سافر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى أنقرة لحضور احتفالات تنصيب رجب طيب أردوغان، رئيسا جديدا لتركيا حيث انتخب لأول مرة مباشرة من قبل الشعب، الذي أعطى أغلبية أصواته لحزب العدالة والتنمية 9 مرات بين انتخابات برلمانية ومحلية ورئاسية منذ 12 السنة مضت. سيلتقي رئيس حكومتنا مع إخوانه الأتراك، الذين جعلوا من بلادهم القوة الاقتصادية السابعة في أوروبا و14 في العالم، وتحولوا في أقل من عقد من دولة مدينة إلى دائنة، ومن دولة يحكمها تحالف العسكر مع الفساد، إلى دولة يحكمها المدنيون بتأييد من الديمقراطية.. لابد لرئيس حكومتنا من أن يسأل إخوانه في حزب العدالة والتنمية التركي عن سر هذا النجاح، وعن الوصفة التي نقلت تركيا من حال إلى آخر وجعلت إسطنبول مثلا أكثر المدن استقطابا للسياح في كل أوروبا؟ هذا الذي جرى طيلة 12 السنة: انتقل معدل دخل الفرد السنوي في تركيا من ثلاثة آلاف دولار قبل 12 السنة، إلى 11 ألف دولار اليوم. هذا معناه أن مستوى عيش الناس تحسن بأكثر من ثلاث مرات في ظرف عقد من الزمن. «دخل أكبر يعني مشاكل أقل». الناتج الداخلي الخام انتقل من 200 مليار دولار في السنة قبل عقد من الزمن إلى 900 مليار دولار في السنة اليوم. الحرب مع الأكراد توقفت وجرى الاعتراف بحقوقهم الثقافية، الانقلابات العسكرية توقفت، وأصبح لتركيا صوت يُسمع في واشنطن وبروكسل وبيكين وموسكو والعالم العربي. في مايو من السنة الماضية كنت جالسا ضمن وفد صحافي عربي أمام بشير اتلاي، نائب رئيس الوزراء التركي في مقر الحكومة وسط أنقرة وسألته: السيد اتلاي حزبكم اليوم يتمتع بشعبية كبيرة، رغم مرور 11 سنة على وصوله إلى الحكم. هل لك أن تخبرنا عن سر قوة هذا الحزب، وتحوله من حزب أصولي منبوذ إلى حزب حاكم يتمتع بكل هذه الشعبية في بلاد كانت تعتبر قلعة العلمانية الصلبة: قبل أن يجيب اتلاي عن هذا السؤال، ابتسم وتطلع إلى صورة أتاتورك فوق رأسه وقال: لقد أنجزنا ثورة هادئة في هذه البلاد. أولا، بدأنا ببناء حزب جديد بفكر جديد وصاحب هذا، نقاشات وسجالات فكرية وإيديولوجية معقدة، وسط قادة الحزب حول هوية العدالة والتنمية. وخلص النقاش بين الجناح المحافظ، الذي كان يغلب الجانب الهوياتي والقيمي على تصوره للعمل السياسي، وبين الجناح التقدمي الذي كان يغلب الجانب الديمقراطي في عمله السياسي، خلص النقاش إلى توافق على تعريف الحزب بأنه حزب محافظ ديمقراطي. حزب خدمات، وليس حزبا إيديولوجيا، حزب يقود الشعب نحو الحرية بواسطة المؤسسات الديمقراطية، وليس حزبا عقديا له الوصاية على الناس). وأضاف بشير اتلاي بعد أن تأكد أن الجالسين أمامه استوعبوا سر هذا التحول، وقال: (حزبنا مثل مظلة شمسية parasol)، يتسع لكل راغب في الدخول تحته، لهذا أصبح أعداد المنتمين إليه اليوم حوالي 8,5 مليون تركي، وسطهم 3,5 مليون امرأة، 65 في المائة من البلديات في يد الحزب، (اسمع يا بنكيران، سياسة القرب في البلديات هي التي تصنع نجاح السياسات العمومية في العاصمة). يتابع نائب رئيس الوزراء التركي (كانت هناك عدة جهات وسط الحزب خائفة علينا من التجربة، وكانت عدة أوساط علمانية خائفة منا. لكننا طمأنا الخائفين جميعا، أردوغان كان يقول لنا لا تخافوا من الحرية وثقوا في المجتمع، نحن حزب متعدد الأفكار والأعراق والقوميات تماماً مثل الطيف التركي، ونحن حزب ديمقراطي، ولا يضره الاختلاف والانفتاح على كل أطياف المجتمع، وهذه أكبر نصيحة نقدمها للإسلاميين اليوم، وهم في السلطة أو على أعتابها أو خارجها. ماذا كانت أولوياتكم يوم وصلتم إلى السلطة، سألته مرة ثانية، فأجاب: (الديمقراطية والاقتصاد. منذ اليوم الأول وضعنا قانونا جديدا للصحافة يسمح للشعب بالتعبير عن نفسه، وها أنت ترى ميلاد غابة من التلفزيونات والإذاعات والصحف. كما وضعنا منذ الأشهر الأولى قوانين لدعم الاستثمار. تصوروا قبل مجيئنا إلى السلطة لم تكن الاستثمارات الأجنبية تتجاوز مليار دولار في السنة. اليوم، تستقطب تركيا أكثر من 20 مليار دولار كل سنة. هذه بلاد المهندسين والأطباء وجدناها منكفئة على نفسها، فأطلقنا رجليها من الأصفاد)، لما خرجنا من مبنى رئاسة الحكومة سألت سائق «الباص»، الذي نقلنا إلى الفندق، هل أنت واحد من 8,5 مليون عضو الذين ينتمون أو يتعاطفون مع حزب العدالة والتنمية، ضحك السائق وقال: لا. فسألته هل تصوت على حزب أردوغان، قال: نعم. قلت له ولماذا فقال: (في الانتخابات الأولى لم أصوت عليه. أنا كنت سائق طاكسي وأنتمي إلى نقابة يسارية كانت تصوت تقليديا للأحزاب اليسارية القريبة منها، لكن بعدما أصلحوا طرقات المدينة وحفروا الانفاق ووسعوا الطرق وصار التنقل في أنقرةوإسطنبول سلسا مقارنة مع الاختناق الذي كان في السابق، صوت لحزب أردوغان لأن مدخولي من سيارة الأجرة زاد بعد أن تحررت الطرق من الزحمة، صرت أعمل أكثر وأنقل الناس أكثر). هل نصدق ما قاله بشير اتلاي من أن حزبه، حزب خدمة أولا؟