قدم الخازن العام للمملكة، نور الدين بنسودة، الأسبوع الماضي بمدينة الحمامات التونسية، عرضا تناول فيه التجربة المغربية في مجال المحاسبة العمومية وما تحقق من إصلاحات في اتجاه تكريس الشفافية والمسؤولية والانفتاح على الرأي العام. وأبرز بنسودة في مداخلته، في ملتقى دولي حول موضوع «إصلاح المحاسبة العمومية وتدبير مصالح الخزينة العامة»، الذي تنظمه الجمعية الدولية لمصالح الخزينة وتشارك فيه وفود من 23 دولة وبعض الهيئات الدولية المختصة من بينها صندوق النقد الدولي، أن الدستور الجديد تضمن جملة من المبادئ الأساسية تجعل نظام المحاسبة العمومية في المغرب يرتكز على درجة كبيرة من الشفافية والمسؤولية. وأكد أن الوثيقة الدستورية، من خلال التنصيص على هذه المبادئ، أعطت للمالية العمومية وللسياسة الاقتصادية بصفة عامة مكانة متميزة، الأمر الذي يمكن الدولة من الاستجابة لحاجيات المواطنين ومتطلبات شركاء المغرب على الصعيد الدولي، مبرزا أن النظام المغربي للمحاسبة العمومية شهد تطورا جوهريا من خلال سلسلة من الإصلاحات التي واكبت التطورات والمستجدات في هذا المجال، مع الانفتاح على مختلف الفاعلين وتوفير المعلومات اللازمة التي تقدم نظرة دقيقة على كل الأصول والخصوم . وأشار إلى أن من شأن هذا الأمر أن يساعد على تقديم توقعات واقعية بالنسبة للمالية العمومية استنادا إلى أسس واضحة وشفافة تمكن مختلف الجهات المعنية والمتدخلين في الداخل والخارج من الوقوف على الوضعية الحقيقية للمالية العمومية ومعرفة الضوابط المتعلقة بالاقتصاد المغربي، سواء تعلق الأمر بالبرلمان أو الجهات القضائية، كالمجلس الأعلى للحسابات، والمجتمع المدني، وكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات والهيئات المالية الدولية وشركاء المغرب في الخارج. وبعد أن أشار إلى أن الشفافية في المالية العمومية أضحت تمثل مطلبا مشروعا بالنسبة للمواطن وللجهات الرقابية، أبرز بنسودة أن الأمر يتعلق بتجميع كافة المعلومات والمعطيات المحاسباتية الكفيلة بتنوير الرأي العام والمواطن بصفة خاصة حول أوجه صرف وطرق تدبير الأموال العمومية، فضلا عن تمكين الدولة من الوقوف على وضعية المالية العمومية بصفة شمولية مما يساعدها على اتخاذ التدابير الضرورية والقيام بالإصلاحات اللازمة في عدد من القطاعات بما فيها الميزانية والمحاسبة العمومية وتفعيل أنجع السياسات العمومية. وخلال ترؤسه لإحدى الجلسات التي خصصت لمناقشة موضوع «الرهانات المتعلقة بإصلاح نظام المحاسبة العمومية»، أشار الخازن العام للمملكة إلى أن هذا الأمر أصبح موضوع الساعة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها عدة مناطق في العالم والتي سرعان ما تحولت إلى أزمة سياسية . وأشار إلى أن تداعيات هذه الأزمة دفعت إلى مراجعة عميقة لأبعاد وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتق القائمين على تخطيط وتدبير قطاع المالية العمومية وحسابات الدولة في اتجاه تداول المعلومات والانفتاح على المواطن وممثلي الأمة والالتزام بأقصى درجات الشفافية والوضوح بخصوص الميزانية والأموال العمومية. وأوضح في هذا السياق أن المواطن أصبح له اهتمام مشروع بهذه الأمور استنادا إلى حقه في الوصول إلى المعلومات الخاصة بقطاع المالية العمومية والحسابات العمومية للدولة وبالأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد بصفة عامة. وقال إن التحركات الاجتماعية التي تشهدها عدة مناطق في العالم ومن بينها بلدان الربيع العربي دفعت إلى مراجعة توجهات السياسيات العمومية والمالية العمومية، من خلال نهج مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار رأي المواطن في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وفي تدبير المالية العمومية بصفة عامة، معتبرا أن هناك «عقدا اجتماعيا جديدا» أصبح يربط الدولة من جهة، والمواطن والبرلمان والمجتمع المدني من جهة أخرى، للوقوف على مدى احترام السياسات المتبعة لحاجيات المواطن وتطلعاته المشروعة .