على هامش مقال الأستاذ عبد اللطيف وهبي الخيارات الدستورية للملك أم الدستور المفترى عليه على عادة صديقي النائب المحترم الأستاذ وهبي عبد اللطيف في إتيانه باجتهادات غريبة وقراءات خاصة به للدستور كلفت المعارضة السابقة خسائر متتالية في الطعون التي قدمتها فيما يخص عدد من القضايا ذات الصِّلة بالإطار الدستوري والقانوني للعمل التشريعي ولائحتها طويلة، طلع علينا الأستاذ المختص في المرافعات الدستورية الخاسرة مسبقا من جديد في " شطحة دستورية " ، تنضاف الى عدد آخر من " الشطحات " التي طلع بها " خبراء دستوريون " مزعومون ، وصحفيون لا علاقة لهم بقريب أو من بعيد ب"الفقه الدستوري " لقد وجد البعض منهم ضالته في الفصل 42 وطالبوا بالتدخل والتحكيم الملكي فأفتى بتعيين شخص ثاني من الحزب المتصدر وبعضهم بالقفز إلى الحزب الرابع ، بينما تفتقت عبقرية البعض الآخر منهم على الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وكأننا في أزمة أو أوضاع استثنائية تهدد استقرار وسير البلاد ومؤسساتها !! القاسم المشترك بين هذه الدعوات، هو التنظير لمحاولة انقلابية على منطوق وروح الدستور وإفراغ العملية الانتخابية وأصوات المواطنين من أي محتوى، ليس فقط من خلال التهرب من المقتضيات الواضحة المحكمة للفصل 47، ولكن أيضا من خلال القفز على تفسير خطاب 17 يونيو 2011 للفصل 47 وتأويل عملي وتنزيل ديمقراطي لهذا الفصل أي غداة انتخابات 2011، ثم بعد الانتخابات الأخيرة لأكتوبر 2016 ، وثالثا خلال الأزمة التي عرفتها الحكومة السابقة، حين التمس أحد مكوناتها المنسحبة من الحكومة التحكيم الملكي إعمالا لمقتضيات الفصل 42، الذي أصبح في الآونة الأخيرة يشكو ظلم بعض العباد الذين انتصبوا ل" الفتوى الدستورية " إلزام وهبي بلازم مقدمته ومدخله للخوض في المسالة و تعقيبا على ما ذهب إليه الأستاذ وهبي يتعين تسجيل الملاحظات التالية : أولا : نسجل على السيد وهبي نفسه ما سجله على غيره حين صرح قائلا بأننا " نعيش اليوم أمام حالة سياسية خاصة، حاولت كل جهة القيام بتفسير للفصل 47 من الدستور حسب هواها أو حسب ما تسعى نحوه، خاصة وأن الفقهاء الدستوريين يعتقدون أن وجود أي إشكال في نص دستوري والتوجه نحو تغييره لا يعود فقط إلى اختلافات في النظرية الحقوقية بقدر ما يعود إلى التقديرات السياسية للفاعلين، مما يطرح سؤالا حول مدى اتسامهم بالنضج والنظرة إلى المستقبل حتى يكون التفسير ليس صادرا عن سياسي ذي مصلحة ذاتية وآنية، ولكن عن رجل دولة يساهم في تأسيس الدولة للحاضر والمستقبل." طيب !! إننا نوجه نفس السؤال للسيد وهبي فيما يتعلق بقراءته للفصل 47 وسعيه لاستنباط "نظرية دستورانية جديدة" من خلال ربطه بالفصل 98 : هل يستطيع السيد وهبي أن يزكي نفسه ويختص بوصف " رجل الدولة " و أن يبرئ نفسه من الهوى السياسي، أم أنه ملزم بلازم قوله وتساؤله، ؟؟ ماذا إذا طبقتا عليه ما ينعته بقراءات غيره وتساءلنا مدى اتسام قراءة وهبي بالنضج والنظرة الى المستقبل،؟؟ وإن تفسيرك – أخي وصديقي وهبي- ليس صادرا عن سياسي له مصلحة ذاتية وآنية ،؟ كيف تريد أن نسلم لك بما لم تسلم به لغيرك حين اعتبرت أن تفسيرهم ليس تفسير" رجل دولة يساهم في تأسيس الدولة للحاضر والمستقبل!!! وإذا أردنا أن نوظف نظرية تنازع المصالح في حالتك ، أمكننا أن ننزع عنك صفة الحياد وصفة "الدستوراني "النزيه المحايد الذي يفكر في مستقبل الدولة، لسبب بسيط أن لك ولحزبك مصلحة مباشرة في لي عنق النص الدستوري وإفراغه من محتواه الديمقراطي وإفراغ الإرادة الشعبية المعبرة عنها من خلال الانتخابات من محتواها !! خاصة مع وجود قرينة ترتيب زعيمكم لمؤامرة انقلابية كانت تروم بالمناورة السياسية تحقيق نفس النتيجة التي تسعون اليها من خلال لي عنق النص الدستوري !! على الأقل إذا كنّا نفسر الدستور حسب مصلحتنا فنحن مسنودون بتصدرنا لانتخابات راهن على تصدرها حزبكم ، وجند لها وجندت معه كل الوسائل لتفشل في النهاية ؟ فأينا أقرب لتفسير الدستور بناء على هواه ، من يشهد له الدستور نصا وروحا وعرفا ترسخ من خلال تعينين ملكين ودعما منه لتشكيل أغلبية جديدة في منتصف الولاية ؟؟ إقحام متعسف لإمارة المؤمنين والاحتجاج على الحزب بمرجعيته أكثر تعسفا وخفة !! ثانيا : إذا تأكد ما سبق وهو مؤكد لكل ذي عقل وبصيرة ، فان غياب الحياد ووجود المصلحة والهوى جعلا السيد وهبي ينطق بكلام مهزوز ومثير للشفقة، خاصة حين أقحم صفة إمارة المؤمنين في النقاش وافترض افتراضا يدل على ضحالة منطقية وفقهية في الاستدلال، إن الملك يمكن أن يتدخل بصفته أميرا للمؤمنين حين تساءل قائلا : "وعليه كيف ما كان قرار جلالة الملك في تفسيره للفصل 47 فإنه سيكون تفسيرا تستحضر فيه صفة إمارة المؤمنين لاستحالة الفصل، وهذه السلطة من المفترض أن تكون مصدرا من مصادر سلطة الإمارة، ‘ والأنكى من ذلك أن يعتبر وهبي " هذا الموقف يساير موقف ومرجعية الأحزاب "الإسلامية" اتجاه ولي الأمر " !!!!! وهو رجوع إلى مقتضيات الفصل 19 من الدستور السابق والى الروح التي كانت تسكنه، هو تهرب من الصفة الدستورية إلى الصفة الدينية وكأن الحزب الأول الذي تصدر الانتخابات قد خرج عن " الجماعة " كما وصف الحسن الثاني رحمه الله الاتحاديين ذات يوم. وتكفي هذه كي يثبت التخبط والهوى والتلفيق بدل التوفيق كما يزعم السيد وهبي !! وللإشارة فان جلالة الملك الذي يسعى وهبي أن يستدعي فيه الصفة الدينية، قد حسم هذا الامر بوضوح في الخطاب التاريخي ل 17 يونيو 2011 حين أكد على الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الحكومة، حيث قال جلالته: "وفي هذا الصدد، سيتم الارتقاء بالمكانة الدستورية "للوزير الأول" إلى " رئيس للحكومة"، و للجهاز التنفيذي، الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، تجسيدا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر." واللافت للنظر أن الخطاب الملكي لم يشر إلى كلمة "على أساس نتائجها " على اعتبار أنها مكملة للفقرة الأولى وشارحة لها وليست نافية آو متعارضة معها، حيث إن القراءة الأسلم التي ذهب إليها بعض الفقهاء والتي تتناسب مع روح ونص الفصل 47 تقول إن مقصود المشرع الدستوري هو في الحالة التي يتصدر فيها حزبان نتيجة الانتخابات بالحصول على نفس المقاعد فتكون النتائج أي أن عدد الأصوات هي الفيصل الحاسم في ذلك ولم لا عدد المقاعد التي تم الحصول عليها بالقاسم الانتخابي والمقاعد التي تم الحصول عليها بأكبر البقايا.!! عن أي تناوب يتحدث السيد وهبي ؟؟ لكن السيد وهبي يقترح فهمًا آخر ينسف الحمولة الديمقراطية لنفس الفصل نسفا، ويعيد إلى الأذهان المحاولة الانقلابية ليوم 8 أكتوبر التي كانت تهدف لتشكيل أغلبية خارج الحزب المتصدر، وهنا يضبط متلبسا ب" الهوى السياسي " حين يقول ويقرر: " أفلا تعني هذه الجملة نوعا من التناوب في التعيين وفي قيادة الأغلبية؟ أي أن الامتياز الذي للحزب الأول مرهون بالأسبقية في التعيين وليس في الوجود أو عدم وجود الأغلبية أصلا. " ليصل إلى بيت القصيد وهو نسف الفصل 47 المحكم من خلال قراءة "مشبوهة " في مقاصدها لفصل لا علاقة له بسياق قواعد تشكيل الحكومة، بل بعلاقة الملك بالسلطة التشريعية وسياق حل البرلمان الذي يترتب عليه الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها حيث يغامر السيد وهبي بتفسير متعسف وغريب قائلا : " إن الفصل 98 جعل لهذه الأغلبية وجودا وشرعية دون ربطها بالحزب الأول، مما يجعل تأسيس الأغلبية وفق الفصل 98 مجالا مفتوحا يلزم فيه رئيس الدولة بالبداية فقط "أي إلزامية تكليف الحزب الأول بداية دون غيره"، وأنه فقط " أشار إلى الأغلبية بشكلها الواسع ودون ربطها بالحزب الأول، أي أنه يمكن أن نتصور إمكانية وجود أغلبية بدون الحزب الأول، أي أن الفصل 98 ينص على حالة الاستحالة المادية المطلقة لإنشاء الأغلبية." تصوروا معي حزبا يحصل في مجلس النواب على الأغلبية المطلقة ناقص نائب أو نائبين ، وتجتمع عدة أحزاب لم يتمكن بعضها من الحصول على العتبة اللازمة لتشكيل فريق ، ليتحول الحزب الذي صوت له المجتمع بكثافة إلى حزب في المعارضة !! عن أي تأويل وأي ديمقراطية يتحدث السيد وهبي ؟! الفصل 98 لا يسعفك في تأويلك المتعسف !! والواقع أن التأمل في الفصل 98 لا يسعف السيد وهبي في تأويله المتعسف، بل يؤكد أنه نص مغلق أمام أي تأويل من قبل تأويل صاحبنا كما يدل على ذلك سياق ورود النص، أي سياق علاقة الملك مع السلطة التشريعية وسياق حل مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، حين يتضح استحالة تشكيل أغلبية كما يتضح من خلال عنوان الباب وفصوله حيث أن الفصل 98 ورد في باب يوضح العلاقة بين السلط والعلاقة بين الملك والسلطة التشريعية، ولم يرد في سياق الفصول التي تحدد قواعد تشكيل الحكومة وهي القواعد الواردة في الفصل 47 لقد نص الفصل 95 مثلا على طلب الملك قراءة ثانية من المجلسين لمشاريع ومقترحات القوانين : "للملك أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون. تُطلب القراءة الجديدة بخطاب، ولا يمكن أن ترفض هذه القراءة الجديدة." وحيث نص الفصل 96 على مقتضيات حل المجلسين أو احدهما " للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، أن يحل بظهير المجلسين معا أو أحدهما. يقع الحل بعد خطاب يوجهه الملك إلى الأمة." وحيث نص الفصل 97 على ضرورة انتخاب البرلمان أو المجلس الجديد في ظرف شهرين على الأكثر من تاريخ الحل – الفصل 95 ورد في سياق بيان الشروط التي قد تدفع لحل البرلمان أو أحد المجلسين، في هذا السياق وردت الإشارة إلى تعذر تشكيل الأغلبية ، علما أن الفصل المذكور لا يتيح سوى باب واحد إذا تبين تعذر تشكلها ألا و هو الدعوة لانتخابات جديدة، وليس كما استنتج السيد وهبي البحث عن أغلبية أخرى السياق : إذن هو سياق الحل وليس سياق وضع قواعد تشكيل الحكومة، ومن لم يأخذ بعين الاعتبار هذا السياق وادعى التوفيق والقراءة التكاملية ، فإنما هو ممتهن للتلفيق وإسقاط هوى سياسي على نص دستوري ، وهو عين ما عابه وهبي على مخالفيه !! كل ذلك مما أشرنا إليه يبدو واضحا في نص الفصل 97 وفي سياق وروده، حيث يقول الفصل المذكور: " إذا وقع حل أحد المجلسين، فلا يمكن حل المجلس الذي يليه إلا بعد مضي سنة على انتخابه، ما عدا في حالة تعذر توفر أغلبية حكومية داخل مجلس النواب الجديد" وكان الأولى لو كان السيد وهبي صادقا في ادعاء الاجتهاد الفقهي الدستوري المنزه عن الهوى الدستوري أن يذهب هذا المذهب وينأى بنفسه عن القراءة التلفيقية والتعسفية للنصوص الدستورية أي أن يستخلص قاعدة دستورية تقول : إن تعذر تشكيل أغلبية يقود حتما إلى انتخابات سابقة لأوانها ، وليس إلى البحث عن أغلبية جديدة شأنه شأن كل الدواعي الأخرى التي تقود إلى حل البرلمان أو أحد مجلسيه !! المسألة الثالثة: وإن مما يدل على التوفيق المشار إليه هو تأويله المتعسف للفصل 47 من الدستور ، هذا الفصل وضع – حسب وهبي -شرطين منفردين في عملية تعيين رئيس الحكومة وهما: أولا: أن يكون من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب. ثانيا: وعلى أساس نتائجها ، كي يصل إلى نتيجة متعسفة قوامها أن لا يتعين اختزال الفصل 47 من الدستور في الشرط الأول، أي في الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات فقط فحسب السيد وهبي ينبغي أن لا نغض الطرف على الشرط الثاني، الذي لم يضعه من وضعوا الدستور اعتباطيا ولا يمكن اعتباره من الحشو أو تحصيل حاصل، بل إن الدستوريين حينما صاغوا هذا النص. هذا الشطر الثاني حسب وهبي ويمكن تفعيله كمدخل ثان عندما تطرح قضية تشكيل الحكومة. يجازف السيد وهبي بطرح قراءة تتعارض مع المنطق الديمقراطي المحكم في الفصل 47 ويقدم تفسيرها لكلمة "وعلى أساس نتائجها " يتماشى مع هواه ، ووسائله ما الذي منع المشرع الدستوري من التصريح بالعدول عن الحزب الأول إلى غيره علما أن لجنة المنوني كانت قد تلقت اقتراحات من طرف هيئات سياسية من أجل التنصيص في الدستور على إمكانية منح الحزب الثاني في الانتخابات تشكيل الحكومة إذا فشل الحزب الأول في أجل لا يتجاوز شهرين ولم تعتمدها وعلما أن القراءة الأسلم التي ذهب إليها بعض الفقهاء والتي تتناسب مع روح ونص الفصل 47 تقول إن مقصود المشرع الدستوري هو في الحالة التي يتصدر فيها حزبان نتيجة الانتخابات بالحصول على نفس المقاعد فتكون النتائج أي أن عدد الأصوات هي الفيصل الحاسم في ذلك ولم لا عدد المقاعد التي تم الحصول عليها بالقاسم الانتخابي والمقاعد التي تم الحصول عليها بأكبر البقايا.!! ختم في مقال " وهبي "ينسفه من أساسه، شأنه في ذلك شأن مدخله !! يختم السيد وهبي فتحه المبين من جديد بدفع يؤدي اعتماده إلى إسقاط مرافعته الفاشلة والمهزوزة كاملة قائلا " التعامل مع الفصل 47 بنوع من البراغماتية الحزبية الضيقة هو ضرب للعملية الدستورية كلها، وإلغاء للقاعدة التي نص عليها الفصل 98 كذلك ما لجلالة الملك من مكانة ودور وفقا للفصل 42 من الدستور." والواقع أن ليس هناك من برجماتية حزبية أبشع في مجال البراغماتية تضرب العملية الدستورية كلها وتفرغها من محتواها الديمقراطي أكبر من " فتوى " السيد وهبي كما تبين بالدليل الملموس ! . وهل هناك ما هو أبشع من ضرب العملية الدستورية من إفراغ الانتخابات من دورها باعتبارها قاعدة لشرعية التمثيل الديمقراطي كما ورد في الفصل 11 من الدستور الذي أكد أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي ؟ هل هناك من شك أن السيد وهبي يسعى من خلال لي اعتناق النصوص الدستورية أن يدفع الانقلاب على شرعية صناديق الاقتراع وتشكيك المواطنين على غرار ما قاله زبناء بائع البذور كما قرانا في كتب بوكماخ الذين جاءوا بعد مدة يشتكون قائلين : زرعنا جزرا فنبت فجلا وزرعنا قمحا فطلع لنا طلحا " ؟ ليس هناك من شك أنها محاولة "فقهية " لا تختلف عن فقه " الياس " الذي اقترح مراسلة ملك البلاد بشأن الفصل 47 من أجل تفعيله بالشكل الذي يسمح بتكيف الحزب الثاني في حال فشل الحزب الأول!.