العناد او ثاغنانت، من السمات التي يتم تسويقها بكونها تمظهر مميز لبنية الشخصية الريفية، و بكونها تعبير عن سلوك الانضباط و الصرامة و عدم الرضوخ، فصارت مع سلطة الزمن من تمظهرات التباهي لدى الريفيين نتقمص من خلالها ميزة مثالية لتكريس الإعلاء و التميز الريفي ، الذي تم التوثيق لها في الأشعار و الأغاني المادحة لهذه الميزة السلوكية. في اعتقادي، إن الريفيين ملزمين بإعادة النظر في البنى التي أسست و قوّت هذا السلوك، بالحفر في ماهيته و أصله السلوكي. أعتقد أن "ثاغنانت" تعبير عن السلوك الحربي و الفعل الحربي التي أثرت في التركيبة النفسية الريفية، و لعب العناد دورا لرفع السيالات المعبرة عن هذه السمة الحربية/الصدامية في حالات التصادم و الصراع أنجمت فعل المقاومة أو المعاندة المعبر عن اللاتنازل و التشبث بالطرح او الرؤى او القناعة، لذلك فهي ليست سلوكا سليما ما دامت ماهيتها و علتها هي شحنات الانفعال و التوتر. و صار من اللزام اليوم هدم الانطباع التمايزي المكرَّس في مخيالنا الجماعي عن ثاغنانت، و البحث في ماضينا الطفولي عن ثاغنانت باعتبارها عقدة الطفولة بنفس معايير التشخيص النفسي للمرضى في مرحلة "أريكة البسيكياطغ"، فالترويج لها باعتبارها صفة معبرة عن التفاضل الريفي هو إنكار لجانب مرضي فينا و تأجيل لبقاء العلة المرضية في حيز العقل الباطن المقموع بحجب و قمع و إظمار أي تعبيرات من شأنها تفجير حمولة ثاغنانت التي نكبتها لضمان التباهي الذي نغلف به حضورها في بنيتنا السلوكية الجماعية الريفية، الذي ينجم عنه اعتلال سلوكي يلازمنا أهم ما يعبر عنه هو هيمنة الماضوية على تفكيرنا و النظر للحاضر و المستقبل بأعين الماضي الذي نختزل فيه مظاهر التفوق و المجد، فنعيش بذلك على الدوام بسلفية تفكيرية. و إن هذه التعبيرات المرضية التي نتحاشى التنقيب في أسبابها تفرز لدينا نوعا من الإعاقة الذهنية كالفوبيا من المستقبل و كل تعبيرات القلق المصاحبة لبنية ذهنية غير سوية التي تنتج لنا أمراض البارانويا و جنون الارتياب و الوسواس القهري التي تجعلنا دوما في زاوية الانحصار و الارتياب و التوجس و الارتكان لفردانية و تمنع الريفيين كجماعة من بلورة فعل جماعي، و يظلون في قوقعة اغتراب الذات محافظين على كل ما يقوي ارتيابهم و يحصن سلوكهم المرضي متوهمين أنه تعبير عن التميز و التفرد. على الريفيين التفكير بجدية في سبل تشريح بنيتهم النفسية و السلوكية لجرد اعتلالاتهم المرضية و علاجها بدل إضفاء طابع هلامي ممجد لها يضمن استمراريتها و يحصنها من الاستئصال، ليس عيبا أبدا النظر الى ذاتنا كحالة مرضية، ففهم المرض اول الخطوات نحو العلاج بدل محاولة التطبيع و التعايش معه .