لا يزال من الصعب على مثليي الجنس في الجزائر أن يخرجوا من النفق المظلم الذي وجدوا أنفسهم فيه منذ سنوات بسبب انغلاق المجتمع الجزائري على نفسه. وبالرغم من أن حقوق المثليين في العالم تتقدم ويحصدون انتصارات سياسية واجتماعية عديدة، إلا أنهم في الجزائر مازالوا يعيشون على هامش المجتمع. يحتفل المثليون الجزائريون اليوم السبت بالذكرى التاسعة لتأسيس جمعيتهم " ألوان"، في ظروف سياسية واجتماعية صعبة تتميز بارتفاع ملحوظ بمستوى التطرف الديني وغياب الديمقراطية والحرية في الممارسة الجنسية.
ويحمل هذا الاحتفال دلالة إضافية كونه يأتي بعد طلب قدمته جمعية "المثليين التونسيين" يقضي بإلغاء المادة 230 من قانون العقوبات التونسي الذي يعاقب بالسجن ثلاث سنوات على بعض الممارسات الجنسية.
وتسعى جمعية "ألوان" إلى استغلال هذه الذكرى لتقييم الأنشطة التي نظمتها من أجل توعية المجتمع الجزائري المحافظ إزاء معانات المثليين اليومية وحالة التهميش التي يعيشونها من جهة، ورسم آفاق جديدة لحركتهم بهدف فرض أنفسهم كقوة اجتماعية قادرة على لعب أدوار هامة في الجزائر من جهة أخرى.
ورغم أن الغالبية العظمى من المجتمع الجزائري تنظر إلى مثليي الجنس على أنهم مرضى ومنحرفين يعانون من تشوه جنسي، إلا أن بعض مساحات الحرية بدأت تظهر وتسمح لهم بالتعبير عن مواقفهم والحديث عن حياتهم ومعاناتهم.
أمين (37 سنة): "لست حزينا ولا سعيدا"
أمين شاب جزائري مثلي الجنس كاد أن يتزوج من شابة لكي يتهرب من الضغط الاجتماعي والديني الذي كان يفرضه علي المجتمع الجزائري حسب تعبيره. وقال في تصريح لفرانس24 "قلت في نفسي لو تزوجت، سأجد حلولا للمشاكل التي أعاني منها وأعيش كباقي الناس".
حاول أمين أن يعشق شابة تتشبه للرجال، لكن بعد مرور سنة على العلاقة، تأكد أنه لا يمكن أبدا أن يحب أو يعيش مع امرأة، وأن ميله الجنسي فرض عليه أن يعشق رجلا مثله. "لقد قررت الكشف عن ميولي الجنسية وعمري 30 سنة. كتبت لأمي على ورقة وقلت لها أنا مثلي الجنس. أنا أحب الرجال. وكنت خائفا جدا من رد فعلها، لكنها أجابت أن هذا لا يغير شيء، ستظل دائما ابني".
هذا وبقي أمين قلق إزاء والده الذي لم يعلم بأن ابنه مثلي الجنس. "والدي يحدثني دائما عن الزواج، وهذا ما يقلقني كثيرا. كدت أن أكشف له بأنني مثلي الجنس لكن غيرت رأيي خوفا من أن يصاب بأزمة قلبية"، يشرح أمين الذي اعترف أن العيش صعب جدا في مجتمع إسلامي ومحافظ.
وأمام كل المعاناة التي تحاصره والتهميش الذي يعاني منه، قرر أمين العيش وحده والبقاء عازبا وتكريس وقته لعمله فقط، لا لشيء آخر، "لا أريد أن أتعرف على رجل آخر. عالم المثليين مختلف عن العوالم الأخرى. لكنني في نفس الوقت لا أشعر بالحزن ولا بالفرحة". أمين يعمل في مطعم صغير بالجزائر العاصمة ويعيش مع والدته "طالما هي حية" حسب تعبيره. لكن بعد وفاتها، سيغادر المنزل ليعيش في مكان أخر، دون أن يعلم إلى أين سيذهب.
إسماعيل (34 سنة): "والدتي لا تزال تتمنى أن أتزوج"
حاول إسماعيل خلال عدة سنوات أن يخفي ميوله الجنسية. لكن مع مرور الوقت، أصبح من الصعب أن يخبئ ذلك، خاصة وأن بعض الجيران أصبحوا يشكون بأنه مثلي الجنس ولديه علاقة مع رجل آخر. "في الحقيقة"، يقول إسماعيل لفرانس24، "كان لدي صديق وكنا نتبادل الرسائل الغرامية، لكن عندما كشفت أمي اللعبة، صرخت بقوة ثم بدأت تبكي. أكثر من ذلك، قالت لي حسنا لتعش مع رجل في شقة وستموتان سويا بمرض الإيدز".
لم يتقبل إسماعيل كلام والدته، إذ شعر بأنه غير مرغوب به في المنزل. لكن لحسن الحظ، لم يتصرف والده مثلما تصرفت أمه، بل أبدى نوعا من التفهم إزاء ميول ابنه الجنسية، لكن رغم ذلك أصبح العيش في كنف العائلة صعبا للغاية، الأمر الذي جعله يغادر منزل والديه ليعيش وحده في الجزائر العاصمة. "لقد طردت من المنزل وسكنت مع صديق في البداية. وبعد مرور بعض الوقت، قمت باستئجار شقة صغيرة في العاصمة وحاولت أن أبني حياتي من جديد بعيدا عن ضغط العائلة والوالدة." لكن رغم أنه ترك المنزل، إلا أنه لا يزال يعاني من مشكلة سوء تفاهم مع أخيه وأخته. الأول يدعو إلى "حرق المثليين وقتلهم" والثانية تقول له دائما بأنه لا يتقاسم نفس القيم التي تتقاسمها العائلة.
اليوم أصبح إسماعيل يعيش وحيدا بعيدا عن العائلة والأصدقاء الذي كان يعرفهم في الحي الذي كان يسكن فيه. وبالرغم من أنه يزور من حين إلى آخر والدته، إلا أن الجو العائلي تغير كثيرا كون أن طريقة عيشه تختلف كثيرا عن طريقة عيش أخيه وأخته.
وكشف إسماعيل أنه فقد الأمل ولم يعد يبحث عن علاقة غرامية مع رجل، إلا إذا كان يتقاسم مبادئه وقيمه ولا يخشى أن يكشف ميوله الجنسية لعائلته". وأنهى قوله "أتمنى أن ألتقي برجل يقول لي بوضوح أن الزواج بامرأة أمر مستحيل".
إناس (34 سنة): "أفضل البقاء وحدي ولا أتقاسم حياتي مع شخص آخر"
شعرت إيناس بأنها مثلية وعمرها لم يتجاوز 14 سنة، وبعد سنة، تعرفت بشابة خلال سهرة بمدينة وهران لكن لم تدم القصة طويلا بين هاتين البنتين.
وبخصوص علاقتها مع والدتها، أكدت إيناس في تصريح لفرانس24 أن العلاقة كانت شبه طبيعية مع أمها التي كانت تشك في ميولها الجنسية دون أن تطرح عليها أي سؤال حول الموضوع، "أمي كانت تدرك كل شيء، لكنها رفضت تقبل الوضع" تقول إيناس. وأضافت "لم نتحدث مباشرة عن هذا الموضوع رغم أنني حاولت مرارا القيام بذلك، لكن دون جدوى. عائلتي كانت تتفادى مثل هذه الحوارات".
تعيش إيناس اليوم بمفردها في العاصمة الجزائرية، وهي تلتقي مع بعض الأصدقاء التي اختارتهم بعناية، كونهم تقبلوا ميولها الجنسية. لكن في نفس الوقت، لا تزال تعاني من ضغط المجتمع الجزائري الذي بدأ يتطور قليلا حسب رأيها. ويبقى حلم إيناس الكبير مغادرة البلاد.