آيت الطالب يجدد التأكيد على استمرارية الاستفادة من مجانية الاستشفاء بالنسبة للمصابين بمرض مزمن أو عضال    الملك يعزي العاهل السعودي في وفاة الأمير بدر بن عبد المحسن    نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح    الأمم المتحدة: قرار إخلاء رفح للي صدراتو إسرائيل "ماشي إنساني"    قبل مواجهته نادي بركان.. ضربة موجعة للزمالك المصري بسبب 10 لاعبين    نحو 40 في المائة من مجموع قتلى حوادث السير هم مستعملي الدراجات النارية    باستثناء شكايات جمعيات حماة المال العام اللي كيشكو فمصداقيتها.. القيادة الثلاثية للبام حطات شرط صارم لعضوية المكتب السياسي: ممنوع يكون محل متابعة قضائية من طرف مؤسسات الدولة    "البوليساريو" تهاجم الإمارات بسبب الصحراء    إحداث أكثر 2400 مقاولة جديدة على مستوى جهة الشمال مع متم فبراير    الدكيك يحتفل بتصنيف "فوتسال الفيفا"    انخفاض العجز التجاري للمغرب إلى 61.9 مليار درهم    "رايان إير" تطلق خطا جويا بين طنجة وورزازات    القضاء يسجن ضابط شرطة 5 سنوات    بعد دخوله قائمة هدافي الفريق.. هكذا احتفل اشبيلية بالنصيري    مناورات عسكرية موريتانية.. هل هي رسالة للجيش المالي ولفاغنر؟    المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تمول 473 مشروعا باقليم الحسيمة    مرصد يثمن مأسسة الحكومة للحوار الاجتماعي    زيوت التشحيم تجمع "أولى" و"إكسون"    انتقادات تطال وزير الصحة بسبب إقصاء 8 ملايين مغربي من التغطية الصحية    الأمثال العامية بتطوان... (591)    بلاغ جديد وهام من المديرية العامة للضرائب    استعراض تجربة المغرب في مجال مكافحة الفساد خلال منتدى عربي بالقاهرة    لاعبين الزمالك كاعيين قبل الفينال ضد بركان ومدربهم كيحاول يكالميهم    عاجل.. القضاء يعزل رئيس الرجاء محمد بودريقة من رئاسة مقاطعة مرس السلطان    وفاة المقدّم التلفزيوني الفرنسي الشهير برنار بيفو    بسبب تصرفات مشينة وعنيفة.. تأجيل محاكمة محمد زيان في قضية اختلاس أموال الحزب الليبرالي    تطويق أمني بالعاصمة يحول "مسيرة الصمود" لأطباء الغد إلى "وقفة الحشود"    حصيلة منجزات وكالة بيت مال القدس فاقت 13,8 مليون دولار خلال الخمس سنوات الأخيرة    الضمان الاجتماعي الإسباني يتحاوز عتبة 21 مليون منتسب    تطوان: إطلاق طلب عروض لإنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية والحرفية "كويلمة"    ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات في البرازيل إلى 83    بلقصيري: أجواء افتتاح مهرجان سينما المرأة والطفل في دورته الأولى    إسرائيل تغلق مكتب الجزيرة وألمانيا تنتقد القرار    وثائقي فريد من وزارة الثقافة والتواصل يبرز 6 ألوان فنية شعبية على ضفاف وادي درعة    هذه تفاصيل موجة الحرارة المرتقبة في المغرب ابتداء من يوم غد الثلاثاء    اللي كيمشي لطريفة وعزيز عليه الطون والسربيسة والسينما: ها مهرجان وها الافلام المغربية المعروضة فيه    إضراب جديد يشل محاكم المملكة    تسجيل بقوة 2.5 درجات على سلم ريشتر بإقليم تاونات    لأول مرة.. تاعرابت يحكي قصة خلافه مع البرازيلي "كاكا"    بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله    المغرب يحتضن الدورة 16 للبطولة الإفريقية للدراجات الجبلية    بعشرات الصواريخ.. حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية في الجولان    أسعار النفط العالمية تعود إلى الارتفاع    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من "منصة الجونة السينمائية"    "الثّلث الخالي" في القاعات السينمائية المغربية إبتداء من 15 ماي الجاري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    المشاهد الجنسية في أفلام هوليوود تراجعات بنسبة 40% وها علاش    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزراء لا يستقيلون رغم الفضائح
نشر في اليوم 24 يوم 22 - 12 - 2014

كلما ظهرت فضيحة، تعالت الأصوات المطالبة باستقالة الوزير الذي له صلة بها. تبدو هذه الثقافة جديدة وواعدة في المغرب، برزت بوضوح في مسيرات حركة 20 فبراير، التي طالبت باستقالة حكومة عباس الفاسي، ثم تكررت إثر حوادث مفجعة مثل حادثة تيشكا التي قتل فيها عشرات الضحايا في حادثة سير مميتة، وخلال الفيضانات التي ضربت أقاليم في الجنوب، ثم تتالت المطالبات على نحو أقوى في فضيحة مركب مولاي عبد الله بالرباط. في كل تلك الحالات، رفع المواطنون مطلب الاستقالة عاليا في وجه الوزير الوصي على القطاع، وبغض النظر عن درجة المسؤولية في هذه الحالة أو تلك، فإن الاستجابة لهذا المطلب تظل مستبعدة، إن لم تكن مستحيلة، فلم يسبق أن بادر مسؤول سياسي مغربي إلى الاستقالة بسبب مسؤوليته السياسية، سواء داخل حزبه أو وزارته أو نقابته.
يدعو هذا الرفض الممنهج من طرف الفاعل السياسي للتجاوب مع مطالب شعبية إلى البحث عن تفسير له، وفي هذا الصدد يرى إدريس بلماحي، أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بالرباط، أن غياب ثقافة الاستقالة يحيل إلى ما هو أكبر، وهو غياب ثقافة المسؤولية. فلو أن المناصب والمسؤوليات يتم الوصول إليها بالاستحقاق، وليس بسبب قرابة حزبية أو عائلية أو غيرها، لتحقق الوعي بها وبمقتضياتها بشكل طبيعي، لأن الذي يقبل المسؤولية يقبل موضوعيا الطرف الثاني في المعادلة، وهو المحاسبة، وبالتالي تصبح الاستقالة تحصيل حاصل، لأن الذي لا يمارس مسؤولياته، لمانع من الموانع، سيكون مجبرا على الاستقالة حتى لا يحاسَب على شيء ليس من صنع يده.
ثمة تفسير ثان ذهب إليه فؤاد عبد المومني، فاعل حقوقي في «ترانسبارنسي المغرب»، إذ اعتبر أن تحميل المسؤولية السياسية في المغرب للفاعلين السياسيين أمر صعب، لأن تحديد المسؤوليات غير واضح، إذ كيف يمكن، مثلا، محاسبة وزير في حكومة غير مسؤولة سياسيا، مضيفا أنه في ظل تشتت المسؤوليات، وعدم ضبط «من فعل ماذا»، وعدم ربط السلطة بمصدرها، أي الشعب، لا يمكن محاسبة أوزين عن فضيحة مركب مولاي عبد الله أو غيرها، لأن السلطة ليست بيده، بل بيد جهة أخرى أكبر منه. ويحيل عبد المومني في هذا الإطار على طبيعة النظام السياسي وأسسه المخزنية.
فيما يذهب بنيونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بوجدة، إلى أن ثقافة الاستقالة ترتبط بالممارسة الديمقراطية، فالمشكل يكمن جوهريا في التربية الحزبية، واعتبر أن الأحزاب السياسية تعتبر نظريا «مدرسة للإدلاء بالرأي وقبول النقد، بل والاعتراف بالخطأ»، لكنه يستدرك بالقول إن الأحزاب في الدول غير الديمقراطية لم تصل إلى هذا المستوى من النضج، حيث إن «المسؤول الحزبي لا يتقبل أي رأي مخالف»، ومن الصعب أن «يعترف المسؤول بالأخطاء التي ارتكبها بشكل مباشر، فما بالك بالأخطاء التي لا يكون مسؤولا عنها إلا بشكل غير مباشر».
تكشف التفسيرات الثلاثة عن جزء من الحقيقة، وإن كانت تحيل كلها على طبيعة الثقافة السياسية التي تؤطر الفاعل السياسي المغربي. هناك، من جهة، قوة وثقل التقاليد السياسية، ففي نظام سياسي يوصف فيه الحاكم بأنه «ظل الله في الأرض»، يصعب تصور وجود ثقافة الاستقالة، لأنها تعني، رمزيا، أنها خروج من رحمة الله، ويصبح المسؤول المستقيل حينها مثل شيطان رجيم، معرض للعن والرجم في كل وقت وحين، ومن أقرب المقربين إليه. لكن تبقى تلك التقاليد، رغم قوتها، جزءا من المشكل فقط، ذلك أن القسط الأكبر يتحمله الفاعل السياسي نفسه، الذي يرفع لواء الإصلاح والتغيير دون أن يكون متشبعا هو نفسه بقيم الإصلاح وثقافته.
لماذا لا يستقيل المسؤولون بسبب فضائحهم؟
على مرأى ومسمع العالم، وخلال تظاهرة رياضية عالمية، تابع الجميع مشهد فضيحة مركب مولاي عبد الله بالرباط، الذي تحول إلى بحيرة مياه. الفضيحة تسببت في حدوث صدمة وإحساس ثقيل بالإهانة لدى المغاربة، ما دفع كثيرين إلى مطالبة وزير الشباب والرياضة بالاستقالة، لكن الأخير اعتبر ذلك تطاولا، ووصف، في أول رد فعل له، منتقديه بالطابور الخامس. في مرحلة ثانية، تراجع محمد أوزين إلى الوراء، مقرا بأن هناك أخطاء ارتكبت، لكنه، كعادة السياسيين في العالم الثالث، كان يبحث عن كبش فداء، عوض أن يتحلى بالشجاعة اللازمة التي يقتضيها الموقف. بيد أن موقف أوزين ليس استثناء، إذ من النادر أن يستقيل السياسي المغربي عندما يتسبب في حدوث أزمة أو فضيحة. ترى، لماذا لا يستقيل السياسيون المغاربة؟ هل لغياب ثقافة الاستقالة علاقة بثقافة اللامسؤولية؟
يوم قال المساري: لا يمكنني أن أتقاضى أجرا على عمل لا أقوم به
من النادر جداً العثور على مسؤولين سياسيين مغاربة استقالوا من مسؤولياتهم لسبب من الأسباب. لعل حالة الوزير العربي المساري، في النسخة الأولى لحكومة التناوب سنة 1999، تبقى من الحالات القليلة والمعبرة. وجد المساري نفسه، بعد أشهر من تعيينه وزيرا في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، في مواجهة مفتوحة وساخنة مع رجال إدريس البصري في قطاع الإعلام.
قدم المساري، القادم من النقابة الوطنية للصحافة المغربية، برنامجا كاملا لإصلاح قطاع الإعلام والاتصال، حظي بموافقة الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي ودعمه، لكن ثمة برنامجا آخر كان ينفذ فعلا من قبل رجال إدريس البصري، زميل الوزير المساري في الحكومة نفسها والمكلف بوزارة الداخلية.
قاوم المساري ما استطاع، حاول إشراك الديوان الملكي في حل المشكل عبر التواصل مع المستشار الملكي إدريس السلاوي، كما كشف ذلك محمد الطائع في كتابه: «عبد الرحمان اليوسفي والتناوب الديمقراطي المجهض»، لكن حين طفح الكيل، وذلك خلال أقل من سنة، دبج المساري ورقة استقالته.
لم يخطئ المساري كما أخطأ آخرون قبله وبعده، من المسؤولين السياسيين، ولم تسبب أي من قراراته فضيحة للمغرب والمغاربة، كالتي حدثت في قضية «النجاة» بالنسبة إلى عباس الفاسي، وزير التشغيل في حكومة اليوسفي الثانية، أو فضيحة مركب مولاي عبد الله بالنسبة إلى الوزير محمد أوزين في حكومة عبد الإله بنكيران، بل كان السبب معقولا ومنطقيا، لقد وجد نفسه أمام «مسامير الميدة»، كما وصفهم، أي أمام أطراف أخرى تشاركه تدبير قطاع الإعلام، وتفرض توجهات لم يكن ليقبل بها.
إحساس المساري بالمسؤولية كان عاليا وهو يخاطب اليوسفي بالقول: «لا يمكنني أن أتقاضى أجرا على عمل لا أقوم به». وفي عهد حكومة التناوب نفسها (1999-2002)، ألحقت فضيحة النجاة، التي تفجرت في فبراير 2002، أضرارا جسيمة بأزيد من 30 ألف شاب مغربي، حيث وصل الأمر ببعضهم إلى الانتحار فعلا، لكن لم يحرك ذلك شيئا يُذكر في عباس الفاسي، الذي كان وزيرا للتشغيل في النسخة الثانية من تلك الحكومة، وبالتالي لم يستقل، بل ولم يعتذر للعائلات التي تكبدت خسائر مادية ونفسية فادحة.
التركيز هنا على أوزين أو عباس الفاسي يجد مبرره في أن السياسي يتحمل المسؤولية السياسية تجاه الشعب الذي هو مصدر السلطة، أي أنه ليس مثل غيره من المواطنين الذين يقعون في أخطاء قد تترتب عليها مسؤولية قانونية. فالبرلماني الذي افتضح أمره مثلا حينما سقط ضحية ابتزاز وهو يمارس العادة السرية، ليس مثل أي مواطن عادي ارتكب فعلا ممجوجا من منظور قيم المجتمع، وإنما يصبح الفعل فاضحا حينما يتعلق الأمر بشخصية سياسية يفترض فيها أن تجسد القيم المجتمعية العليا، وأن تصونها لأن ذلك حق المجتمع.
ثقافة اللامسؤولية
تبدو العلاقة بين الاستقالة والمسؤولية دقيقة جداً، «الإقدام عليها من عدمه يرتبط بشكل وثيق بدرجة الوعي والإحساس بالمسؤولية لدى السياسيين»، يقول إدريس بلماحي، أستاذ الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط. بلماحي أبرز، في المقابل، أن ثقافة اللامسؤولية هي التي تفسر غياب ثقافة الاستقالة.
بخلاف ذلك، تحيل الاستقالات المتكررة التي يقدم عليها سياسيون في الدول الغربية على «روح المسؤولية»، كما تعكس «ثقافة تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ المهني»، والهدف هو «إعلاء شأن قيمة المسؤولية الأدبية والالتزام الأخلاقي» أمام الرأي العام، أي الشعب الذي هو مصدر السلطة.
فالوزير، أو أي مسؤول سياسي آخر، حين يستقيل فهو يعتذر للشعب الذي منحه الثقة ليتولى مهاما معينة باعتباره الأنسب والأجدر لها، والاعتذار هو في حد ذاته قيمة أخلاقية تنطوي على قدر من الشجاعة، لذلك غالبا ما يحتفظ الشعب للمستقيلين من المسؤولية بالتقدير والاحترام والصفح عن الخطأ أو التقصير.
لكن هذا الوضع يفترض شيئا آخر، وهو الوضوح في تحديد المسؤوليات، ذلك أن التطور السياسي والمؤسساتي في الغرب أصبح يسمح بتحديد دقيق للمسؤوليات، ويجعل من الوزير وحكومته مسؤولين مسؤولية كاملة سياسيا عن السياسات التي ينفذانها، وإذا فشلت الحكومة فإنها تستقيل.
في الغرب، فشل الزعيم الاسكتلندي، أليكس سالموند، رئيس الوزراء، في تحقيق هدفه بإقناع الاسكتلنديين بالاستقلال عن بريطانيا في شهر نونبر الماضي. لم يحمل المسؤولية للشعب الذي صوت لصالح البقاء تحت لواء التاج البريطاني بنسبة 55%، بل اعتبر أنه هو من فشل شخصيا، وأقدم على الاستقالة في خطوة شجاعة يستبعد حدوثها في المنطقة العربية والعالم الثالث.
لقد التزم سالموند أمام نفسه ومؤيديه بتحقيق نتيجة، وهي الاستقلال عن التاج البريطاني، لكنه فشل في ذلك فقدم استقالته. المسؤولية السياسية تعني هنا بذل الجهد من أجل تحقيق نتائج. لكن هناك حالات أخرى ارتكب فيها مسؤولون في الغرب أخطاء مست بقيم المجتمع، كما في حالة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ديفيد بترايوس، حين افتضح أنه يخون زوجته مع كاتبة كانت تريد تأليف كتاب عنه، وعلى الفور، استقال بترايوس من منصبه، ووافق الرئيس باراك أوباما على ذلك أيضاً.
قد نجد هذا الإحساس بالمسؤولية تجاه الشعب في العالم الثالث كذلك، لكن تبقى الحالات نادرة جداً. في سنة 2012، حدث اصطدام بين قطارين في صعيد مصر، ذهب ضحيته نحو 50 راكبا، وعشرات من الجرحى، فاعتبر وزير النقل حينها، محمد رشاد، أن مسؤوليته السياسية ثابتة في ما وقع، وقدم استقالته إلى الرئيس محمد مرسي يومها، الذي وافق عليها بدوره.
لم يتهم وزير النقل المصري سائقي القطارين، ولا الموظفين في السكة الحديدية، واعتبر بوضوح تام أنه مسؤول سياسيا عن القطاع، وأنه يتحمل المسؤولية السياسية عما وقع، ثم ذهب إلى حال سبيله.
لكن تبدو ثقافة المسؤولية هذه التي استشعرها الوزير المصري، أو كما يجسدها السياسيون في الغرب الأوربي والأمريكي، غائبة في المغرب.
يرى فؤاد عبد المومني، اقتصادي وفاعل حقوقي في «ترانسبارنسي المغرب»، أنه حينما تقع كوارث طبيعية مثل الفيضانات، أو انهيار القناطر، أو غرق ملعب بالمياه، كما حدث في مركب مولاي عبد الله، يصعب تحميل المسؤولية السياسية بشكل مباشر للوزير الوصي على القطاع.
يبرر عبد المومني رأيه بالقول إن الإمكانيات المالية والاقتصادية ضعيفة، لأن المغرب بلد فقير، وبالتالي: «نحن نضع معايير متوسطة في الجودة حينما نكون بصدد إصلاح طريق أو حتى ملعب لكرة القدم»، وإذا كانت الإمكانات ضعيفة، فهذا يعني أن الجودة تكون متدنية، ما يجعل البنيات التحتية معرضة لآفات مثل ما يقع من حين لآخر.
أين يقع المشكل إذن؟ يجيب عبد المومني بأن المسؤولية السياسية تقتضي وضوحا في اتخاذ القرار السياسي كذلك، ويؤكد أنه في حالة فضيحة مركب مولاي عبد الله «لا يمكن أن أقول إن أوزين مسؤول سياسيا، لأن الحكومة نفسها غير مسؤولة سياسيا». ويشرح قائلا: «لا أعتقد أن استقالة أوزين ستغير الوضع. المطلوب تغيير نمط الحكم»، ومدخل ذلك أن نركز على «نقد التحكم وثقافة اللامسؤولية، وعلى مراجعة مضمون النظام السياسي».
الاستقالة شجاعة لا يقبلها المخزن
من أحد مستلزمات الاستقالة، الشجاعة في مواجهة المواقف، لكن الثقافة المخزنية يبدو أنها لا تقبل ذلك، إذ لا يذكر التاريخ السياسي المعاصر للمغرب أن وزيرا استقال بعدما أخطأ. ثمة وقائع استقال فيها الوزراء، لكن ليس استجابة لضغط الرأي العام.
في سنة 1958، قدم وزراء حزب الاستقلال في حكومة امبارك البكاي استقالتهم إلى الملك محمد الخامس، لكن اليوم الذي قدموا فيه استقالتهم كان نفسه تاريخ تعيين أمينهم العام، أحمد بلافريج، رئيساً للحكومة (15 ماي 1958)، ما يشير إلى أن الاستقالة كان مرتبا لها بين الملك وحزب الاستقلال، بعد تصاعد الضغوط التي كان يمارسها هذا الأخير على باقي الفاعلين السياسيين، لأنه كان يرى نفسه هو الأحق بحكم المغرب بعد نيل استقلاله.
قضى بلافريج مدة قصيرة على رأس الحكومة، قبل أن يضطر إلى تقديم استقالته كذلك، بسبب بوادر الانشقاق التي بدأت تهز كيانه من الداخل، وضغوطات من الخارج كذلك، فأسندت الحكومة إلى التيار المنشق عنه، ممثلا في جناح عبد الله إبراهيم مسنودا بعبد الرحيم بوعبيد وآخرين وذلك في 24 دجنبر 1958، وذلك قبل إسنادها إلى «القوة الثالثة» في مرحلة موالية، كما عبر عن ذلك الراحل محمد عابد الجابري.
في كل تلك الحالات، حصلت الاستقالة بتوافق مع القصر، وفي إطار ترتيب سياسي معين، وليس تحت الضغط والإكراه من قبل الرأي العام. وتكشف تلك الوقائع منطقا مقلوبا في ممارسة الاستقالة، فهي خطوة لم تكن من أجل الشعب، وليست اعتذارا كما فعل العربي المساري مثلا في حكومة التناوب، لأنه لم يستطع القيام بمهامه التي عين من أجلها، وإنما تمت في إطار ترتيبات وتوازنات سياسية مرحلية.
ويقول المفكر المصري، حازم البيلاوي، تعليقا على استقالة كان قد تقدم بها وزير ثقافة مصري في عهد حسني مبارك ورفضها هذا الأخير، ‘‘إن العمل السياسي في الأنظمة التسلطية والتحكمية يستند إلى مصدر من خارج الشعب، قد يكون هو الحاكم نفسه، أي ظل الله في الأرض، وبالتالي، فالمسؤول يرى نفسه مسؤولا أمام ولي نعمته، أي صاحب السلطة، أما في النظام الديمقراطي، فإن العمل السياسي هو شكل من أشكال ممارسة السلطة، لكن مصدر السلطة هو الشعب، يعهد بها إلى من يختار بالانتخاب، ومضمون العهد أو التعاقد هو الالتزامات والوعود والتعهدات التي التزم بها السياسي ووافق عليها الشعب بالاختيار والتصويت الحر والنزيه. والمسؤولية السياسية تتعلق بمدى الوفاء بتلك الالتزامات، أي بما قطعه السياسي على نفسه. وفي حال أخطأ أو لم يحقق نتائج مرضية يقدم استقالته، اعتذارا إلى الشعب، أما في الأنظمة التسلطية، فالاستقالة ترفع إلى الحاكم، خضوعا وتذللا لجبروته وسطوته''.
في نموذج النظام التسلطي، إذا استقال الوزير فيعني ذلك أنه «مغضوب عليه»، وفي هذه الحالة قد يتعرض لمختلف أنواع المضايقات، بل قد يجد نفسه معرضا للمساءلة الجنائية، وتلفق ضده التهم، فقط لأنه تجرأ على الاستقالة من منصب ربما لا يرى أن وجوده فيه مفيد للحاكم نفسه. بمعنى آخر، يجد رجل السياسة نفسه، أمام نظام مصدر السلطات فيه هو الحاكم المستبد، غير قادر على الاستقالة، وحينما يقع في الخطأ يعاقب لكن ب«غضبة»، ويعلن أن فلانا «مغضوب عليه»، بينما يزيد الإعلام إلى تلك العبارة أخرى باتت لصيقة بها، مفادها أن فلانا «يعبر الصحراء»، فغضب الحاكم ليس مثل غضب بقية الناس، يدوم يوما أو بعض يوم، بل إن غضبه قد يطول شهرا أو عاما أو أكثر.
أما في الأنظمة الديمقراطية، فمجرد اتهام قد يدفع الوزير إلى الاستقالة فورا احتراما للشعب. إدريس بلماحي اعتبر أن كثيرا من السياسيين في فرنسا، على سبيل المثال، وجهت إليهم اتهامات بارتكاب أخطاء أو اختلالات معينة، فاستقالوا على الفور، ليس لأن الاتهام صحيح، حيث إن القضاء وحده من يفصل في ذلك، بل تكون الاستقالة من أجل الذهاب إلى القضاء نفسه من أجل إثبات البراءة من تلك الاتهامات، وحين يحصل الشخص على صك البراءة يعود من جديد إلى الممارسة السياسية بشكل أقوى من ذي قبل، وقد تأكدت براءته، وازداد احترام الشعب له.
أوزين.. تخراج العينين
آخر الفضائح التي تدين وزيرا في حكومة، تتعلق بمركب مولاي عبد الله الذي صرفت عليه الدولة 22 مليار سنتيم، لتكتشف في الأخير أن كل الإصلاحات التي تمت خلال الصيف الماضي لم تكن كافية سوى للفضيحة.
تكمن قصة ملعب مولاي عبد الله في أنه لم تتم صيانته خلال أكثر من 14 سنة. تعاقب على وزارة الشبيبة والرياضة ثلاثة وزراء على الأقل دون أن يصلحوا فيه شيئا. لم تتحرك الأمور إلا مع بداية سنة 2014، حين قررت الحكومة استضافة كأس العالم للأندية للسنة الثانية على التوالي، وكان عليها أن تستجيب لدفتر تحملات الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، والأمل يحذوها أن تنال شهادة ثانية على حسن السيرة من جوزيف بلاتير، كتلك التي نالتها سنة 2013 حين نظمت الدورة العاشرة بمدينتي أكادير ومراكش.
حينما اختارت الفيفا أن تنظم الدورة ال11 أيضا بالمغرب، اقترحت وزارة الشبيبة والرياضة والجامعة الملكية لكرة القدم أن تنظم في ملعب الحارثي بمراكش وملعب مولاي عبد الله في الرباط، لكن المشكل أن هذا الأخير كان غير جاهز، ويتطلب إصلاحات جوهرية.
في يناير 2014، زار المغرب محمد روراوة عن «الفيفا»، واجتمع بوزير الرياضة محمد أوزين، أدلى على إثره هذا الأخير بتصريح قال فيه إن ملعب مولاي عبد الله سيكون جاهزا في شهر غشت 2014
تأخر إعلان جاهزية الملعب شهرين، حيث أعلن الوزير محمد أوزين، في أكتوبر الماضي، أن «ملعب مولاي عبد الله أصبح جاهزا لاحتضان أقوى الملتقيات العالمية». اطمأن الجميع، وبدأ الاستعداد لاحتضان التظاهرة الدولية، أي كأس العالم للأندية.
لكن بدا أن الإصلاحات لم تكن نهائية، ففي نونبر الماضي، تم تسريب صورة من داخل الملعب، كشفت أن عشب الملعب غير مثبت بشكل جيد، وقد أظهرت الصورة أن الأمطار الأولي التي تساقطت أدت إلى تجمع المياه في أحد جوانب الملعب.
كان ذلك إيذانا بحصول فضيحة، لكن أوزين لم يلتقط الرسالة، إذ قال في ندوة صحفية أخرى إن أرضية الملعب جيدة، وإنها تحتاج فقط إلى فترة زمنية لكي تستقر جيدا، رغم أن الشركة التي تكلفت بعشب الملعب ، أفادت في تصريحات ل»أخبار اليوم» أن الوزارة رفضت مقترحاتها بإصلاح الأضرار التي ظهرت في حينه
واصل أوزين تماديه وتجاهله للتحذيرات التي كان يسمعها. وفي 18 نونبر الماضي، احتضن الملعب أول مباراة فوق أرضيته، جمعت فريق الفتح الرباطي بنهضة بركان، حيث نبّه مراقبون ومهتمون أوزين والمسؤولين بوزارته إلى أن أرضية الملعب غير مستقرة جيدا، وكانت الانتقادات قوية، وبدل أن يستمع أوزين إليها، تعمد الرد عليها بالمثل، قال إن عشب أرضية الملعب طوله ثلاثة ميلمترات، بينما المعيار المطلوب هو 5 مليمترات، ولكي ينمو العشب يحتاج إلى وقت معين، واعتبر أن الفترة الفاصلة عن كأس العالم للأندية كافية لكي ينمو أكثر ويستقر.
لكن كل توقعات أوزين وتبريراته كانت خاطئة، ففي ثالث مباراة في كأس العالم جمعت بين كروز أزول المكسيكي وسيدني الأسترالي وقعت الفضيحة مدوية وقاسية على سمعة المغرب العالمية.
لكن المفاجأة أن أوزين لم يتحمل مسؤوليته السياسية عما ما وقع، بعدما ظل يقدم توقعات خاطئة طوال أشهر، فلجأ إلى الحل السهل، وهو توقيف الكاتب العام للوزارة، ومدير الرياضات بها، ومدير مركب مولاي عبد الله، كما عمل على تشكيل لجنة تحقيق بعضوية ممثلين عن وزارة الداخلية، والاقتصاد والمالية، والشباب والرياضة.
الفضيحة كانت مدوية، لذلك كانت ردود الفعل قوية ضد أوزين، حيث طالبه برلمانيون وإعلاميون ورياضيون وهيئات مدنية بالاستقالة، لكنه لم يستجب لحد الآن، وربما لو فعل لأنقذ بعض ماء الوجه الذي بقي للمغاربة وهم يتجرعون الإحساس القاسي بالصدمة والإهانة.
تطورات مثيرة ستشهدها القضية التي تتابع «أخبار اليوم» تفاصيلها ، أولا بأول، وآخر ما ورد فيها اتهامات لأوزين باختيار العشب الأسوأ للملعب.
مزوار.. فضيحة واحدة تكفي
فضيحة مزوار من نوع خاص.. وثيقة غير مؤكدة مسربة من وثائق «كريس كولمان»، أفادت بأن مزوار طلب من وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، التدخل الشخصي لدى شركة «ماكينزي» للاستشارات، من أجل تشغيل ابنته، سارة مزوار.
تاريخ الرسالة يعود إلى 20 نونبر 2013، أي أقل من شهرين على تولي مزوار حقيبة الخارجية في النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران، ويؤكد فيها فابيوس أنه بناء على لقاء عقد بينه وبين مزوار يوم 14 نونبر 2013 بالرباط، طلب منه المسؤول المغربي التدخل لدى مصلحة التشغيل الفرنسية لتمكين ابنته من تسهيلات إدارية للالتحاق بإدارة المؤسسة الأمريكية (ماكينزي) في باريس، وهو الأمر الذي استجاب له «فابيوس» وراسله من أجل ذلك رسميا لتأكيد تدخله الفعلي لدى الشركة المعنية.
حين تسربت هذه الوثيقة إلى الإعلام لم يكذبها مزوار شخصيا، وإنما سعى إلى تعويم الموضوع وإدراجه ضمن توتر العلاقات المغربية-الفرنسية، ودفع مقربين منه إلى الترويج لدى وسائل إعلام مغربية أن الأمر غير دقيق، ويتعلق بحملة مغرضة ضد مزوار، خصوصا أن الجدل اندلع حول الموضوع بعد ظهور إشاعة تقول إن مزوار يتوفر على الجنسية الفرنسية.
طبعا لم يستقل مزوار، ولم يوضح للمغاربة شخصيا حقيقة ما جرى فعلا، بل اختبأ وراء الخطابات الهجومية على «أعداء الوحدة الترابية ومصالح المغرب في الخارج». أحد المقربين من مزوار، الذي تولى الدفاع عن صورته، اعتبر أن الوثيقة تندرج «ضمن حملة ممنهجة ضد مزوار ووزارة الخارجية وضد المغرب كبلد»، وهكذا أصبح الاقتراب من مزوار، بقدرة قادر، مسا بمصالح البلد.
لكن «كريس كولمان» ، أو ما أصبح يعرف ب «ويكليكس المغرب» سرّب لاحقا وثيقة أخرى، غير مؤكدة كذلك، عبارة عن حوار بين وزير الخارجية ومستشاره المكلف بالصحافة، أكد فيها مزوار أن ابنته سارة «تم قبولها في الوظيفة بناء على كفاءتها»، إذ إنها تقدمت بطلب الحصول على عمل مثل أي أجنبي، ومرت عبر مكتب محاماة، كمسار كلاسيكي، ولم تُمنح أي امتيازات، ولم يساعدها أحد على إيجاد عمل، بمن في ذلك والدها.
وبين الوثيقة الأولى التي تؤكد أن مزوار طلب مساعدة وزير الخارجية الفرنسي، والوثيقة الثانية التي تبرز أن ابنة مزوار مرت بشكل طبيعي من المسار الذي يمر به أي أجنبي للحصول على وظيفة، تبقى الحقيقة ضائعة، حيث تفجرت هذه القضية في الوقت الذي لم تُطوَ فيه بعد فضيحة «البريمات» التي كان يتبادلها مزوار مع الخازن العام للمملكة، حينما كان وزيرا في حكومة عباس الفاسي، لم يكن مزوار حينها وزيرا للخارجية، لكنه كان، كما لا يزال، رئيسا لحزب سياسي، وهو ما سيؤهله لشغل منصب رئيس الدبلوماسية المغربية.
مزوار تبادل مع الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة منحا، كشفتها وثائق نشرتها «أخبار اليوم»، ولم يستطع أحد نفيها أو التشكيك في صدقها. وعوض أن ينتهي المسار السياسي لمزوار تم تحوير القضية من فضيحة سياسية كبرى إلى قضية تسريب وثائق، اتهم فيها موظفان وجرت محاكمتهما.
الكروج .. الحبة والشكولاطة من دار القايد
بالرغم مما يتميز به الوزيرعبد العظيم الكروج من اتزان، فقد تورط في فضيحة خلفت جدلا كبيرا وسط الرأي العام. تسربت خيوط الفضيحة مباشرة عقب تشكيل النسخة الثانية من حكومة بنكيران، التي انتقل فيها الكروج من وزير منتدب مكلف بالوظيفة العمومية، التي عوضه فيها زميله في الحزب محمد مبدع، إلى وزير منتدب مكلف بالتكوين المهني.. وكانت أول فضيحة في حكومة الدستور الجديد.
ملخص القصة أن عائلة الكروج اقتنت، خلال عقيقة مولود له، نوعا فاخرا من الشكولاطة من ميزانية وزارة الوظيفة العمومية، بكلفة 33 ألف درهم. وهو مبلغ موثق في فاتورة تم تسريبها ونشرتها «أخبار اليوم» في حينه. لاحقا اختفت الوثيقة من أرشيف الوزارة المعنية، مثلما انتهى التحقيق، الذي طلبه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، إلى أن المبلغ لم يؤد من ميزانية الوزارة، بينما امتنع الكروج تماما عن الخوض في الموضوع.
تاريخ الوثيقة يعود إلى 10 أكتوبر 2013، أي في آخر يوم من عمر النسخة الأولى من حكومة بنكيران، بل كانت آخر وثيقة وقعها الكروج داخل وزارة الوظيفة العمومية، قبل خروجه منها.
حين خرجت الفضيحة للعلن، تحرك بنكيران لطلب إجراء تحقيق، أنجزه الوزير الحالي وزميل الكروج في حزب الحركة الشعبية، محمد مبدع، وكشفت التحقيقات أن المحل الذي اقتنى منه الكروج حلويات الشكولاطة للاحتفال بمولوده الجديد، هو المحل نفسه الذي تقتني منه وزارة الوظيفة العمومية الحلويات لضيوفها في المناسبات التي تنظمها.
عوض أن يتحمل الكروج مسؤوليته السياسية عما وقع، ويقدم استقالته بسبب الفضيحة، لجأ بدوره إلى تحميل المسؤولية للغير، حيث قال إن موظفا ساميا بالوزارة هو الذي تكفل بنقل الحلويات إلى المصحة التي وضعت فيها زوجة الكروج مولودها الجديد. واعتبر أن المسؤول السامي هو الذي «اتخذ المبادرة، وقام بتقديم الهدية لزوجة الوزير، دون علمه، وعلى نفقة الوزارة»، وقال الكروج لمقربين منه حينها إنه «لا علم له بالفاتورة، ولم يطلب الشكولاطة المعنية». كما قام الكروج بتكثيف البحث لمعرفة من سرّب الوثيقة إلى الإعلام، ومن أجل التخفيف من ضغط الرأي العام، أعلن فتح تحقيق في النازلة، وقيل إنه سيُرفع إلى رئيس الحكومة، وستذهب نسخة منه إلى الأمين العام للحركة الشعبية، امحند العنصر، لكن لم تُعلن نتائج التحقيق للرأي العام إلى اليوم.
مبدع..يبرئ برلسكوني ويورط الخارجية المغربية
لم تكن قد مرت على دخوله، المثير للجدل، إلى النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران سوى ثلاثة أشهر، حين قرر محمد مبدع الخروج في حوار صحفي مثير، كشف فيه بعض أسرار مساره السياسي والمهني، فتضمن الحوار فلتات لسان قاتلة، إذ صرح أن كريمة المحروق (التي اشتهرت باسم روبي) لم تكن قاصرا حين مارس برلسكوني الجنس معها.
مبدع قدم ، من حيث لا يدري، خدمة كبيرة للسياسي الإيطالي سيلفيو برلسكوني، الذي كان يتعرض لملاحقات قضائية بسبب فضائحه الجنسية، وخاصة ممارسة الجنس على قاصرات، ومنهن المغربية التي تنحدر من الفقيه بنصالح، الجماعة التي كان مبدع يترأسها ولايزال.
وقال مبدع إن روبي لم تكن قاصرا حين مارس برلسكوني الجنس معها، وكشف أن القنصلية المغربية في ميلانو سبق لها أن طالبته بإرسال نسخة من شهادة ميلادها في حقيبة دبلوماسية، مخافة التزوير، تثبت ميلادها سنة 1992، دون أن ينتبه الوزير الحركي إلى أنه ورط وزارة الخارجية المغربية ومصالح الخارجية في إيطاليا في معركة داخلية خاصة ببلد أوربي.
وقد أوضح مبدع أنه سلم شهادة ميلاد المحروق (روبي) سنة 1992، بعدما سجّلها والدها ضمن نسخة الحالة المدنية للعائلة، لأنها ولدت بالفقيه بنصالح، قبل أن تغير عائلتها مقر سكناها إلى خريبكة، وكشف أنه «كان حريصا جدا على الاحتفاظ بملف ميلادها جيدا، لأنه خشي أن يُسرق أو يزور». واعتبر مبدع أن «روبي لم تسئ إلى الفقيه بنصالح وإلى المغرب، بل «أساءت إلى نفسها فقط.. آش بينا وبينها؟»، وأضاف: «كل شاة تتعلق من كراوعها».
وكان القضاء الإيطالي قد أدان برلسكوني بسبع سنوات سجنا نافذا بتهمة الابتزاز والإكراه والتحريض على دعارة الأطفال، مع حرمانه من المناصب العامة، وحين أدلى مبدع بتصريحاته كان المتهم قد استأنف الحكم، الذي صدر في النهاية، في ما يخص هذه القضية تحديدا، ببراءة برلسكوني لعدم وجود أدلة كافية على الوقائع والاتهامات التي وجهت إليه.
استفاق مبدع من سُباته متأخرا، تحت وقع الهجوم والاستياء الذي خلّفته تصريحاته وسط الرأي العام، وحاول الاستدراك بنفي ما جاء على لسانه، لكنه ورّط نفسه مرة ثانية، إذ إن الحوار كان مُسجّلا، ما دفع الصحفية التي حاورته إلى نشره على اليوتيوب، وهو يثبت فعلا صحة ما أدلى به من تصريحات.
أخطأ مبدع مرتين؛ الأولى في حق الرأي العام الذي لم يتقبل تصريحاته وطالبه بالاستقالة، والثانية في حق وزارة الخارجية وسفارة المغرب في إيطاليا، التي أقحمها في قضية إيطالية محضة. ورغم ذلك، لم يستقل مبدع أو يعتذر، وبلع لسانه وتجاهل الأمر.
عباس الفاسي.. الغرق في قارب النجاة
لم تعد قضية النجاة مجرد فضيحة اختتمت بها حكومة عبد الرحمن اليوسفي عملها سنة 2002، بل صارت لعنة تطارد عباس الفاسي، الذي كان وزيرا للتشغيل آنذاك، إلى اليوم. المثير أن الرجل لم يستقل وقتها من الحكومة، ولا من قيادة حزب عريق، ولا من الحياة السياسية ككل، بل دخل في صمت عميق إلى اليوم عن جريمة كان أكبر شاهد عليها. وكل ما صدر عنه، كان أحاديث غير مصرح بنشرها تتهم أطرافا بعينها بتوريطه في القضية.
تعود تفاصيل القضية إلى فبراير 2002، حين تم الاتفاق بين الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والشركة الإماراتية «النجاة» للشحن البحري، على تشغيل 22 ألف شخص للعمل على متن بواخر لنقل المسافرين كأعوان للطبخ والفندقة والاستقبال والصيانة. وحسب الاتفاق المبرم، سيتم تشغيل الأشخاص في إطار عقود لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد براتب شهري يساوي 660 دولارا (حوالي 6600 درهم).
بعد ذلك بشهرين، توصل عباس الفاسي، وزير التشغيل في حكومة التناوب، برسالة من وزير الشؤون الخارجية والتعاون حينها تطمئنه على سلامة العملية. وبناء على ذلك، قدم آلاف الشباب من مختلف مدن وقرى المغرب إلى الدار البيضاء للتسجيل في أكبر عملية للهجرة الجماعية، حيث فرض على المرشحين إجراء فحص طبي بإحدى المصحات الخاصة بقيمة 900 درهم (هذه وحدها فضيحة)، وبعد ذلك بشهور بدأت ترتفع أصوات تحذر من التعامل مع شركة النجاة بعدما ثبت تورطها في عمليات مشبوهة في كينيا وسوريا والأردن، لكن عباس الفاسي، الوزير الوصي على العملية، دافع عن صحة وجدية الاتفاق، مؤكدا في برنامج تلفزيوني (في الواجهة) على القناة الثانية، أن هناك تقارير يتوصل بها الوزير الأول (عبد الرحمان اليوسفي) يوميا، مضيفا أن هناك ‘‘أجهزة تحمينا سياسيا وأمنيا من كل تهديد في الخارج''، وللزيادة في التأكيد، أخبر الوزير الشعب المغربي بأن عقود العمل صحيحة، وأن العملية مصادق عليها في المحاكم ووزارة العدل والشؤون الإسلامية بالإمارات.
غير أن التماطل والتأخير في موعد التحاق المرشحين بالبواخر كان من بوادر وإرهاصات عدم مصداقية العملية ككل، فما إن يحدد موعد السفر حتى يعلن تأخيره أسابيع أخرى دون تبرير، ما جعل تأكيدات الوزير والمسؤولين تتضاءل، لتتلاشى في النهاية.
عقب الانتخابات التشريعية في شتنبر 2002 بأربعة أيام، أعلن المدير العام لوكالة «أنابيك»، أمام احتجاج مئات الشباب في الدار البيضاء، أن عملية تشغيل 30 ألف عاطل مازالت مستمرة، وأن المشكل القائم حاليا هو اختفاء مسؤول شركة النجاة الإماراتية، التي لا تعتبر سوى وسيط في العملية.. لقد اختفى دون رجعة. لكن بعد أسبوع عاد المدير للحديث عن العملية، مؤكدا براءة وكالته، وحمل المسؤولية للوزير الأول الذي يترأس مجلسها الإداري، في محاولة منه لإخفاء مسؤولية عباس الفاسي، الذي ظل صامتا إلى اليوم عن فضيحة كان أكبر أطرافها.
الأدهى أن عباس الفاسي سيترقى سياسيا بعد هذه القضية، وستحمل مسؤولية «وزير دولة بدون حقيبة»، قبل أن يصير وزيرا أول، لم تقعده، رغم تدهور وضعه الصحي، سوى انتخابات مبكرة أعقبت رياح الربيع المغربي.
بادو.. ذات الفضيحتين..
لم يمر استوزار ياسمينة بادو في حكومة عباس الفاسي بسلام، فقد واجهت فضيحتين في وقت واحد دون أن تعتذر، أو تكلف نفسها عناء إمضاء قرار الاستقالة احتراما للرأي العام.
في موضوع شقة باريس، كشفت بادو بنفسها للإعلام أن الشقة اشترتها من مالها الخاص قبل أن تصبح وزيرة. الفضيحة تكمن في أن القيادية الاستقلالية أخرجت من المغرب حوالي 300 مليون سنتيم (2 مليون فرنك فرنسي قبل العمل باليورو) دون المرور بمكتب الصرف.
برّرت بادو خطوتها تلك بأنها تريد العيش في المغرب لا في الخارج، وأنها إنما اقتنت تلك الشقة لبناتها اللائي يدرسن في باريس، ولكي تخفف من ثقل الفضيحة قالت إنها ستنهي موضوع الشقة، حيث إنها ستدخل أموالها إلى المغرب بعد بيعها.
حين انفجرت الفضيحة، لم تستقل بادو، بل حاولت البحث عن تبريرات، ولجأت إلى أسهل الطرق، وهي تسوية وضعيتها مع مكتب الصرف، إذ أدت له حوالي 60 مليون سنتيم، كذعيرة على اقتنائها أملاكا عقارية خارج أرض المملكة، وكشفت للمكتب الطرق التي أخرجت بها تلك الأموال نحو فرنسا. لكن تسوية ياسمينة لوضعيتها الإدارية والقانونية مع مكتب الصرف لا تسقط عنها المسؤولية السياسية، حيث إنها برلمانية وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، الأمر الذي كان يستدعي منها خطوة أكبر في تسوية متأخرة لوضع غير قانوني، وهي الاستقالة كما يفعل المسؤولون السياسيون في الدول الديمقراطية.
أما قضية اللقاحات الفاسدة، فرغم أن وزير الصحة الحالي، الحسين الوردي، برأها من التهم التي وجهت إليها، إلا أن القضاء لم يقل كلمته النهائية بعد، وفي التقاليد الديمقراطية فإن مجرد الشبهة تكون كافية لكي يستقيل المسؤول السياسي، لكن بادو لم تكن لديها الجرأة، كغيرها من السياسيين المغاربة، لكي تتحمل مسؤوليتها السياسية وتغادر بسلام.
البرلماني عارف.. لعبة الاغتصاب والإنكار
تعود تفاصيل هذه الفضيحة إلى سنة 2009، لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن القضاء اقترب من وضع حد لها. ففي آخر جلسة بمحكمة الاستئناف بالرباط يوم 9 دجنبر الماضي، قررت النيابة العامة إحضار حسن عارف، البرلماني عن الاتحاد الدستوري، بالقوة العمومية إلى الجلسة المقبلة يوم 13 يناير 2015، بعدما كان يتغيب بمبرر المرض.
فضيحة عارف تتمثل في كونه متهما باغتصاب موظفة بوزارة الأوقاف، ما نتج عنه حمل وإنجاب طفل. طوال جلسات ماضية كان عارف يبرر تأخره عن الحضور بتقديم شهادات طبية، لكن دفاع الضحية قدم وثائق أثبتت أن عارف تزامن غيابه وتخلفه عن الحضور بالمحكمة مع قيامه بمهام تمثيلية في البرلمان أو بجماعة عين عودة بضواحي الرباط.
في المحكمة الابتدائية كان عارف قد أدين بسنة حبسا نافذا، وغرامة 30 مليون سنتيم، بعدما تقدم دفاع الضحية بالأدلة العلمية التي تثبت أن الطفل هو من صلب عارف، كما قدّم سيلا من المكالمات الهاتفية التي تمت بينهما، والتي تؤكد وجود علاقة طويلة الأمد بين الطرفين، وقد حصرتها شركة اتصالات المغرب في 284 مكالمة، وقالت الضحية إن بينها مكالمات حول مفاوضات بشأن الإجهاض والمساومة من أجل أن تتنازل عن متابعة عارف قضائيا، ومساومتها ببقعتين أرضيتين و50 مليون سنتيم.
تم استئناف الحكم، ودخل الملف مرحلة من الجمود فترة طويلة، قبل أن يتم تحريكه من قبل الوكيل العام للملك في محكمة الاستئناف، لكن هذه الأخيرة فاجأت الرأي العام الوطني وقضت بالبراءة في حق المتهم.
أثار الحكم الاستئنافي استياء واسعا، وهي الرسالة التي التقطتها النيابة العامة التي بادرت من تلقاء نفسها إلى استئناف الحكم، كما استأنفه دفاع الضحية، وينتظر أن تقول المحكمة كلمتها الأخيرة يوم 15 يناير المقبل.
المثير في الملف أن جميع الأدلة التقنية تدين البرلماني حسن عارف، بما فيها تحليل الحمض النووي، لكن البرلماني لم يستقل أو يفكر حتى في الاستقالة، بل واصل لعبة الإنكار، مستندا إلى ثقته في سلطته وماله، بعدما سقطت سمعته السياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.