آخر لتاريخ معاناة فلسطين أنها قضية فضَّاحة، ولا يقتصر دورها الفضَّاح على إسقاط أقنعة الساسة الذين تناوبوا عبر تاريخ معاناتها على المتاجرة القذرة بها، بل تجاوزه إلى كشف المعوقين فكريا وسياسيا وثقافيا في أوساط المجتمع. وكما لا يخلو بلد من هؤلاء المعوقين فإن المغرب، الذي عرف تاريخيا بتضحياته تجاه القضية الفلسطينية، قد أصابه قدره من هؤلاء. الجديد اليوم في جنون المعوقين تجاه القضية الفلسطينية قدرتهم الغريبة على الوقوف على أكوام أشلاء أطفال ونساء فلسطين، والارتواء من كأس دماء أبريائها لإعلان التضامن مع "الشعب الإسرائيلي" ومطالبة المغاربة بهذا التضامن! هذا الموقف لا نجد له مثيلا حتى في "إسرائيل"، فرغم الحملة التضليلية للإعلام هناك، فسرعان ما استفاق دووا الضمائر الحية هناك ليطالبوا سلطة الكيان بوقف الحرب على أطفال ونساء غزة وأرض فلسطين، وانبرت أزيد من 10 أكبر الجمعيات الحقوقية هناك إلى التنديد بالحرب الهمجية وبالتضليل الإعلامي، مطالبة بفتح تحقيق وترتيب الجزاءات. حتى وزير خارجية الولاياتالمتحدة الأمريكية "جون كيري"، حين وقع في "مقلب قدري"، وخانته التكنولوجيا، و كشف عن وجهه الإنساني وأعلن على الهواء ، دون أن يدري، استهجانه جرائم الصهاينة ضد الأطفال والنساء والمدنيين، قبل أن يستدرك، حين علم ب"الورطة"، بوجه سياسي وقح دعمه لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها ! يحار المرء في محاولة فهم الدواعي التي يمكن أن تكون وراء إعلان أعضاء جمعيتان تنتسبان للحقل الأمازيغي، الذي كان على الدوام حقلا حقوقيا وإنسانيا، مساندة آلية الدمار الصهيونية في أوج دمويتها. فالأمر يتجاور حالة التطبيع التي يقاومها المجتمع المغربي بشراسة، إلى إعلان التأييد والمساندة لأعمال إبادة! وهو موقف لا يشترك فيه هؤلاء سوى مع جنرالات الحرب في الكيان الصهيوني وساسة الغرب المكبلين بمصالح ترعاها لوبيات الصهيونية العالمية. أما أحرار العالم فكانوا على الدوام وطيلة تاريخ فلسطين المنكوبة إلى جانب الشعب الفلسطيني، لأن قضية فلسطين هي في المقام الأول قضية إنسانية وقضية حقوقية، قبل أن تكون قضية قومية. يتبادر للذهن وأنت تقرأ بيان الدعوة إلى التضامن مع الصهاينة المجرمين سؤال محير، كيف يشعر ويتصرف مدبجو بيان العار وهم يتلقون أخبار سقوط الضحايا؟ كيف يتصرفون وهم يشاهدون صور الأشلاء وصور الخراب ويسمعون صيحات الاستغاثة؟ كيف تتعامل عقولهم وأنفسهم وما تبقى من ضمائرهم وهم يعلمون أن حصيلة العدوان على غزة يقارب الألف شهيد ربعهم أطفال و80 في المائة منهم مدنيون، ناهيك عن آلاف الجرحى؟ هل كانوا يصفقون ويبتهجون بإنجازات آلة الدمار الصهيونية؟ هل كانوا يهتفون بالنصر لإسرائيل وهي تقتل بدم بارد أبرياء لجأوا إلى المدارس أو المساجد أو الكنائس؟ هل كانوا في حالة إنسية وهم يتلقون بدم بارد أخبار العار من فلسطين وهي تدمر على أهلها العزل، وذنبهم الوحيد أنهم لم يستسلموا للمستعمر؟ إن الأمر في المقام الأول يتعلق ببحث الحالة الصحية النفسية لهؤلاء، لأننا لسنا مع دعوات التطبيع المدانة من طرف المغاربة وأحرار العالم، ولكن نحن اليوم أمام دعم الإرهاب الصهيوني، نحن أمام مواطنين يؤيدون أعمال إرهاب الدولة الصهيونية. نحن أمام تطرف يومن في عمقه بالعنف ما دام أن مشاهد أشلاء الأطفال ودمائهم، وآهات النساء وخراب العمران ربما يطربهم. ما عساه يكون الدافع الذي أوقع هؤلاء في هذا المنزلق الخطير؟ هل هو البحث عن التموقع الإعلامي عملا بالمقولة الشهيرة"خالف تعرف"؟ هل هو العمى الايديلوجي الذي أفقد البعض التمييز بين أعمال إجرامية الموقف السليم منها هو الإدانة، وبين مغامرات لعبة التطبيع من خلال بعض السفريات وبعض التصريحات؟ هل هو بحث أعمى لفاشلين عن نوع من التعويض النفسي عن حرمان من اعتراف المجتمع بهم في ظل عجزهم عن القيام بمبادرات مدنية حقيقية؟ هل هو استجداء دعم لوبي ينشط في اقتناص القاصرين فكريا وسياسيا لجعلهم حطب فتنة اختراق المجتمع المغربي من طرف تجار التطبيع؟ هل هو توظيف قذر لمغامرين يسعون لنسف جهود تنزيل دسترة الأمازيغية بإثارة المزيد من التشويش حولها؟ أسئلة كثيرة يثيرها سلوك مواطنين يقفون على أرضية المجتمع المني ليعلنوا تأييدهم لأعمال إرهاب دولة الصهاينة في فلسطين. سلوك لا يجد له مكانا في عالم الاختلاف الفكري والتقدير السياسي، إنها سابقة خطيرة، ومغامرة ذميمة، ونزع صفات الإنسية عن فكر ينشرح لمشاهد الدماء والدمار.