علاقة المغرب مع فرنسا،لم تعد تاريخية وتقليدية وبديهية وثابتة.التعايش المغربي- الإسباني ،لم يعد موصولا، بحكم حق الجار على جاره…. تلك، منظومة معجمية ومفهومية، متقادمة ولربما عثرت على هامش من الاستكانة خلال مرحلة سابقة،اليوم كل شيء تغير ويتغير بسرعة،مما جعل تضاريس العلاقات الدولية في معطياتها الآنية، أشبه بمن يخط على الماء.مما يفرض،على العقل الدبلوماسي التحول من النمطية إلى الإستراتجية المتأهبة، في إطار طبعا رؤيا متكاملة بعيدة المدى،تتكلم لغة مصلحة الشعوب أولا وأخيرا،وفق جدليات امتدادات المشروع المجتمعي الوطني،بناء على استثمار ركائز القوة السياسية والعسكرية والثقافية،التي وحدها فقط ثم فقط،تجعل باقي العالم يحترمك وتمنحك صوتا مسموعا بجانب المتكلمين. لقد شكلت سنة 2014،هزة نوعية للمسار الكلاسيكي المألوف الذي وسم علاقة باريسبالرباط،نتيجة هذا التوالي الكرونولوجي لأربع وقائع استثنائية،لم تكن حقا منتظرة،على الأقل انسجاما مع الفهم السائد والمتداول ظاهريا لتلك العلاقة الجانبية،لدى الرأي العام الفرنسي والمغربي : *الواقعة الأساس،والشرارة التي أشعلت الفتيل،تعود إلى يوم20فبراير2014،عندما حاولت الشرطة الفرنسية مداهمة مقر إقامة السفير المغربي في باريس،قصد استدعاء عبد اللطيف الحموشي مدير المخابرات المغربية،الذي كان وقتها في زيارة إلى فرنسا،كي يستمع إليه القضاء الفرنسي،بشأن الدعوى التي تقدمت بها منظمة غير حكومية تدعى ''عمل المسيحيين''،لإلغاء التعذيب.احتجت الرباط بشدة،واعتبرت الأمر حدثا خطيرا،غير مسبوق،يتعارض مع القواعد الدبلوماسية المعمول بها.ردة الفعل،انتقلت مباشرة إلى التفعيل العملي،بتعليق كل اتفاقيات التعاون القضائي التي تربط المغرب بفرنسا. *في مطار شارل دوغول،خضع صلاح الدين مزوار وزير الخارجية المغربي،لتفتيش دقيق بالرغم من جواز سفره الدبلوماسي. *مصطفى أديب،الناشط المغربي المقيم في فرنسا،والعسكري السابق،تسلل خلسة إلى غرفة الجنرال عبد العزيز بناني،الذي كان يعالج وقتها في مستشفى ''فال دو غراس" Val-de-Grace في باريس.استدعت الرباط، السفير الفرنسي شارل فري،كي تعرب له عن استيائها، لما وصفته بالاعتداء المعنوي. *ترويج جبهة البوليساريو الانفصالية،لخبر مفاده أن وزير الزراعة الفرنسي،قد حضر إحدى نشاطاتها،مما يتنافى مع حياد الموقف الفرنسي الرسمي،الذي مافتئ يردد دعمه :((حلا عادلا ودائما ومتوافقا عليه بين الطرفين،تحت إشراف الأممالمتحدة، وطبقا لما تنص عليه مقتضيات مجلس الأمن )). *التصريح المستفز جدا،وغير المقبول بتاتا، الذي كشف عنه السينمائي الإسباني خافير بارديم،المعروف بعدائه لوحدة المغرب الترابية،بمناسبة تواجده في باريس لتقديم فيلم''أبناء السحب''،مؤكدا بأن السفير الفرنسي في الأممالمتحدة"فرانسوا ديلاتر''،شبه له ذات مرة علاقة باريس بالمغرب،مثل :((علاقة مع عشيقة تضطر فرنسا للدفاع عنها،مع عدم وجود مشاعر حب نحوها !!)). في خضم كل ذلك،اقتصرت الخارجية الفرنسية على مجرد تكرار ذات الكلام،بإبداء رغبتها،ل :((استئناف المسار الطبيعي للتعاون في مناخ تسوده الثقة والاحترام المتبادل الذي يميز الصداقة الفرنسية-المغربية)). أما الرباط،فلا تظن بأن تلك الاستفزازات سهوا غير مقصود أو صدفة وقعت خطأ،لكنها فعلا محكومة بنية مبيتة وبرنامج مخطط له.هكذا،وبالمقارنة مع الرئيسين السابقين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي،لم تشعر الرباط بارتياح كامل نحو وصول الاشتراكي فرانسوا هولاند إلى قصر الاليزيه سنة 2012،لأنه قريب أكثر من الجزائريين،بل ويضم فريقه الاستشاري شخصا جزائريا يسمى فوزي لمداوي. يوم الجمعة23 يناير،تم الإعلان عن إلغاء اللقاء الذي كان منتظرا في باريس بين رولان فابيوس وصلاح الدين مزوار،مما يشي بأن الشنآن أخذ منحى جديا على الأقل حتى حدود اللحظة،ويزيد من الجفاء بين كبار مسؤولي الدولتين،التي كان أبرز تجلياته، توقيف التعاون الأمني والاستخباراتي،لاسيما مع ارتفاع منسوب التحديات المرتبطة بالإرهاب،وتهديدات المقاتلين الإسلاميين في سوريا والعراق،علما بأنه سواء المغرب أو فرنسا،يصنفان حاليا ضمن البلدان المصدرة، للملتحقين بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية :((من أجل استباق هذه المخاطر،فإن تبادل المعلومات مع "لادجيد''،الجهاز المغربي لمكافحة التجسس تحت إشراف محمد ياسين المنصوري، يعتبر أساسيا لدى نظيره الفرنسي أي المديرية العامة للأمن الداخلي،بحيث يتعلق الأمر بمعرفة أفضل لصور وكذا حركات الأفراد الخاضعين للمراقبة ))(جريدة لوموند،23 يناير). عموما،هناك مبدأ شهير ينفي وجود صداقات أو عداوات دائمة في السياسة الدولية، لكن مصالح دائمة،مما يحتم على دبلوماسية أي بلد يبتغي لنفسه وضعا اعتباريا،التحلي بمستوى رفيع من الذكاء اليقظ المستند على الرؤى النافذة التي تستشرف باستمرار ماوراء الظرفي،هي دبلوماسية الاشتغال البحثي الجدي والرصين على الملفات،من طرف فرق مؤهلة متخصصة،والانفتاح على قوى المجتمع الحية باستقصاء مختلف الآراء، وإشراك قدر ما يكون الرأي العام بشكل ديمقراطي في صياغة التوجهات العامة. طبعا، كل ذلك في إطار مشروع تأهيل البلد على مرتكزات سياسية واقتصادية حقيقية،تمنحه قوة مادية داخليا وخارجيا،فتغدو طبيعيا دبلوماسيته قوة ناعمة.