أخنوش: الحكومة تقوم بإصلاح تدريجي ولن يتم إلغاء صندوق المقاصة    أخنوش: تماسك الحكومة وجديتها مكننا من تنزيل الأوراش الاجتماعية الكبرى وبلوغ حصيلة مشرفة    طنجة تحتضن ندوة حول إزالة الكربون من التدفقات اللوجستية بين المغرب و أوروبا    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    نهضة بركان تطرح تذاكر "كأس الكاف"    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    أخنوش: لا وجود لإلغاء صندوق المقاصة .. والحكومة تنفذ عملية إصلاح تدريجية    الخريطة على القميص تثير سعار الجزائر من جديد    بطولة انجلترا لكرة القدم.. مانشستر سيتي يفوز على مضيفه برايتون برباعية    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    أخنوش: نشتغل على 4 ملفات كبرى ونعمل على تحسين دخل المواطنين بالقطاعين العام والخاص    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    3 سنوات سجنا لشقيق مسؤول بتنغير في قضية استغلال النفوذ للحصول على صفقات    الأمير مولاي رشيد يترأس مأدبة ملكية على شرف المشاركين بمعرض الفلاحة    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    الاتحاد الجزائري يرفض اللعب في المغرب في حالة ارتداء نهضة بركان لقميصه الأصلي    الدفاع المدني في غزة يكشف تفاصيل "مرعبة" عن المقابر الجماعية    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    الأمثال العامية بتطوان... (582)    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدى توقف انتقال التركة إلى الورثة على إحصائها وأثره على الخزينة العامة
نشر في التجديد يوم 08 - 05 - 2003

نقدم هذا المقال للباحث العلمي الحراق، باحث بكل الشريعة بفاس، يتناول فيه قضايا هامة تتعلق بالتركات وضرورةإحصائها، خاصة التي تتحاوز قيمتها مبلغا ماليا محترما، مما سيحقق مبدأ المساواة بين المواطنين وأسضا استجلابا للمصالح العامة والخاصة، ومن بينها مصالح خزينة الدولة.
مقدمة تعريفية
التركة هي مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية حسب منطوق 217 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية (م ح ش)، وهي بصفة عامة، إما أن تتعلق بعقار أو منقول، وإذا تعلقت بعقار، فإما أن يكون العقار محفظا أو غير محفظ أو في طور التحفيظ.
وانتقال التركة يعني صيرورتها في ملك من يستحقها من الورثة عن طريق الإرث الشرعي بعد تصفيتها طبقا للقانون. أما رسم الإحصاء، فيقصد به عند الإطلاق الوثيقة الرسمية التي تحصى فيها ممتلكات الهالك وفقا لقواعد الإحصاء الجاري بها العمل، وقد يطلق الإحصاء ويراد به بيان ما ناب القاصر من تركة أبيه أو أمه، أو حصر ماله عند وفاة أبيه أو أمه ولو لم يتعلق هذا المال بتركة من التركات التي لها فيها نصيب إرثي.
وإحصاء التركة أو إثبات متخلف أو زمام التركة أو ثبوت متروك أو موجب بمتروك، أو غيرها من العبارات المستعملة عادة في مجال التوثيق العدلي، وهي اصطلاحات توثيقية تطلق في أوساط العدول والمهتمين بالشأن التوثيقي ويراد بها شيء واحد، هو إثبات ملكية الموروث لما خلفه لورثته من بعد وفاته، ونقله إليهم عن طريق الإرث، وذلك بغض النظر عن وسيلة إثبات ذلك، أي سواء كانت الوسيلة في ذلك مجرد تصريحات جميع الورثة إذا كان من بينهم وارث قاصر أو غائب، أو تصريح أحدهم إذا كانوا - جميعا - رشداء وكان بحوزته رسوم ملك الموروث لما ينوي إحصاؤه، أو كان ذلك بواسطة شهادة العدول العلمية، أو شهادة اللفيف عند الاقتضاء، فلا فرق بين هذه الاصطلاحات - عموما - إذ هي عند الإطلاق تفيد معنى واحدا هو إثبات كون التركة المخلفة هي في ملك الهالك، وكونها انتقلت إلى ورثته عن طريق الإرث، وإن كانت عبارتا "إحصاء التركة" و "زمام التركة" تشيران إلى الإحصاء أو الزمام قد يكون مجرد قائمة أشياء منقولة أو عقارية، أو نقودا ناضة أو غيرها، مع جردها وتعدادها بوسيلة من الوسائل، لولا أن الفصل 241 من قانون المسطرة المدنية (ق م م)، وكذا نصوصا في مدونة الأحوال
الشخصية أوجبت أن يكون إحصاء التركة أو زمامها بواسطة عدلين منتصبين، مما يعني وجوب أن يتوفر رسمه على قواعد التوثيق العدلي المتمثلة على الخصوص في الإحكام والضبط والتحري قطعا لكل نزاع ورفعا لكل خلاف.
إشكاليات الموضوع ومحاولة الإجابة عنها
إن الحديث عن مدى توقف انتقال التركة إلى الورثة على إحصائها وأثره على مداخيل الخزينة العامة للدولة، يقتضي طرح مجموعة من التساؤلات ثم الإجابة عنها، أهمها ما هي الجهة المختصة قانونا بإقامة رسوم الإحصاء؟ وما مدى قانونية الإحصاء الذي يقام بواسطة الرسوم العرفية؟ وهل انتقال التركة للورثة يتوقف دائما وفي كل الأحوال على إقامة هذا الإحصاء؟ أو أن ذلك يقتصر فقط على بعض الحالات دون الأخرى؟ ثم هل يكفي في انتقال التركة العقارية مجرد إقامة رسم الإراثة مع الإدلاء بما يثبت ملكية الموروث لها أيا كان نوعها، أي سواء كان محفظا أو غير محفظ أو في طور التحفيظ؟ أو أن ذلك إنما يكفي في العقار المحفظ والذي في طور التحفيظ دون العقار غير المحفظ؟ وعلى القول بخلاف هذا فما هي قواعد الإحصاء الجاري بها العمل؟ وما مدى إفادتها للملك وبناء مختلف التفويتات عليها؟ وإذ نحاول الإجابة عن الأسئلة الأولى في هذا المقال بحسب ما يسمح به المقام، نرجئ محاولة الإجابة عن التساؤلين الأخيرين إلى مقال آخر بحول الله وقوته.
1 الجهات المختصة قانونا بتلقي الإحصاء
لمعرفة الجهات المختصة قانونا بتلقي إحصاء تركات الهالكين بالمغرب، لا بد من التفريق بين أن تكون هذه التركات موجودة داخل أرض الوطن ولهالكين مغاربة مسلمين أو مغاربة غير مسلمين وغير يهود، أو أجانب مسلمين كذلك، أو أن تكون في بلاد أجنبية ولمغاربة مطلقا بغض النظر عن ديانتهم هذه المرة.
أ التركات الموجودة داخل أرض الوطن
بالنسبة لتركات المغاربة المسلمين الموجودة داخل أرض الوطن، فإن المختص بتلقي الشهادات على إحصائها هم العدول وحدهم دون سواهم من الموثقين أو الموثقين العبريين أو غيرهم، فقد نصت فصول متعددة من مدونة الأحوال الشخصية المغربية، ومن قانون المسطرة المدنية، على إحصاء ممتلكات الهالكين يقوم به عدلان منتصبان للإشهاد وفقا لقواعد الإحصاء الجاري به العمل، وذلك مثل الفصول: 157، 280، و290 من م ح ش، والفصول: 186، 241، و249 من ق م م.
وبناء عليها فإنه لا يجوز لغير العدول تلقي رسوم الإحصاء المتعلقة بتركات المغاربة المسلمين الموجودة داخل أرض الوطن. وكذلك الأمر بالنسبة لتركات المغاربة غير المسلمين وغير اليهود، حيث إن المختص في إحصائها هم العدول وحدهم دون غيرهم، وفي هذا الصدد نص الفصل 3 من قانون الجنسية المغربي على أنه: "يطبق قانون الأحوال الشخصية والميراث الخاص بالمغاربة المسلمين على جميع المواطنين باستثناء المغاربة المعتنقين الديانة اليهودية، فإنهم يخضعون لقانون الأحوال الشخصية المغربي العبري.."
وبالنسبة لتركات المغاربة اليهود الموجودة على أرض الوطن فيختص في إحصائها الموثقون العبريون، وهذا بناء على الظهير الصادر بتاريخ 11 رجب 1336 هجرية، موافق 23 أبريل 1918 المتعلق بتنظيم المحاكم العبرية ومحرري الوثائق لديها، والذي جاء في تصديره ما نصه: "ولما كان من المتعين تحسين سير المحاكم الإسرائيلية وضبط ما يتعلق بتحرير الوثائق المختصة باليهود"، وبناء كذلك على أحكام الفصل 3 من قانون الجنسية المغربي.
وفيما يخص تركات الأجانب المسلمين الموجودة كذلك فوق التراب المغربي وخاصة الفرنسيين ومن في حكمهم، فإن المختص في تلقي رسوم الإحصاء المتعلقة بها كل من العدول والموثقين على السواء، وينص على هذا الاختصاص المشترك الفصل الرابع من ظهير 4 ماي 1925 الذي جاء فيه ما يلي: " يمكن للموثقين الفرنسويين - كذا - بالمغرب أن يحرروا طبقا لمقتضيات الشريعة الإسلامية أو الموساوية وبمعية العدول والموثقين الأهليين رسوم الإرث المتعلقة بالمسلمين أو الإسرائليين إذا كانوا من الرعايا الفرنسويين أو كانوا غير مغربيين وأصلهم من بلاد مجعولة تحت الحماية الفرنسوية.." ولا شك أن إحصاء التركات من أهم رسوم الإرث.
ويفهم من هذا النص الصريح أن الموثقين غير مختصين في إحصاء تركات المغاربة غير المسلمين وغير اليهود، وإن كان لهم الحق في إحصاء تركات المسلمين الفرنسيين ومن في حكمهم وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، لأن عنصر الجنسية الفرنسية وما يقوم مقامها غير متوفر في هذه الحالة.
تركات المغاربة الموجودة خارج أرض الوطن:
بالنسبة إلى هذه التركات فإن المختص في إحصائها وتصفيتها هم السفراء أو القناصل ومن يعمل تحت إمرتهم؛ حيث أناط المشرع بعض اختصاصات العدول بالسفراء والقناصل والأعوان الديبلوماسيين المنتمين إلى السلك الديبلوماسي المغربي العاملين بالخارج ومن أهمها القيام بإحصاء تركات المغاربة الموجودة خارج أرض الوطن، وذلك طبقا لموجبات ومقتضيات الفصل الثاني من الظهير الشريف رقم 66. 421 الصادر في 8 شعبان 1389 20 أكتوير 1969 المتعلق باختصاصات الأعوان الديبلوماسيين والقناصل العاملين بالخارج، وكذا الفصول من 38 إلى 51 من المرسوم التطبيقي له رقم 646. 66. 2 بتاريخ 21 ذي القعدة 1389 29 يناير 1970، ووفقا كذلك للتعليمات المشتركة الصادرة عام 1373 هجرية، عن وزراء الخارجية والداخلية والشغل والتكوين المهني والعدل والمالية، وهي التعليمات المكتوبة المتعلقة بالمسطرة التي يجب اتباعها فيما يخص تركات المغاربة الموجودة بالخارج.
2 عدم قانونية تأسيس الإحصاء بواسطة رسوم عرفية:
بناء على ما ذكر يظهر بوضوح أن إقامة إحصاء المتروك برسوم عرفية عملية غير قانونية؛ ولا يسوغ قبول الإحصاءات المقامة بواسطتها من طرف كل الجهات الرسمية في الدولة، بدءا من المصادقة على صحة الإمضاءات التي توضع عليها؛ ومرورا بالمصالح الضريبية التي يتعين عليها عدم اعتمادها في استخلاص المبالغ الضريبية المختلفة، وانتهاء بعدم بناء أي تفويت عليها من طرف العدول والموثقين وغيرهم، وكذا التصريح ببطلانها من طرف القضاء.
3 مدى لزوم الإحصاء لانتقال كل تركة إلى من يستحقها من الورثة:
ينص الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية على أنه: "يتم الإحصاء إذا كان ما يبرره وفق الإجراءات التالية:
يعين القاضي تلقائيا أو بطلب كل من له مصلحة عدلين للقيام بالإحصاء بحضور الأطراف أو ممثليهم، وإذا لم يتأت استدعاء أحد الأطراف لبعد أو غيبة أو غير ذلك عين القاضي من يمثله...".
وبالرجوع إلى نصوص قانونية أخرى من قانون المسطرة المدنية كالفصول" 186 195 249، وقانون مدونة الأحوال الشخصية كالفصول: 271 280 290 يتبين من ظاهرها أن ما يبرر القيام بالإحصاء يمكن تلخيصه في الآتي:
إذا كان من بين الورثة الذين يستحقون التركة قاصر؛ وكانت القيمة المرتقبة للتركة تتعدى عشرة آلاف درهم.
إذا كان من بين الورثة غائب.
وفي هاتين الحالتين يعين القاضي المكلف بشؤون القاصرين تلقائيا عدلين للقيام بالإحصاء.
إذا كان بيد الهالك شيء من ممتلكات الدولة؛ وفي هذه الحالة تطلب النيابة العامة من القاضي المذكور القيام بذلك.
إذا تم تعيين مصف للتركة.
ويفهم من المقتضيات القانونية المشار إلى فصولها أعلاه ما يلي:
أ انتقال التركة إلى الورثة المستحقين لها، لا يتوقف دائما على إقامة إحصاء المتروك بها، وأنه يمكن أن تنتقل التركة إليهم ولو بدون إحصائها، وأرى أن هذا الفهم ليس صحيحا ولا مقصودا للمشرع، لأنه فهم يتناقض وروح التشريع المبني على قواعد الإنصاف، والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، إذ ليس من العدالة في شيء أن يوجب القانون إقامة الإحصاء في التركات التي يكون من بين ورثتها قاصر أو غائب، أو تعلق بها شيء من ممتلكات الدولة أو حصل بشأنها نزاع بين ورثتها وتم تعيين مصف لها، ويلزمهم بأداء مصاريف وواجبات ضريبية متعددة؛ ولا يوجب ذلك في التركات التي يكون فيها كل الورثة رشداء وحاضرون متراضون، مع أن القواعد العامة تقتضي أن يرخص للقاصرين إن كان ولابد بعدم القيام بالإحصاء، وبالتالي إعفاؤهم من مصاريفه وإجراءاته المكلفة ماديا ومعنويا.
وبناء على هذا الفهم يكون قصد المشرع من تلك المقتضيات على ما يبدو الإتيان بها في معرض حديثه عن الإحصاء بكونه تدبيرا احترازيا وواجبا من الواجبات الملقاة على القاضي المكلف بشؤون القاصرين ليس إلا؛ أي باعتبار الإحصاء التزاما قانونيا أناطه المشرع بالقاضي للقيام به وجوبا وتلقائيا كلما تعلق الأمر بتركة هالك كان بيده شيء من ممتلكات الدولة، أو بطلب من الورثة الرشداء كلما تعلق الأمر بإرادة قسمة قضائية، وليس القصد منها قصر الحالات التي لا تنتقل فيها التركة إلا بعد إحصائها على هذه فقط؛ بالإضافة إلى أن من بين الأهداف التي قد تكون متوخاة من إنجاز رسم التركة جمع شتات التركة وضم بعضها إلى بعض، عقارات محفظة وغير محفظة ومنقولات وقيم وغيرها، وجعلها في رسم واحد ليسهل الرجوع إليها عند الحاجة، كما أن إحصاء التركة يعطي الفرصة للمصالح الضريبية من أجل مراجعة الوضعية الضريبية لعقارات ومنقولات التركة، وبالتالي يكون الإحصاء ملازما في كل الأحوال وبدونه لا يتأتى للورثة تفويت أي جزء من التركة أو قسمتها فيما بينهم؛ لأنهم والحالة هاته يكونون في وضعية من ملك أن يملك، ومعلوم أن من ملك أن يملك لا يعد مالكا حتى
ينتقل إليه الملك بوسيلة من وسائل التملك، وهي هنا الإحصاء الذي يشهد فيه أن الهالك خلف ما يملكه لورثته.
ب كما يفهم منها أي المقتضيات المشار إليها أيضا أن الإحصاء غير واجب سواء كان للهالك ما يثبت تملكه للتركة أو لم يكن له ذلك، وهذا فهم غير وارد ولا مقصوذ كذلك لا فقها ولا قانونا، حيث أشار فقهاء المذهب إلى أنه لكي تنتقل التركة إلى الورثة المستحقين لها، لابد من إثبات تملك الهالك لها؛ كما نص الفصل 219 من م ح ش على أن: "الإرث انتقال حق بموت مالكه"؛ وكلمة "مالكه" تعني أن يكون الهالك مالكا للتركة التي يراد نقلها لمن استحقها عن طريق الإرث، مع التنبيه هنا إلى أن الإحصاء وإن كان يثبت تملك الميت للتركة، وأنه خلفها لورثته، إلا أنه لا يعتبر ملكية بالمعنى الخاص للملكية، لأنهما وإن اتفقا في شيء من المضمون، فإنهما يختلفان تماما من حيث الشكل والصيغة، ولكل منهما أحكامه فصوله وعباراته التوثيقية.
وفي هذا الصدد يتعين التعامل مع الإحصاء باعتباره وثيقة تملك لها خصوصياتها الفقهية والقانونية والتوثيقية، وتختلف تماما عن وثيقة الملكية التي لها خصوصياتها من حيث شروط تأسيسها وإقامتها، ومن حيث الضوابط الفقهية والقانونية والتوثيقية كذلك، فمثلا ينبغي أن لا يطلب في الإحصاء أن يتضمن كافة الشروط الفقهية المطلوبة في الملكية، كشرطي النسبة وعدم العلم بالمنازع طول المدة المعتبرة في الملكية، وأن لا يطلب في إقامته الإدلاء بإذن خاص من جهة معينة؛ وأن لا يطلب في تسجيله ماليا النسبة المطلوبة في تسجيل رسم الملكية، لأن مدونة التسجيل سمت كل واحد باسمه وأوجبت على تسجيل رسم إحصاء المتروك مبلغا ماليا يختلف عن الرسم المفروض على تسجيل رسم الملكية، حيث نصت المادة 81 من مدونة التسجيل على أن رسوم التسجيل عن إحصاء التركات تستخلص وفق المبالغ الآتية:
"أ بين الأصول والفروع وبين الأزواج 50.0%
ب بين الأقارب من الدرجة الثانية إلى الدرجة الرابعة 1%
ج بالنسبة لبقية الأشخاص 4%.
ويصفى هذا الرسم عن إجمالي التركة؛ غير أنه لا يفرض على المفروشات والملابس وأثاث بيوت السكن".
بينما نصت المادة 96 من المدونة ذاتها على أن نقل ملكية العقارات أو الانتفاع بها يخضع لرسم قدره 5%.
نعم يجوز أو يتعين بالأحرى على المصالح الضريبة أن تطالب الورثة بالتضامن مع العدلين في حالة عدم قيامهما بالواجب وفقا لما تفرضه المادة 95 من مدونة تحصيل الضرائب والديون العمومية، لأن الإحصاء هو على كل حال ناقل للملكية وبالتالي يدخل بصفة مباشرة في تطبيقات هذه المدونة.
ومن ثم فإنه ولكي تنتقل التركة إلى من يستحقها شرعا لابد من ثبوت تملك الهالك لها قيد حياته أو بعد مماته، فإذا لم يوجد ما يثبت تملكه لها في حياته، فينبغي لورثته بعد مماته أن يثتوا تملكه لها، وهذا لا يتأتى إلا بواسطة الإحصاء، الشيء الذي يعني أن وجوب حالات إقامة الإحصاء ليست محصورة فيما أشارت إليه المقتضيات القانونية المشار إليها، وإنما الأمر يتعلق بكل الحالات التي تتجاوز فيها قيمة التركة عشرة آلاف درهم؛ سواء كان الورثة رشداء أو قاصرين، حصل بشأنها بينهم نزاع أو لم يحصل، وإلا فالقول بخلاف هذا يفضي إلى القول بجواز تفويت الأشياء ولو بدون مستندات تملك معتبرة.
لا فرق في لزوم الإحصاء لكل تركة بين العقار المحفظ والعقار غير المحفظ:
أما إذا كان للهالك ما يثبت تملكه للتركة وخاصة إذا كانت عبارة عن عقار، فإن العمل يجري بمفارقة غريبة لا يستسيغها عقل ولا شرع، وتتمثل في التمييز بين العقار المحفظ والذي في طور التحفيظ، والعقار غير المحفظ؛ حيث يكفي في انتقال التركة إذا كانت عبارة عن عقار محفط أو في طور التحفيظ، إقامة رسم الإراثة والإدلاء بها لدى المحافظة العقارية دون أن يتوق ذلك على إقامة الإحصاء، في حين لا يكفي في انتقال التركة إذا كانت عبارة عن عقار غير محفظ مجرد رسم الوراثة، وأنه عند إرادة تفويت جزء منها أو قسمتها عن طريق التوثيق العدلي مثلا يطلب من الورثة في بعض أقسام التوثيق وجوب إقامة الإحصاء أولا، تحت طائلة عدم تلقي الشهادة بذلك والخطاب عليها من طرف القاضي؛ سواء كان من بين الورثة قاصر أو غائب أو لم يكن؛ مع أن ظاهر الحال إن كان هذا مستساغا من الناحية القانونية يقتضي التسوية بين العقار المحفظ والعقار غير المحفظ في هذا الشأن، لأن رسم تملك الهالك لما خلفه لورثته غالبا ما يكون عقدا رسميا، أعني رسما عدليا أو رسما عقاريا، وهما لا يختلفان كثيرا من حيث الرسمية والحجية.
قلت إن كان ذلك سائغا من الناحية القانونية؛ لأنني أحسب أن أحكام ومقتضيات الفصل 28 من المرسوم الملكي بشأن التحفيظ العقاري لا تسمح بانتقال التركة العقارية المحفظة بناء على، مجرد رسم الإراثة، لأنه ينص صراحة على أن استحقاق الإرث والحظوظ فيه يثبت بالاعتماد على عناوين زمام التركة وبشهادات الوراثة؛ أي أن انتقال التركة العقارية المحفظة إلى الورثة المستحقين لها يثبت برسم إحصاء التركة ورسم الوراثة معا، ويستبعد جدا أن تكون غاية المشرع التفريق بين العقار المحفظ والعقار غير المحفظ في هذا الانتقال، مع ما يترتب عن ذلك من حيف وعدم المساواة بين المواطنين فيما يتعلق بالمصاريف والواجبات الضريبية المترتبة عن هذا الانتقال، وليس من المعقول في شيء أن يثقل كاهل الورثة القاصرين والغائبين والمتنازعين بمصاريف ونفقات وواجبات ضريبية بمناسبة إقامة إحصاء التركات التي يستحقونها، ولا يلزم بشيء من ذلك غيرهم من الورثة.
وبناء على ما ذكر، فإن العمل الجاري بالتفريق من جهة بين الحالات التي يصرح فيها القانون بوجوب إقامة الإحصاء، والحالات التي لم يصرح فيها بوجوب ذلك، ومن جهة ثانية بين انتقال التركة العقارية المحفظة إلى الورثة اعتمادا على مجرد رسم الوراثة، وانتقال التركة العقارية غير المحفظة اعتمادا على رسم الإحصاء بالإضافة إلى رسم الوراثة، قلت إن هذا العمل لا يحقق العدل بين الناس، ولا يسوي بينهم في الحقوق والواجبات، وبالتالي تتأثر الخزينة العامة للدولة بهذا وتضيع في جزء هام من مواردها.
وذلك على الرغم مما قد يدفع به في هذا الصدد من أن تسجيل التركة وتصفية ما عليها من حقوق مالية لفائدة الخزينة العامة للدولة سيتحققان بالضرورة حينما يقدم الورثة على قسمتها لاحقا، لأن هؤلاء الورثة ربما تحايلوا كما يفعله بعضهم على عقد القسمة بإبرامهم عقد وكالة صورية متبادلة بينهم؛ حيث يفوض فيها كل منهم للآخر ببيع نصيب منها يساوي ما ينوبه في التركة طبقا للفريضة الشرعية، ويتم تسجيل هذا العقد على أساس أنه عقد وكالة وهو في الحقيقة عقد قسمة؛ ويستخلص عنه رسم ثابت قدره 50 درهم فقط؛ عوض الرسم النسبي الذي لا يقل عن 1% من القيمة الإجمالية للتركة، وقد تصل النسبة إلى 5% عندما يتعلق الأمر بمدرك؛ وبذلك يتم الإجهاز على حقوق مستحقة لفائدة الخزينة العامة.
كما أنه لا يقال في الصدد نفسه أن هذه المصاريف والواجبات الضريبية المترتبة عن إحصاء تركات القاصرين والغائبين والمتنازعين، إنما هي في مقابل الحماية القانونية التي أحاطها المشرع بالتركة التي للقاصرين والغائبين فيها نصيب، وذلك لأن الحماية القانونية واجبة لكل المواطنين، قاصرين كانوا أو راشدين، حاضرين أو غائبين، متراضين أو متنازعين، ولأن التركات عامة والعقارية خاصة تكون في أحيان كثيرة مثقلة في حياة الهالك بالتزامات ضريبية لفائدة الخزينة العامة للدولة، وبفضل إحصائها وفقا لما ذكر تتمكن المصالح الضريبية من مراقبتها بسهولة، وبالتالي المطالبة بتسوية وضعيتها الضريبية قبل أي انتقال إلى الورثة الذين يستحقونها، ليكون كل وارث على بينة من أمره فيما خرج به منها، بخلاف ما إذا انتقلت إليهم بدون هذا الإحصاء، حيث سيصعب من مأمورية المصالح الضريبية، وسيفوت عليها الفرصة لتسوية الوضعية الضريبية للتركة، بل وقد يؤدي ذلك إلى هدر جزء هام من مداخل الخزينة؛ هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية، ربما ضاع بعض الورثة فيما خرج به من قسمة في حالة ما إذا كان الجزء الذي خرج به مثقلا بالتزامات ضريبية لفائدة الدولة، حيث سيظل مطالبا
وحده بأداء مستحقات الخزينة.
وتحقيقا لمبدأ المساواة بين المواطنين ولغايات المشرع من الإحصاء، وإعادة التوازن بين العقار المحفظ والعقار غير المحفظك واستجلابا للمصالح العامة والخاصة، ندعو إلى التنصيص القانوني الصريح على جعل إحصاء التركة لازما لكل التركات التي تتجاوز قيمتها مبلغا ماليا محترما دون تمييز بين حالة وأخرى؛ ولا بين العقار والمنقول، ولا بين العقار المحفظ وغير المحفظ.
العلمي الحراق
باحث بكل الشريعة بفاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.