مباحثات تجمع لفتيت بنظيره الإيطالي    عيد الأضحى: المكتب الوطني للسكك الحديدية يبرمج حوالي 240 قطارا يوميا    صندوق الإيداع والتدبير يعلن عن صرف المعاشات بشكل مسبق ابتداء من 12 يونيو    بوريطة…المغرب يرحب باعتماد مجلس الأمن قرار وقف إطلاق النار في غزة    رسميا .. أولمبيك الدشيرة يعلن إجراء مباراة "الموسم" في البطولة أمام الدفاع الحسني الجديدي بدون جمهور    حصيلة حرب الطرقات خلال أسبوع واحد    سفر أخنوش يؤجل الجلسة الشهرية بمجلس المستشارين    محامو المغرب يتظاهرون تضامنا مع غزة ودعما لقرارات "العدل الدولية" ضد إسرائيل    مصرع نائب رئيس ملاوي و9 أشخاص آخرين في حادث تحطم طائرة    وهبي يعلن بدء استخدام الذكاء الاصطناعي في محاكم المغرب    أسلحة المنتخب الوطني للفوز على الكونغو    سلوفينيا تشيد بمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية    انتحار تلميذة بآسفي يسائل أدوار المساعدين الاجتماعيين والتربويين بالمدارس    السجن المحلي عين السبع 1: 129 مترشحة ومترشحا من النزلاء يجتازون امتحانات البكالوريا    أزولاي ينعى "المعلم" علال السوداني    المغرب يرحب بقرار مجلس الأمن الدولي    وهبي: أدوار الوساطة تحتاج التقوية .. ومنصة رسمية تحتضن الإعلانات القضائية    بعد الإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة.. تأجيل مرتقب لزيارة رئيس وزراء فرنسا إلى المغرب    أخبار الساحة    الملك محمد السادس يصل إلى تطوان حيث يقضي عطلة الصيف في المضيق    شركة إسبانية لصناعة الطائرات تستقر بالدار البيضاء    أبرزهم أيت منا.. 5 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي (صور)    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    شركة "آبل" تطلق نظاما جديدا للتشغيل في أجهزتها قائما على الذكاء الاصطناعي التوليدي    من إصدارات دار الشعر بمراكش الديوان الخامس من سلسلة "إشراقات شعرية" للشعراء المتوجين بجائزة "أحسن قصيدة"    القناة الثقافية تحاور الناقدة والروائية المصرية شيرين أبو النجا    الفنانة التشكيلية كوثر بوسحابي.. : أميرة تحكي قصة الإبداع من خلال لوحاتها    بوطازوت وداداس يجتمعان من جديد في المسلسل المغربي "أنا وياك"    الفنان عادل شهير يطرح كليب «دابزنا» من فرنسا    من الصعب على المغاربة تقبل استمرار هذه الحكومة    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس اعتبارا من السبت القادم    الحكومة تكشف خطتها لتسريع الإقلاع الاقتصادي وخلق فرص شغل قارة للمغاربة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    المغرب يلتزم بإدماج التقنيات النووية السليمة في مختلف القطاعات    تصفيات المونديال.. المغرب يواجه الكونغو اليوم الثلاثاء وعينه على تعزيز صدارة المجموعة الخامسة    " فخورون، معلقون وعنيدون بعض الشيء"، عن منطقة كتامة والحشيش وأشياء أخرى..فيلم بالمسابقة الرسمية لفيدادوك    مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تنظم ورشة لتلقين مبادئ النقد السينمائي وتجويده، لفائدة الصحفيين    جثة هامدة تستنفر أمن طنجة    بمعنويات عالية.. أسود الأطلس يواجهون الكونغو وهدفهم تحقيق النقاط الثلاث    أطباء: مليون ونصف مصاب بالسكري لا تصلهم علاجات وزارة الصحة والتغطية الصحية لا تزال ضعيفة    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    ميناء طنجة المتوسط يترقب رقما قياسيا جديدا بمعالجة 9 ملايين حاوية في 2024    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    اجتماع يُنهي أزمة فريق المغرب التطواني    الداكي: النيابات العامة استقبلت خلال سنة 2023 ما مجموعه 35 ألف و355 طفلا    كيوسك الثلاثاء | ثلث الشباب المغاربة يفكرون في الهجرة    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    اسعار الاضاحي تفسد فرحة العيد وأسر تفكر في الاستغناء عن شعيرة الاضحية    أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال زيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    الحج ب "التهريب": "اضطررنا إلى التحايل لأداء الفريضة"    الركراكي يتقدم بطلب خاص للصحافة قبل مواجهة الكونغو    سيدة أعمال تعلن ترشحها لانتخابات الرئاسة الجزائرية    «شهادة أداء مناسك الحج» ثانية للحجاج المغاربة، وحواجز ومداهمات وعقوبات على المخالفين    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأطفال ذاكرة الأمة
نشر في ميثاق الرابطة يوم 29 - 04 - 2011

إنه لا توجد أمة تملك مثلما تملكه أمة الإسلام من ماض عظيم، وتاريخ مجيد، يطلب منها فقه الواقع السير على منواله، والاقتداء بهداه، وعلى منهاج هذا الماضي نجدد حياة أطفالنا لتحقيق آمالنا وآمالهم معا، وفهم آيات الله في الكون وتدبر ما تحمله من دلالات على الله وإشارات لنزداد علما بخالقنا، وبمثل هذا التصرف الحكيم نعالج مشكل التأصيل الأخلاقي والعملي لدى الأجيال الصاعدة.
والحضارات الإنسانية ليست ملكا لجيل بعينه من الأجيال، ولا هي وقفا على جيل دون الآخرين، ولا تفردت بها عقليات خصصت لها، لأنها صرح هائل قد أسهمت فيه كل الأجيال بنصيب، وهي محكمة الترابط متينة الحلقات، يؤثر الجيل السابق منها في اللاحق وتتأثر الأجيال الحاضرة منها بالماضية، وتستمد المستقبلية ما يجيئ به الحاضر، وحضارة الإسلام تمقت التعصب ولا تقبله، وتنهى عن الإقليمية ولا ترغب فيها وتحذر من الاتكالية والجمود.
والقناة التي من خلالها ننفذ إلى عقول الأطفال وقلوبهم، هو صمود هذه الأجيال من الأطفال طيلة ألف عام أو يزيد، كان هو العمق الروحي واليقين الإيماني، والسنن الإلهية وما لها من أثر في نهضة الأمم والشعوب، وما الغفلة عن ذلك إلا السير وراء الخرافات والأوهام، الذي أوصل أمة الإسلام إلى الإنهيار والتخلف، في حين كان عليها الأخذ بمفاتيح العلم وطرق كل باب من شأنه أن يوصل إلى الهدف الحضاري لتستقيم لأطفالنا حياتهم وما ينسجم مع الأقوال والأفعال، والنوايا والمعتقد.
ولتجلي معاني التطور لدى الأطفال، فلابد من مراعاة تطور الحياة للوصول إلى ما فيه الخير، والمناسب لأزمانهم وأمكنتهم، لأن الحياة تتطور وتتغير، وبهذا المنظار نستطيع أن ندلهم على آفاق المسالك وسط العوائق المحيطة والملابسات المصاحبة لنموهم العقلي والجسمي والاجتماعي، لذا أرى من الواجب إدراج فقه العمل والإرادة والجودة والإتقان، ولأن مكانة الأطفال في المجتمع لا تظهر من خلال أعمالهم إلا بما قيل: فقيمة كل امرئ بما يحسنه، وللتنبيه يجب أن يقال: لأن الأمة لما تقاعست وبان فيها الإبتعاد عن تعاليم الإسلام، انطفأت جذوتها العملية، ليحل محلها الأوهام والجمود، وانكفأت للمدائح والرقص، وكأن الدنيا ما خلقها الله إلا لهم.
والإرادة الحازمة هي نافذة النجاح وقنطرة العبور إلى الوصول إلى الغايات، ولا يتحقق ذلك إلا سيرا على الدرب الذي رسمه لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو سلكناه مع أطفالنا بما هيأ الله لنا من الأسباب لأغدق علينا سبحانه بالنعم والبركات مصداقا لقوله تعالى: "ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والاَرض" [سورة الاَعراف، الآية: 96]، وكل شعار لا يحقق لأطفال الأمة المناعة الثقافية والعقدية فهو شعار زائف، وتيار يلقون في أمواجه وهو شيء مخيف، وهم لا يحسنون السباحة في اندفاعه الجارف؛ لأنه يصرخ بافتقاد قيم العطف والحنان من الآباء والأمهات، مما يدمر تواصلهم مع أطفال الدنيا، وهنا يجب تصحيح كثير من المفاهيم التي لا تستند إلى حجة أو واقع، ويجدر بنا أن نرنو إلى هذا الطفل وهو يخاطب أباه وأمه اعترافا بفضلهما على لسان الشاعر القائل:
يا والدي أنا غرسة من غرسك الجميل
إذ أدبتني ورعيتني وهديتني خير السبيل
وحنان أمي نسمة كرقيق أنسام الأصيل
ما بين أمي وأبي أتفيأ الظل الظليل
واللغز الذي يجب أن يعرفه الكل: أن البون بيننا وبين الأطفال شاسع في الوعي والفهم، والإدراك وفقه الأشياء، والتأمل والبحث، ولا ينبغي إنكار أنهم جديرون بالحب والحنان، والشفقة والرحمة، والأطفال في كل زمان ومكان هم الحياة لها لون آخر وطعم آخر، وامتداد وثراء وهم للآباء رجاء الطفولة الذاهبة والشباب الغابر، والخلود في مستقبل الأيام مع امتداد العمر، وعز الحاضر وسخاؤه، ورحم الله العلامة عبد العزيز البشري لما قال حين سئل عن حبه الأوحد ومبلغه: [هؤلاء هم أكبادنا، فإذا غابوا عنا إلا شعرنا بنقص في نفوسنا، بل هم أحسن مافي نفوسنا حتى يردوا علينا، بل إنه ما اجتمع بهم شملنا إلا شعرنا بأنهم قطع فصلت عن نفوسنا].
وللوصول بالأطفال إلى الرقي المادي والمعنوي الذي به يدركون أسرار الخلق وجلال الخالق العظيم، لابد أن يزرع في أذهانهم أن عالمية الإسلام، تعني عالمية الزمان والمكان، وعالمية المعالجة، وبهذه المعالجة العالمية يستطيع الأطفال تغيير وجه الحياة على الأرض، وكشف أسرار هذا الكون، وتمييز الخير من الشر، والنافع من الضار والإنسان يوم يتسلح بالشرع والعقل يكون كما قال حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله: [أنموذج من نور الله]، وكما وصف ذلك الجاحظ رحمه الله: [وكيل الله عند الإنسان].
والعبد الصالح الله تعالى يحفظ أولاده من بعده، ويشملهم برحمته ورعايته، والبيئة الصالحة المستقيمة لها أثرها البالغ في حياة البنين والبنات؛ لأن الله سبحانه وتعالى يمهد لهم طريق الخير والهناء، ويذلل أمامهم المشاق والصعاب، فتسير بهم الحياة مطمئنة آمنة يغمرها الهدي والصلاح، ولدينا من توجيهات ديننا ما يحفزنا أن نسرع الخطى لبناء مستقبل الأطفال، وتحويل الأفكار إلى برامج نافعة، وفهم واع وإدراك صحيح وانتماء للدين والأوطان، والتبصر بأحوال البلاد والعباد، وصرف الهمة إلى اتباع الحق والصواب، حتى يكونوا أقوياء بالله يجري الحق على ألسنتهم وقلوبهم وكره النفاق، وبغض التملق قال تعالى: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر" [سورة الكهف، جزء من الآية: 29].
والله تعالى عهد إلى المسلمين أن يحرروا البشرية من الوثنية والأوهام، وما دام خط الحياة محفوفا بالإرهاقات فالنجاة لعبوره هي إصلاح الأطفال، وغرس الثقة بالله، والتوكل عليه في كل شيء، حتى يدكوا صروح الإلحاد، وتصبح كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، والتقدم البشري في عصرنا هذا يحسب بالدقيقة والثانية، والمشاكل تنطلق كالمارد من القمقم أمامهم، ولا مناص من لحاق المتقدمين؛ لأن الإسلام يدفع إلى الاستمرار في استغلال الوقت والجهد، والتعاون والتشارك لتحقيق الذات في عزة الإيمان.
ألا ما أحوج الطفولة اليوم إلى أهمية العود الحميد للنبع الأصيل لتعود لنا بعود الأطفال إليه صورة مشرقة للحياة الآمنة والعيش الهنيء، والإيمان يهب أتباعه بصيرة كاشفة تنمو من خلالها المفاهيم الإسلامية للتخلص من براثن حضارة العصر الزائفة التي جعلت الإنسان في العالم المتقدم يفقد إيمانه لموت ضميره، والأطفال في الإسلام يحتاجون إلى كبح الأثرة الجارفة من نفوس خاوية لا تجد برد الإيمان.
والأمة إذا كانت ترغب أن تخرج من وضعها الآسن إلى فضاء أحسن، عليها أن تبث في أطفالها أن الإيمان مرهون بالعمل، ليعملوا بكل طاقاتهم لخلق حياة دنيوية رغدة توصل إلى حياة أخروية خالدة، والعود إلى القرآن وفهمه وتدبره ثم العمل به بدل الشرود، وإبعاد الإسلام عن قيادة الإنسانية من النكبات القاصمة، لم يعرف البشر لها نظيرا في كل ما أحاق بها من نكبات، وفصلت عن سياقها الإنساني فأضحت جسدا بلا روح، وكل جهد يبذل اليوم في الحديث عن سماحة الإسلام، وصورته الحقيقية التي تعرضت للتشويه والتخريب، ليس على يد أعدائه، وإنما على يد كثير من أبنائه ومعتنقيه، ولن يعيد إليه نصاعته وصفاءه إلا أطفال لم يرتعوا ذل الاستغلال، وإنما تذوقوا طعم القيم الكريمة التي جاء بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الأمل لتجسيدها واقعا حيا في دنيا الناس حتى نسعد ونكرم، وحتى تكون هذه الأمة من جديد أمة قائدة ورائدة قال تعالى: "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه" [سورة الاَعراف، جزء من الآية: 58].
وصلاح الأطفال ينتج ثمارا صالحة هي النبل والكرم المخلوط بأدب ودين، مصفى بنقاء السريرة والعمل على بصيرة لصنع قلعة من قلاع الصمود على الأرض، والنموذج الرائع يتأسى به غيرهم لتزداد قلاع العلم الحضاري، لتشغيل الأيدي العاطلة، والنهوض بالقوى العاملة وهذا يتطلب توجيها مستنيرا لا تعارض فيه بين الإسلام والتقدم، ومخزونا ثقافيا ومشروعا حضاريا يتضمن كل خصائص الثبات والاستقرار والمحافظة على الهوية، وعدم الذوبان في الآخر، ويكفي أن الأنساق الثقافية لحضارتنا تميز بأنها إنسانية وعالمية جوهرها التعايش والتسامح وصيانة كرامة كل آدمي قال تعالى: "ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" [سورة الاِسراء، الآية: 70].
والمعول هم الأطفال لتفنيد مزاعم المشككين في الإسلام عقيدة وتاريخا وحضارة، فهم إن شاء الله خير من يبرز ذاكرة الأمة ورصيدها الحضاري باعتبارهم الكاشف عن حقيقة ذاتها وطاقاتها لبعث جديد للقيم في نفوس أبنائها وبناتها، والمضي لمعالم طموحاتها وآفاق مستقبلها وكما قيل: مكانة الشوامخ لا تقاس بالأجسام والأشكال ولكن تقاس بالأخلاق والفعال والأعمال ومكارم الطباع، وصدق الله العظيم إذ يقول: "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" [سورة النحل، الآية: 128].
وختاما أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا أن يهدي فلذات أكبادنا سبل السلام، وأن يجنبنا وإياهم التواكل والآثام، وأن يغفر لنا ولمشايخنا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، وأن يدخلنا فسيح جناته إنه سميع مجيب، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين آمين والحمد لله رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.