طقس الاثنين: الحرارة في ارتفاع تدريجي    الرجاء البيضاوي يعتلي الصدارة في انتظار خطوة واحدة بوجدة    الجامعة الملكية المغربية للملاكمة بطولة المغرب التأهيلية للملاكمة كبار للموسم الرياضي 2024/2023    الدراج العثماني يحل ثانيا في "غاروا"    هذه خلاصة اجتماع مجلس الحكومة    مداهمة مقاهي للشيشة وسط طنجة وتوقيف أشخاص مبحوث عنهم    الرجاء يطيح بالوداد في ديربي البيضاء ويخطف صدارة الدوري من الجيش    موسيقى جهجوكة.. نغمات صوفية من جبال المغرب إلى أبرز مسارح العالم    المؤتمر الوطني الإفريقي يخسر غالبيته المطلقة في برلمان جنوب إفريقيا ويبحث عن ائتلاف    تفاصيل اجتماع مجلس الحكومة    طقس الإثنين.. أجواء حارة وزخات رعدية بهذه المناطق    مخدرات وأسلحة نارية تطيحان بفرنسي في باب سبتة    إسرائيل توصي مواطنيها بعدم السفر إلى المالديف    كلية بني ملال تؤجل امتحانات الطب    نادي المحامين بالمغرب يستنكر قرار الاتحاد المصري لكرة القدم بحق الشيبي    جائزة الحسن الثاني للفروسية التقليدية تسدل الستار بتتويج "سربة برشيد"    حرب على العروبة أم على الانتماء المشترك؟    مع تزايد عدد الضحايا.. كيف يتم اختراق الحسابات البنكية لزبناء البنوك في المغرب والحلول الممكنة للحماية؟    أحمدي نجاد يقدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية الإيرانية    القبض على سيدة وأبنائها بتهمة قتل وإخفاء جثة الزوج في حائط المنزل    ليبيريا تجدد الدعم لمغربية الصحراء    اعتداء بالسلاح الأبيض وقنينة غاز كريموجين في طنجة    تحالف "أوبك+" يتفق على تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط    تتويج الفنان والعازف السعودي عبادي الجوهر بجائزة زرياب للمهارات بمهرجان تطوان الدولي للعود    الدرهم ينخفض بنسبة 0,51 % مقابل الأورو    تقارير: كيليان مبابي انضم رسميا إلى ريال مدريد    الهند.. وفاة 33 موظفا في مراكز الاقتراع بسبب الحرارة المفرطة    بعد نجاح عمليتها الجراحية.. هدى صدقي توجه رسالة خاصة لمتابعيها    هذا ما قاله براهيم دياز بعد تتويجه بلقب دوري أبطال أوروبا    أمن البيضاء يُحبط محاولة تهريب أطنان من المخدرات    انتخابات برلمان أوروبا .. توقعات بصعود اليمين المتطرف والأحزاب القومية    حصيلة الحرب في قطاع غزة: 36439 قتيلاً    "الطائفة اليهودية بالمغرب" ترفض التشكيك في مواقف إسرائيل تجاه الصحراء    حفل استثنائي لبوريل يختتم مهرجان فاس    جلالة الملك يهنئ الرئيس الإيطالي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    الكويت.. الشيخ صباح خالد يؤدي اليمين الدستورية بمناسبة تعيينه وليا للعهد    The Village Next to Paradise فيلم من الصومال تتغنى به المواقع السينمائية حول العالم    الرباط: معرض نموذجي بصندوق الإيداع والتدبير لخريجي المدرسة العليا للفنون الجميلة بالبيضاء    صلاحي السويدي رئيس منتدى الصحراء للحوار والثقافات يجتمع بالمديرة العامة للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات    بعد منع أسماء لزرق من الغناء بتونس.. فنانون مغاربة يطالبون ب"تطبيق المعاملة بالمثل"    مباحثات بين بوريطة ونظيره الكوري تهدف إلى ضخ دينامية جديدة في علاقات التعاون بين البلدين    المغرب – كوريا: بيان مشترك حول إطلاق مباحثات استكشافية لإرساء إطار قانوني للتجارة والاستثمار    انطلاق أعمال القمة الدولية لريادة الأعمال ونهائي برنامج الإيسيسكو لتدريب الشباب بمجال التكنولوجيا    مسؤول: نأمل أن يتم تسريع وثيرة دراسات مشروع تّحلية مياه البحر لإنقاذ سقي 10 آلاف هكتار بتارودانت (فيديو)    رغم الجفاف.. ارتفاع صادرات المغرب من الماء    صحيفة اسبانية: المغرب يستورد مزيدا من الأغنام الإسبانية وأسعارها تتراوح ما بين 2200 و4400 درهم حسب العينات (فيديو)    من هو طارق حمان المدير العام الجديد للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب؟    منظمتان تهتمان بتعزيز الحكامة الرقمية    الأمثال العامية بتطوان... (613)    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    أول مغربية تقاضي أسترازينيكا تصف الحكم القضائي بالتعويض المالي بالمنصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحراق الذات... وسيلة ضغط جديدة على السلطات المغربية

أعاد إقدام أربعة عاطلين عن العمل على إحراق نفسهم في ملحقة وزارة التربية الوطنية في الرباط، احتجاجا على الطوق الأمني المضروب عليهم، وعلى حرمانهم من وصول الأفرشة والمواد الغذائية والأدوية إليهم، موضوع إحراق الذات الى الواجهة، والملفت للانتباه أن هذا التصرف ليس أمرا طارئا على السلوك الاحتجاجي في المغرب، إذ بالرجوع إلى السجل الاحتجاجي للمغاربة، نجد أن حاملي الشهادات العاطلين عن العمل، ومجموعات المكفوفين كانوا قد هددوا قبل سنوات، في أكثر من محطة، بإحراق أجسادهم إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم في التشغيل.
وبالفعل أقدم شاب مغربي عاطل عن العمل في آذار (مارس) 2010، أي قبل 9 أشهر من حادث البوعزيزي، على إحراق جسده تعبيرا عن سخطه على إقصائه من الإدماج المباشر في سلك الوظيفة العامة، ولم يتوقف هذا النوع من الاحتجاج عند هذا الحد، بل تحول- مع خروج الثورات العربية من جلد البوعزيري- إلى أسلوب جديد للضغط على الحكومات، فشمل ليس العاطلين عن العمل فحسب، بل موظفي الصحة والتعليم والشرطة وحراس الأمن الخاص.
تحليل علم النفس
وينظر علم الاجتماع إلى ظاهرة إحراق الذات أو اضرام النار في الجسد كظاهرة مرض نفسي، مرتبط بالصورة السلبية حول الذات، وهي النظرة التي يكون المرء قد كونها عن نفسه بفعل عوامل متعددة، منها عوامل نفسية وأخرى اجتماعية وأخرى مرتبطة بتمثلات الشخص عن نفسه ومحيطه وذاته المثالية، حيث يقدم على حرق جسده في ساحة عمومية بهدف إثارة الانتباه، وإدانة النفس بشكل علني انتقاما رمزيا من المجتمع الذي أهانها واستصغر شأنها، وقلل من قيمتها وخلق الصدمة الاجتماعية لدى الآخرين لكي يعترفوا ببطولة قلما تصوروا أن تاتي من أبسط الناس.
عبد الجليل الكابوسي هو أحد الخريجين العاطلين وعضو المكتب التنفيذي لجمعية الكرامة للمجازين العاطلين عن العمل بإقليم الفقيه بن صالح، تحدتث إليه "إيلاف" من أجل استجلاء أسباب إقدام بعض العاطلين عن العمل على حرق أنفسهم، فقال ل"إيلاف" إن الإعتصام الذي يخوضه الخريجون العاطلون بمدينة الفقيه بن صالح، تعرّض للقمع من طرف الجهاز الأمني، وهو ما نتج عنه إصابات متفاوتة الخطورة في صفوف العاطلين، هذا السبب كان كافيا بنظره لتبرير إقدام عاطلين على محاولة حرق ذواتهما احتجاجا على القمع، فلولا تدخل بعض العاطلين لإنقاذ حياة هذين العاطلين لحلت الكارثة.
لم يكن تبرير الكابوسي قد أشار أيضا إلى أن الحالة النفسية لهذين العاطلين كانت جد متردية بالنظر لتجاوزهم سن التوظيف القانوني، فأحدهما وصل إلى الخمسين من عمره ولم يظفر لحدود الآن بمنصب عمل، علما أنه متزوج وله ابنتين وجد نفسه عاجز عن التكفل بعلاج إبنته الكبرى التي تعاني من ضيق في التنفس، إلى جانب كونه يواجه بقرار إفراغ منزله بسبب عجزه عن دفع تكاليفه.
أما العاطل الآخر ففي الأربعينات من العمر ومع ذلك لم يظفر بمنصب عمل، وهو ما جعل زوجته تقرر التخلي عنه ومغادرة بيت الزوجية رفقة ابنهما الوحيد، الكابوسي أشار إلى أن مسؤولي جمعية الكرامة، سبق لهم أن طرحوا حالة هذين الشخصين مع عامل إقليم الفقيه بن صالح من أجل تمكينهما من رخص للنقل أو دكاكين لممارسة التجارة، لكنه فضل نهج أسلوب التسويف والمماطلة مشيرا إلى أن بلوغ هذين الشخصين مستوى من اليأس والإحباط جراء الظروف الإجتماعية القاسية في ظل عجزهم عن الحصول على عمل وفقدانهم الثقة في الوطن، يفسر إلى حد كبير إقدامهما على حرق ذواتهما، وهو نفس الموقف الذي يؤيده زميله العاطل عن العمل عبد الغني قموج الذي يرى أن عجز بعض خريجي الجامعات العاطلين عن توفير بعض متطلباتهم الشخصية، يؤدي إلى تسرب اليأس إلى نفوسهم في غياب مؤشرات تدعو إلى التفاؤل، خاصة أمام قلة مباريات التوظيف بل الأنكى من ذلك هو تفشي الرشوة في التوظيف، ففقدان الثقة في المستقبل – يضيف قموج في حديثه ل"إيلاف" يساهم في ترسيخ فكرة التخلص من الذات التي تسبب له الإزعاج النفسي والمعنوي، خاصة في ظل مجتمع لا يرحم. وأضاف في حديثه إن قمع الأشكال الإحتجاجية للعاطلين والتي يكفلها الدستور المغربي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، يجعل بعض العاطلين يفكرون في اللجوء إلى أشكال احتجاجية أكثر عنفا على الذات وضمنها إحراق الذات وهي محاولة – حسب رأيه – لإسماع أصواتهم المقموعة إلى العالم.
ويرى الدكتور أحمد الفيكي أستاذ علم النفس الإجتماعي بجامعة ابن زهر بأغادير، أن ظاهرة إحراق الذات ليست جديدة في التاريخ البشري، مشيرا إلى إن هناك انواعا كثيرة من إيذاء الذات وضمنها الإيذاء النفسي، كنوع من الإنتقام من الذات، فبدل أن يتجه الشخص نحو الموضوع الخارجي – يضيف الفيكي في حديثه ل"إيلاف"، يتجه نحو الذات بوصفها مصدر الألم، ولكونها معطلة عن العمل دون أن تملك القيم التي تجعلها إلى حد كبير في المكانة الطبيعية للذات البشرية، ولذلك فالعامل النفسي يحضر بقوة في مثل هذه الحالات، فهؤلاء – يضيف الفيكي - ينظرون إلى ذواتهم نظرة دونية ويتلذذون أحيانا في تعذيبها والذي يراد منه بالأساس التعبير عن السخط عن الوضعية المتأزمة الناتجة عن عدم الإعتراف بهم كأشخاص.
وفي سؤال ل"إيلاف" حول ارتباط هذه الظاهرة بقوة بالعاطلين عن العمل، قال الفيكي إن الأمر يعود لرمزية ومركزية الذات المثقفة، او الذات العالمة في الثقافة الإسلامية، وفي الثقافة العربية على وجه الخصوص، مشيرا إلى أننا في مجتمع يحترم الإنسانية و يحترم الذات ويحترم الخصوصية البشرية، مؤكدا أن هذا النوع من السلوك هو مرضي، عندما يكون بدون سبب موضوعي.
وأضاف في حديثه ل"إيلاف" الآن هذا السلوك الإنتقامي تجاه الذات فيه نوع من الإستعراضية لمحاولة إظهار للعالم أن هناك فئة كبيرة من المجتمع تستحق كل العناية والرعاية ومن ثم – يوضوح الفيكي – فإن هذا النوع من السلوك يكون فيه نوع من المناهضة للقمع الذي يسلط إداريا ويسلط من طرف المجتمع.
وبالنسبة للدكتور في الفقه والأصول والخطيب والواعظ أحمد عزيوي، فإن إحراق الذات أو الإمتناع عن الطعام حتى الموت أو الإنتحار بأية وسيلة من الوسائل تعبيرا عن رفض الظلم واحتجاجا على الظلمة لا يجوز شرعا، فلا يجوز قتل النفس كما لا يجوز تعذيبها بأية وسيلة من الوسائل، أو قطع جزء من الجسد أو تخريب جزء منه لأن الإنسان لا يملك نفسه فهو مؤتمن على نفسه، لأنه هو وما يملك ملك لله تعالى، وقد وردت أحاديث نبوية شريفة تبين خطورة عذاب من يقدم على قتل نفسه بأية وسيلة من الوسائل، لأن الذي يقدم على حرق ذاته – حسب العزيوي - قد يؤدي إلى فنائها وهلاكها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا".
والحديث رواه الإمام البخاري، ووصف في حديثه ل" إيلاف" حرق الذات بالجريمة التي قد تؤدي إلى الموت، مشيرا إلى أنها تحمل عدم الرضا بقضاء الله وقدره وعدم الرضا بحكم الله وشرع الله لأنه لايجوز – حسب رأيه – مهما بلغ الظلم ومهما بلغ المنكر، أن يبيح الإسلام لشخص أن يقدم على قتل نفسه، إلا في بعض الحالات النادرة جدا وتكون في حالة الحرب حينما يكون الأسير في أيدي الكفار عرضة للتعذيب والتنكيل، وقال العزيوي أن إزهاق النفس بأي وسيلة من الوسائل بدعوى الإحتجاج لا يرضاه الإسلام ولم يسجل في تاريخ هذه الأمة، بل حتى ما أقدم عليه البوعزيزي رحمه الله – يضيف العزيوي – لم يقره عالم من علماء الإسلام بل دعوا له بالرحمة والمغفرة لأنه كان سببا في إسقاط طاغية تونس زين العابدين بن علي، وكان سببا في تحريك الأمة العربية من خلال الربيع العربي.
داعيا كل من أحرق ذاته وبقي على قيد الحياة إلى التوبة والندم على ما فعل والإستغفار من الله عز وجل فيجد الله غفورا رحيما وختم الدكتور في الفقه والأصول حديثه ل"إيلاف" بالقول "بل حتى من قتل نفسه فهو داخل في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وحتى إن أدخله النار فإنه لايخلد فيها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.