الوزيرة عمور: الحكومة تمتلك رؤية واضحة لبلوغ 26 مليون سائح وإحداث 200 ألف منصب شغل بحلول 2030    من مصر.. وزير خارجية إسبانيا يطالب بوقف الحرب في غزة الآن وفتح المعابر    وفاة وزير إسرائيلي من أصول مغربية    السيسي يتسلم استقالة الحكومة ويصدر تكليفا جديدا لمدبولي    وليد الركراكي يعقد ندوة صحفية هذا الأسبوع    نايف أكرد يقترب من الإنضمام لعملاق إسبانيا    ريال مدريد يكتسح جوائز الاتحاد الأوربي لكرة القدم    إحباط عملية كبرى للتهريب الدولي للمخدرات بمنطقة سيدي رحال الشاطئية وحجز أزيد من 18 طنا من مخدر الشيرا    أمن باب سبتة يُلقي القبض على فرنسي مطلوب للإنتربول    قضية جثة الجدار بطنجة.. قاضي التحقيق يأمر بإيداع المتورطين في السجن    إنخفاض قيمة صرف الدرهم مقابل اليورو    ليبيريا تجدد تأكيد دعمها لسيادة المملكة ووحدتها الترابية    الوداد الرياضي يكشف مستجدات الحالة الصحية للحارس يوسف مطيع    الجزيرة تفضح مؤامرة الجزائر ضد المغرب وتكذب ما يروجه إعلامها    بنموسى: الحكومة تراهن على 3 محاور رئيسية لتنزيل الإصلاح الشامل لقطاع التعليم    وفد من الشركات الإسبانية يستكشف فرص الاستثمار في المغرب    من يعمل على تحويل جماعة تطوان إلى مغارة علي بابا؟    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    "شروط على المقاس" تضع بنموسى في عين العاصفة    المكسيك تشهد تولي أول امرأة رئاسة البلاد    الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا يمنى بهزيمة في الانتخابات    دليل جديد يقارن أسعار الخدمات البنكية    الرباط .. افتتاح منتدى رفيع المستوى حول الذكاء الاصطناعي كرافعة للتنمية بإفريقيا    حقيقة إجراء أحد المتهمين في قضية "إسكوبار الصحراء" اتصالات هاتفية من داخل السجن    وزان تحتضن الدورة الأولى من الأيام السينمائية    المغرب يسعى لتحقيق اكتفائه الذاتي من الأسلحة بإحداث منطقتين للصناعات الدفاعية    تفاصيل اجتماع مطول بين الحكومة وطلبة الطب لإنهاء أزمة دامت شهورا    قيادة الأصالة والمعاصرة تستجوب الوزيرة بنعلي حول حيثيات وملابسات "القبلة الحميمية"    محامو المغرب ينددون بعقوبات الاتحاد المصري ضد الشيبي ويعلنون تدويل الملف    "بوحمرون" يستمر في حصد الأرواح نواحي تنغير.. والحصيلة ترتفع إلى 7 وفيات    مجلس الحكومة يصادق على فتح اعتمادات إضافية لفائدة الميزانية العامة    استقرار أسعار النفط مع تقييم المستثمرين لقرار "أوبك+" خفض الإنتاج    أهمية صناعة السينما والمحتوى البصري بفعاليات اليوم الأول لمهرجان روتردام للفيلم العربي    جمع عام استثنائي بالدار البيضاء للغرفة الوطنية للمنتجين السينمائيين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية ليوم الإثنين    رغم الجفاف.. المنتجات الفلاحية تغزو الاتحاد الأوربي    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب اليابان    صحيفة إسبانية تهتم بتعزيز المغرب دفاعه بإنشاء منطقتين للصناعة العسكرية    الفنيدق: استعدادات مكثفة لإنجاح الموسم الصيفي    إسرائيل توصي مواطنيها بعدم السفر لجزر المالديف    أفلام وحكام مهرجان "الرباط كوميدي" الخامس: مسابقة الأفلام الكوميدية القصيرة.    تعرض صحراويين للقتل من طرف الجيش الجزائري.. إعدام خارج القانون    الرجاء البيضاوي يعتلي الصدارة في انتظار خطوة واحدة بوجدة    الجامعة الملكية المغربية للملاكمة بطولة المغرب التأهيلية للملاكمة كبار للموسم الرياضي 2024/2023    الدراج العثماني يحل ثانيا في "غاروا"    موسيقى جهجوكة.. نغمات صوفية من جبال المغرب إلى أبرز مسارح العالم    تتويج الفنان والعازف السعودي عبادي الجوهر بجائزة زرياب للمهارات بمهرجان تطوان الدولي للعود    بعد منع أسماء لزرق من الغناء بتونس.. فنانون مغاربة يطالبون ب"تطبيق المعاملة بالمثل"    انطلاق أعمال القمة الدولية لريادة الأعمال ونهائي برنامج الإيسيسكو لتدريب الشباب بمجال التكنولوجيا    الأمثال العامية بتطوان... (613)    المغرب يسجل 47 إصابة جديدة ب"كوفيد"    جهة الرباط تتصدر إصابات "كورونا" الجديدة    توديع فوج حجاج إقليم تاوريرت المتوجهين إلى بيت الله الحرام    وصول أولى طلائع الحجاج المغاربة إلى المدينة المنورة يتقدمهم حجاج الأقاليم الجنوبية    4 فوائد صحية محتملة للقهوة "رغم أضرارها"    "العلم" تواكب عمل البعثة الطبية المغربية لتقريب خدماتها من الحجاج في مكة والمدينة    عامل المضيق الفنيدق يستقبل الحجاج المتوجهين للديار المقدسة    «الموسوم الوجيه بأعلام آل الشبيه» : كتاب يتتبع مسار العائلة والزاوية الإدريسية لثلاثة قرون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى متى تستمر الخيانة الأمريكية؟
نشر في التجديد يوم 30 - 04 - 2004

أثارت الصورة التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز على صفحتها الأولى بتاريخ 30 دجنبر 2003 ردود فعل متفاوتة. ويظهر في تلك الصورة شاب في مقتبل العمر، جالسا على كرسي أمام تلاميذ إحدى مدارس مدينة بليرسفيل التابعة لولاية بنسلفانيا الأمريكية، بينما تقف بجانبه امرأة، قد يحسبها البعض مدرسة. وهي في الواقع والدته. فقد كان أعمى.
يتعلق الأمر بجيريمي فيلدبوش، وهو جندي أمريكي كان ضمن الجيوش الأمريكية بالعراق، وأصيب يوم 3 أبريل بحروق شديدة في وجهه جراء سقوط قذيفة على بعد عدة أمتار. وبعد خروجه من المستشفى العسكري حيث ظل في غيبوبة لمدة خمسة أسابيع، اكتشف أنه فقد بصره.
تعتيم
وفي نفس اليوم، أعلنت الصحف وصول عدد الجنود الأمريكيين الذين قضوا خلال تلك الحرب إلى 477 جنديا. لكن ما يتم التعتيم عليه عموما، هو أنه مقابل سقوط كل جندي أمريكي، يصاب أربع أو خمس جنود آخرين بجروح خطيرة. وقد وصل عدد هؤلاء إلى ما يقارب 3000 جريح، منهم من فقد بصره ومنهم من فقد رجليه أو ذراعيه. وخلال الأيام القليلة الماضية، صرحت الفنانة شير لقناة -سِفَ لدى عودتها من زيارة جرحى الحرب الأمريكيين بإحدى المستشفيات بواشنطن: كان أول من صادفته لدى وصولي إلى المستشفى فتى يبلغ من العمر 19 أو 20 سنة بترت ذراعاه (...) كان كل جندي مصابا بعاهة مستديمة، إما ذراع بترت، أو رجل وأحيانا الاثنان معا(...) أنا أتساءل (...) لماذا لا يأتي تشيني وولفويتز وبريمر ورئيس الولايات المتحدة...لماذا لا يأتون لأخذ صور تذكارية مع هؤلاء الضحايا ؟ لماذا يحرصون على إخفائهم عن الأنظار(...)
وفي عدة أحيان، يحاول الآباء إقناع أبنائهم بأن الحرب على العراق غير مشروعة. وتلك حالة السيدة روث أيتكن التي حاولت إقناع ابنها بأنها حرب من أجل البترول، لكن ابنها الذي كان برتبة نقيب، صمم على أنها حرب ضد الإرهاب. ولقي مصرعه في 4 أبريل خلال المواجهات التي شهدها مطار بغداد. و قد عبرت والدته عن موقفها قائلة: كان يؤدي واجبه، لكن ما أكاد أجن له هو أن الإدارة الأمريكية خدعت الرأي العام والجنود وسوقت لهم هذه الحرب على غير حقيقتها .
وببالتيمور، صرخ أحد الأباء أمام عدسات الكاميرا وهو يحمل صورة ابنه الذي راح ضحية الحرب: أيها الرئيس بوش، لقد أخذت مني ابني. وصرح آخر بولاية كاليفورنيا للصحفيين أن ابنه الذي كان ينتمي لقوات المارينز، قد قتل من أجل بترول بوش".
خيانة طويلة
لكن ليس الأباء والأبناء وحدهم من خدع في هذه الحرب. فالشعب العراقي أيضا تلقى وعودا بتحريره من النظام الديكتاتوري، وكان الثمن باهظا. إذ قتل أكثر من 10 آلاف عراقي بين الرجال والنساء والأطفال، ناهيك عن آلاف الجرحى، وظلت بلاد الرافدين في حالة فوضى عارمة. فجيش الاحتلال الذي كان فعالا في قصف العراق و تدميره، اكتفى بالتفرج على العصابات التي قامت بتدمير ونهب المعالم التاريخية للعراق.
لائحة الخيانة طويلة. إذ خانت الحكومات الأمريكية المتعاقبة العهد الذي أعطته دول العالم بتحقيق السلم والأمن الدوليين. فبعد الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها 50 مليون شخص، تعهدت منظمة الأمم المتحدة حسب ميثاقها ب: حفظ الأجيال القادمة من آفة الحرب.
ورغم انتهاء الحرب الباردة واختفاء التهديد الشيوعي الذي شكل ذريعة لتحويل ملايير الدولارات لميزانية الجيش الأمريكي، نجحت الحكومات الأمريكية في خداع شعبها و لازال نهبها لخيراته مستمرا، وذلك على حساب المرضى والأطفال والمسنين والمشردين والعاطلين...
وبعد مرور 12 سنة على الحرب العالمية الأولى، أصيب الجنود الأمريكيون الذين كان معظمهم يعاني من عاهة أو جراح، باكتئاب حاد بسبب البطالة والجوع، واضطر 20 ألف منهم إلى تنظيم مسيرة احتجاجية في واشنطن مطالبين الكونغرس بالتعويضات المالية التي وعدوا بها. فتدخلت قوات الجيش وقامت بتفريقهم بطلقات نارية والغاز المسيل للدموع.
لكن قدماء المحاربين بفيتنام فطنوا بسرعة لدى عودتهم من الحرب إلى أن تلك الحكومة التي زجت بهم في حرب لاأخلاقية وسخيفة متسببة لهم في أمراض جسدية ونفسية، قد ولت لهم ظهرها. وكانت الولايات المتحدة قد أطلقت على عدة مناطق بفيتنام المادة البرتقالية الذي خلف مئات الآلاف من القتلى لدى شعب الفيتنام. و كان لتلك المادة تأثير على الجنود الأمريكيين أيضا، إذ أصيب عشرات الآلاف بأمراض خطيرة كالسرطان وظهرت تشوهات لدى مواليدهم الجدد. إلا أن الدولة رفضت تحمل أية مسؤولية. وبعد المتابعة القضائية للشركة المختصة بتصنيع المادة البرتقالية، تم التوصل إلى تسوية حبية من خلال صرف مبلغ 1000 دولار لكل عائلة متضررة.
وإذا كانت الحكومة تخصص مئات ملايير الدولارات للحرب، فإنها لا تخصص شيئا لقدماء محاربي الفيتنام الذين استوطنوا الشوارع أو المستشفيات العسكرية، وصاروا يعانون من اضطرابات نفسية وينتحرون بنسبة مروعة... وذلك هو الإرث المر للحرب.
ما تخفيه واشنطن
وتعتز الحكومة الأمريكية بكونها لم تخسر في حرب الخليج سنة1991 سوى 148 من جنودها مقابل مائة ألف من الجانب العراقي، لكن ما تخفيه عن الرأي العام هو أن 206000 من قدماء المحاربين في تلك الحرب تقدموا بشكاوى جراء إصابتهم بأمراض أو جراح مترتبة عن تلك الحرب. وخلال الإثنتا عشرة سنة التي تلت الحرب، توفي 8300 منهم، وتم قبول 160000 شكوى بالإصابة بالعجز من قبل إدارة قدماء المحاربين.
وتستمر خيانة الجنود وقدماء المحاربين في خضم ما يسمى بالحرب على الإرهاب. صدق الجنود مزاعم استقبالهم بالزهور من قيل الشعب العراقي ماداموا قد حرروه من الطاغية، ولا يمر يوم دون أن يلقى واحد منهم على الأقل حتفه. وقد صرح ضابط من قوات المشاة الأمريكية المتمركزة بالعراق لإحدى المجلات الأمريكية: لنتكلم بصراحة، إن معنويات جل الجنود الذين صادفتهم في أدنى مستوياتها.
وحتى أولئك الذين يعودون من الحرب أحياء، لكن عميانا أو معتوهين، سرعان ما يكتشفون أن إدارة بوش تقص من الميزانية المخصصة لقدماء المحاربين. وخلال الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس بوش للعراق بمناسبة عيد الشكر في شهر نونبر المنصرم والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، ذكرت ممرضة عسكرية تابعة لقاعدة لاندستل بألمانيا حيث يتم استقبال الجرحى: لقد كان احتفالي بعيد الشكر يومها مختلفا شيئا ما، إذ أمضيته في المستشفى أعتني بملازم أول أصيب بجراح في العراق(...) وحين يضغط بكفه على عينيه ويميل برأسه من الأمام إلى الخلف، فإنه يصير أشبه بطفل صغير. إن جميع الجرحى التسعة عشر الذين أعتني بهم يشبهون الأطفال الصغار، ثم إن كلا منهم فقد أحد أطرافه أو بصره، أو ما هو أسوأ. (...) من المؤسف حقا أن الرئيس بوش لم يستدعنا لحضور الاحتفالات. (...) وكل الزملاء يتفقون معي على ذلك، لكنكم لن تقرؤوا عن هذه الحالات في الصحف.
النسيان هو المطلوب
أما بالنسبة لجيريمي فيلدبوش الذي فقد بصره في هذه الحرب، فقد احتفلت مدينة بليرسفيل بعودته وهنأه عمدتها. وهنا تذكرت الجندي الذي صار أعمى وبترت جميع أطرافه، بطل رواية دالتون ترومبو تُوٌََّ َّمَ ًّف-ُّ-مَ هِّمْْم. حيث كان مستلقيا على فراشه، عاجزا عن النطق أو السمع، تذكر الاحتفال الذي أقيم بمدينته خلال توجهه إلى الحرب، تذكر الخطابات البطولية حول شرف القتال من أجل الحرية والديمقراطية. وحين تمكن من التواصل من خلال آلة المورس، طلب من السلطات أخذه إلى جميع المدارس ليظهر للأطفال حقيقة الحرب. لكن السلطات لم تستجب لطلبه. فما لبث أن أدرك الحقيقة المرة في أن السلطات كانت لها رغبة واحدة فقط، وهي نسيانه.
إن كاتب هذه الرواية يحاول بشكل أو بآخر، شأنه شأن قدماء المحاربين، أن يدعونا لأن لا ننسى وأن نكون شاهدي إثبات.
ترجمة بتصرف: رشيد المتوكي (مترجم)
عن صحيفة لوموند ديبلوماتيك/ أبريل2


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.