بعد هدوء غريب ساد ميدان "الصراع الطبقي" لأكثر من عامين، انتفض زعماء المركزيات النقابية "الأكثر تمثيلا" الأربعة، "الاتحاد العام للشغالين بالمغرب" و"الاتحاد المغربي للشغل" و"الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" و"الفدرالية الديمقراطية للشغل"، واجتمعوا ليقرروا أنه لابد من التصدي لسياسة حكومة بنكيران، اللاشعبية والتي تضر بمصالح الطبقة العاملة وعموم الطبقة الكادحة، والتي"تحاول"، هكذا قالوا، ضرب القدرة الشرائية للمواطن. وقبل هؤلاء اجتمع أربعة أخرون من قادة أحزاب المعارضة "الأكثر تمثيلا" كذلك، وهي أحزاب "الاستقلال" طبعا و"الاتحاد الاشتراكي" و"الأصالة والمعاصرة" ومعهم "الاتحاد الدستوري". هؤلاء القادة اجتمعوا بدعوى الرغبة في إسقاط قانون المالية في مجلس المستشارين.وكذلك قصد التصدي لأسلوب بنكيران في الحكم. والغرابة في انتفاضة الثمانية هؤلاء، هو أن الجميع كانوا شركاء في الالتفاف على مخاطر رجة الربيع العربي في نسختها المغربية، والكل نال حظه من الغنيمة، مع أن حركة 20 فبراير أطلت على الساحة من خارج جميع هاته الأشكال التنظيمية. الآن والآن فقط انتبه أركان المعارضة الحزبية والنقابية، أنه لابد من التكتل لمواجهة خيارات حكومة بنكيران "اللاشعبية" ولا بد من صد محاولة "ضرب القدرة الشرائية للمواطن". مع أن مسلسل الزيادات في تكاليف المعيشة بدأ من أول يوم للحكومة واستمر ولا يزال، وأرقام المندوبية السامية للتخطيط والتي تحولت بدورها إلى "حزب" معارض للإسلاميين الحاكمين، كلها سوداء ومنذ عهد بعيد، كل ذلك حدث والساحة هادئة إلا من بعض المناوشات الفارغة بين القادة الحزبيين. فهي إذن انتفاضة مدروسة، هدفها الالتفاف ومن جديد على ما توقعه دارسون مغاربة وأجانب، من أن عام 2014، سيكون ساخنا وعام احتجاج شعبي على هزال حصيلة تجربة ما بعد حركة 20 فبراير، وتفاقم الأوضاع الاجتماعية أكثر مما كان عليه الحال قبل ذلك التاريخ. بمعنى أن ما قام به بنكيران من أدوار تتجلى في امتصاص الموجة الإسلامية التي كانت ظاهرة الربيع العربي، تقوم به المعارضة الحزبية والنقابية بأسلوبها المعهود والمعروف في علم السياسة. فلا أحد ينكر أن المعارضة لم تعد من عوامل تهديد النظام السياسي من خلال قيادتها وتأطيرها للاحتجاج الشعبي، بل هي من عوامل استقراره. كيف ؟ فالمعارضة تقوم في مرحلة أولى بتبني المطالب الشعبية والتي تكون ضغطا على النظام السياسي، ثم تستغل موقعها القانوني للتفاوض باسم تلك الفئات الواسعة، وتحصل مفاوضات ومساومات وتوقع اتفاقات، ثم يتحول قادة الاحتجاج هؤلاء، إلى حكماء وواقعيين يقنعون القواعد والأتباع والمتعاطفين، بأن ما تحقق هو أقصى ما يمكن، وأن المعركة كانت ناجحة. هذا الدور قام به بنكيران بامتياز بشعبويته المعروفة، وهونفس الدور الذي لن تخرج عن إطاره هذه الانتفاضة التي نرى. فالمخزن المغربي يتميز بقدرة فائقة على احتواء كل المخاطر التي يتعرض لها النظام السياسي المغربي، بل وبقدرة فائقة حتى على استباق المخاطر واحتواءها. فبنكيران حتى لا ننسى، وقد قالها بلسانه، أنه ومنذ تأسيس حركة 20 فبراير وحتى تنصيب حكومته، كان دائم التردد والاتصال بكبار مسؤولي الدولة. فهو كان قد رسى عليه اختيار الدولة منذ عهد مبكر ليكون "المخلص" من "الخطر الإسلامي" الذي حملته رياح الربيع العربي إلى الأنظمة العربية. الآن يمكن أن نفهم جيدا أننا أمام دور استباقي جديد تقوم به المعارضة ودراعها النقابي، لتجنيب النظام السياسي مخاطر احتجاجات منتظرة، على ضوء ما توقعته تقارير دارسين من الداخل والخارج. وبطبيعة الحال للدولة معلوماتها وتوقعاتها وأجهزتها المختصة، وفي كل الأحوال فإن توالي الزيادات في تكاليف المعيشة وسوداوية أرقام مندوبية التخطيط، لا يمكنها إلا أن تكون علامات على تهديد يمس الاستقرار. والنتيجة هي أنه مثلما بنكيران يقدم بنكيرا نفسه وحزبه كقربان لخدمة الاستقرار الذي هددته حركة 20 فبراير، كذلك قادة الثمانية، فهم يقومون بنفس الدور ألا وهو احتضان ما يهدد الدولة من احتجاجات غير مؤطرة تهددها، فلا شيء يحدث خارج السيطرة، في مملكة لا تسمح بوقوع ما لايكون خارج السيطرة.