بين الضعف و القوة غشاء رقيق تحكمه الغاية و الموقف.. و بين التعبير عنهما و النتيجة خطوات لو وصلت المسافة بين الكواكب الثمان ما كفيتها… الواقع أننا في عصرنا الحالي، تشابهت عندنا جل المختلفات، فما عاد الحق يرى لنا حقا، و لا الباطل يرى لنا باطلا.. إنما استقر حالنا على حالة وسط بينهما، فصار في ما يخالف الدين عادة تطبعنا معها.. و في ما يوافق عليه الشيطان جزء استطعمنا به فطعمناه حتى صار لذيذا تشتهيه النفس كل آن مقولبا في اطار حالنا الوسط.. و هكذا، اختلت الموازين و ركن المسلمون و استقوى المشركون، و قد يقول البعض، بأي خطاب تخطب هاته.. اما زال في القرن الحادي و العشرين من يحدث الناس و يصنفهم بالمسلم و المشرك.. لأنه في اعتقادهم، الغرب و أشباهه اليوم هم الحق، حيث عالم المُثُل الذي يحلمون به.. بل أكاد أجزم أن الكثير منهم لو خُيِّرَ بين خدمة الدين و خدمة الغرب لاختار الغرب بلا تردد أو استنكار، المحزن في الأمر أن لا يكون من بين الناس رجل رشيد يجر الناس كلما استكانوا للهوان.. يذكرهم بخطاب الله للناس، فلا يفصل بين الناس على اعتبار البلدان و لا الألوان و لا الأموال.. بل يفرق بينهم بما استقر في قلوبهم فيبشر المؤمنين بالجنة و يُنذر الكافرين بالعذاب.. ينشر الرسالة السماوية التي جاءت تخبر الناس بعدم الانصياع الى ملذات الحياة و التي تذكرهم بمهمة الاستخلاف في الارض و عبادة الله و الاستعداد لحياة الخلد بعد الممات… تلك الرسالة التي ما عاد يعيرها أبناء أمتنا أي اهتمام مع أنها الجوهر الذي دَنْدَنَ عليه الصالحون مذ أبصروه بقلوبهم يوم نزل.. إن في وسط هذه الزحمة من الأفكار و المعتقدات.. سلسلة متينة ما إن يتمسك بها العبد حتى يصير في عداد المغيرين مدركا بذلك موقعه الذي وجب عليه التصرف من خلاله.. و فق ما يضمن له تقدم خطوة نحو الجنان.. أما و أن يعتقد بما يقوله البعض، ممن وجب علينا الاستغفار لهم، في نقد الخطاب الوعظي أو الدعوة إلى فصل الخطاب الديني عن الخطاب المجتمعي باعتباره تداخلا في التخصصات، و السير على نهج "دع ما لقيصر لقيصر" فإنه جريمة في حق هذا الدين.. بل ان أخوف المخاوف أن تصير السلطة في بلد المسلمين في يد المتأسلمين الذين لا يؤمنون بوجود سياسة إسلامية (و ليس إسلام سياسي كما يسميه البعض، و الفرق قد يتضح إن ربطنا الجزء بالكل) .. فيجعلون من أجهزة التدبير ملاذا للمحتالين و قطاع الطرق الأرستقراطيين.. و من جهاز الأوقاف و الشؤون الإسلامية أضحوكة، لا هي تقوم بدورها في الارشاد الديني و لا هي تقوم بالتأطير المجتمعي.. بل جل ما تفعله هو جعل المناسبات الدينية طقوسا فارغة المحتوى الا مما شاء ربي.. ثم نصل إلى مستوى آخر من مستويات الشرعنة العوجاء و الاسقاطات الخرقاء و الكلمات الجوفاء التي تصدر من بين لحيي بعض الملتحين من منظور الطبقة العامية ( و إلا فليس كل مُلْتَحٍ ملتزم و لا العكس صحيح..)، الذين يتفننون في اللعب بما أحل و ما حرم وفق أهوائهم، الذين ما إن ينطقوا حتى تمد رجليك نزعا للاحترام الذي وَقَّرَتْهُم به سنة لا نعلم ما ان كانت بقصد او بغيره.. و لعل النماذج كثيرة في وصفهم، تراهم إذا سمعوا سبا أو شتما لدينهم ما زاد فيهم ذلك شيء و لا نقص، و إن تمس أنفسهم مضرة يقلبون الدنيا على أعقاب من عاداهم و من لم يعاديهم.. ثم يستشهدون بحديث المؤمن القوي للدفاع عن ردهم الأناني.. ضمنوا لأنفسهم قوة الايمان و هم الذين اذا جهلوا قد يسبون حتى خالقهم.. "اللهم من رحم منهم".. فلا يعدون أن يكونوا كما قال في أمثالهم الشاعر العربي: "أبني إن من الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصر فطن بكل مصيبة في ماله فإذا أصيب بدينه لم يشعر" أما القوة التي يراد من المؤمن امتلاكها فهي التي يتحكم فيها دين الرجل، فلا يغضب لنفسه الا ما كان من غضب لله و في سبيل دينه او عرضه او ماله .. فان صبر على ما ابتلي به لنفسه، عوضه الله خيرا منه، و ان سكت عن حق او تخاذل في نصر دينه تولاه الله بغضبه..هذا ما جاء به الرسول الكريمصلى الله عليه وسلم.. و كفى من تزيين للجحيم! في نهاية المقال، أقول كما قال من رزقهم الله العلم النافع فأجادوا في تشخيص الداء.. على أمل تفعيل الدواء.. أنه ما من نهوض للمسلمين إلا بعودتهم إلى التشبث بدينهم الإسلام، و لن يكون ذلك إلا بعلمهم الحق بالإسلام و لما جاء به الرسول من خلال السنة و القرآن.. و ما من ريادة في العلوم الطبيعية و لا العلوم الانسانية الا بالعلم و البحث الفطن و الرجوع الى فهم القرآن.. لأنه البداية و الختام.. و أقول قولي هذا و السلام.