مديرية الأمن تطلق منصة "إبلاغ" للتبليغ عن المحتويات غير المشروعة على الأنترنيت    الحكومة: المغرب أصبح قبلة للاستثمار ونعول على القوانين لإحداث مناصب للشغل    الملك محمد السادس يراسل عاهل السويد    الحكومة تضمن استمرارية التكوين لموظفي وزارة العدل والمهن القانونية والقضائية    شركة "غوشن هاي تيك" تعتزم بناء مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بالمغرب    أضاحي العيد.. الحكومة: العرض يفوق الطلب واستيراد الأغنام عملية استثنائية ومؤقتة    مبيعات الإسمنت تتجاوز 5,52 مليون طن    غزة.. مقتل عشرات الأشخاص في غارة تبنتها إسرائيل على مدرسة للأونروا تؤوي نازحين    خطة جديدة للركراكي أمام زامبيا وهذه تشكيلة المنتخب الوطني    ريد وان ينتج أغنية رسمية لريال مدريد للمرة الثانية    إقصائيات كأس العالم.. أسود الأطلس من أجل استعادة الفعالية الهجومية    ارتفاع عدد قتلى حريق "قيسارية فاس"    ضبط سيارة بمخدرات في القصر الكبير    في وداع حقوقي مَغربي    الإجهاد الفسيولوجي يضعف قدرة الدماغ على أداء الوظائف الطبيعية    هل يحصد الدولي المغربي إبراهيم دياز الكرة الأفريقية؟    أونسا يكشف أسباب نفوق أغنام نواحي برشيد    إسبانيا تنضم رسميًا لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    قرض ألماني بقيمة 100 مليون أورو لإعادة إعمار مناطق زلزال "الحوز"    مقتل قرابة 100 شخص بولاية الجزيرة في السودان إثر هجوم    طنجة تستعد لاستقبال المصطافين بتهيئة وتجهيز الشواطئ    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    أساتذة كلية العلوم بتطوان يحتجون على تردي الخدمات والمرافق بالمؤسسة    "الأسود" يختتمون تحضيراتهم بالمعمورة ويتوجهون إلى أكادير لملاقاة زامبيا    تكريم مدير المركز السينمائي عبد العزيز البوجدايني في مهرجان الداخلة    أولمبياد باريس 2024 : ارتفاع أسعار السكن والإقامة    «الفيفا» يقرر استخدام تقنية الفيديو في مونديال السيدات لأقل من 20 سنة    توقيف شخص بطنجة وثلاثة بمدن أخرى موالين لتنظيم "داعش" الإرهابي للاشتباه في تورطهم في التحضير لتنفيذ مخططات إرهابية    المجلس الجهوي للمهندسين المعماريين بطنجة يدين محاولات تشويه سمعة مديرة الوكالة الحضرية    الإعلام الجزائري.. مدرسة المدلّسين    الصناعة التحويلية .. أرباب المقاولات يتوقعون ارتفاع الإنتاج    أمسية شعرية تسلط الضوء على "فلسطين" في شعر الراحل علال الفاسي    هشام جعيط وقضايا الهوية والحداثة والكونية...    ارتفاع أسعار الذهب مع تراجع الدولار وعوائد سندات الخزانة    أزمة القيادة العالمية ولحظة الحسم..    الصحة العالمية: تسجيل أول وفاة بفيروس إنفلونزا الطيور من نوع A(H5N2) في المكسيك    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    عموتة يحسم الجدل بخصوص عودته لتدريب الوداد الرياضي    مجددا.. إسرائيل تقصف مدرسة بغزة تأوي اللاجئين ووسائل إعلام تعلن مقتل 27 فلسطيني    مقتل 37 شخصا في قصف مدرسة بغزة    الأمن يوقف مهدد خطف نجل بودريقة    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس حفل تخرج الفوج 24 للسلك العالي للدفاع والفوج 58 لسلك الأركان بالقنيطرة    الممثلة حليمة البحراوي تستحضر تجربة قيادتها لأول سربة نسوية ل"التبوريدة" بالمغرب    اليونيسف: 90% من أطفال غزة يفتقرون إلى الغذاء اللازم للنمو السليم    هزة أرضية ترعب ساكنة إقليم الحسيمة    نور الدين مفتاح يكتب: آش غادي نكملوا؟    "التسمين" وراء نفوق عشرات الخرفان المعدة لعيد الأضحى بإقليم برشيد    طبيب مغربي يبتكر "لعبة الفتح" لتخليص الأطفال من إدمان الشاشات    انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    المخرج عزيز السالمي يترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الرباط كوميدي    حكومة الاحتلال واعتبار (الأونروا) منظمة إرهابية    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    مبادرة بوزان تحتفي بزي "الحايك" الأصيل    خبراء: حساسية الطعام من أكثر الحالات الصحية شيوعا وخطورة في زمن تنوع الاطعمة    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السعودية.. فاتورة الإصلاح الثقيلة
نشر في اليوم 24 يوم 25 - 01 - 2016

ما الذي قد يحدث إذا تخلت مملكة آل سعود عن الكرم الحاتمي والرعاية والرفاهية التي تحيط بها المواطن السعودي من كل جانب؟ قلصت من دعمها للمحروقات وفواتير الماء والكهرباء، وفوضت خدمات الصحة والتعليم، وفرضت ضرائب جديدة، وخصخصت أو باعت جزءا من أسهم وكالات وشركات وطنية، على رأسها أكبر وأغلى شركة لإنتاج النفط في العالم، «أرامكو». رفعت لواء أهل السنة في وجه شيعة إيران، وضخت السيولة في جيوب الدول الحليفة؟ فعلت كل هذا، وأجّلت الحديث عن تحرير القول في السياسة وحقوق الإنسان إلى إشعار لاحق؟
السعودية ترى أن لا شيء سيحدث، مادامت جذور النظام متأصلة في تاريخ البلاد، ومحصنة بشرعية الدين، وسنين طويلة من حماية المقدسات؟ «ذي إيكونوميست» البريطانية تخالف مملكة الصحراء الرأي في تحليل شيّق للحلم السعودي. الصحيفة البريطانية الرصينة التقت كبار المسؤولين، بمن فيهم الأمير القوي محمد بن سليمان، وكتبت تحقيقا هذا أبرز ما جاء فيه.
ذي إيكونوميست
لسنوات بدت المملكة العربية السعودية تغط في نوم عميق. بلاد تعتمد على ثرواتها النفطية الهائلة وقدرات حليفها الأمريكي، لشراء السلم الاجتماعي بالداخل، وفرض حالة من الكمون على دول الجوار. غير أن انهيار أسعار النفط، وانسحاب الولايات المتحدة من أزمات الشرق الأوسط المعقدة، والغليان الإقليمي، وانتقال السلطة إلى جيل جديد من الحكام في البلاد، لاسيما ابن الملك المفضل، محمد بن سلمان، غير كل شيء، لتصير مملكة الصحراء في مواجهة عاصفة من التحولات العميقة.
هذه التغييرات في الداخل والخارج أنتجت تعاملا قاسيا مع المعارضين داخل البلاد، ومواقف متصلبة خارجها، يرافقها استعراض مخيف للقوة. في الثاني من يناير، أعدمت السعودية 47 شخصا بتهمة الإرهاب وربط صلات بالقاعدة، بمن فيهم رجل الدين الشيعي نمر النمر. ومباشرة بعد إضرام الإيرانيين النار في سفارة السعودية بطهران، احتجاجا على إعدام النمر، ردت المملكة بقطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع الجمهورية الفارسية، في خطوة تصعيدية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير محسوبة العواقب في منطقة هشة.
مخطط الإصلاح السعودي
وبعيدا عن بهرجة الإعلام، يمكن أن يؤدي أي موقف متصلب آخر للسعودية إلى نتائج بالغة الخطورة، خاصة وقد أعد ولي ولي العهد، ووزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، مخططا لفتح اقتصاد البلاد والحكومة المنغلقين، يتضمن، حسب الأمير، إمكانية بيع أسهم في شركة النفط الوطنية العملاقة «أرامكو».
ويعود انهيار أسعار البترول من 110 دولارات للبرميل سنة 2014 إلى أقل من 35 دولارا حاليا، في جزء منه، إلى قرار السعودية حماية حصتها من سوق النفط الدولية، بيد أن الأسعار المتدنية تحولت إلى قنبلة موقوتة بالنسبة إلى بلاد تضخ تجارة هذه المادة 90 في المائة من مداخيلها، في وقت ارتفع فيه عجز الميزانية إلى 15 في المائة من الناتج الداخلي القومي، وانخفضت احتياطات البلاد الخارجية، التي تقدر ب650 مليار دولار، ب100 مليار دولار.
في تسعينات القرن الماضي، اضطر انخفاض أسعار النفط السعودية إلى اقتراض مبالغ كبيرة، ولم تخرج البلاد من تلك الأزمة إلا بعد أن انعكس الازدهار الاقتصادي في الصين على أسعار البضائع والسلع مؤديا بها إلى الارتفاع سنة 2000. حاليا، لا أحد يتوقع عودة أسعار النفط إلى مستواها السابق. والرؤية الحالية لدى صناع القرار في المملكة تقول إن النظام الاقتصادي هو الذي يجب أن يتغير. ففي حوار مع «ذي إيكونوميست»، رسم الأمير محمد بن سلمان مخططا للإصلاح قد يصل إلى تحويل كامل في هيكلة الاقتصاد والمجتمع السعودي.
الركيزة الأولى في هذا المخطط تتمثل في تعزيز النظام الضريبي بهدف الحد من عجز الميزانية خلال السنوات الخمس المقبلة، حتى ولو بقيت أسعار النفط متدنية. وبالرغم من حاجة الاقتصاد الفعلية إلى حمية صارمة لنقص النفقات الزائدة، فتنفيذ ذلك ليس بالأمر الهين في نظام يعتمد على أموال النفط، لا عائدات الضرائب، في توفير خدمات بالغة الحساسية كالتعليم والتغطية الصحية، المجَّانَين في البلاد، ناهيك عن الدعم الموجه للماء والكهرباء والسكن.
وقد اتخذت القيادة السعودية الجديدة خطوة صريحة في هذا الاتجاه، حيث أدى تقليص نفقات الدولة خلال الأشهر الأخيرة ل2015 إلى تجنيب البلاد بلوغ معدل قياسي من العجز قد يصل إلى 20 في المائة من ناتجها الداخلي القومي. كما يتضمن قانون مالية 2016 زيادات في أسعار المحروقات والماء والكهرباء، وإن ظلت مدعمة بشكل كبير.
ويسعى الأمير إلى الانتقال بالتدريج إلى أسعار السوق في غضون الخمس سنوات المقبلة، وقد أقر ضرائب جديدة من بينها زيادة في الضريبة على القيمة المضافة ب5 في المائة، وضرائب على المنتجات المضرة مثل السجائر، إلى جانب أخرى على الأراضي غير المستغلة.
ويعد سعي الأمير إلى إعادة التوازن إلى نظامي الضريبة والدعم خطوة أولى فقط في مسار طويل، خاصة أن أعمار حوالي 70 في المائة من السعوديين لا تتعدى 30 سنة، وثلثا العمال السعوديين يشتغلون في القطاع العام. ومع توقع تضاعف عدد العمال خلال سنة 2030 بالبلاد، فسيتحتم على المملكة قلب اقتصادها المتسم بالجمود والبطء رأسا على عقب، عبر تنويع الصادرات، ودعم الرأسمال الخاص، وتعزيز فعالية السوق.
وتسعى الحكومة إلى القيام بهذه الإصلاحات عبر انسحاب تدريجي للدولة من كافة القطاعات، والاقتصار فقط على تقديم الخدمات الأساسية. فمن الصحة إلى التعليم إلى الشركات المملوكة للدولة، تبحث القيادة السعودية الجديدة عن الخصخصة، وتفويض بعض الخدمات العمومية لمستثمرين خواص، ولها مخططات لإحداث مدارس مستأجرة (تمولها الدولة ويسيرها خواص)، ونظام تأمين عن المرض يدبره القطاع الخاص أيضا.
كما تسير المملكة في اتجاه الخصخصة الجزئية أو الكلية لعشرات الوكالات والشركات التابعة للدولة، بما فيها شركة الطيران الوطنية، وشركة الاتصالات. غير أن أكبر عملية خصخصة على الإطلاق تخص شركة «أرامكو السعودية»، التي تعد أقوى شركة وطنية وأغلى وأكبر شركة لإنتاج النفط في العالم. وقد طلب الأمير السعودي من مستشاريه دراسة بيع أسهم الشركة في السوق العالمية، وإعداد خطة للقيام بذلك في غضون أشهر. والسؤال العريض الذي يمكن طرحه هنا هو: هل يمكن لمخطط إصلاحي من هذا الحجم وبهذا الطموح أن يترجم إلى واقع؟
شتان بين الخطاب والواقع، خاصة في ظل وجود عقبات كبيرة. فقد وعدت السعودية بتنفيذ إصلاحات من قبل لكنها أخفقت في آخر المطاف. فأسواقها المالية ضعيفة، وقدرات إدارتها أضعف. والاستثمار الذي تحتاج للقيام به إلى ساكنتها الشابة، وصناعاتها غير النفطية، وبناها التحتية السياحية وكثير من المجالات الأخرى، ليس بالأمر الهيّن، ولن يحدث أبدا ما لم يثق المستثمرون بمستقبل البلاد. وهي ثقة تحتاج من السعودية إلى بذل كثير من الجهد لبنائها.
إصلاح بعيد المنال
اتباع سياسة تقشفية على المنوال اليوناني سيكون مكلفا سياسيا وغير شعبي. فالدعم الكبير للقطاعات الاجتماعية في السعودية جاء، في شق منه، ليعوض النقص الحاصل في الحقوق السياسية.
وإلى الآن مازالت الأسرة الملكية في السعودية مترددة في تحرير المجال السياسي، الذي يمكن أن يجعل فئات عريضة تستسيغ الإجراءات الجديدة المتعلقة بخفض الإنفاق الحكومي. غير أن النظام الجديد لا يرى أن ضرورات الاقتصاد تتطلب تنفيذ إصلاح سياسي. فحتى فكرة الانتخابات الأخيرة التي سُمح فيها للسناء بالتصويت والترشح للمجالس البلدية تعود للملك الراحل.
كما لا توجد أي مؤشرات على تخفيف حدة الاستبداد الديني الذي تتقاسمه السعودية مع تنظيم «داعش»، عدوّها اللدود. ولا يريد الأمير محمد الآن على الأقل الدخول في أي نقاش مع الفقهاء حول أي موضوع من هذه الشاكلة، وإن يكن مثلا قضية منع النساء من قيادة السيارات.
العقبة الثانية التي يواجهها المخطط الإصلاحي السعودي هي التوازنات الإقليمية. فبعدما قويت شوكة الإيرانيين، صار السعوديون يعتبرون أنفسهم حملة مشعل الدفاع السني. فقد واجهت السعودية الحوثيين في اليمن، وبشار الأسد في سوريا، والمعارضين الشيعة داخل البلاد وبدول الجوار السنية، مثل البحرين.
وترى القيادة السعودية الجديدة أن الاستقرار يحتاج إلى إرسال رسالة واضحة إلى الإرهابيين (ليست إلا الإعدامات)، وتعتبر أن الدفاع عن مصالحها يحتم عليها الدخول في مواجهة ضد إيران، لاعتقادها بأن هذه الأخيرة تخطط لإقامة إمبراطورية فارسية في المنطقة.
بيد أن هذه الرؤية للأوضاع لا تسلم من عيوب، فالسعودية تجازف بالاستمرار وحيدة في معركة طائفية لا هي قادرة على الفوز فيها، ولا هي قادرة على تحمّل تكاليفها. فمن جهة، الحرب التي تقودها السعودية في اليمن تحتاج إلى أموال كثيرة، ومن جهة أخرى، دعم مصر وحلفاء سنة آخرين يكلف الجيب السعودي الكثير، وميزانية الدفاع والأمن تكلف لوحدها 25 في المائة من نفقات الحكومة، وتقضم حصة كبيرة من الميزانية المستمرة في الانكماش. كما أن التوترات الإقليمية ستبعد الاستثمارات الخاصة، فمن سيجازف بوضع ملايير الدولارات في اقتصاد منعزل في منطقة عاصفة؟
محمد بن سلمان.. رؤية أمير نافذ
في مكتبه الفاخر المخصص لاستقبال الضيوف بالعاصمة التاريخية لآل سعود، الدرعية، يستعرض الأمير السعودي الأرقام والسياسات المختلفة بسرعة وأريحية بالغة، لا يتوقف إلا لتلقي اتصال من وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري. يستعمل ضمير المتكلم في حديثه، ويتحدث أحيانا كأنه صار ملكا. وخلال خمس ساعات من العمل الأميري لا يرد ذكر الملك سلمان إلا مرة واحدة، فيما لا يذكر الأمير نهائيا ابن عمه ولي العهد، محمد بن نايف، رغم أنه وزير داخلية البلاد.
وقد كلف الملك سلمان بن عبد العزيز الأمير الشاب بكثير من المهام والمسؤوليات الجسيمة داخل المملكة. ومن حينها ومحمد بن سلمان يسابق الزمن من أجل إيقاظ مملكة الصحراء من سباتها العميق. يقول أحد رجال ثقة الأمير: «العالم العربي لا يواجه فقط إمكانية قيام هلال شيعي بل ميلاد قمر شيعي مكتمل».
ويتحدث الأمير محمد بشغف كبير عن الولايات المتحدة: «على أمريكا أن تعلم أنها الرقم واحد في العالم، وعليها أن تتصرف وفق ما يمليه ذلك»، يقول الأمير، معتقدا أن عودة أمريكا إلى المنطقة بشكل عاجل وبانخراط أكبر سيصب لصالح البلاد.
من ناحية أخرى، يعلم الأمير جيدا أن التغيير في المملكة لا بد أن يحدث وبسرعة، ويحاول تعويض ما يفتقر إليه من تجربة ورحلات خارجية، بالثقة والتركيز والعشرات من تقارير الخبراء.
ولعل أهم إجراءات الأمير السعودي هي تلك الموجهة للداخل السعودي. فقد تضمن قانون المالية تقليص الدعم الموجه للماء والكهرباء والمحروقات. وكانت هذه الإجراءات موجهة أساسا للأثرياء، بمن فيهم عشرات الأمراء. «لا أستحق هذا الدعم»، يقول الأمير.
رغم ذلك وقف السعوديون على مشهد نادر عندما انتظم عشرات الناس في صف طويل لشراء البنزين أياما قليلة قبل أن يرتفع سعره ب50 في المائة انطلاقا من فاتح يناير. وينص مخطط الأمير على أن يتحول السعوديون، في غضون خمس سنوات، إلى الأسعار المطبقة بالسوق، مقابل تعويضات تصرف مباشرة للفئات الأكثر هشاشة.
وبخصوص الضرائب، أكد الأمير للصحيفة أنه لن تكون هنالك ضريبة على الدخل، ولا ضريبة على الثروة. ويروم بن سلمان، عبر مخططه الإصلاحي الذي سينشر نهاية هذا الشهر، تطوير بدائل للنفط، وتقليص كتلة الأجور في الوظيفة العمومية بشكل كبير.
وتعتزم الحكومة بيع أراضٍ ثمينة لمنعشين عقاريين، من بينها 4 ملايين مربع من الأراضي التي تملكها حول مكة المكرمة، والتي تعد إحدى أغلى عقارات العالم. ويعلق الأمير آمالا عريضة على تطوير السياحة الإسلامية بالأراضي المقدسة، ويأمل أن يرفع المعدل السنوي للزوار الأجانب من 35 مليون زائر إلى 45 مليون زائر في ظرف 5 سنوات.
قمع وإصلاحات فرضتها الضرورة
ويتمثل الرهان الأساسي الذي يواجهه المخطط السعودي في أن إصلاحات الأمير العميقة تصل، في حقيقة الأمر، إلى حد إعادة نظم العقد الاجتماعي السعودي، ما يطرح تساؤلات لدى السعوديين حول مدى هذه الإصلاحات، فلمَ ينبغي على المواطن أن يتقشف، فيما يتنعم الأمراء بثروات لا تعد ولا تحصى؟ خاصة أن الأمير محمد بن سلمان، ومقابل جرأته الكبيرة في الحديث عن الإصلاحات الاقتصادية، يلوذ بالصمت عندما يتعلق الأمر بالانفتاح السياسي الذي يمكن أن يساعد في قبول الشعب لهذه الثورة الاقتصادية.
وحسب نشطاء، فقد وصلت الممارسات القمعية إلى «مستوى غير مسبوق». وجعل قانون الإرهاب، الذي صودق عليه في 2014، من كافة أشكال المعارضة تقريبا جريمة إرهابية. وتعج الدولة بأمثلة عن محامين وجدوا أنفسهم وراء القضبان بسبب ترافعهم عن موكلين يزعجون النظام، أو أئمة منابر انقلبوا بالكامل في خطاباتهم من انتقاد الفساد إلى الالتزام التام بتلاوة الخطب المسكنة التي تفرضها عليهم الدولة، أو فناني فكاهة توقفوا عن إطلاق أي نكتة حول أعضاء العائلة الملكية في عروضهم المسرحية. وبصورة أقوى، تم خلال أول عام للملك سلمان في الحكم إعدام عدد من الناس يفوق بكثير كل من تم إعدامهم خلال 20 سنة الماضية.
ولا تبدو مخططات الأمير الشاب نابعة من أي مشروع إيديولوجي. فكثير من الأفكار التي يسير على هداها الآن ظلت حبيسة رفوف الوزارات لسنوات، وأفكار أخرى ما هي إلا محاكاة لأمثلة أجنبية، كما هو الأمر بالنسبة إلى المدارس المستأجرة بأمريكا، أو الشراكات العامة الخاصة ببريطانيا، أو وقف دعم المحروقات في مصر وإيران. أفكار الأمير فرضتها، بكل بساطة، الحاجة الماسة إلى الإصلاح. فوجود أمير حيوي في البلاد خلال ظرفية تتسم بانهيار أسعار النفط، وأزمة مشتعلة في المنطقة، قد يقدم للبلاد فرصة نادرة تأتي مرة واحدة كل جيل لتحديث البلاد.
وتبقى محاولة فصل ما هو سياسي عما هو اقتصادي في الإصلاح رهانا خطيرا. وقد كشف الربيع العربي هذا العطب البنيوي الذي تعانيه الدول العربية، وهو ما يطرح شكوكا حقيقية حول قدرة النظام السعودي على الإصلاح، خاصة أنه لا يملك خيارا سواه: فبقاؤه في السلطة قد يعتمد عليه.
أركان البيت السعودي
ثلاثة تحالفات عقدها آل سعود هي التي جعلتهم يستمرون في الحكم إلى يومنا هذا: التحالف الأول تم مع الحركة الوهابية لترسيخ نفوذهم الديني كحماة للأراضي المقدسة في مكة والمدينة، والثاني مع الرعايا عبر عطاء وسخاء غير محدود مقابل إذعان تام للنظام المستبد، والثالث مع الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عن المصالح السعودية مقابل ضمان الأخيرة استقرار سوق النفط.
ويبدو جليا اليوم أن التحالفات الثلاثة في طريقها للتلاشي والزوال. فأمريكا بدأت تنسحب من أزمات الشرق الأوسط، وانهيار أسعار النفط يعني أن النموذج الاقتصادي القائم لا يمكن أن يتحمل تكاليف الساكنة الكثيرة وغير المنتجة. كما أن التحالف مع المتشددين يهدد الدولة، بما أنه يغذي التيارات الجهادية، ويقف حجر عثرة أمام القيام بأدنى الإصلاحات الاجتماعية الضرورية لفطم البلاد عن صنبور النفط وخلق نموذج اقتصادي بديل.
ولا غرابة أمام هذه المعطيات أن يتعجل كثيرون من منتقدي النظام السعودي الحكم، ويروا في هذه المعطيات بداية النهاية لحكم آل سعود. لكن، في نظر الأمير محمد، إن كان هناك من درس قدمه الربيع العربي والتاريخ فهو أن الأنظمة التي تفتقر إلى الشرعية التاريخية في الحكم مصيرها الزوال، ما يعني أن آل سعود باقون.
ويبدو أن النظام الجديد يرى أن التصلب في المواقف داخليا وخارجيا يدل على قوة المملكة، لكن حتى ولو لقي استعراض القوة هذا ترحيبا من قبل الداخل السعودي، فالاقتصاد لن يزدهر أبدا ما لم تضع الأسرة الملكية حدا لإشعال فتيل الحرب بالمنطقة وتجميد الإصلاحات السياسية داخل البلاد. إذا كان الأمير محمد يرغب في إعادة بناء بلاده، لا تخريبها، فعليه أن يعي ذلك جيدا

أرامكو.. صفقة القرن؟
لم يحدد الأمير محمد بن سلمان عدد الأسهم التي من الممكن بيعها في شركة أرامكو السعودية. ويرى مسؤولون بالسعودية أن الخيارات المطروحة بالنسبة إلى الشركة تتأرجح بين إدراج أسهم بعض فروع أرامكو في سوق الأسهم، وبيع حصص في الشركة الأم التي تنتج النفط الخام.
وجاء تأميم «الشركة العربية الأمريكية للنفط» (Arabian American Oil Company) أرامكو، التي كانت مكونة من أربع شركات أمريكية في السبعينات، ضمن انخراط السعودية في موجة «تأميم الموارد» التي ساعدت في نهاية المطاف على تحديد مستقبل هذه الصناعة.
وحسب تقديرات، فإن الإدراج الكامل لجميع أسهم أرامكو ستقدر قيمته بأكثر من تريليون دولار، حيث تبيع أرامكو أكثر من عشرة ملايين برميل من النفط يوميا، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف إنتاج أكبر شركة نفطية مدرجة في البورصة في العالم، وهي إيكسون موبايل. وتبلغ احتياطاتها من المواد الهيدروكاربونية 261 مليار برميل، أي عشرة أضعاف إيكسون موبايل، التي تعد كذلك أكبر شركة نفط خاصة تقدر قيمتها ب323 مليار دولار.
ويرى الأمير السعودي أن إدراج أسهم الشركة في سوق الأسهم يصب في مصلحة السوق السعودية، ومصلحة أرامكو، و«في مصلحة المزيد من الشفافية ومكافحة الفساد، إن وجد، والذي قد يكون موجودا في أرامكو».
ونفى مسؤول سعودي ل«ذي إيكونوميست» وجود أي نية لتسليم زمام الشركة أو مواردها النفطية لشركات أجنبية، مؤكدا أن الهدف هو تعزيز انخراط ملّاك الأسهم في سوق المملكة.
وحسب المعايير المؤطرة للاحتكارات الوطنية للنفط، يرى محللون أن أرامكو تُسيّر بشكل جيد. ويفسر مسؤولون بالبلاد شعبية الشركة لدى عامة الناس بما كان لها من أدوار، منذ كانت تخضع للإدارة الأمريكية، في بناء المدن والمدارس، ومحاربة الأوبئة خاصة في النصف الأول من القرن الماضي، ومساعدة الفلاحين على أن يصيروا مقاولين.
وبعد أن أعلن السعوديون أن أول حصة لهم بالشركة، والتي كانت تبلغ 25 في المائة سنة 1973، غير قابلة للتصفية، ما لبثوا إلا قليلا حتى أمموا «أرامكو» سنة 1980.
ولا تنشر الشركة أي تقارير حول مداخيلها، غير أن أسطولها الجوي المكون من 8 طائرات من نوع «بوينغ» 737، وامتلاكها مجموعة من ملاعب كرة القدم، تدفع إلى استنتاج أنها لا تدار بشكل تجاري صرف، بل يبدو أنها تلعب دور الذراع المكلفة بإدارة أهم المشاريع الحكومية، بما فيها إدارة مجموعة مستشفيات توظف حوالي 360 ألف شخص.
وأجبرت السعودية منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على الحفاظ على مستوى الإنتاج مستقرا، رغم تدني سعر البترول من 120 دولارا للبرميل إلى أقل من 35 دولارا للبرميل، للحفاظ على حصتها من السوق.
ويُعقّد قرار المملكة قطع العلاقات مع إيران، العضو في المنظمة المذكورة، إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الطرفين حول خفض الإنتاج، رغم إعلان مسؤولين سعوديين بوضوح أنهم لا يعتزمون بتاتا القيام بأي إجراءات لإنقاذ الأسعار.
ومن المحتمل أن يكون بيع أسهم «أرامكو» يدخل في إطار فلسفة جديدة بدأت تضرب صناعة النفط في الصميم للمرة الأولى منذ نصف قرن، وهي الرجوع بالشركات المؤممة إلى الخصخصة (denationalization). وسيكون لهذا السيناريو، إذا جرى مع شركة «أرامكو» السعودية، تداعيات مهمة على الصعيد الدولي.
ترجمة « اليوم24» بتصرف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.