محامو المغرب يدخلون على خطّ اعتقال محامية في تونس.. "اعتقال الدهماني عمل سلطوي وقمعي مرفوض"    ندوة بطنجة تستشرف مستقبل التمريض في ظل اصلاحات النظام الصحي    الطالبي العلمي يقود وفدا نيابيا من الأغلبية والمعارضة إلى الصين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ثاني أكسيد الكربون.. إقرار قواعد أوروبية أكثر صرامة بالنسبة للمركبات الثقيلة    تحذيرات من انهيار المنظومة الصحية في غزة خلال ساعات قليلة    رئيس الزمالك يشهر ورقة "المعاملة بالمثل" في وجه بركان    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    من البحر إلى المحيط.. لماذا يتحول مسار الهجرة من المغرب إلى أوروبا؟    سي مهدي يثور في وجه بنسعيد    كيف يستعد المغرب للعرس الكروي الإفريقي 2025 والعالمي 2030… ساري يجيب "رسالة24"    النفط يواصل تراجعه بسبب ضعف الطلب وارتفاع الدولار    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    مستعجلات القصر الكبير تستقبل تلميذات تعاركن بأسلحة حادة    زلزال قوي يضرب دولة جديدة    حماقات النظام العسكري الجزائري تصل للبطولة الوطنية    الدار البيضاء تحتفي باليوم الوطني للمسرح    من يجبر بخاطر المتقاعدين المغاربة؟!    بعد الخسارة أمام بركان.. قرار عاجل من مدرب الزمالك المصري    كأس الكونفدرالية الإفريقية: نهضة بركان يفوز على الزمالك المصري في ذهاب النهائي (2-1)    تحليل آليات التأثير الثقافي في عصر الرقمنة    مصر تُهدد بإنهاء "كامب ديفيد" إذا لم تنسحب إسرائيل من رفح    تليسكوب "ليزا"...    شطيرة نقانق عملاقة تزين ساحة "تايمز سكوير" بنيويورك    قنصلية متنقلة لفائدة مغاربة إسبانيا    بنموسى يكشف أسباب تسقيف سن ولوج مباريات التعليم    نظرة فلسفية حول مشكلة الدولة    تحقيق السيادة في مجال الذكاء الاصطناعي    الأساطير التي نحيا بها    الدرس الكبير    السينما في الهوامش والقرى تشغل النقاد والأكاديميين بالمعرض الدولي للكتاب    هل انفصلت فاطمة الزهراء لحرش عن زوجها؟    الاشتراكيون يفوزون في انتخابات إقليم كتالونيا الإسباني    "المراهنة على فوضى المناخ".. تقرير يفضح تورط المصارف العالمية الكبرى في تمويل شركات الوقود الأحفوري    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية "تاريخية"    الاعلان عن اختفاء قاصر من بليونش بعد محاولة هجرة إلى سبتة سباحة    تراجع صرف الدولار واليورو بموسكو    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    لماذا قرر حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم أن لا يخوض الانتخابات في إقليم كشمير؟    ما الذي قاله مدرب نهضة بركان بعد الانتصار على الزمالك المصري؟    "إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    خلاف مروري بساحل أكادير يتحول إلى جريمة دهس مروعة (فيديو)    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    الأمثال العامية بتطوان... (596)    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل مساهمة في تربية ملكة الاجتهاد: (الحلقة الخامسة)
نشر في التجديد يوم 06 - 09 - 2005

مر في الحلقات السابقة الحديث عن مبرر هذه المادة العلمية الموجهة إلى طلبة العلوم الشرعية وغيرهم من المهتمين بقضايا الاجتهاد، وكذا الحديث عن حقيقة الاجتهاد، وما يتعلق بالضوابط التي تهم هذا المجال.ثم تناولت أنواع الاجتهاد وحكمه. وفصلت في أنواعه،من اجتهاد المندوب والمكروه والمحرم، والآن مع الاجتهاد بين الاستمرارية والانقطاع، فأقول وبالله التوفيق:
لا دليل على سد باب الاجتهاد
لا دليل على سد باب الاجتهاد وليس في مقدور أحد أن يغلق بابا فتحه الله تعالى لعباده، ودعوى سده إنما هي (دعوى فارغة وحجة واهنة أوهن من بيت العنكبوت، لأنها غير مستندة إلى دليل شرعي أو عقلي سوى التوارث)(1) ، وإذا حسن الظن بهذا الادعاء، يمكن اعتباره نوعا من الاجتهاد، يعالج شأنا خاصا وظرفا مؤقتا، رأى فيه أصحابه غياب شروط الاجتهاد، وفساد الزمان، ودخول غير الأكفاء حلبة الميدان. وهو على كل حال عمل بالاستثناء لا يمكن أن يعود على أصل فتح باب الاجتهاد بالإلغاء .
أو يمكن أن نقول بأن (مسألة انقطاع الاجتهاد مبني على الاستقراء والتتبع، وليس بمسألة شرعية ثابتة من الكتاب والسنة لا نفيا ولا إثباتا) (2) ، أي أن أصحاب هذا الرأي يقررون واقعا توقف فيه الناس عن الإنتاج والإبداع، بسبب الانحطاط العام، وليسوا بصدد إصدار الحكم الشرعي في الاجتهاد.
إغلاق باب الاجتهاد إعلان عن وفاة العقل
فإغلاق باب الاجتهاد إعلان عن وفاة العقل، ومحاصرة لخلود الشريعة وامتدادها، وخروج من الواقع وانسحاب من مشكلاته، وغياب عن الحاضر والمستقبل، ومصيبة تجعل العلماء يسيرون خلف المجتمع، يدفنون موتاه بدل أن يسيروا أمامه ويقودوه إلى الخير ويقوموا سلوك أحيائه، إنه التحول من الدوران في فلك نصوص الوحي، إلى تقديس الأشخاص والتوقف عند اجتهاداتهم وآرائهم والدوران في فلكها شرحا واختصارا، أو شرح الشرح واختصار الاختصار.
وتوقيف الاجتهاد باسم فساد العصر يؤدي إلى فساد كبير واتهام ضمني للشريعة، ومنزلها بالقصور وعدم تقدير الأمور، ويحول الأمة من التفكير والإبداع إلى التلقين والتقليد، ويعود بها إلى أدنى وظائف العقل، إلى مراحل العقل الطفولي، القادر على الحفظ وشحن الذاكرة منه على التفكير والتحليل والنظر والاجتهاد(3).
كما أن إغلاق باب الاجتهاد يؤدي بالناس إلى الشعور بتقادم معاني الشريعة وأفكارها وقيمها بالمقارنة مع قيم العصر، ويحسون بأنها لا تفيدهم كثيرا في فهم شؤون عصرهم وسبل السيطرة عليه، ولا في مساعدتهم على التماهي معه والاندماج فيه (4)، مما يجعلهم مستعدين لقبول الوافد ومرحبين بالغزو الفكري والثقافي والحضاري بشكل عام.
أسباب انحسار الاجتهاد
إذا كانت دعوى إغلاق الاجتهاد غير حقيقية، ولا يستطيع أصحابها تحديد السلطة التي أغلقت الباب، ولا الزمان ولا المكان اللذين تم فيهما ذلك، فمما لا شك فيه أن توقفه أو بالأحرى انحساره قد وقع في الأمة في العصور المتأخرة، وأن أصوات الاجتهاد بقيت محدودة في عددها وتأثيرها، غريبة في وسطها، شاذة عن القاعدة العامة التي أصبح عليها الناس، ولعله من المفيد الوقوف على بعض أسباب هذا الانحسار لتكون عونا لتلمس العلاج.
تراجع الاجتهاد بسبب تراجع حياة المسلمين
فالذي يبدو من خلال تتبع بعض الأسباب أن الأزمة أعمق من أن تكون مسألة باب الاجتهاد تغلقه أو تفتحه جهة ما. إنما وقع التراجع بسبب تراجع الحياة أيضا، إذ الاجتهاد يحيى بحياة المجتمع ويموت بموته، فالفقه آل إلى الجمود بأثر انحطاط واقع الحياة .
فهي إذن أزمة حضارية شاملة، يصعب معها تحميل المسؤولية لأحد العوامل بعينها. ذلك أن (الاجتهاد جهد معرفي يمارسه المجتمع بمقدار ما يكون قادرا على بذل الجهد في المجالات الأخرى من النشاط الإنساني من السياسة إلى الاقتصاد إلى الجهاد العسكري ، وعندما يفقد المجتمع حيويته في هذه المجالات، فإنه يكون من الطبيعي أن يفقد حيويته في المجال الفكري) (5).
الاجتهاد
لا يعمل في فراغ
ولهذا ارتبط الاجتهاد في أغلب مراحله بمرحلة الاقتحام والإقدام حيث كان للأمة مشروع كوني، تريد تبليغه للعالمين. فتحركت الفتوحات العسكرية والعلمية، وقوي العمل والإنتاج، في شتى نواحي الحياة. فالاجتهاد لا يعمل في فراغ إنما يستجيب لهموم ومشكلات وأوضاع.
توقف الاجتهاد أو كاد لجنوح (الحياة الدينية عامة نحو الانحطاط وفتور الدوافع التي تولد الفقه والعمل في واقع المسلمين ) (6)، وشيوع جوانب نفسية واجتماعية وسياسية وثقافية علمية..غير مشجعة، إذ سادت حالة نفسية في المجتمع يغلب عليها الخوف، الخوف من الأخطار الخارجية، والخوف من الفتنة، والخوف من بأس السلطان، والخوف من الحرية والرأي.
وصار الهم هو الحفاظ على النفس، والحفاظ على ما هو قائم، وتمكن الحذر من اغتيال حرية الاجتهاد، وأصبح الناس وكأن في آذانهم هاتفا يقول: ( احفظوا ما بقي من دينكم، وتورعوا من الشرور المخوفة، حاذروا من كل جديد، فإنه لن يأتي إلا ببدعة، فالسلامة وراءكم والخطر أمامكم)(7)، وعليكم بالأسلم والأحوط . وصعب التجديد والإقدام والاقتحام حتى من القادرين عليه، لأن (من حاول تجاوز الحوض المعرفي حرم من دفء المجموع ورمي بالابتداع فيحس بالاغتراب لكونه جسما غريبا في هذا النسيج العام )(8).
استبداد السياسة وبعدها عن توجيه العلماء
وساهم الجانب السياسي إلى جانب خفوت الزخم الحضاري الحي، في تكريس ضعف الاجتهاد، وخصوصا في القضايا العامة والسياسة الشرعية والواجبات الكفائية في الحكم والاقتصاد والعلاقات الخارجية وغيرها، بسبب من انفصال السياسة عن توجيه العلماء، وانتشار استبداد، وقمع الآراء التي فيها مساس بشؤون الحكم. مما أدى إلى ضعف صلة العلماء بالواقع، وما نشأ عن ذلك من زهد فيه من حيث الانخراط ومن حيث دراسته وتحليله.
تضخم فقه الأفراد والتضايق من فقه الاختلاف
فتضخم الفقه الذي يهم الأفراد إلى حد من التخمة، قبل أن يعرف بدوره التوقف إلا ما كان من استمرار الفتوى التي يغلب عليها تنزيل الأحكام على أعيان الأفراد، يضاف إلى ذلك الجو الثقافي العام الذي انتقل من التنوع والاختلاف، إلى الحرص على التوحد والضبط والدمج وجمع الناس على رأي واحد، ولو في مجال لا يضر فيه التنوع والتعدد ،مما أدى إلى نوع من السكون، فالنزعة التجديدية الاجتهادية غالبا ما تظهر في البيئة التي تعرف تنوعا ثقافيا.
تعقيد شروط الاجتهاد
كما أن المقلدة بالغوا في تعقيد شروط الاجتهاد، ومواصفات المجتهد، وتبرير الإحجام ونزعة التقليد .فقد عمل كثير منهم على: ( ابتكار شروط وقيود للاجتهاد مستحيلة الوجود والتحقق، والحجر على فضل الله وقدرته في أن يمنح الأمة في كل زمان ومكان القادرين على النظر لمشكلاتها في ضوء الكتاب والسنة)(9). بل إن بعضهم يرى أن وجود الاجتهاد يسبب الاختلاف، وكأنه يشعر بأن السلامة من ذلك في التقليد ،يقول الشيخ حبيب الكيرانوي:(إنما نشأ الاختلاف من كثرة الاجتهادات واختلاف الآراء، فمهما كثر الاجتهاد كثر الاختلاف ) (10)، فهو يرى أن فتح باب الاجتهاد موجب لكثرة الاختلاف دون قلته والموجب لقلته هو التقليد فقط)(11) .
---------
هوامش:
1 أصول الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي ج2 ص: .1085
2 حبيب أحمد الكيرانوي قواعد في علوم الفقه ص:.90
3 عمر عبيد حسنة :مقدمة كتاب الأمةالتوحيد والوساطة في التربية الدعوية الجزء الثاني :عدد 48 ص: 11131417
4 برهان غليون: فلسفة التجدد الإسلاميص: .336 مجلة الاجتهاد عدد1011 السنة.1991
5 الفضل شلقالاجتهاد وأزمة الحضارة العربيةص 61 .مجلة الاجتهاد العدد.1990 .8
6 حسن الترابي:تجديد أصول الفقهص.12
7 حسن الترابي:تجديد أصول الفقهص.39
8 عبد الوهاب رواحبنية النظام المعرفي ص .46 مجلة الاجتهاد عدد10 11 سنة .1990
9 عمر عبيد حسنة.مقدمة كتاب الأمة ع.48التوحيد والوساطة في التربية الدعويةص.13
10 قواعد في علوم الفقه :ص51.52
11 قواعد في علوم الفقه :ص51.52


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.