"إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    ما الذي قاله مدرب نهضة بركان بعد الانتصار على الزمالك المصري؟    كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال    جهاز الإحصاء الفلسطيني: مقتل أكثر من 134 ألف فلسطيني وأكثر من مليون حالة اعتقال منذ نكبة 1948    مدرب بركان يشيد بالفوز على الزمالك    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    الانفصاليون في كاتالونيا يخسرون غالبيتهم أمام الاشتراكيين بقيادة سانشيز    طقس الإثنين.. أمطار رعدية مع هبوب رياح قوية بهذه المناطق    خلاف مروري بساحل أكادير يتحول إلى جريمة دهس مروعة (فيديو)    بلينكن يحذر إسرائيل من "الوقوع في فخ القتال مع حماس والانزلاق إلى الفوضى إذا لم يكن هناك خطة لحكم غزة في مرحلة ما بعد الحرب"    إقليم العرائش يستعد لاحتضان الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي ماطا للفروسية    المنتخب المغربي للتنس يتوج بطلا لإفريقيا    رصيف الصحافة: سمك فاسد في "جامع الفنا" يودع 3 أشخاص الحراسة النظرية    الجيش المغربي ونظيره الأمريكي ينظمان الدورة ال20 من مناورات "الأسد الإفريقي"    مطلب ربط الحسيمة بشبكة السكة الحديدية على طاولة وزير النقل    النصيري في ورطة بإسبانيا وعقوبة ثقيلة تنتظره    تفاصيل محاولة فرار "هوليودية" لمغاربة بمطار روما الإيطالي        "إيقاعات تامزغا" يرفع التحدي ويعرض بالقاعات السينمائية الأسبوع المقبل    باريس سان جيرمان يودع مبابي أمام تولوز بالدوري الفرنسي الليلة    وفاة 5 تلاميذ غرقا بأحد شواطئ الجزائر    جيتكس إفريقيا المغرب 2024.. وكالة التنمية الرقمية في خدمة النهوض بالابتكار والتكنولوجيا الجديدة    عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن التجربة الديمقراطية؟    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    أسعار الطماطم تقفز بأسواق المغرب .. ومهنيون: تراجع الإنتاج وراء الغلاء    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان بأكادير    "أسبوع القفطان".. فسيفساء من الألوان والتصاميم تحتفي بعبق الزي المغربي    "كوكب الشرق" أم كلثوم تغني في مهرجان "موازين" بالرباط    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    اليوتوبر إلياس المالكي يمثل أمام النيابة العامة    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    عرض "قفطان 2024" في نسخته الرابعة و العشرين بمراكش    ورشة حول التربية على حقوق الانسان والمواطنة    مذكرة توقيف تلاحق مقدم برامج في تونس    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ محمد تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية بالرباط ل"التجديد":مستقبل المنطقة المغاربية رهين بالتعاون بين المغرب والجزائر
نشر في التجديد يوم 09 - 02 - 2003

في سياق زيارة وزير الخارجية الجزائري السيد عبد العزيز بلخادم حاليا لبلادنا بدعوة من نظيره المغربي السيد محمد بن عيسى، نقدم هذا الحوار مع الأستاذ تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية بالرباط وفيه نتطرق معه إلى أهم القضايا العالقة والتي تؤثر سلبا لا على مستوى العلاقات المغربية الجزائرية فحسب، ولكن أيضا على مستوى المغرب العربي ككل، ومن ذلك قضية الصحراء المغربية.
ومن القضايا التي طلبنا من الأستاذ تاج الدين الحسيني إبداء رأيه فيها الزيارة الأخيرة للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة جيمس بيكر للمنطقة المغاربية وقراءة الأطراف المعنية لنتائجها ومواضيع أخرى منها الدور الفرنسي في التقريب بين الرباط والجزائر وتأثير التسلح الجزائري على مصالح المغرب والدور الأمريكي في ذلك.
كيف قرأتم الأستاذ تاج الدين الحسيني الجولة الأخيرة للسيد جيمس بيكر بمنطقة المغرب العربي؟ وما تعليقكم على نتائجها؟
الجولة الأخيرة للسيد جيمس بيكر تعتبر تعديلا أخيرا لما يسمى بالاتفاق الإطار الذي سبق أن اقترحه على الأطراف المعنية بحل النزاع في الصحراء المغربية. وكما هو معلوم فإن المقترح الأخير الذي تقدم به جيمس بيكر يدخل في إطار البحث عن حل سياسي بعد أن وصلت إمكانية تنظيم استفتاء في الصحراء إلى الباب المسدود، ذلك أن المغرب ومن جانب آخر الجزائر ثم جبهة البوليزاريو لم يصلوا إلى اتفاق بخصوص الأشخاص المشاركين في عملية الاستفتاء، وهذه العرقلة التي دعمتها البوليزاريو بعملية إقصاء العديد من المرشحين للمشاركة في التصويت كانت نتائجها سلبية، وهي عدم إمكانية تنظيم الاستفتاء المراقب من طرف الأمم المتحدة.
وهكذا سبق للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة جيمس بيكر أن قدم اقتراحا اعتبره بمثابة حل ثالث يهدف إلى إبقاء السيادة المغربية على إقليم الصحراء على أساس أن يتمتع الصحراويون المقيمون بعين المكان بنصيب وافر من الحكم الذاتي في ما يتعلق بالشؤون المحلية وإدارة الثروات الداخلية، على أن تحتفظ الحكومة المغربية بشؤون الدفاع والسياسة الخارجية والأمن داخل الصحراء، وذلك على أساس أن ينظم استفتاء يحدد مصير الإقليم بعد أربع سنوات من هذه المرحلة الانتقالية. وكما هو معلوم فهذا المقترح رفضته الجزائر كما رفضته البوليزاريو، ويبدو أن الاقتراح الجديد لا يختلف كثيرا عن المقترح القديم ولكنه يتميز بنوع من المرونة التي تهدف إلى إرضاء الجزائر قصد إقناعها بالقبول، بينما ظهر واضحا أن البوليزاريو أثناء استقبالها لجيمس بيكر لم تبد له نفس التعاطف والاستقبال العاطفي الذي خصته به في الجولة السابقة، وقد كان المسمى محمد عبد العزيز المراكشي يعتبر أن هذا الموقف هو تعبير عن سخط البوليزاريو وعدم رضاها عن تحول الاتجاه من طرف الأمم المتحدة في مايتعلق بتطبيق الاستفتاء الذي ترى أنه إن طبق في إطار ما رسم له في البداية فإن
نتائجه ستكون في صالحها، ولذلك فالبوليزاريو تبقي متمسكة بنفس موقفها في رفض أي اقتراح آخر غير اقتراح الاستفتاء وفق شروطها الخاصة ووفق المنهج الذي اعتمدته في البداية.
ولذلك فالمقترح الجديد الذي جاء به جيمس بيكر يحاول أن يتجاوز الرفض الجزائري. على أن الجزائر هي الطرف الرئيسي المعني مادامت تتوفر على كل الوسائل لممارسة الضغوط على البوليزاريو من جهة، ومادامت هي التي تراقب لوجيستيكيا واستراتيجيا كل تحركات البوليزاريو في منطقة إيفني.
تبدو في الكواليس بعض إمكانيات إرضاء الجانب الجزائري من خلال قبول الفكرة القديمة الجديدة التي تهدف إلى تمكين الجزائر من ممر للمحيط الأطلسي، ربما يوفر إمكانيات تصدير النفط الجزائري والغاز نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أن هذه الأخيرة ستشجع مثل هذا التوجه الذي سيخدم مصالحها الاستراتيجية، ويظهر كذلك أن المخطط الجديد لا يعتبر الجزائر طرفا معنيا بصفة مباشرة وهذا مما يريحها بطبيعة الحال بالنظر إلى التبعات السياسية والقانونية المرتبطة بقضية الصحراء، ولكنه في نفس الوقت يعطيها أهمية كبرى على مستوى التسوية. ويشاع الآن أنه في المرحلة المقبلة إذا تمت موافقة جميع الأطراف على المخطط الجديد فهذا يعني أن المرحلة الانتقالية سوف لن تشهد فقط إمكانية قيام المينورسو بدور معين، بل إمكانية إسناد المراقبة لبعض المراقبين الجزائريين الذين قد يشاركون في مثل هذه العملية، وإن صح هذا التأويل فإنه سيعطي ربما للجزائر دورا لم يسبق لها أن اشترطته منذ نشوب النزاع في منتصف السبعينات. وفي اعتقادي أن كل الأطراف المعنية وصلت الآن إلى عنق الزجاجة بخصوص مشروع التسوية، لأن الأمانة العامة للأمم المتحدة وعلى لسان أمينها
العام كوفي عنان تعتبر أن هذه المرحلة هي جد متقدمة في التسوية لدرجة أنه صرح قائلا "إنني أعتقد أن كل مآلات التسوية الآن تعتمد على الأطراف أنفسهم" بحيث يعتبر الأمين العام أن مسلسل التسوية وصل الآن إلى وضعية تتطلب من الأطراف المعنية اتخاذ مواقف نهائية من قبل هذه الأطراف، وهذا هو السبب الذي جعل مبعوثه الخاص جيمس بيكر يعطي مهلة لها تنتهي في 31 مارس المقبل.
وكيف قرأ المغرب زيارة بيكر الأخيرة
بالنسبة للمغرب هناك وعد صريح من طرف وزير الخارجية المغربي بأن تتم دراسة المشروع الذي عرضه بيكر بروح بناءة، وكلمة "بناءة" في القاموس الدبلوماسي تعني أساسا أن المغرب سوف لن نغير موقفه الذي سبق أن عبر عنه بخصوص المشروع السابق. وأعتقد أنه على الدبلوماسية المغربية أن تدرس بدقة وعناية هذا المشروع لأن نقطة الخط الأحمر التي تفصل بين ما يمكن قبوله من طرف الدبلوماسية المغربية وما يمكن رفضه هو قضية السيادة الوطنية على إقليم الصحراء التي لا يمكن أن يلحقها أي ضرر مع إمكانية التوسع في مجالات الحكم الذاتي التي سوف لن تقتصر في جميع الأحوال فقط على إقليم الصحراء، بل ربما سوف تعمم على باقي الجهات المغربية التي هي 61 جهة في إطار القانون المنظم للجهات، وفي إطار نموذج للتنمية المستديمة يدمج هذه الجهات في آليات تقترب كثيرا من النموذج الفدرالي، أي ذلك الذي تطبقه دول متقدمة مثل الاتحاد السويسري في إطار نظام الكنطونات، أو النظام الألماني الذي يشكل نموذجا متفتحا بالنسبة للمستقبل، وحتى للتعايش مع الآليات المقبلة التي تفترضها التنمية، وعلى وجه الخصوص علاقات الشراكة مع الاتحادات الأجنبية وإقامة مناطق للتبادل
الحر، والتوسع نحو الاستثمار الأجنبي.
وماذا عن قراءة الطرف الجزائري لهذه الجولة
أعتقد أن الموقف الجزائري بخصوص الاقتراح الأخير لجيمس بيكر جاء إيجابيا إلى حد بعيد حسب تقديرات الصحافة الجزائرية وردود فعل في البلدان الغربية، بحيث صرحت الجزائر بأنها ترفض مثلا أن تتهم بأنها تعرقل مثل هذه المشاريع.
وترى في المقابل أنه من الضروري إعطاء الأهمية الكافية لكل الاقتراحات قصد الوصول إلى حل نهائي، وأعتقد أن مثل هذا الموقف، بغض النظر عن أنه يحمل صيغة المراوغة والدهاء السياسي في التعامل مع الموضوع، إلا أنه موقف أقل حدة وأقل تصلبا من ذلك الذي عبرت عنه الجزائر في المناسبات السابقة.
هل هذا يعني أن الجزائر تساهم هي الأخرى في مناورات عبر الكواليس تتدخل فيها أطراف رئيسية من أجل التوسية؟
في اعتقادي أن هناك دولا مهمة تلعب الآن دورا أساسيا في صيانة هذا الموضوع وأخص بالذكر كلا من فرنسا وأمريكا وكذلك إسبانيا التي نعتقد أن مسلسل تعاونها مع كل الأطراف، خاصة الجزائر والمغرب، يفترض ضرورة إيجاد حل عادل ونهائي لهذا المشكل الذي دام أكثر من ربع قرن.
تذهب بعض التحاليل السياسية إلى أن المقترح الأخير لجيمس بيكر يسعى إلى إرضاء الطرف الجزائري ويستهدف في المقابل وحدة المغرب الترابية؟ هل هذا صحيح من وجهة نظركم؟
أنا شخصيا لم أسمع بمثل هذه التحاليل، ولكن أعتقد أنه أن يأتي جيمس بيكر باقتراح جديد ويدخل عليه التعديلات التي يبدو أنها من جهة توسع دوائر الحكم الذاتي، ومن جهة أخرى تتجه نحو إعطاء الجزائر دورا معينا في المرحلة الانتقالية، هذا في حد ذاته قد يضيق الخناق على المغرب شيئا ما في ما يتعلق بهامش المناورة الذي يتوفر عليه في هذا الموضوع، لكن في اعتقادي أنه إذا كانت فترة الحكم الذاتي ستستمر لفترة محدودة، ويشاع الآن أنها ستتقلص إلى أربع سنوات، فهذا يعني أن نهاية هذه الفترة ستتوج بإجراء استفتاء عام يطبق بالنسبة للإقليم ككل وبالنسبة لكل الموجودين على سطح الإقليم، وفي اعتقادي دائما أن مثل هذا الاستفتاء ستكون نتائجه بشكل عام في صالح المغرب.
يسعى الرئيس الفرنسي جاك شيراك حاليا إلى التقريب بين الجزائر والمغرب، في نظركم ما مدى نجاح مثل هذه المحاولة بالنظر إلى حجم مشكلة الصحراء المغربية وانعكاساتها على الطرفين معا.
معلوم أن فرنسا وإسبانيا تتحملان معا مسؤولية خطيرة بالنسبة لملف الصحراء، وماأزال أذكر أن الوثائق التي تتعلق بالسيادة المغربية في حد ذاتها موجودة بين يدي هاتين الدولتين، ولم تسمحا لحد الآن بالإفراج عن تلك الوثائق التي تؤكد بكيفية لارجعة فيها أن إقليم الصحراء ومنذ القديم لم يكن أرضا مواتا، ولم يكن أرضا من دون مالك، ولكنه كان يخضع للسيادة المغربية. وأعتقد اليوم أن من واجب الحكومة الفرنسية ومن جانب الرئيس جاك شيراك على الخصوص أن يأخذ مبادرة إيجابية في هذا المجال وخاصة دعم المساعي السلمية للوصول إلى حل نهائي لهذا المشكل. ففرنسا عضو دائم العضوية داخل مجلس الأمن، ولها إمكانيات ممارسة الضغط في هذا المجال، ولها علاقات قوية مع كل من الجزائر والمغرب، ويمكنها أن تلعب دور الوسيط بين البلدين قصد التوصل إلى الحل. وأكثر من هذا ففرنسا التي هي الآن بقيادة الرئيس شيراك تعبر عن ممارسة مطلقة لليمين للحكم سواء على مستوى رئيس الدولة أو على مستوى الحكومة، أعتقد أن لديها إمكانيات وافرة لأخذ مثل هذه المبادرات والسعي نحو تنفيذها بكل الوسائل، وربما تتوج مثل هذه المبادرات بالتقريب بين وجهتي نظر الطرفين قصد عقد قمة
مشتركة، وحتى تكون الاستفادة من عقد الشراكة الأوروبي بين المغرب والجزائر وأوروبا وكذلك لمنطقة التبادل الحر بشكل يقوم على أساس التنسيق والتعاون بين البلدين الجارين.
لوحظ مؤخرا أن الجزائر تسعى إلى تقوية ترسانتها العسكرية بشكل مثير، الأمر الذي يفسر على أنه قد يشكل خطورة على المغرب، أليس كذلك؟
كل إشكالية ترتبط باختلال توازن القوة الإقليمي في أي منطقة من مناطق العالم إلا وتنعكس سلبيا على علاقات الجوار، وهذه تقريبا قناعة راسخة لدى أغلب المحللين، وخاصة عند أولائك الذين يتبنون منهج المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، ولذلك أعتقد أنه من الخطإ الجسيم أن تباشر بعض من القوى العظمى إلى دعم دولة معينة في إطار مجالها الإقليمي، وضخ الأسلحة بقوة، لأن ذلك سيؤدي إلى اختلال التوازن، وكل اختلال يمكن أن يحسم عن طريق اللجوء إلى الحرب. وقد لاحظنا هذا في العديد من مناطق العالم، فلاحظناه في منطقة الخليج عندما تمكنت العراق من إحداث نوع من التفوق في الأسلحة بفضل عائد البترودولار مما أدى بها إلى تفجير حربين في مدة وجيزة، مع إيران ثم مع الكويت. وهي الآن تعيش في دوامة لا حدود لها من علاقات الحرب، ولاحظناه أيضا داخل أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى وقبل الحرب العالمية الثانية عندما تفوقت ألمانيا على جيرانها. وكذلك من الخطإ الجسيم أن تمارس الدول الكبرى هذه اللعبة لدعم الجيران لمواجهة بعضهم البعض من حيث شراء أو بيع الأسلحة، والمصيبة الكبرى هي أن هذه البلدان التي تنفق مبالغ طائلة في شراء الأسلحة تقوم
بذلك على حساب الحاجيات الأولية للتنمية المستديمة. فالجزائر تعرف دينا خارجيا يفوق 22 أو 23 مليار من الدولارات، وساكنتها تعيش أوضاعا سيئة على المستوى الاجتماعي والإنساني والاقتصادي، وأوضاع البيئة جد متردية ومع ذلك فالجزائر تنفق أموالا جد طائلة في شراء الأسلحة، والخلاصة أن هناك تفوقا ملحوظا الآن على مستوى توازن القوة الإقليمي، وفي اعتقادي أن مثل هذه الوضعية تفسر من قبل الأمريكيين بشكل يتضمن الكثير من المرونة، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية التي أصيبت بنكسة 11 شتنبر 2001 تعتبر بأنه مادامت الجزائر تطالب بهذه الأسلحة لمواجهة الإرهاب بالداخل فإن طلباتها مبررة، وبالتالي يمكن أن تستجيب لها الحكومة الأمريكية، وقد لاحظنا عند زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وليام بيرنز الأخيرة أنه حاول إحداث نوع من التوازن في علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بكل من المغرب والجزائر. ففي الوقت الذي دعم فيه العلاقات التاريخية للمغرب مع بلاده بخصوص علاقات التعاون الاقتصادي والسياسي وإقامة منطقة للتبادل الحر، سافر إلى الجزائر ليعدها بدعم لامحدود من الأسلحة لمقاومة الإرهاب، وهذا يدخل في إطار
السياسة الأمريكية التي تحاول أن تجد لها موطئ قدم داخل القارة الأفريقية وفي شمالها بالضبط، ويدخل في إطار منافسة أوروبا على منطقة نفوذ جديدة، وهذا أصبح أمرا معروفا الآن في السياسة الأمريكية في مختلف مناطق العالم.
ألا يمكن القول إن ما يشبه التحالف الأمريكي الجزائري حاليا قد يشكل هو الآخر تهديدا لمصالح المغرب الاستراتيجية، ومستقبل العلاقات المغربية الأمريكية؟
من الصعب جد الآن أن نتحدث عن تحالف أمريكي جزائري، والأصل أنه ليس هناك تحالف بقدر ما هنالك مصالح مشتركة بين الطرفين، فنحن نعلم جيدا أن الولايات المتحدة الأمريكية تستورد كميات هائلة من الغاز الطبيعي ومن البترول من الجزائر وهي تشكل ما نسبته 9% من وارداتها من مناطق العالم المختلفة، والشركات الأمريكية الكبرى مدعوة للقيام باستثمارات مهمة في هذا المجال بالجزائر، ويضاف إلى ذلك أن السياسة الأمريكية وهي السياسة الواقعية تقوم أصلا على أساس أنه ليس هناك مبادئ دائمة ولكن هناك مصالح مشتركة على أساسها يمكن أن تحسم كل القضايا التي تعرفها علاقات الطرفين.
لا يمكن الحديث عن العلاقات المغربية الجزائرية دون الحديث عن الاتحاد المغاربي؟ في نظركم كيف تتوقعون عودة الفاعلية لهذا الكيان أمام استمرار الجزائر في معاكسة وحدة المغرب الترابية؟
للأسف الشديد فقطار اتحاد المغرب العربي توقف منذ مدة، وتوقفه جاء في ظل ظروف مطبوعة بالتوتر السياسي بالأساس، خاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء، لكن خارج قضية هذه الأخيرة يمكننا أن نلاحظ أن السياسة المغاربية لا تعرف أي حد أدنى من التنسيق، ويمكننا أن نقول هنا مرة أخري إن أزمة اتحاد المغرب العربي تجد عمقها في تفاعلات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المغاربية. ومادامت البلدان المغاربية عاجزة عن سلوك تطبيق ديموقراطي سليم يعطي الحق للمواطنين المغاربيين في أن يقولوا كلمتهم في كل ما يتعلق بمستقبلهم فستبقى الأوضاع على ماهي عليه، خاصة وأننا نعيش في منطقة تعرف فسيفساء، أحيانا متناقضة على مستوى التشكيل السكاني وعلى مستوى الاختيارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن ذلك أن المغرب يؤمن بالملكية الدستورية وبالديمقراطية القائمة على التعددية ويمنع الحزب الواحد، بينما الجزائر وبرغم انتهاء الحزب الواحد بها، إلا أن المؤسسة العسكرية حلت محل جبهة التحرير الجزائرية، وتونس تعرف نظاما يتميز بنوع من التوجه نحو التحكم في السلطة بشكل يهمش الأحزاب السياسية ويهمش ظاهرة التعددية. وتعيش ليبيا نظاما ليس
جمهوريا ولكنه جماهيري له خصوصياته ولم يسبق له مثيل في التاريخ ويقوم على المؤتمرات الشعبية وعلى دور القائد واللجان. وتبقى موريطانيا حلقة ضعيفة في المنطقة وتأثيراتها جد محدودة. ولذلك فهذا التنوع في فسيفساء التشكيل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمنطقة يلعب في حد ذاته دورا أساسيا في عرقلة مسيرة الاتحاد المغاربي، وعلينا أن نذكر جيدا أنه في أوروبا لم تتحقق الوحدة الأوروبية إلا بفضل التناسق السياسي بين الأنظمة، ولم تقبل كل من إسبانيا والبرتغال بالاتحاد إلا بعد نهاية الحكم الدكتاتوري وبعد دخول هذه البلدان معركة ديموقراطية حقيقية قائمة على التعددية والليبرالية واحترام حقوق الإنسان. وبالتالي فإن الأسباب الموضوعية في نظري لعرقلة بناء اتحاد مغرب عربي قوي هي كامنة في وضعية المجتمع السياسي والمدني بهذه البلدان. وبطبيعة الحال فإن قضية الصحراء تلعب دورا أساسيا في كبح جماح مواقف القيادات السياسية في السير بعيدا نحو الاندماج، وأعتقد أنه من الخطإ الجسيم الاستمرار في هذا الوضع على ما هو عليه حيث ستؤدي الأجيال المقبلة ثمنه بشكل مكلف جدا، لأن مستقبل المغرب العربي لم يعد بمثابة الترف الكمالي الذي تطمح إليه
الشعوب في تحقيق التناسق، بل هو ضرورة حتمية للبقاء على قيد الحياة. فنحن في مواجهة تكتلات وقلاع اقتصادية كبرى لا حدود لها. ومن ذلك أن أوروبا التي كنا نعرفها بأوروبا الست أصبحت الآن خمسة عشر دولة وستصبح 25 دولة في سنة 2004، والولايات المتحدة الأمريكية التي نتعامل معها كقطب منفرد قد وسعت دائرتها نحو كل من المكسيك وكندا وستوسعها نحو مناطق أخرى كالشيلي على مستوى مناطق التبادل الحر، ونفس الشيء يمكن أن نقوله على مستوى الدول الأسيوية والتركيز الذي تقوده الصين أو اليابان التي هي في حد ذاتها كتلة اقتصادية. والخلاصة أنه أن مادام يتعامل مع هذه القوى بمنطق الدول المنفردة فمعناه أننا نرتكب أخطاء استراتيجية لا تغتفر ونحن نجني نتائج أخطائنا السلبية يوما بعد يوم، ولذلك فكل يوم تآخر فيه إقلاع حقيقي لقطار المغرب العربي إلا وسنؤدي ثمنه غاليا سواء على الصعيد الاستراتيجي أو على صعيد رهانات التنمية الاقتصادية أو على مصالح ساكنة البلدان المغاربية التي ستكتوي خاصة بالنسبة للأجيال القادمة بآثار مثل هذه التصرفات.
يعاب على الدبلوماسية المغربية أنها دبلوماسية غير فاعلة مقارنة مع نظيرتها الجزائرية الأمر الذي يؤثر على ملف الصحراء بشكل سلبي وعلى بناء وحدة مغاربية قوية، هل هذا صحيح؟
بالنسبة لقضية الصحراء أعتقد أن الأخطاء التي ارتكبت على مستوى الدبلوماسية المغربية هي تلك التي عاشتها هذه الدبلوماسية في السبعينيات والثمانينيات على الخصوص، بحيث كان هناك اعتقاد راسخ أنه بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وتوقيع اتفاقية مدريد واسترجاع المغرب للصحراء، اعتبرت تلك الدبلوماسية أن ملف الصحراء قد انتهى، في حين اعتبرت الدبلوماسية الجزائرية أن الملف نفسه قد بدأ وشرعت في إيفاد بعثات شابة وناشطة إلى العديد من الدول في إفريقيا وآسيا وخاصة وسط إفريقيا واستطاعت بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة أن تخترق تلك المجالات بقوة مما من أثر سلبا على موقعنا الدبلوماسي داخل منظمة الوحدة الإفريقية وأدى بنا إلى الانسحاب منها، وكان ذلك ضربة موجعة للدبلوماسية المغربية في هذا المجال. ولكننا الآن لاحظنا أن هناك تقدم محمود في أداء الدبلوماسية المغربية التي استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تنتزع نوعا من التراجع عن الاعتراف بالجمهورية الوهمية لدى العديد من دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وهذا مكسب سياسي يعتد به، وإذا سارت وتيرة هذه المكاسب في تصاعد فإنه يمكن أن نجني ثمارها قريبا بعودة مظفرة
إلى منظمة الوحدة الإفريقية، وباكتساب موقع قوة في علاقاتنا مع هذه البلدان التي كان ينبغي أن تربطنا بها، أكثر من الجزائر، علاقات وثيقة وقوية. والآن أرى أن الرهان الحقيقي اليوم لم يعد مرتبطا بشساعة السلوك السياسي في مناطق بعيدة من العالم، بل أصبحت الاستراتيجية والمنهج السليم يفترض التركيز على دول محددة واضحة وهي الدول الأعضاء داخل مجلس الأمن، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا. والتركيز على هذه الدول في نظري يمكن أن يحمل ثمارا طيبة في المستقبل القريب. وأعتقد أن القرار الحكيم الذي اتخذه العاهل المغربي بتمكين صيادي منطقة كاليسيا الإسبانية من الصيد في المياه المغربية لفترة محددة وبغير مقابل مادي في الشواطئ المغربية هو قرار حكيم، ولاحظنا أن نتائجه الإيجابية تمثلت في الانفتاح غير المسبوق في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية المغربية الإسبانية التي ربما سنجني نتائجها الإيجابية قريبا على المستويات الأخرى بما في ذلك ملف الصحراء المغربية.
حاوره:
عبد الرحمان الخالدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.