تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السكن الأمازيغي بمنطقة الريف
نشر في أريفينو يوم 11 - 06 - 2010


[email protected]
تقديم:
يمتاز المسكن الأمازيغي في منطقة الريف المغربي بمجموعة من السمات والمميزات التي تخصص عمارته عن باقي المساكن الأخرى. وما يلاحظ في البداية على هذه المعمارية أنها ذات بنية بسيطة خالية من التعقيد المتشعب والبناء المركب. وبالتالي،تنعدم فيها الزخارف والفسيفساء والزليج المعروف في العمارة العربية الأصيلة ، ولاسيما في هندسة المنازل والمساجد والقصور . ويقصد بهذا أن المسكن الأمازيغي الريفي بسيط في بنيته الشكلية وتركيبه المعماري، وخال من كل المقومات الفنية والجمالية والإستيتيقية على مستوى التشكيل والتخطيط والتعمير والتزيين الداخلي والخارجي. ويعني هذا أيضا أن الإنسان الريفي كان يهتم بالمضمون على حساب الشكل، كما كان يميل إلى الزهد والتقشف والعيش البسيط ، بدلا من الميل إلى الرخاء والترف وعيش الرفاهية، كما كان يراعي في مسكنه خصوصية الطبيعة المحيطة به، والتي كانت قاسية وجدباء وقفراء في الغالب الأعم. وكان من جهة أخرى يبتعد أيما ابتعاد عن كل فنون التصوير والتجسيد امتثالا للتعاليم الإسلامية الواضحة في هذا المجال. ومن باب العلم أن الريفيين بصفة خاصة والأمازيغيين بصفة عامة كانوا من أكثر المغاربة إقبالا على الإسلام وتمثلا بهدي النبي (صلعم) اقتداء ومنهاجا وسلوكا.
إذا، ما هي خصوصيات المسكن الأمازيغي الريفي بنية ودلالة ووظيفة؟ وماهي مميزات العمارة الأمازيغية من خلال المسكن الريفي؟ هذا ما سوف نتعرف عليه في هذه الورقة المتواضعة .
 جغرافية الريف:
من المعروف أن منطقة الريف تمتد جغرافيا من مدينة الناظور شرقا إلى مدينة طنجة غربا مرورا بالحسيمة، وشفشاون ، وتطوان. وتشرف هذه المنطقة المتنوعة في تضاريسها الجيولوجية والجغرافية والطبيعية من الناحية الجنوبية على مدينة تازة وسلسلة جبال الأطلس المتوسط. وتطل هذه المنطقة موقعيا على حوض البحر الأبيض المتوسط في شكل قوس هلالي من نهر ملوية إلى مضيق جبل طارق على طول يتجاوز 400كلم. وتمتاز هذه المنطقة بتضاريس جبلية متوسطة ووعرة تشكل ما يسمى بسلسلة جبال الريف، وتبلغ أعلى قمة جبلية ضمنها 2.456 مترا ، وهي قمة جبل تدغين 0 وتنماز المنطقة كذلك بصعوبة المسالك والطرقات التي تعبر الفجاج والجبال والأنهار. وفي هذا يقول زيكونزاك Zegonzac عن قبيلة بني سعيد ، والتي توجد في الريف الشرقي:” … تلال منحوتة بواسطة المياه، نفس القرى المبنية بالأحجار الرمادية المعلقة بالقمم الشبيهة من حيث سياجاتها الشوكية بأعشاش النسور الكبيرة”.
ومن المعروف لغويا أن الكلام الذي يتحدث به سكان منطقة الريف هو الأمازيغية ، وبالضبط لهجة تاريفت ” الريفية”. ويتوزع الريفيون الذين يبلغون أربعة مليون ونصف مليون فوق رقعة ترابية تتشكل من 40.000كلم2. ويتواجد الريفيون في مجموعة من المدن المغربية كمدينتي مليلية وسبتة المحتلتين من قبل الإسبان، ومدينة الناظور ، ومدينة الحسيمة، ومدينة شفشاون ، ومدينة تطوان، ومدينة طنجة ، ومدينة العرائش، بل يوجد الكثير منهم في مدينة تازة، ومدينة بركان، ومدينة وجدة، ومدينة فكيك…
 موقع البناء في منطقة الريف:
من المعروف أن السكان الأمازيغيين بمنطقة الريف كانوا يفضلون بناء منازلهم في البوادي والقرى ، وبالخصوص في القمم والسفوح وأعالي الجبال ، أو يشيدونها قرب العيون ومجاري الأنهار والوديان . وكانوا في المقابل يبتعدون عن السهول والمدن الحضرية، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية. وفي هذا يقول الباحث المغربي علال زروالي:”إن عدم الاستقرار السياسي التام وانعدام الأمن، الذي كان يرافقه، كانا يدفعان السكان إلى اختيار المواضع الآمنة المرتفعة. وهذا ما تكشف عنه بعض بقايا المساكن المهجورة التي لا تزال أنقاضها جاثمة بالأقسام العليا من الجبال والتلال، والدليل على ذلك أيضا وجود حظائر من نباتات الصبار والصبارة، وبوسطها أو على جانبها أكوام من الأحجار الشاهدة. وهذه البقايا تؤكد أن السكن الأول كان جبليا معلقا.”
ويذهب البكري واصفا الجغرافية الجبلية لقبيلة قلعية إلى أن :” تسمية هذه القبائل بقلعية لكونهم ربما سكنوا قلاع كارت فيما بين جرسيف ومليلة، والتي كانت معاقل لهم في صراعهم ضد الاحتلال الإسباني”.
ويقول الحسن الوزان (ليون الأفريقي) كذلك واصفا قبيلة أمجاو الكائنة في الجهة الشرقية من الريف:” أمجاو مدينة صغيرة جاثمة فوق جبل عال على نحو عشرة أميال غربي تازوطا بناها الأفارقة على مسافة ستة أميال من الساحل، وسكانها نبلاء كرماء”.
وغالبا ما كان الإنسان الريفي يبني مسكنه في الجبال والهضاب المتدرجة والتلال الممتدة المتعالية، وكان لا يبني بأي حال من الأحوال في الأراضي الصالحة للزراعة أو في السهول أو الأراضي القريبة من مجاري العيون والأنهار والوديان، بل يتركها للحرث والزرع المعيشي، وذلك لتأمين حياته اقتصاديا طوال سنة كاملة، قصد تحقيق الاكتفاء الذاتي أو لتسويق جزء من منتوجه الفلاحي الوافر . ويعني هذا أنه كان يختار الأماكن الصعبة والوعرة وغير الصالحة للزراعة من أجل بناء مسكنه الذي يؤويه هو وأسرته، فيترك الرقع الخصبة لنشاطه الفلاحي:” والريفي يستغل أرضه إلى أقصى الممكن، كما يفعل بأدوات إنتاجه. ولكي يقتصد في أرضه، فإنه يستغل الهضاب عبر أسلوب ” الدرجة”، فتكون الهضبة عبارة عن قطع أرضية صغيرة متدرجة من الأعلى إلى الأسفل ويحرثها. أما الهضاب التي لا يمكن أن تصلح للحرث فتغرس بأشجار الزيتون أو التين والكروم أو اللوز، وتبقى القمم غابات وأدغالا مخيفة، ولكنها صالحة للحطب والقنص أحيانا. واقتصادا في أراضي الحرث فإن الساكن الريفي لا يبني فيها بيته، بل يلجأ إلى الهضاب التي لا يمكن استغلالها في الحرث، أو إلى السفح الذي تكثر فيه الصخور والأحجار، فيبني منزله ويستغل فجوات التربة بين الصخور ليحولها إلى بساتين صغيرة مسيجة بجدران من الحجارة وشجر الصبار الشائك. لذلك، لا نجد في الريف قرى واسعة، وإنما تجمعات سكانية صغيرة. واقتصادا في الأرض أيضا تمتد مسارب بين تلك التجمعات، كطرق ضيقة جدا، وكلما كان تحاشي شق تلك المسارب بعيدا عن الحقول ممكنا كان أفضل.”
ومن هنا، فالسكن الأمازيغي بمنطقة الريف هو سكن جبلي بامتياز، يخصص للاحتماء والمقاومة والاختباء وبناء الأسرة، بينما الرقعة الخصبة من سفوح وسهول وبساتين يتخذها الريفي أمكنة للفلح والزراعة.
 بنية السكن الأمازيغي في منطقة الريف:
من المعلوم أن السكن الأمازيغي في منطقة الريف يتخذ عدة أشكال، فقد يكون منزلا مربعا أو مستطيلا بسقف مسطح وهو الغالب في الريف0 أو يكون منزلا ذا سقف مائل وأحدب يمينا ويسارا على غرار المنازل الثلجية في أوروبا، والذي يقي المسكن من كثرة الأمطار والثلوج. وينتشر هذا النوع من المنازل في آيت عمارث وإكزناين وكتامة وشفشاون وتخوم تطوان وطنجة0 أو قد يكون المنزل بمثابة قصبة أو قلعة يحتمي بها السلطان أو العسكر أو كبار القواد كما هو حال قصبة سلوان التي كان يستقر بها بوحمارة في بداية القرن العشرين ، وحال مدينة تازوطا التي كانت قلعة تاريخية حصينة0 أو قد يكون ذلك المسكن خيمة كما هو حال فئة من الأمازيغ البدويين الرعاة ، والذين كانوا ينتقلون بماشيتهم من مكان إلى آخر بحثا عن الكلإ والماء كما هو حال قبيلة بني وكيل بالعروي في مدينة لناظور.
أ- بنية السكن الأمازيغي من الداخل:
يتكون السكن الأمازيغي في منطقة الريف على المستوى الداخلي من عدة غرف وبيوت ( ءيخامان) سواء أكانت ضيقة أم واسعة. وغالبا ما يكون السكن الأمازيغي الريفي مكونا من السفلي. وقلما نجد مسكنا بالطبقات المتعددة أو ما يسمى أيضا بالمنزل العلوي كما هو الشأن في الأطلس الكبير حيث القصبات والقصور المتعددة الطبقات. ويعني هذا أن ” معظم البيوت الريفية إلى عهد قريب ذات أبعاد صغيرة ولم تكن تحمل طوابق، وذلك لأسباب تقنية وأخرى اقتصادية، لكن هذا لم يمنع بعض الموسرين من بناء منازل تحمل طابقا واحدا، والذي عادة ما يتكون من غرفة واحدة ذات نوافذ ضيقة(كوى)، تمكن صاحبها من مراقبة مجال أكثر اتساعا ورصد كل التحركات الأجنبية، وهذا يبين أن دور هذه الغرفة ” البانورامية” دور دفاعي أكثر منه اجتماعي.”
كما كان المسكن الريفي المربع في عمومه ينفتح هندسيا على فناء يسمى ” رمراح” أو ” الحوش”، والذي كان يؤدي عدة أدوار مثل: التهوية، وحماية الماشية، وفضاء للعمل والتجمع العائلي… أو ينفتح على غرسة أو بستان صغير يسمى ب” ثاحويشت”.
ويدل تعدد الغرف داخل المسكن الأمازيغي في حقيقة الأمر على كثرة العيال والأولاد والأقارب والأسر داخل أسرة نووية واحدة، أو قد يدل اجتماعيا وطبقيا على غنى صاحبه وثرائه. كما يحيل هذا الوضع الديمغرافي والسكاني على مجموعة من المؤشرات القيمية داخل المجتمع الأمازيغي الريفي كتعظيم آصرة الدم ، وتعزيز صلة الرحم، مع رجحان مفهوم القرابة ، والعمل على تماسك العائلة، وتقوية عضد الأسرة في العمل والدفاع وإثبات الذات، بالإضافة إلى تدعيم آصرة التعاون الجماعي ، والأخذ بنظام التشاركية الجماعية المعروفة في الريف بنظام ” تويزا”.
هذا، وتنفتح أبواب غرف المسكن الأمازيغي ونوافذها الضيقة إلى حد ما على الفناء باعتباره مصدرا للتهوية النظيفة، وتوفير الأكسجين الضروري لحياة الإنسان، وتنقية الغرف، وتطهيرها بأشعة الشمس الوهاجة سواء أكانت دافئة أم محرقة. وتبلغ مساحة الفناء المفتوح عند الورياغليين بالحسيمة مثلا:” تسعة أمتار في عشرة. يصل علو الباب الرئيسية أو الخارجية حوالي مترين ونصف، وعرضها نحو متر وثمانين سنتمترا ، والتي تتموقع دائما في الجانب المعاكس لاتجاه هبوب الرياح بشكل مستمر، كما أنها تنفتح مباشرة على الفناء.”
وقد يوجد على أطراف الفناء المفتوح عتبات للجلوس أو شريط من جرار الماء المصطفة ( أقبوش/إقوباش)، أو أدوات معلقة على الجدران مثل: السلال، و أكوام متسلسلة من البصل أو التين المعلق، علاوة على الأكياس ، و مصنوعات القش ، وخاصة ما يسمى عند الريفيين ” أندو”، بالإضافة إلى الجرار المعلقة المخصصة للزبدة والعسل والزيت….
وترتكز كل غرفة داخل السكن الأمازيغي الريفي على أعمدة خشبية مستوية وغير مستوية، كما يفرش سطح الغرفة وسقفها بالأخشاب والقصب والطين والتبن والطوب، مع حماية سطحه الخارجي بالطين الرسوبي ” ثاريست” لحمايته من التسربات المطرية الغزيرة، وقد يغطى أيضا بالقصدير في المناطق الثلجية، قبل أن تعمد العمارة الحديثة والمعاصرة إلى استخدام الحديد والإسمنت والرمل والأجور .
وغالبا ما يلتجئ الإنسان الأمازيغي الريفي إلى تمديد سقف المسكن ليغطي جزءا من الفناء ” بما يقارب المترين حيث تسند على عارضة أفقية توضع بدورها على دعامات خشبية عمودية مثبتة في الأرض، وتشكل ، بالتالي، سقيفة تحيط بالفناء وتستعمل كمنصة لتجفيف الفواكه اليابسة خلال الصيف. توضع ميازيب ” رميزاب” خشبية على طول محيط السطح لتجميع مياه الأمطار”.
أما الجدران فتبنى بواسطة الحجارة الثقيلة المختلطة بالطين والتراب والتبن، مع خلط كل ذلك بالأسمدة وروث الأبقار. وغالبا ما يكون حجم الجدار سميكا جدا، ويتم رصه بشكل منظم ومتدرج للحفاظ على تماسكه واتساقه وانسجامه وترابطه.
هذا، ويضم المسكن الأمازيغي مجموعة من الغرف المحددة الوظائف كمكان الحمام ” أرشان”، أو مكان الطهارة” ثامطهارث”، والذي غالبا ما يوجد في غرفة النوم أو غرفة الأسرار، إلى جانب بيت الضيوف ، والذي يسمى ” أروان” أو “ربيت ءيناوجيوان” . و يكون هذا البيت بمثابة صالون واسع وأنيق ، ويكون مكسوا بالزرابي والأغطية والحصائر و”الهيدورات” المصنوعة من جلود الماشية.
وغالبا ما يكون لبيت الضيوف نوافذ واسعة ومتعددة، ولكن بباب مستقلة خاصة ضيقة، يدخلون منها ويخرجون، لكي لا يطلع الضيوف على خبايا المسكن وأسراره الداخلية، ولكي لا يروا كذلك عورات النساء و مفاتن بناتهن. ويقول دافيد هارت عن بيت الضيوف بأنه:” أحد أبرز الرموز المرئية التي تدلنا على مقام صاحب المنزل ووضعه الاجتماعي، حيث يتوفر القبليون ذوو الموارد المتواضعة على دكات بسيطة منخفضة للجلوس تحيط بجدران الغرفة، في حين يملك الأغنياء وسائد مزركشة وملونة وبطانيات وستائر حائطية، وكلها من الأثاث الذي لا يصنع محليا. تتوفر غرفة الضيوف على نافذتين أو ثلاث تفوق في اتساعها باقي نوافذ المنزل. يملك كل فرد مهما بلغ فقره طقم شاي، إلا أن أباريق وصينيات وكؤوس الأغنياء والأعيان تبقى دائما أغلى وأكثر زخرفة وتنميقا.”
وهناك غرفة أخرى توجد بها طاحونة أو رحى يدوية “ثاسيرث” توظفها النساء لطحن الحبوب. ويمكن الحديث عن مطبخ العائلة لتحضير الطعام والمأكولات والمشروبات، و غرفة ” أسقيف” لاجتماع أفراد الأسرة لتبادل أطراف الحديث ، ومناقشة المواضيع التي تهم العائلة سواء من قريب أم من بعيد.
كما يخصص للماشية والدواجن والدواب والحيوانات الأليفة مكان خاص يسمى بالزريبة أو ” أنغار”، أو يستعمل هذا الفضاء لتجميع الأدوات و الأواني، وقد يكون هذا المكان هو الفناء المفتوح نفسه. أما في الجنوب المغربي، وبالضبط لدى أمازيغ الأطلس، فتكون الحيوانات غالبا في الطابق الأرضي، بينما تستقر الأسرة في الطابق العلوي مستفيدة من حرارة الحيوانات وروثها. أما في قبيلة البرانس شمال مدينة تازة ، فقد كان الإنسان يقتسم الغرفة الواحدة مع الحيوانات. في حين يخصص الريفيون للحيوانات مكانا خاصا أو غرفة معينة لها.
وإذا تأملنا السكن الأمازيغي من خلال رؤية سفلية تحتية يمكن آنئذ الحديث عن ” ثاسرافت”، وهي بمثابة مخزن يستعمل لحفظ الحبوب وادخارها لمدة طويلة، وقد يصل عرض هذا المخزن إلى مترين (2م) ، بينما يصل عمقه إلى ثلاثة أمتار(3م)، ويغطى عادة بباب خشبية. بينما هناك من يستعمل مطمورات لقضاء حاجاتهم الضرورية من تبول وبراز وصرف للمياه العادمة . في حين، نجد البعض يشغل الآبار لتخزين المياه أو يحفر ” جوبا” كبيرا لادخاره.
ويقول محمد أقضاض واصفا المسكن الأمازيغي من الداخل:”ويتحدد غرف المنزل بعدد المتزوجين من أبناء الأسرة، وتكون إحدى أو بعض هذه الغرف مركزية لها مدخل هو في حد ذاته غرفة يعرف ب” أسقيف” تفضي إلى الغرفة الرئيسية، والغرفة / المدخل خاصة بالأشغال اليومية الداخلية بما في ذلك الجلوس لتبادل الحديث وتناول الطعام0 أما الغرفة الرئيسية فهي غرفة الأسرار فيها توضع الأشياء الثمينة وفيها يخلد إلى النوم، وتتميز بعتمتها، في عمقها ما يشبه السرير يبنى بالحجارة والطوب ، ويبلط بالطين وفوقه أفقيا يثبت عمود توضع عليه الزربية أو الحنبل وباقي وسائل الغطاء، وفي العمق المقابل حمام معزول له باب صغير مفتوح يعرف هذا الحمام ب:” المطهرة” خاص بالغسل والوضوء. تطلى جدران الغرف بطين أبيض غالبا ما تجلب تربته من بعيد، أما أرضيتها تبلط بطين تربته مغربلة ، ولكي يتماسك الطين يخلط بروث البقر وبعر الدواب. خارج الغرف مباشرة ملحقات ناتئة مبلطة بالطين تستغل في فصل الصيف وفي الأفراح”.
وما يلاحظ على المسكن الأمازيغي في الريف أنه متعدد الغرف والفضاءات؛ وذلك لأن الإنسان الأمازيغي يحب البيت الرحب الواسع ، وينفر أيما نفور من المكان الضيق تمثلا بوصية الرسول(صلعم) الذي حث على الزواج بامرأة صالحة، والعيش في بناء رحب، والقناعة بأجرة تستر الإنسان في حياته المعيشية.
ب- بنية السكن الأمازيغي من الخارج:
يوجد خارج المسكن الأمازيغي الريفي مجموعة من المرافق المساعدة لما هو في الداخل كوجود مواقد متنوعة مكملة للمطبخ مثل” ثاينورث” و” ثافقونت”، وهي بمثابة أفران تقليدية لطهي الخبز في شكل حفرة مقعرة مبنية بالطوب والطين، في قاعها حجارة صلبة وصلدة صالحة لكي يوضع فوقها العجين. ويوضع الحطب في الموقد للطهي، وقد يغلق الموقد من أجل توفير حرارة الطهي والاشتعال. وقد تستعمل لوحة خشبية ممدودة من أجل إخراج الخبز بعد عملية الطهي (مطرح خشبي) . وغالبا ما تكون هذه المواقد مثبتة في الأرض أو تبنى بالحجارة والطوب والطين 0 وقد تكون صغيرة الحجم بفوهة واحدة ، أو قد تكون كبيرة لها موقد سفلي ومطرح علوي وفوهات متعددة.
كما يوجد خارج المسكن معصرة لاستخراج زيت الزيتون بواسطة معصرة تقليدية ، بله عن مكان لجمع التبن يسمى ب” أثمون”، ومكان لجمع القمح يسمى ب”أندرا”، وتوجد كذلك مسارب المياه التي تمتد من داخل المنزل إلى خارجه ، حيث توجد حفرة كبيرة لتجميع هذه المياه أو تضييعها في أمكنة سهبية ضائعة أو أمكنة صحراوية جدباء، أو قد تسيل هذه المياه نحو البحر والعيون والأنهار والوديان.
ويوجد خارج المسكن الأمازيغي أيضا مكان لتجميع الأسمدة وروث البهائم ، وكل ذلك لتوظيفه في الزراعة ، وتخصيب أحواض الخضر والفواكه والتوابل . وثمة أيضا ما يمكن تسميته بالمزابل أو قمامات النفايات ، وهي إما خاصة بأفراد معينين وإما عامة متعلقة بالجماعة أو القبيلة أو الدوار أو المدشر أو العشيرة أو الكانون. وتشمل هذه المزابل فضلات الطعام والمشروب بكل أنواعهما ، وتحوي أيضا بقايا روث الماشية وبعرها ، وتجمع كذلك مجمل بقايا ما تجتره الحيوانات من طعام لدى الأبقار والماشية ، وما تطرحه الدواب كالحمير والبغال والخيول والأحصنة . وكلما كانت المزبلة ” ثازوباشت” كبيرة جدا، إلا ودل ذلك على غنى صاحبها جاها ونعيما وسلطة وامتيازا، وعبرت عن ثراء الأسرة ماديا واجتماعيا. وفي هذا السياق يقول الباحث المغربي محمد أقضاض:” أما خارج المنزل فلابد أن تظهر القمامة” مزبلة” تجمع فيها النفايات خاصة روث القطيع الذي يستعمل حين يجف لإنضاج الخبز في ” فرن” من الطين يبنى في الغالب خارج المنزل في الجهة المقابلة للمزبلة. تستعمل المزبلة في تسميد الأرض، وكل ما كانت المزبلة كبيرة كلما دلت على مستوى غنى الأسرة، لذلك كان الخاطب أو الخاطبة إذا أراد الزواج من عائلة ما أن ينظر إلى حجم المزبلة. وقرب المنزل يوجد دائما بستان مسيج بالحجارة ثم بأشجار الصبار الكثيفة” 0
وهناك من الناس من يبني مرحاضه خارج المنزل ، وذلك لقضاء حاجاته العضوية والبيولوجية. وغالبا ما يكون هذا المرحاض عبارة عن :” مخبإ بجانب مرتفع أو خلف نبات الصبار يوجد بعيدا نسبيا عن المنزل تقوم النساء بتطهيره عبر إحراق جذوع نبات الذرة بالموقع بشكل دوري. ونظرا لخصوصية هذه المراحيض، يجد المرء الذي يقوم بدراسة ميدانية في المناطق القروية المغربية نفسه أمام صعوبة حقيقية عندما يريد قضاء حاجته.”
وهكذا، يتبين لنا بأن الإنسان الأمازيغي الريفي ، والذي يسكن في البوادي والقرى والمناطق الجبلية، يستغل فضاء مسكنه داخليا وخارجيا استغلالا جيدا من أجل بناء أسرته خير بناء، وتأمين حياته ومستقبله خير تأمين. وهذا الوضع في الحقيقة الواقعية والقانونية، والذي يحيل على حرية التصرف والتدبير في الملك والحيازة، لا يمكن أن يتحقق بأي حال من الأحوال لو كان يسكن هذا الإنسان في المدن والحواضر.
ج- بنية التسييج:
من المعلوم أن الأمازيغيين في منطقة الريف يسيجون مساكنهم ومنازلهم بأسوار عالية في حالة الحديث عن بعض القصور والقصبات كقصبة سلوان التي بناها بوحمارة أو الجيلالي الزرهوني،أو يسيجونها بأسوار متوسطة تارة أو أسوار قصيرة تارة أخرى.
هذا، ويعتبر السياج إما جدارا مبنيا بالطين والتراب أو مبنيا بالحجارة والإسمنت والصخور( ءاكركور)، وإما يكون جدارا سلكيا يحيط بكافة الأراضي التابعة للمسكن، وإما يكون جدارا نباتيا في شكل بساتين مزروعة أو غير مزروعة ، أو بمثابة منازل محاطة بالصبار الشائك و أشجار الزيتون والتين والكروم واللوز. ويقول محمد أقضاض في هذا الصدد:” غير أن الريفي في جل مراحل حياته كان يقنع باكتفائه الذاتي، ويعتمد هذا الاكتفاء الذاتي على شظف العيش وخشونته، ينتزع الريفيون عيشهم من زراعة الحبوب، خاصة الشعير وبعض القطاني على رأسها الفول والجلبان، وقليلا ما يزرعون القمح والذرة. وفي بعض البساتين الضيقة على ضفاف الأنهار كانوا يغرسون البطاطس واليقطين والبصل، أما الأشجار المثمرة فتشكل أحيانا سياجا لبساتينهم المحاطة بجدران سميكة من الأحجار والصخور، ولكن في الأغلب تغرس معلقة في منحدرات الجبال، يختارون أكثرها تحملا للجفاف وأكثرها ضربا بجذورها في أعماق الأرض، من مثل أشجار التين والعنب والزيتون واللوز والمشمش والبرقوق.”
ومن الأكيد أن طول السور الخارجي للمسكن في الغالب يتراوح” بين خمسة عشر مترا في خمسة عشر إلى عشرين مترا. أما علوه من الأرض إلى السقف فهو ما بين ثلاثة أمتار ونصف وخمسة أمتار. غير أن هذا العلو يتغير حسب نسبة انحدار موقع المنزل. ويبلغ سمك الحائط عند الأساس ثمانين سنتمترا وفوقه خمسين سنتمترا.”
ويمكن الحديث أيضا عن منازل ومساكن ريفية أخرى لا سياج لها سوى أبوابها ونوافذها المقفولة من حين لآخر. بيد أن التسييج في الحقيقة يعبر لدى الريفيين على الحيازة والتملك الشخصي، كما يدل على فلسفة الاحتماء والتحصين والسيادة.
 مواد البناء:
كان السكان الريفيون يستعملون مجموعة من المواد في بناء منازلهم ومساكنهم0 لذا، كانوا ، في البداية ، يستعملون التراب والطوب والتبن والطين والأحجار والصخور ، ويخلطون كل هذا فوق الأرض ، ويعجنون ذلك بواسطة الماء ، فيعطي الخليط معجونا أحمر أو بنيا صالحا للبناء والترميم والتبليط والدهن والتجيير. كما كانوا يضعون فوق سقف البيت ما يسمى بالقصب النباتي، ويفرشون عليه الطين الرسوبي الموجود على ضفاف الأنهار والوديان (ثاريست) ، وذلك حفاظا على المسكن من التساقطات المطرية لكي لا تتسرب إلى الداخل .
وبعد تطور الحضارة والعمران الحديث، أصبح الريفيون يستعملون الحجارة والإسمنت والرمال والحديد في بناء مساكنهم الجديدة، بل هناك من كان يستعمل الديماتيت والقصدير في بناء الأسقف.
أما على مستوى التبليط، فكانوا يستعملون إما الطين الأحمر وإما الإسمنت0 بينما يستعملون ، اليوم ، الزليج والفسيفساء والمرمر على غرار باقي المغاربة في بناء مساكنهم. أما فيما يخص تزيين الواجهة الخارجية، فكانوا يستعملون في الريف الشرقي الطين الأحمر 0 بينما يستعملون في الريف الغربي الجير الأبيض كما في شفشاون وتطوان وطنجة والعرائش.
ومن باب العلم أن جميع المواد المستعملة في البناء والتبليط والتجيير والكلس موجودة بكثرة في البيئة الريفية أو تصنع محليا، ولاسيما أن المنطقة زاخرة بالحجارة والصخور التي كانت تسوى بشكل جيد ؛ وذلك من أجل اتخاذها أدوات للبناء والتعمير والتبليط.
 الفاعلون في مجال البناء:
من المعلوم أن عملية البناء في منطقة الريف كان يقوم بها رب الأسرة بمفرده أو رفقة أبنائه وجيرانه0 بيد أن هناك من الريفيين من كان يكلف بناء أو ” لمعلم ” للقيام بعملية البناء ، وذلك بمساعدة بعض الأجراء مقابل مبلغ مالي يؤديه لهم كل أسبوع أو أسبوعين أو في آخر الشهر. بيد أن تكلفة البناء كانت غالية الثمن، حيث كان البناء ” يتقاضى خلال فترة الاستعمار الإسباني خمس عشرة بسيطة في اليوم بالإضافة إلى وجبات الفطور والغذاء. وكان بناء منزل يكلف ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف بسيطة. أما اليوم، أي في سنة 1976م، فإن البناء يتقاضى ألف وخمسمائة فرنك، أي خمسة عشر درهما في اليوم، ويكلف بناء منزل حوالي أربع مائة ألف فرنك، أي أربعة آلاف درهم إذا تكلف المالك بتوفير مواد البناء، وفي حالة عدم تكلفه بذلك، فسيكلفه بناء المنزل ما بين سبع مائة ألف وثمان مائة ألف فرنك. كان مساعد البناء يتقاضى خلال فترة الاستعمار ست أو سبع بسيطات في اليوم، أما الآن فأجرته اليومية هي خمس مائة فرنك، وهذا بسبب الارتفاع الذي طال نفقات المعيشة بآيت ورياغر ، كما في المناطق الأخرى.”
هذا، وقد كان صاحب المنزل يقدم للبناء أجرته النقدية مع مجموعة من الوجبات اليومية من فطور وغذاء وعشاء، والتي كانت تدل على مدى كرم صاحب المنزل وجوده العميم. كما كان صاحب المسكن يذبح ماعزا أو ديكا أثناء الشروع في عملية البناء، ويعيد ذلك أثناء وضع السقف، أو الانتهاء من عملية البناء.
ويتضح لنا من كل هذا أن تكلفة البناء في منطقة الريف كانت غالية جدا وباهظة الأداء؛ بسبب غلاء اليد العاملة وقسوة الظروف الطبيعية ، وصعوبة الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وذلك على الرغم من بساطة البناء ووفرة المواد الأولية .
 دور السكن الأمازيغي في الثأر والمقاومة:
يستعمل بعض الأمازيغيين الريفيين خارج المسكن بناء صغيرا أو يبني طابقا علويا بنافذة ضيقة ” الكوى” لمراقبة الآخر المقابل والمخالف، ورصد العدو لمقاومته ومواجهته ، وأيضا من أجل التصدي للغزاة الأجانب0 وقد يستعمله الإنسان الريفي أيضا للأخذ بالثأر من أخيه الأمازيغي، وخاصة في مرحلة السيبة التي عرفتها منطقة الريف إبان القرن الماضي وبداية القرن العشرين. ويسمى هذا المرفق الخارجي الذي يبنى بجوار المنزل” أشبار” كمعقل للدفاع والتحصين والاحتماء. ومن ثم، فهو ” عبارة عن بناء صغير مربع الشكل من الطين والحجارة، عرضه حوالي مترين وعلوه متر ونصف، كان يتحصن به صاحب المنزل في حالة نشوب نزاع دموي. كان لهذا البناء فتحة صغيرة لإطلاق النار، وكان موقعه يسمح للشخص الذي بداخله برؤية شاملة في مختلف الاتجاهات ، وتمكنه ، بالتالي، من تصويب بندقيته نحو العدو الذي يختاره” . بيد أن عبد الكريم الخطابي أمر بهدم هذا النوع من الأماكن، مع تحريم بنائها بصفة مطلقة.
 مميزات العمارة الريفية من خلال المسكن:
يمتاز المسكن الأمازيغي منذ القرن التاسع عشر إلى العقود الأخيرة من القرن العشرين بكونه مسكنا قارا في بنيته وشكله الهندسي. ويعني هذا أن المسكن الأمازيغي ثابت في عمارته وتركيبه الداخلي والخارجي بناء وتأثيثا وتسييجا. كما كان في عمومه سهل البناء، وبسيط البنية والتركيب 0 وكان يخلو من الأثاث الفاخرة والإكسسوارات الثرية والتقنيات المعقدة والمركبة. كما يخلو هذا المسكن أيضا من الزخارف والنقوش الفسيفسائية والزليج القائم على هندسة التآلف ( المماثلة والتوازي والتعادل) ، وهندسة الاختلاف (التضاد والتناقض والتعاكس). وعلى الرغم من هذا ، فإن تكلفة المسكن الأمازيغي غالية ؛ وذلك لارتباطه بارتفاع تكلفة أجرة البناء ومساعديه، واقترانه بالوجبات الغذائية ، وطول مدة البناء، وقلة البنائين في المجتمع الريفي، والذين كانت أدواتهم في البناء ضعيفة وبسيطة ويدوية وتقليدية كاستعمال الخيط في الميزان والقياس الهندسي ، وتشغيل الأخشاب والأعواد والألواح في تحريك العجين، واستعمال اليد في البناء بدلا من الآلات الميكانيكية الحديثة …
زد على ذلك، فالسكن الريفي:” يختلف من مجال لآخر فنجده يتخذ طابعا متجمعا بالأقسام الشمالية الكثيفة التعمير ومشتتا بالمجالات السهبية الحديثة الاستيطان، لكن القاسم المشترك بينهما بساطة التقنيات المستخدمة في البناء وضعف التجهيزات وتعدد وظائف الغرفة الواحدة. وقد ظل هذا السكن على هذه الحال ولم يسجل تحولات من شأنها أن تسترعي الانتباه بسبب ضعف مداخيل الأسرة والعزلة وعدم الانفتاح على العالم الخارجي.”
وغالبا ما نجد التجمعات السكانية كثيرة العمران بالقرب من الواجهة البحرية والأنهار والوديان والأسواق والمساجد والسهول الخصبة، في حين تقل في المناطق الصحراوية الجافة0 وتتشتت فوق سفوح الجبال بسبب وعرة المسالك، وصعوبة الظروف الطبيعية، وقلة الاخضرار. وقد قال الرحالة اللبناني أمين الريحاني في هذا الصدد:” ويندر الاخضرار فيها- أي جبال الريف- إلا حول المنازل، وهي قليلة، تراها على القمم والطلوع، لا يصل بعضها ببعض غير الطرق الجبلية” .
وغالبا ما كان يشكل هذا التجمع السكاني ما يسمى بالقبيلة ” ثاقبيشت” أو الدوار أو ” المدشر” أو ” دشار”. ولكن يلاحظ أن السكن الريفي كان جبليا بامتياز، ولن يكون سكنا سهليا إلا مع سنوات الستين والسبعين من القرن العشرين مع انتشار الأمن واستتباب الاستقرار والطمأنينة في المنطقة، و بعد الهجرة إلى الضفة الأخرى من أجل العمل وجلب العملة الصعبة لاستثمارها في البناء والتجارة.
وإذا كان المسكن المربع هو البنية المعمارية السائدة في شمال الريف بسب الاهتمام بالزراعة والفلاحة والتجارة ، فإن جنوبه مقتصر على الخيمة ؛ بسبب انتشار المجال الرعوي ، وسيطرة فكرة الارتحال من منطقة إلى أخرى ، وذلك لوجود منطقة صحراوية سهبية كثيرة الجفاف والجدب.
وما يلاحظ على المسكن الأمازيغي أنه سيكولوجيا واجتماعيا وقيميا مرتبط بشعور الوحدة والخوف وعدم الأمان، بله عن قيم دينية فاضلة أخرى كالتعفف والوقار والحفاظ على الشرف وكرامة الأسرة. لذا، فهو يتسم من جهة بطابع الضيق والتحصين والانغلاق والتستر والانعزال. ويتميز ، من جهة أخرى، بكونه فضاء للنضال والمقاومة والأخذ بالثأر.
وعلى العموم، فالمسكن الريفي يطبعه ضعف الإمكانيات المادية، وهشاشة الهندسة، وقلة التجهيز، وبساطة التركيب، وغياب التحضر الحقيقي والتمدن الإيجابي الفعال . وهذا راجع إلى غياب المثاقفة ، وعدم الانفتاح على المؤثرات الخارجية، وعدم الاطلاع على المستجد والمستحدث في الحضارة الغربية على الرغم من الهجرات المتكررة و المبكرة إلى الجزائر.
خاتمة:
نستنتج ، مما سبق ذكره، بأن المعمار الأمازيغي بمنطق الريف يتجلى بكل وضوح وجلاء في المسكن الذي يأوي الإنسان والدواب على حد سواء. بيد أن هذا المسكن ظل بسيطا في بنيته وصورته وتركيبه منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.
ويعبر السكن الريفي في جوهره عن منطق الاحتماء و الاختباء والانعزال، والرغبة في التحصين والدفاع والمواجهة والمقاومة، والعزم على التصدي للأعداء ، وترقب الآخر إما للاحتماء منه وإما للأخذ بالثأر.
وقد لاحظنا أيضا أن المسكن الأمازيغي له خصوصيات معمارية خاصة على مستوى الداخل والخارج ، وكذلك على مستوى التسييج والتسوير ، وذلك بالمقارنة مع المسكن العربي والمسكن الأمازيغي في الأطلس المتوسط والكبير والصغير، أو بالمقارنة مع المسكن الصحراوي على سبيل الخصوص.
المصادر والمراجع:
1- أبو عبيد البكري: كتاب المغرب في ذكر بلاد أفريقيا والمغرب، مكتبة أمريكا والشرق أدريان، مينزونوف، باريس، الطبعة الأولى سنة 1965؛
2- أمين الريحاني: المغرب الأقصى: رحلة في منطقة الحماية الإسبانية، دار المعارف، مصر، الطبعة الأولى سنة 1952م؛
3- الحسن بن محمد الوزان: وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، الشركة المغربية لدور النشر المتحدة، الرباط، الطبعة الأولى سنة 1980م؛
4- دايفيد مونتكمري هارت: أيت ورياغر، الجزء الأول، ترجمة من إنجاز محمد أونيا وآخرين، نشر جمعية صوت الديمقراطيين المغاربة في هولندا، الطبعة الأولى سنة 2007م؛
5- علال زروالي:( المسكن الريفي القديم بالريف الشرقي)، مجلة حفريات مغربية، العدد 3، فبراير 2004م؛
6- محمد أقضاض:الاحتراق والتوهج، الريف بين1860و1920، مطبعة الجسور، وجدة، الطبعة الأولى سنة 2001م؛
7-Le Marquis de Segonzac: Voyages au Maroc 1899-1901, ed, 1903
إصدارات الديكتور جميل حمداوي
[email protected]
أصدر الدكتور جميل حمداوي عشرة كتب عن مطبعة دار المعارف بالرباط موسم 2010م، وهي:
1-    مدخل إلى الشعر الإسلامي؛
2-    مدخل إلى السينما المغربية: من السينما الوطنية إلى السينما الأمازيغية؛
3-    الجديد في التربية والتعليم؛
4-    مدخل إلى السينوغرافيا المسرحية؛
5-    مناهج النقد العربي الحديث والمعاصر؛
6-    مدخل إلى الإخراج المسرحي؛
7-    مسرح الطفل بين الكتابة والإخراج؛
8-    ببليوغرافيا أدب الأطفال بالمغرب؛
9-    مسرح الأطفال بالمغرب؛
10-     المدارس العتيقة بالمغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.