وما نبل وقوة هذه المحبة إلا لكونها فرعا عن أصل محبة الله عز وجل، فهي لوجه الله سبحانه، في اعتقاد جازم أن المعطي هو الله جل وعلا، والكافي هو الله سبحانه، والواهب هو الله عز وجل، فيكون المحب لله مستغنيا به عمن سواه، محبا لمحبوبه في الله غير ناظر إناه، مستحييا من الله تعالى أن يسأل غيره شيئا، وهي وصية سيد الخلق عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما: "يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟"، فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: "احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْه، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" [مسند أحمد بن حنبل، رقم الحديث: 2699]. هذا عن المحبة بين المخلوق والمخلوق، أما محبة العبد ربَّه فهي الأنبل، والأسمى والأصدق، إذ محبة الله تكون لأنه سبحانه أهل لذاك، وتترسخ لأن العبد المحب لربّه، يدرك في نفسه أنها مدد لا يغيض. وقول الشيخ رضي الله عنه: "فإن المحبّ من يبذل لك، ليس المحب من تبذل له"؛ مفاده أن المحب المنجذب نحو محبوبه لا يرنو إلى شيء ينوبه من محبوبه أكثر من قربه ورضاه، إلى درجة أن البذل للمحبوب مع تقبله يعتبر من أعظم الأمور الجالبة للسعادة والاغتباط، فأعظم البذل بالنسبة للمحب هو إقبال محبوبه عليه ورضاه عنه. وهو ما عبرت عنه متيمة الحب الإلهي رابعة العدوية، بقولها رضي الله عنها: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب والله المستعان الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء