خصصت حركة التوحيد والإصلاح شريطا توجيها يحدد الآداب والتوجيهات الواجب استحضارها في مسار المشاركة الانتخابية، كأحد الخيارات التي تتبناها الحركة في مجال التدافع والمخالطة الإيجابية ،وقد قدم للشريط التوجيهي الأستاذ عبد الله بهابقوله:"من مبادئ حركة التوحيد والإصلاح ومنطلقاتها: المخالطة الإيجابية، ولاشك أن من صور المخالطة الإيجابية، المشاركة السياسية، وبالتالي فالمشاركة السياسية عبادة وضرورة، ولا مشاركة نافعة إلا بالالتزام المستمر والفعالية الدائمة، فيجب أن نحرص أن نكون دائما ملتزمين بديننا، وأن نكون فعالين في عملنا وإنجازنا". بعد ذلك تناول الكلمة الأستاذ أحمد الريسوني، رئيس الحركة، مبرزا دوافع اختيار المشاركة، باعتبارها خيارا صعبا لكنه الأصوب تقديرا للمصالح المترتبة عنها، ومؤ كدا على بعض التوجيهات الشرعية في هذا الشأن، وتظرا لفائدتها العلمية نقدمها للقراء الأعزاء : إخواتي أخواتي: «نحن كما تعرفون اخترنا أن نكون مشاركين وحاضرين في جميع مجالات حياتنا ومجتمعاتنا مما هو مقتضى ديننا، خيار المشاركة هذا نعتبره الخيار الأصوب، ولكن يجب أن نعرف أنه أيضا هو الخيار الأصعب لأنه خيار اقتحام العقبة، خيار التدافع اليومي، خيار تحقيق النزاهة والاستقامة، حيث يصعب ذلك ويتعذر على كثير من الناس، نحن نريد أن نشارك ونؤثر دون أن ننجرف ولا أن ننحرف ولا أن نفشل ،فإذن علينا أن نستمر في هذا الخيار الصعب، هذا الخيار الأصوب لكنه الخيار الأصعب، خيار المشاركة البناءة ، خيار المشاركة النزيهة ، خيار المشاركة المستقيمة. لماذا نشارك في الانتخابات نلتقي هذه المرة أيها الإخوة والأخوات، حول موضوع محدد هو موضوع الساعة بالنسبة للأسابيع وبالنسبة للشهور المقبلة، وهو لا يخفى عليكم ألا وهو موضوع الانتخابات بالنسبة لبلدنا عموما وبالنسبة لحركتنا وأعمالنا ومشاركاتنا السياسية والثقافية، والانتخابات محطة ذات أهمية بالغة، ولذلك نخصها بهذا الشريط ونخصها أيضا بتوجيهات ومتابعات أخرى كثيرة.. الانتخابات ومشاركتنا التي نعتزمها إن شاء الله، مشاركتنا في هذه الانتخابات هي جزء من توجهنا العام الذي عنوانه أو شعاره: المشاركة والحضور والدخول والتأثير في كل مجريات الأحداث في البلاد، في كل ماله تأثير على ديننا ودنيانا وأوضاعنا المختلفة، إذن نحن ماضون في ترجمة هذا الشعار، ماضون في إخراجه وتنفيذه وتنزيله في ممارستنا اليومية، في كافة أعمالنا،وكما تعرفون أيها الإخوة والأخوات: فإن أهل الدين والصلاح منذ القديم كانوا يتأرجحون ما بين الإقدام والاحجام في هذا المجال، منذ القديم ،منذ الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء والصالحين ،هناك من يؤثرون الإقدام والدخول والمشاركة، وتغليب ما يمكن تغليبه من المصالح ومن الخيرات والفوائد، ومنهم من كانوا يرون الابتعاد والانعزال أو الاعتزال وترك هذا المجال وشأنه، نظرا لما يرونه فيه من فتن ومتاعب وإشكالات وأضرار. ونحن لاشك أننا مع الإقدام ومع المشاركة إلا أن الذين لا يشاركون أو يقاطعون بعد المشاركة ورأوا الابتعاد عن هذا المجال عادة ما يستندون إلى بعض الأسباب منها: أن عددا من التجارب انتهت إلى العجز والفشل، فهناك الكثير من أهل الخير والفضل والصلاح والاستقامة، والذين دخلوا أفراد أو مجموعات في تجارب في العمل السياسي، والمشاركة في تحمل مسؤولياته وتبعاته في مختلف المستويات، كالقضاء والوزارة وغير ذلك ،من أشكال السلطة والإمارة والمسؤوليات العامة، فانتهوا إلى العجز والفشل وغلبهم الفساد والمفسدون وجعلوا مشاركتهم عديمة الجدوى، أو ليس لها جدوى تذكر، وهناك أيضا من دخلوا هذه التجربة وخاصة في الحالات الفردية فانتهى بهم المطاف إلى أن اندمجوا في أجواء الفساد والانحراف، واندمجوا مع أهل الفساد والانحراف فانحرفوا مع المنحرفين بدرجة أو بأخرى، فلذلك لهذا السبب وذاك، يرى كثير من أهل الدين والصلاح اليوم، كما من قبل، أن هذا الدخول، وهذه المشاركة في الوسط السياسي وفي المسؤوليات السياسية وفي الأعمال السياسية، مآلها العجز والفشل أو مآلها أن ينحرف هؤلاء المشاركون وأن تزل أقدامهم شيئا فشيئا، فينجرفوا ويذهبوا ويتنازلوا ويتغيروا ويتغير لونهم وطعمهم، فيصبحون مثل أهل ذلك الشأن. خيار المشاركة خيار صعب ولكنه الأصوب والحقيقة أن هذا وذاك واقع قديما وحديثا، ولكن هذا بكل تأكيد ليس حجة علينا ،بل هو حجة على الذين عجزوا، حجة عليهم وعلى أمثالهم من الذين انحرفوا انحرافهم ،وسقوطهم حجة عليهم وعلى أمثالهم، ولكن لا يقتضي هذا بالضرورة أن يبقى في الأمة إلا فاشل عاجز أو قابل للانحراف والساقط عند أول ابتلاء، الأمة أعظم من هذا ،الأمة كنز، والأمة منجم لغير هذا، فلذلك لا ينبغي أن يكون أهل الصلاح والدين: لابد أحد صنفين، إما ناس لا يحسنون إلا الفشل والعجز، وإما ناس سرعان ما يزلون ويفتنون ويسقطون، فلذلك نحن نرى أن الأمة لابد فيها صنف آخر، ونحن نرجو ونسعى ونتعاون لنكون من هذا الصنف، هذا الصنف في الحقيقة الطريق الذي يسير فيه والاختيار الذي يسير فيه، هو اختيار صعب، هذا الطريق أو هذا الخيار المهجور في كثير من الأحيان، هو الخيار الأصوب لأنه يتحرى النجاح ويتحرى مواجهة التحدي والصمود في وجه هذا التحدي، والإقدام وتحقيق ما يمكن تحقيقه وتلافي ما يمكن تلافيه مما هو في طاقة البشر أن يتلافوه، هذا هو الخيار الأصوب ولكن طريقه هو الطريق الأصعب. ودائما كما نقول نحن في حركتنا، دائما نحن في الحقيقة وإن كنا نظهر لبعض الناس أننا نختار الطريق الأيسر والأسهل، وطريق التساهل والاعتدال وهو طريق سهل، فإننا نؤكد دائما أن الاعتدال والوسطية، وعدم الذهاب يمنة ويسرة مع إفراط أو تفريط، هذا في الحقيقة هو الخيار الأصعب وهو أيضا الخيار الأصوب، هو الأصعب :لأن فيه اقتحام العقبة (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة) لأن الابتعاد عن المجالات التي فيها تحديات وصعوبات وفتن ومنزلقات ،الابتعاد هو خيار سهل، واقتحامها هو الخيار الصعب، فهو صعب من هاته الناحية، من ناحية أنه اقتحام وتقدم ودخول وما يتبع ذلك، ما يتبع ذلك من المدافعة والمصابرة، إذن هو اختيار صعب أو هو الخيار الأصعب :لأن فيه من المدافعة ومن المصابرة ما لا ينقطع في يوم من الأيام، لأن الذي يبتعد، لو أنه يبتعد تحت عنوان يضر بدينه وصلاحه واستقامته، فإنه قد ذهب إلى نوع من الراحة وآوى إلى ركن ظليل وإلى ركن هادئ، وترك الفتنة وأهلها، إذن لاشك أن هذا خيار مريح. الاقتراب من مواطن الابتلاء هو الخيار الأصعب لكن الاقتراب من مواطن المسؤولية ومن مواطن الانحراف والفتنة والإغراء هذا يحتاج إلى مدافعة ومصابرة في العمل اليومي وفي البرنامج اليومي، هذا العمل كذلك بما أنه فيه تحديات وفيه منافسات وفيه مزايدات وفيه أمور عظام وجسام ،فإنه أيضا يحتاج إلى الاحسان والاتقان، لا شيء يتطلب الإحسان والاتقان ولا شيء يتوقف فيه النجاح على الإحسان والإتقان كهذا المجال، والإحسان والإتقان قد يكونا أمرا ميسورا في كثير من الأمور، في كثير من العبادات وأعمال الخير والبر وحسن المعاملة والأخلاق الحسنة والمجالات المهنية، قد يكون الاتقان والاحسان فيها ميسورا للشخص وللجماعة ،لكن الاتقان والاحسان في هذه الأمور الجسام وفي هذه الأمور التي فيها تحديات ومزايدات أمر في غاية الصعوبة، فإذن من هذه الناحية أيضا هذا هو الخيار الأصعب لأن فيه من الحاجة إلى الإتقان والإحسان، وفي الاتقان والاحسان من الصعوبة ما ليس في سواه، وهذا المجال أيضا بحكم ما فيه من انزلاقات وفتن وتحديات أيضا يحتاج إلى النزاهة والاستقامة، وتصعب فيه النزاهة والاستقامة أكثر من أي مجال آخر إلى درجة أن كثيرا من الناس من الصالحين وغير الصالحين، يتصرورن أن النزاهة في هذا المجال مسألة مستحيلة أو هي إلى الاستحالة أقرب، فلذلك أن نحقق ونحافظ على النزاهة والاستقامة في هذا المجال بالذات، فهذا أمر ينبغي أن نقدره حق قدره، وينبغي أن نعرف أنه من خلال هذه النقطة أيضا نكون نحن سائرين على الطريق الأصعب ولكننا نسير عليه لأنه الطريق الأصوب ،ومن الأمور التي تجعل هذه النزاهة وهذه الاستقامة على درجة من الصعوبة وبعد التحقق، هو أن الناس عادة سرعان ما تطغى عليهم شؤونهم ومصالحهم الفردية والجماعية، فإذا بهم قد يغلبون مصالح أنفسهم ومصالح جماعاتهم ومصالح دنياهم ومقتضيات دنياهم على المقتضى الذي دخلوا باسمه ودخلوا على أساسه، ولذلك من صعوبة هذا الطريق أن نحافظ على مبدئنا القائل إن السياسة في خدمة الدعوة وليست الدعوة في خدمة السياسة، فهذا من صعوبات الطريق ولكن حين النجاح فيه هذا من أعظم مكاسبه، إذن فنحن ندخل على أساس أن العمل السياسي في خدمة الدين ودعوته، ولا يجوز بحال أن تنقلب هذه الصورة وتنقلب هذه الحقيقة، فنجعل الدين ودعوته في خدمة السياسة والمواقف السياسية والمصالح السياسية والمكتسبات السياسية. الحكم على تجربة المشاركة بما تحقق فيها من مصالح وبصفة عامة وإجمالية فإن الحكم بالنجاح أو الفشل على هذه التجربة وعلى هذا المسار، سواء أكان ذلك قديما أو حديثا أو في تجربتنا بالذات، الحكم بالنجاح أو الفشل هو في مجموع ما تحققه هذه التجربة وتجلبه من مصالح ومنافع، تجلبها أو تكثرها أو تنشرها وترسخها، مصالح شرعية صرفة ودينية صرفة كمسألة الخلق والعقيدة، ومصالح دنيوية شرعية، أي دنيوية ولكنها مشروعة، ما مقدار ما نحققه من ذلك؟ ما مقدار ما نجلبه من ذلك؟ ما مقدار ما نعززه ونكثره من ذلك؟ أو على العكس. فإذن هذا هو المعيار الحقيقي في الحكم على هذه التجربة أو ما ماثلها قديما وحديثا، الحكم عليها ليس على أساس وقع الخطأ الفلاني أو زل الفرد الفلاني أو خسرت القضية الفلانية، بل نحكم على ذلك بمجموعة مكاسبه، مجموع ما يحققه، ومعلوم كما يجمع على ذلك العلماء أن الأنبياء، وهم أئمتنا وقدوتنا وقدوة البشرية كلها، إنما بعثوا لجلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، فهذا هو المعيار الذي نحكم به على أنفسنا وعلى غيرنا وعلى تجربتنا ،وتجارب غيرنا بالنجاح أو الفشل، وبالتالي نحكم عليها بأن تتقدم أو تتأخر أو تستمر أو تتوقف، هل نجلب المصالح ونكثرها؟ هل ندرء المفاسد ونقللها؟ ولم يقل أحد بأن المفاسد ستنعدم وبأن المصالح ستعم وحتى لا يبقى شيء منها غائبا أو ناقصا، وإنما بالنسبة للمصالح جلب وتكثير وبالنسبة للمفاسد درء وتقليل... ولحد الآن نعتبر أن تجربتنا، بهذا المعيار، ناجحة ونتوقع لها مزيدا من النجاح. توجيهات شرعية لا بد منها الانتخابات هي الحلقة والمحطة والفصل الجديد من فصول مشاركتنا.. سنمر بعد أسابيع قليلة بمرحلتين من هذه المشاركة الانتخابية هناك أولا: مرحلة الاختيار والترشيح يمكن أن نقول إنها قد بدأت أو أوشكت على البداية، وبهذه المناسبة أيضا ونحن نريد أن نخوض تجربة شرعية بميزان الشرع، لابد أن نستحضر في هذه المرحلة مرحلة الاختيار ومرحلة الترشيح بعض التوجيهات والآداب والأحكام القرآنية والنبوية . في هذا الصدد، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه». إذن هذان الرجلان طلبا من أبي موسى الأشعري وهو له مكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصحبهما إلي رسول الله فإذا بهما يفاجآه كما يتبين في بعض الروايات ، أنهما إنما جاء عند رسول الله ليعينهما في بعض المسؤوليات، فقال أحد الراجلين يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل وقال الآخر مثل ذلك. إذن جاءا يطلبان الإمارة، جاءا يطلبان بعض المناصب وبعض المسؤوليات، الجواب النبوي لهذين الرجلين، وهو جواب لنا ولكل واحد إلى يوم القيامة، هو قوله صلى الله عليه وسلم: «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه». إذن هذا أساس ومبدأ ويجب أن نحرص عليه ونتمسك به ونهتدي به وبذلك نحن في داخل حركتنا وفي تجربتنا المقبلة في الانتخابات ولا بمشاركتنا في عدد من الواجهات والمجالات بما في ذلك مشاركة عدد من إخواننا في التجربة الحزبية أو الحزب. نحن لا نقبل من أحد أن يرشح لنا نفسه، ويطالب بحقه في أن يتولى كذا أو كذا، ليس عندنا شيء من هذا، وإنما نحن الذين نرشح الإخوان والأخوات في كل موقع وفي كل مناسبة وفي كل مستوى من المستويات ،هم الذين يرشحون، أساس هذا هو هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث التي تجعل أن من يطالب ويرشح نفسه ويقدم نفسه ويؤهل نفسه بنفسه لتولي المسؤوليات أو المناصب أو الإمارة هذا شرعا لا ينبغي أن يولى سواء أعلن عن ذلك، أي طالب أو ظهر منه بشكل واضح جلي الحرص على ذلك بأساليب متعددة، فإذن لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، أي طالب وقدم نفسه لهذا العمل صراحة كما هو شأن هذين الرجلين أو ظهر منه الحرص، ولو بوسائل ملتوية ولكنها في النهاية تؤدي إلى نتيجة واضحة: وهي الحرص على الإمارة والحرص على المسؤولية والحرص على المناصب. وفي هذا المجال أو قريب من هذا المجال نجد هذا التوجيه النبوي إلى صحابي آخر كلنا يعرفه، وكلنا نعرف مكانته وإمامته وفضله وهو أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله: ألا تستعملني قال: فضرب بيده على منكبي فقال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة ،وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذ بحقها وأدى الذي عليه فيها». أخذها بحقها: دون أن يطلبها، وفي هذا المجال حديث آخر لعبد الرحمان بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمان لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها دون مسألة أعنت عليها» وكلت إليها، لا يعنيك عليها أحد. نجد في الأول تحذير وفي العبارة الثانية تبشير. إذا كنا لا نرجو ألا يكون فينا أحد يسعى إلى هذه الامارة ويحتال لها ويبذل الجهد لها، ويتقدم لطلبها ويعتبرها حقا من حقوقه فإننا بمقتضى هذا الحديث وفي الوقت نفسه نبشر الاخوة الذين يكلفون بها من غير طلب منهم ،ومن غير حرص منهم، أنهم معانون عليها، وإذا كانوا معانين عليها والله هو المعين هنا فضلا عن بقية إخوانهم. لأن الإنسان يعاون من إخوانه إذا كانوا هم الذين قدموه، فإنهم يعاونون من الله عز وجل أولا وهو العون الحق، وهو يعاون في ثنايا ذلك من إخوانه فهذه بشارة لأنه إذا أعين وأعانه الله عز وجل خاصة فهو رابح الربح العظيم، لأنه بقدر ما في الإمارة إذا لم تؤت بحقها وإذا لم تؤد بحقها بقدر ما في ذلك من احتمالات :من الخزي والندامة والفشل والسقوط ففي الجانب الآخر من كلف بها فعليه أن يتقدم، فقد بشره صلى الله عليه وسلم أنه سيعان، وإذا أعين فقد فاز فوزا عظيما، لأنه نجح في هذا الأمر الصعب، وفي هذه المسألة التقدم للإمارة وطلبها وعرضها . يوسف عليه السلام وطلب الإمارة:لطائف خفية كثير ما يستشهد بعض الناس بقصة يوسف عليه السلام حين طلب من عزيز مصر أن يوليه خزائن الأرض «إني حفيظ عليم» «قال الملك إتون به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم» كثيرا ما يستدل بعض الناس بهذه الواقعة وبهذا النص على أنه يجوز للإنسان أن يقدم نفسه أو يرشح نفسه ويطلب تولي منصب معين، وفي الحقيقة أن الشاهد هنا له خصوصية التي لابد أن ترعى ويلتزم بها، فأولا: هذا الذي طلب أو قال اجعلني على خزائن الأرض وزكى نفسه هو نبي ولا يحق لأي نبي إلا أن يزكي نفسه يجب على كل نبي أن يزكي نفسه لأنه بتزكيته نفسه يعلن ويثبت ويؤكد نبوته ورسالته ومكانته وفضل الله الذي اختص به، النبي لا يمكن أن يشكك في نفسه ولا يمكن من باب التواضع أن يجعله نفسه دون المقام الذي وضعه الله فيه. فإذا هذا نبي تقدم نفسه على هذا الأساس فعلا إنه حفيظ عليم، ومن يكن حفيظ عليم، فإذا لم يكن من الأنبياء، فإذا هذا نبي وليس لأحد هذه الصفة حتى يريد أن يتشبه بيوسف ويقيس نفسه عليه وأن يصنع نفسه في مقامه ،فهذا نبي يتكلم ونحن نعرف كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم: «أخبر عن نفسه أنه خير البشر وسيد البشر»، إن هذه أمور، إخبارات واجب عليهم أن يبلغوها وأن يقولوها، ثم بعد ذلك هذا النبي وبغض النظر عن نبوته التي ربما لم يكن الملك حينئذ يؤمن لها ويعترف بها نظرا لمكانته ولما عرف عنه قد دعاه هذا الملك وقال: «ائتوني به أستخلصه لنفسي» ولماذا سيتخلصه لنفسه؟ كي يفتح له الأبواب أو يفتح له مكتب؟ لا هذا ولا ذاك ،بل لأنه عرف مكانته إذن من البداية دعاه ليستخلصه لنفسه ليجعله مكينا ويجعله وزيرا ويجعله مسؤولا، إذن من البداية عرض عليه ولم يطلب هو منه، وإنما حينما عرض عليه وقال: «ائتوني به أستخلصه لنفسي» وقال له :أنت اليوم لدينا مكين أمين، إذن هذا كأنه تعيين مبدئي عام ليوسف عليه السلام في موقع المسؤولية والتفويض الكبير، إذن لم يبق عليه ليوسف عليه السلام إلا أن يختار ما الذي يتولاه ،وقد جعله الملك مكينا أمينا ،واستخلصه لنفسه فاختار ما رأى أنه الأنسب الأصلح الأفضل، ربما كان الناس إليه أحوج، فقال: «اجعلني على خزائن الأرض» ثم كذلك ما يقوله العلماء والمفسرون أن يوسف بالاضافة إلي كونه نبيا،وبكون الملك هو الذي دعاه ومكنه قبل أن يقول له: «اجعلني على خزائن الأرض»، فإنه كان هو المؤمن الوحيد في هذه البيئة المشركة، في هذه البيئة الفرعونية، لذلك نجد بعض الفقهاء يقيسون بعض الاستثناءات :يقولون: إن الإنسان إذا كان في جماعة كافرة وفاسدة، ولا يرى أحد يتولى المنصب سواه وليس في المكان من هو مثله أو أفضل منه أو يمكن أن يكون مثله أو أفضل منه،.. ولم يكن هذا يفتح باب الاستثناءات، أنه في حالات معينة، وفي استثناءات معينة ،يرى الإنسان أنه يمكن :أن ينقذ الموقف،كما نقول،وينقذ المنصب ،وينقذ المصلحة ،وينقذ الأمة، وليس هناك غيره، وقدره مجهول عند الناس لا يقدرونه حق قدره ،مثل هذه الحالات يرد فيها الاستثناء وهو أنه: يمكن للانسان في هذه الحالات أن أتقدم ويقول: أنا أتولى، وأنا أصلح وأنا أحسن كذا وأنا اختصاصي كذا، فهذا: نعم، أما إذا كان الناس يعرفونه، فالواجب أن نعود إلى الحكم الأصلي وهو: أن لا يقدم نفسه، وهذا هو الهدي النبوي، والهدي القرآني في مسألة الاختيار والترشيح، التي ستشاركون فيها فيما يستقبل من الأيام. أحمد الريسوني