ليس ثمة شك أن اللقاء الذي جمع الرئيسين «باراك أوباما» و»رؤول كاسترو» على هامش قمة الأمريكيتين في «بنما» يوم الثاني عشر من شهر أبريل 2015، شكّل، بامتياز، حدثا تاريخيا، يمكن وسمُه ب «لقاء القرن». فمن المعروف أن العلاقات الأمريكية الكوبية شهدت قطيعة استمرت أكثر من ثلاث وخمسين سنة، لأسباب إيديولوجية وسياسية، أبرزها أن النظام في كوبا يشكل تهديدا للأمن الداخلي الأمريكي، وللمنظومة الليبرالية برمتها، وتاليا خطرا على استقرارها، وقيادتها للعالم. وقد تطور العداء بين البلدين إلى حدّ إدراج كوبا ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. والحقيقة أن رمزية اللقاء بين «أوباما» و»رؤول كاسترو»، الذي لم يَدُم أكثر من ساعة، لا تكمن في ما حقق من نتائج، والحال أنه لم يحقق نتائج ملموسة، بل في ما قد يفتح من آفاق واسعة لتطبيع العلاقات بين البلدين، وردم الفجوة العميقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكوبا، والحقيقة بين الغرب عموما وهذا البلد الصغير، الذي شكل بحكم موقعه الجيواستراتيجي، أكثر الجيوب مقاومة للنفوذ الأمريكي في العصر الحديث. لذلك، جاءت كلمة الرئيس «أوباما» دالّة وعميقة حين لقائه بالرئيس الكوبي، حين قال: «رسالتي هنا هي أن الحرب الباردة انتهت. أعتقد أنه علينا أن نكون واضحين، كوبا لا تشكل خطرا على الولاياتالمتحدة. نحن لسنا أمام مسألة تغيير النظام، نحن أمام مسألة ضمان أن يكون للشعب الكوبي الحرية والإمكانية للمشاركة وأخذ زمام الأمور بيده ومساندة المجتمع المدني». ومن الجانب الآخر، يُراهن الكوبيون على أن يُدشِّن لقاء «أوباما» «كاسترو» صفحة جديدة بين البلدين، تُسعف كوبا في رفع الحظر الاقتصادي والتجاري عنها، وإسقاط اسمها من قائمة البلدان الراعية للإرهاب. بل إن تقديرات الكوبيين ترى أن كلفة الخسائر التي أصابت بلدهم تجاوزت 117 مليار دولار، منذ فرض الحظر عليهم بداية ستينيات القرن الماضي. لاشك، كما أسلفنا الإشارة، أن اللقاء دال واستراتيجي للقارتين الأمريكيتين وللعالم ككل، لكن ما الذي سمح للبلدين بالإقدام على هذه الخطوة الشجاعة والتاريخية؟، وهل يساعد المتاح من الأخبار والمعطيات على معرفة مصادر لقاء القرن؟ ليس ثمة شك أن الإجابة عن هذين السؤالين وغيرهما من الاستفهامات غير ممكنة لأسباب موضوعية ذات علاقة بطبيعة العلاقات الدولية عموما، التي يحكمها الباطن أكثر من الظاهر، فبالأحرى إذا كان الأمر يتعلق بقضية شائكة تجاوزت نصف قرن، أي الصراع الأمريكي الكوبي. بيد أن الجواب عند بعض المحللين لتعقيدات العلاقات الدولية، يذهب إلى أن أمريكا في حاجة ماسة إلى صياغة استراتيجية جديدة في علاقاتها مع قارة جوارها، أي أمريكا اللاتينية، بسبب عودة التأثير الروسي إلى بلدانها، وتزايد النفوذ الصيني، وبسبب كذلك احتمالات دخول إيران، إن شهدت تسوية في ملفها النووي مع الغرب، إلى هذه القارة، أي أمريكا الجنوبية، التي ما انفكت جاذبيتها تتزايد، ومحاور الاستقطاب إلى ثرواتها.. فمن هذه الزاوية بالذات، قرأ الاستراتيجيون الأمريكيون ضرورة البدء بتطبيع علاقات بلدهم مع كوبا، لتكون البوابة الرئيسة لتجديد تموقعهم في هذه القارة، ومن ثمة إعادة الروح إلى علاقتهم مع دول صاعدة مثل فنزويلا، والبرازيل، والأرجنتين. ومع أهمية الحاجة إلى تحليل أكثر للقاء القرن بين أمريكاوكوبا، فإن المصالحة بين البلدين التي رسمت خطواتها الأولى منذ دجنبر 2014، وعلى هامش قمة الأمريكيتين في بنما في العاشر من هذا الشهر، فإن الحدث لن يمر دون ردود فعل، وربما مقاومات من البلدين، من قبيل موجات الاحتجاج التي أبدتها المعارضة الكوبية في الخارج، وداخل الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، وكذلك الأصوات المعارضة للتطبيع الأمريكي الكوبي من قبل بعض الأمريكيين أنفسهم.. لقد تدحرجت كرة الثلج، ويُنتظر أن تستمر في التدحرج لإنهاء أكثر من نصف قرن من العداء بين بلدين متجاورين.