عندما يمارس الناس السياسة يتعلمون أنهم فور وصولهم إلى الحكومة ينسون الماضي. وبعد فوزهم في الانتخابات ينسون أنهم حزب سياسي ومجموعة بشرية لها أفكارا وبرنامجا. وينسون من صوت لفائدتهم ومن صوت ضدهم وحتى من رماهم بالبيض وإن كنا نعترض على هذا السلوك. عندما يتم انتخاب رجل السياسة ويصبح رئيسا للمجلس البلدي أو رئيسا للحكومة يصبح رئيسا للجميع وليس لعشيرته السياسية أما إذا احتمى بعشيرته الدعوية والطائفية والمذهبية فتلك الطامة الكبرى. ذكرنا هذا الكلام نظرا لما نشاهده من رغبات قوية لدى وزراء العدالة والتنمية في الثأر والانتقام من خصومهم السابقين، سواء كانوا أفرادا أو مجموعات أو مؤسسات. وقبل الحديث عن أفعال الوزراء نذكر بواقعة قريبة قبل تشكيل الحكومة، وتتعلق بعزيز رباح وزير التجهيز والنقل الحالي ورئيس المجلس البلدي لمدينة القنيطرة، عندما زاره مواطن من مركب الوئام قصد حل مشكل من مشاكله فقال له الرئيس : عندما جئنا عندكم في الحملة الانتخابية طردتمونا. والواقع أنهم لم يطردوهم وإنما قالوا لهم إننا نصوت لفائدة فلان. فقام المواطن وقال له أنت رئيس للجميع حتى لو ضربناك بالحجر والسلام عليكم وخرج. هذا هو النموذج الذي يريد أن يدافع عن المستضعفين في وجه الفراعنة. حيث لم نر "فرعنة" أكثر من التي نراها اليوم المتجسدة في وزراء العدالة والتنمية. ففي الديمقراطيات لما يصعد حزب لرئاسة الحكومة يتحول إلى الحزب القائد للشعب وتدبير الشأن العام وليس حزب أعضائه أو من انتخبوه. وبهذه الطريقة سيتم تحويل الأحزاب السياسية إلى عشائر، والأنكى من ذلك أن تكون هذه العشائر متلفعة بثوب سلفي عقائدي طائفي. فحزب العدالة والتنمية ما إن وضع قدميه في الحكومة حتى أخرج أنيابه ضد خصومه. فمفاهيم الثأر والانتقام مفاهيم قبلية مازالت موجودة في بعض البلدان فقط، غير أنها تمارس بأشكال أخرى وتتلبس لبوسات أخرى، وتتحول القبيلة إلى حزب وجماعة وتتحول أدوات الثأر من البندقية والأسلحة التقليدية إلى قوانين وتشريعات وقرارات. فقبيلة التوحيد والإصلاح ترى في المجتمع عنصر إزعاج لمشروعها السلفي وأداتها الوظيفية حزب العدالة والتنمية يريد أن يثأر وبشراسة لأنه يعتقد أنه محروما محتقرا لسنوات، ولهذا السبب يريدون الانتقام من المجتمع لأنه لم يسايرهم في هواهم ويريدون الانتقام من الأحزاب لأنها واجهت مشروعهم "الردي" ويريدون محاربة المؤسسات التي صمدت في وجه الاختراق الذي مارسوه. فعندما يعلن الخلفي الحرب على القناة الثانية فقط لأنها اختارت هوية منذ تأسيسها، وهي هوية لا تعجب قبيلة التوحيد والإصلاح، طبعا نحن أيضا لا تعجبنا ولكن لن نحاربها وإنما طالبنا ونطالب بتطويرها، وهي هوية قد تكون عائقا أمام "سلفنة" المجتمع، وإلا لماذا لم تشمل "غزوات" الخلفي في الإعلام العمومي قناة السادسة التي يسيطر عليها إخوانه ومن يشترك معهم في التوجه "السلفنجي"؟ إن الحرب التي أعلنها العدالة والتنمية اليوم ليست من أجل محاربة الفساد، ولو كان ذلك لصفق لهم الجميع، ولكن هي حرب ضد خصوم الأمس أما من استمر في مواجهتهم فقد شنوا عليه الحرب بكل الطرق وليس أدناها الحرب الذي يقودها الرميد ضد "النهار المغربية".