"ارتداد، نكوص، ردة" تلك مفاهيم من بين أخرى وصف بها العديد من المتتبعين والفاعلين السياسيين بالمغرب، النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بن كيران، التي ستثير لا شك زوبعة من الردود والانتقادات بسبب ما حملته في طياتها من رسائل، رأى فيها الكثيرون مؤشرات قوية للتراجع عن المسار الديمقراطي، وعودة المخزن للسيطرة على أهم الحقائب في حكومة بن كيران. فمن الوهلة الأولى، لمسة السير فؤاد عالي الهمة، المستشار المفضل للملك محمد السادس، تبدو واضحة للعيان في الطبعة الجديدة لحكومة بن كيران، حيث نجح في إعادة الأمور لسكتها المعهودة، ووسع فيها حضور الأسماء القريبة من السلطة أو التي تلبس عباءة أحزاب قريبة منها، في إشارة قوية إلى سد القوس الذي فتح إبان أحداث الربيع العربي وحراك 20 فبراير. حزب رئيس الحكومة هو أكبر الخاسرين في التشكيل الجديد للحكومة، في مقابل انتصار كبير لرئيس التجمع الوطني للأحرار وحزبه، الذي حظي بعدد أكبر من الحقائب الوزارية التي كان يشغلها حزب الاستقلال، الأمر الذي يبقى طبيعيا في أي مفاوضات لترميم أغلبية حكومية ما. فحزب الأحرار في الحقيقة ليس هو أكبر الفائزين في الحكومة الجديد لرئيسها عبد الإله بن كيران، بل إن أكبر الفائزين هو حزب التكنوقراط أو وزراء المخزن، فهذا التكتل حقق قفزة كبيرة في النسخة الجديدة من الحكومة، إذ تضاعف عدد وزرائه ليصبح 9 بدل 5 في النسخة الأولى، بنسبة تمثيلية بلغت 23 %، مباشرة بعد حزب العدالة والتنمية بنسبة 28%، مع تسجيل نقطة هامة هي عودة وزارة الداخلية إلى حضن الدولة. أم الوزارات التي أسندت لمسؤول حزبي في حكومة بن كيران الأولى، تعد حكومة داخل الحكومة بسبب الصلاحيات الواسعة التي تحظى بها والمجالات التي تعمل على تدبيرها، بالإضافة إلى رمزيتها في هرم السلطة بالمغرب، شكلت عودتها ل"دار المخزن" مؤشرا دالا على عودة المغرب إلى عهد ما قبل 20 فبراير 2011، إذ ينتظر أن تباشر حكومة الظل من خلالها على بسط نفوذها وشل كل المبادرات والمشاريع "الإصلاحية" التي تنوي حكومة بن كيران الخوض فيها.