مباحثات بين بوريطة ونظيره الكوري تهدف إلى ضخ دينامية جديدة في علاقات التعاون بين البلدين    المغرب – كوريا: بيان مشترك حول إطلاق مباحثات استكشافية لإرساء إطار قانوني للتجارة والاستثمار    القافلة الطبية للتعاضدية العامة تصل محطتها الأخيرة ببوجدور    آيت طالب يبرز دور التحول الرقمي في تحقيق السيادة الصحية بإفريقيا    برشيد: غموض يكتنف قضية نفوق رؤوس الأغنام بجماعة المباركيين    أحمدي نجاد يترشح للانتخابات الرئاسية بإيران في انتظار قرار مجلس صيانة الدستور بشأنه    "الخالدون" و"آلة الفوز".. الصحف تتغنى بتتويج ريال مدريد ملكاً لأوروبا للمرة ال15    الجيش الملكي يواجه المغرب التطواني لحسم اللقب    الفتح واتحاد طنجة وجمعية سلا والمغرب الفاسي إلى نصف نهائي القسم الممتاز لكرة السلة    الفيفا تتفقد ملاعب اسبانيا المرشحة لاستضافة مونديال 2030    تحقيقات أمنية في طنجة تكشف جريمة دفن جثة في جدار منزل    الدار البيضاء.. إحباط محاولة تهريب ثلاثة أطنان و900 كيلوغرام من مخدر الشيرا    آيت ملول.. توقيف سيدة يُشتبه تورطها في انتحال صفة ومزاولة مهنة ينظمها القانون    انطلاق أعمال القمة الدولية لريادة الأعمال ونهائي برنامج الإيسيسكو لتدريب الشباب بمجال التكنولوجيا    مسؤول: نأمل أن يتم تسريع وثيرة دراسات مشروع تّحلية مياه البحر لإنقاذ سقي 10 آلاف هكتار بتارودانت (فيديو)    عملية النصب بواسطة "الشيكات المنقوشة" تستهدف تجار جملة بالبيضاء    السعودية تستضيف بطولة العالم للراليات لأول مرة في تاريخها "    الملك يشيد بالصداقة المغربية-الإيطالية    مطالب للسلطات بعدم السماح لسفينة أسلحة متجهة إلى إسرائيل بالعبور عبر المياه المغربية    رغم الجفاف.. ارتفاع صادرات المغرب من الماء    صحيفة اسبانية: المغرب يستورد مزيدا من الأغنام الإسبانية وأسعارها تتراوح ما بين 2200 و4400 درهم حسب العينات (فيديو)    أبطال أوروبا.. أنشيلوتي سيد المسابقة القارية من دون منازع    الطالبي العلمي يمثل الملك في حفل تنصيب رئيس السلفادور    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    الاكتظاظ بجامعة تطوان على طاولة ميراوي    أمير قطر يصل إلى العاصمة الإماراتية    الجزائر تستغل ولايتها في مجلس الأمن لاستهداف مصالح المغرب    من هو محمد الشرقاوي الدقاقي المدير العام الجديد ل"لوطوروت"؟    من هو طارق حمان المدير العام الجديد للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب؟    كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية بالقمامة والقاذورات    99 مليون مكسيكي يختارون أول رئيسة    تفاصيل جديدة حول الباخرة الاثيوبية بالجرف الأصفر.. 9 ساعات إنقاذ ومروحية قادمة مراكش كانت حاسمة في عملية الإنقاذ    خطوات مهمة يجب اتباعها إذا تعرض حساب بريدك الإلكتروني للاختراق    بعد استبعاده من قائمة المنتخب.. عبد الحميد يكشف تفاصيل حديثه مع الركراكي    لقاء يستعرض دور الأسرة في السياسات    اليمين المتطرف الأوروبي والتقارب المتزايد مع إسرائيل    رحلة العائلة المقدسة: المسيح في مصر بين المصادر الدينية القبطية وخيال الرسامين الأجانب    ريال مدريد بطلا لدوري أبطال أوروبا للمرة الخامسة عشر في تاريخه    تشيلي تنضم إلى جنوب إفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية    طنجة.. سيارة تدهس شخصا وسط البولفار وترديه قتيلا    منظمتان تهتمان بتعزيز الحكامة الرقمية    الفلامينغو يمتع جمهور "باب الماكينة"    بلقيس تصور كليب لخامس أغنية لها باللهجة المغربية بتطوان    فاطمة الزهراء قنبوع تكشف رغبتها بتعلم الريفية: "كنحماق على الريافة، وكنموت على الريف"    تحكي جزءا من قصتها.. دنيا بطمة تصدر أغنية "مطلقة"    إحياء لأعمال محمد عبد الوهاب ووردة بدار الأوبرا المصرية    افتتاح معرض ضخم للرسم على الجدران وسط موسكو    "المهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع" بتونس    الأمثال العامية بتطوان... (613)    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الحاجة إلى التفكير الفقهي الحضاري!
نشر في اليوم 24 يوم 12 - 03 - 2023

إذا كان إلحاقُ الرّحمة بالعالَمين مِنْ مقاصد الوحي الرئيسة؛ فإنَّ منْ مستلزمات ذلك أن تكونَ البِنيةُ الداخلية لنصوصِ الوحي قادرةً على "توليد" نماذج معرفية تَهدي الإنسانَ للتي هي أقوم. وتتمُّ عمليةُ الاهتداء إلى هذه النماذج عَبْرَ مسلَكَي "الاستنطاق والتثوير"؛
يقول الإمام علي رضي الله عنه: (ذلك القرآن فاستنطقوه)، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ثَوِّروا القرآن).
وإذا كانت علاقة العلماء والمثقفين المسلمين بنصوص الوحي مبنية على تثويرها واستنطاقها من أجل جعلها تتفاعل مع تحولات الواقع والمجتمع؛ فإن هذا المسلك سيقود إلى إنتاج فقهٍ حضاريٍّ يُغطي كافة مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية…
لكن لابد قبل ذلك من الوعي بطبيعة العلاقة القائمة بين ما سمّيناه بالفقه الحضاري وبين ما يمكن تسميته بالتفكير الفقهي الحضاري؛ فلا يمكن إدراك الأول بدون الوعي بالثاني. فالفكر نتاج عملية تفكير، والفكر الفقهي الحضاري نتاج تفكير فقهي حضاري يجعل من مساحات الوحي في القرآن والسنة (دون التمييز بين آيات الأحكام وغيرها) منطلقا لإنتاج هذا النمط من الفقه.
يقتضي التفكير الفقهي الحضاري النظرَ إلى المدارس الفقهية الحضارية المختلفة ليس باعتبارها جزرًا معزولةً لا يربطها رابط، وإنما باعتبارها أجزاءً من تشكيلةٍ حضاريَّةٍ واحدةٍ هي الحضارةُ الإسلامية تُعبر عن التنوع الذي عرفته التجربة الحضارية الإسلامية.
صحيح أن الالتزام بمذهب معيّن أمرٌ مطلوب لتجنّب السقوط في التلفيق بين الآراء الفقهية المختلفة؛ لأن هذه الآراء نتاج مناهج أصولية محكَمة؛ وبالتالي فإنه يستحيل الجمعُ بين المناهج المختلفة؛ فينبغي عدمُ استنزاف الجهد من أجل الانتصار لرأيٍ فقهيٍّ معين ونقض الآراء الأخرى، وألا يكون هذا المسلكُ من الشواغل المحورية للعقل الإسلامي المعاصر.
ومن مقتضيات التفكير الفقهي الحضاري أيضا توسيع نظرتنا لتراثنا الفقهيِّ الإسلامي، والنظر إليه ليس بكونه مادّةً لممارسة العبادات وإنما بكونه جانبًا مُهمّا يُعبّر عن الثراء والتنوع الذي عرفته التجربة الحضارية الإسلامية، كما يُعبر عن طريقة اشتغال العقل الفقهي الإسلامي.
وفي هذا السياق لن يستقيم عملُ الفقيه المسلم ولن يؤدي إلى إدراك المراد دون الاستفادة والاسترشاد بعمل أصحاب التخصّصات المعرفية المختلفة؛ بل لا يستطيعُ الفقيه الاستغناءَ عن عمل أصحاب هذه التخصصات وقراءاتهم وفهمهم لأبعاد الواقع المُرَكّب.
ذلك أنَّ الوعيَ بالنوازل والمستجدات بخلفياتها الفلسفية والفكرية والثقافية المختلفة يساعد الفقيه في عملية الاجتهاد الفقهي والعمل الإفتائي والتكييف الشرعي؛ وهو ما يسميه الأصوليون ب"تحقيق المناط".
ومن هنا كان فقهُ المعارف وفهمها، مقدمةً ضروريةً لبناء معرفة بل معارف فقهية وفقه حضاري يتسم بكثير من الدقة والعمق والاتساق والواقعية.
لكن يجب في هذا الصدد الإشارة إلى نقطة غاية في الأهمية؛ وهي أنه إذا كان أي ُّعلم من العلوم له مبادئ وضوابط ومنهج يسترشد به ويوجهه، فكذلك التعامل مع نصوص الوحي أو سميناه بالتفكير الفقهي الحضاري الإسلامي ينضبط بضوابط ومبادئ ومنهج، وليس مجالا مشرعا على كل المبادئ والمناهج التي لا تناسب منطقه وبنيته ونسقه.
إنَّ العلومَ الإسلامية (خاصة عِلمي أصول الفقه والمقاصد) ظهرت من أجل ضبط التعامل المباشر مع النصوص وترشيد حركة الاجتهاد… لكن دار الزمانُ فوجدنا من يملك مقدرةً على استعمال هذه العلوم لاستنباط الحكم ونقيضه، ولبناء موقف وخلافه!
وغالبا ما يتمّ توظيفُ "دلالة السياق" توظيفا غير سليم من أجل الانتقال من حكم لآخر، والعبور من موقف لآخر.
وبهذا المسلك تفقد هذه العلوم روحها والدواعي التي تحكّمت في ولادتها، فنكون بذلك أمام علوم سائلة تترتب عليها فوضى فقهية!
ربّما نحن اليوم بحاجة إلى فهم الآليات التي أنتجت هذه الفوضى، وإلى علوم جديدة لضبط العلوم القديمة علّنا نتجنب الفوضى في بناء المواقف واستنباط الأحكام الفقهية!
إن هذه الفوضى هي التي جعلت "العقل الإسلامي" يعيش تِيهًا وارتباكًا في تعاطيه مع الواقع السياسي المعاصر وفي اتخاذ المواقف "الشرعية" المناسبة من الأحداث التي يعرفها هذا الواقع!
فإذا أخذنا على سبيل المثال قيمةَ الانتصار للعدل ورفض الظلم والتعاطفَ مع المظلوم ونصرتَه فسنجد أنه لا نقاش في كونها واجبًا شرعيًّا وأخلاقيٌّ ومن المرتكزات الأساسية ل"العقل الإسلامي" في بنائه لمواقفه السياسية المختلفة!
لكن هذا كلام عام يتطلبُ تفصيلا منهجيًّا دقيقًا؛ فمن هو المظلوم؟ وكيف يتحدّد؟ ومن يُحدِّده؟ ما هي معاييرُ المظلوميَّةِ في الواقع المعاصر؟ وما دور الجيوبوليتيك والإعلام في تحديد من هو الظالم ومن هو المظلوم؟ وما أثر موازين القوى في تمييز الظالم من المظلوم؟ وهل هناك حالاتٌ يترجّح فيها الوقوف إلى جانب من ترجّح أنه ظالم. وألا يمكن أن يكون المعيار هو رفض العدوان بغض النظر عن ماهية الظالم والمظلوم؟ وهل تعيين الظالم والمظلوم شأن فردي أم شأن مؤسساتي؟ وهل يجوز الاختلاف حول هذا التعيين؟ وهل يمكن الفصل بين التعاطف مع الشعوب وبين التعاطف مع الأنظمة السياسية؟ أم أن الفصل مستحيل؟ وما أثر "اعتبار المآلات" في تبني موقف معيّن؟…
هذه نماذج من الأسئلة المحورية التي تُعدّ الإجابة عنها مدخلا ضروريًا لبناء موقف أخلاقي وشرعي سليم من مختلف القضايا والنزاعات التي يشهدها العالم المعاصر.
وانعدامُ الدقة في الإجابة عن هذه الأسئلة يجعلُ الموقفَ الإسلامي مبنيًا على العواطف والأهواء وعلى ما يُخطط له الآخرون، وسيجعل العقل الإسلامي (الفقهي) مرتبكًا وتائها.
فالإجابة عن هذه الأسئلة -وغيرها- هي التي ستُفرز معايير منهجية يتم من خلالها بناء موقف سليم من مختلف القضايا.
ولهذا كان "فقه المعايير" عنصرا رئيسا من العناصر التي يتشكل منها "التفكير الفقهي الحضاري" والذي تستقيم به مختلف المواقف؛ خاصة السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.