تلك الظواهر والدلائل التي تعبر -كما قلت- عن تأخر الوعي عن الواقع ما تتفق على نقله كثير من الوثائق والمصادر[5] من وصف حالة "اكتشاف الذات" لدى المجتمعات المغربية عقب الحملة الفرنسية على الجزائر عام [1246ه/1830م] التي خلفت في روع المناطق المجاورة ما يشبه الصاعقة؛ إذ أظهرت الدول الأوربية الغازية بمظهر جديد؛ مظهر بلاد ذات قوة ونظام، اكتسبت بفضل صناعاتها البخارية وسائل وآلات مبتكرة ليس للعالم عهد بها.
————————————–
1. محمد بدر الدين [بن حسن]، مقال "المسلمون من أعباء الماضي إلى مشاغل بناء الحاضر". -الأمة- ع: 62، قطر-1985، ص: 9. وقد وقع من بعض علماء المغرب نظير هذه المواقف المعارضة، راجع نماذج منها عند محمد الكنسوسي (ت1294ه/1877م)، "الجيش العرمرم.."، المطبعة الحجرية، فاس، 1336ه، ج2/80 والحاج العربي المشرفي، "ذخيرة الأواخر والأوائل.." مخطوط بالخزانة العامة الرباط، رقم: 2659 ك، ج2/68. وينظر "عناية الاستعانة.." (مخطوط) لعلي السملالي حيث يذكر في طالعه أن السلطان الحسن الأول سأل علماء فاس عن حكم الشرع في توظيف المعونة لتحديث الجيش، فكان جوابهم التوقف؛ ينظر دراسة متقصية في الموضوع: الأستاذ محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1/80 وما بعدها.
2. وحيد الدين خان، المسلمون بين الماضي والحاضر والمستقبل، المختار الإسلامي، القاهرة، 1978، ص: 12.
3. فيليب حتي، الإسلام منهج حياة، ترجمة: عمر فروخ، دار العلم للملايين، بيروت، 1972، ص: 337.
4. مصطلح للأستاذ مالك بن نبي (ت1973م)، ينظر تحليلا له لاختيار هذا المصطلح: شروط النهضة، دار الفكر، دمشق، 1969، ص: 129-130.
5. من هذه المصادر على سبيل المثال:
– محمد الطاهر بن عبد الرحمن الفهري (ت 1868م) "الرحلة الإبريزية إلى الديار الإنجليزية"، تحقيق وتقديم: محمد الفاسي، (ينظر وصفها عند محمد المنوني: المصادر العربية لتاريخ المغرب، ج2/118).
– إتحاف الأخيار بغرائب الأخبار "لإدريس بن محمد الجعايدي (ت 1308ه) مخطوط بالخزانة الصبيحية بسلا، تحقيق: معنينو، كلية الآداب، الرباط، 1990، قال عنها الناصري في الاستقصا 9/151: "قد اشتملت على كل نادرة وغريبة، وأفصحت عن صنائع الفرنج وحيلها العجيبة" اه.
– "التحفة السنية للحضرة الحسنية بالمملكة الأصبنيولية" لأحمد الكردودي الفاسي (ت 1318ه)، تحقيق: عبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، 1963، يذكر في خاتمتها (ص: 92): "وقد ألمعنا في هذا التقييد العجيب، ببعض ما شاهدناه من الأعاجيب، واقتصرنا فيه على مالا بأس بذكره للعلم به، ومعرفة جملته وتفصيله، قصد المزيد للاستعداد بأفضل منه والسعي في تحصيله..".
– "عناية الاستعانة في حكم التوظيف والمعونة…" علي السويسي السملالي، (ت1311ه)، مخطوط، بالخزانة العامة، رقم: د.480، حلله الأستاذ أحمد العماري في بحث ضمن ندوة" الإصلاح والمجتمع المغربي" كلية الآداب الرباط، 1986 يتعجب فيها المؤلف من مغاربة زمانه قائلا (ص: 35) "وعجبا من قوم هم أهل المغرب، جاء عدوهم وسكن أطراف بلدهم، وأنشب فيهم أظفاره وعجزوا عن رده بفضلة أموالهم يتقوى بها جيشهم قبل أن يأخذ النصارى الدين والمال والبلد..".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.