إحداث أزيد من 42 ألف مقاولة ذات شخصية معنوية بجهة طنجة    تلاميذ القدس في ضيافة المجلس الأعلى للتربية والتكوين    الأمن الوطني بتطوان يحتفي بالذكرى ال 68 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني    المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    أُسر "ضحايا ميانمار" تكشف تفاصيل "جحيم الاحتجاز".. أمل في تحرير الأبناء    القمة العربية.. "إعلان البحرين" يشيد بدور لجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس    تزنيت.. الاحتفاء بالذكرى ال 68 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني    الملك محمد السادس: نتأسف على عدم قيام اتحاد المغرب العربي بدوره الطبيعي    ميناء طنجة : تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 30% حتى متم أبريل    بعثة فريق نهضة بركان تحط الرحال بمصر    القمة العربية تدعو إلى نشر قوات دولية في فلسطين وعقد "مؤتمر دولي للسلام"    الأمثال العامية بتطوان... (600)    كاتب كاميروني يبحث "خلود" الأدب الإفريقي ويدعو إلى تكريم الإبداع في القارة    استخراج جثة دفنت منذ أيام في الحسيمة ونقلها إلى الدار البيضاء لهذا السبب    الملك محمد السادس يرفض محاولات تهجير الفلسطينيين ويدين "الأعمال الانتقامية" بغزة    تسرب للغاز يخنق عشرات التلاميذ بمؤسسة تعليمية بالبيضاء    ميارة يشيد بالشراكة المغربية البرتغالية    سعر الذهب يتراجع بعد مكاسب الدولار    القمة العربية تدعو إلى نشر قوات دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لحين تنفيذ حل الدولتين    موظفو الجماعات الترابية ينسحبون من الحوار مع وزارة الداخلية    مقترح "إلغاء الفار" ينتظر تصويت الأندية الانجليزية    بسبب عدم الامتثال.. شرطي مرور يشهر سلاحه والسلطات تحقق    طقس الجمعة.. أمطار ضعيفة و متفرقة وتشكّل سحب بالشمال وحرارة بالجنوب    محمود عباس يتهم حماس ب"توفير ذرائع" لإسرائيل لتهاجم قطاع غزّة    برئاسة المغرب .. مجلس حقوق الإنسان الأممي يرفض الإعادة القسرية للمهاجرين    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    الصين وروسيا توقعان إعلانا مشتركا لتعميق الشراكة الاستراتيجية    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    كأس العرش.. مولودية وجدة يضرب موعدًا لمواجهة الرجاء في النصف النهائي    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    الاستعادة الخلدونية    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أحمد الريسوني في حوار شامل مع "التجديد" حول ظروف وملابسات انتقاله إلى جدة للإشراف على موسوعة الفقه الإسلامي

يؤكد الدكتور أحمد الريسوني أن الدعوة التي تلقاها للإشراف النهائي على معلمة قواعد الفقه الإسلامي من لدن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وكما عبر عن ذلك أعضاء المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، هي تشريف للمغرب وإسهام من أحد أبنائه في هذا العمل الحضاري الجليل.
وقال الدكتور الريسوني، في حوار لالتجديد، وهو يتحدث عن حيثيات تلبية الدعوة وأهداف معلمة قواعد الفقه الإسلامي، إن مما ينغص ابتهاج بعض الجرائد لمغادرته المغرب وتأويل ذلك بتخلص الحركة وحزب العدالة والتنمية من أفكاره، أنه سيبقى قريبا ورهن إشارة الحركة وملتزما التزاما تاما بقوانينها، مشيرا إلى أنه لم يعط الجواب النهائي عن طلب مجمع الفقه الإسلامي إلا بعد موافقة المكتب التنفيذي لذهابه بقرار شوري ومؤسساتي، وفي ما يلي نص الحوار.
تلقى الدكتور أحمد الريسوني عرضا للإشراف على موسوعة الفقه الإسلامية من لدن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في أي سياق تندرج هذه الدعوة؟
بسم الله الرحمن الرحيم، تلقيت دعوة متكررة وملحاحة هاتفيا وبالمراسلة من السادة القائمين على مشروع إعداد وإصدار (معلمة القواعد الفقهية)، التي يشرف عليها مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وبعد هذا الإلحاح، الذي كان يركز على الأهمية العلمية والتاريخية والاستثنائية لهذه المعلمة، وجدت نفسي مضطرا لأعرض الأمر للتشاور والتقدير من الإخوة المسؤولين بالحركة (حركة التوحيد والإصلاح) ليشاركوني في اتخاذ القرار الكبير، والمطلوب في هذا العرض مني ومن أساتذة آخرين، الذين تم اختيارهم من المغرب وخارج المغرب هو الإشراف على المرحلة الأخيرة من إنجاز هذه المعلمة، التي يجري الإعداد لها والاشتغال فيها منذ نحو عشر سنوات، والآن وصلت إلى مرحلتها الأخيرة لإعطائها الصيغة والهندسة الأخيرة شكلا ومضمونا، فاحتاج السادة القائمون على هذه المعلمة إلى مراجعين للإشراف على هذه المرحلة الأخيرة، فدعيت للمشاركة في هذه المهمة، وهناك فريق عمل يتطلب الإشراف الوجود معهم بعين المكان بمدينة جدة ليكون العمل يوميا وتشاوريا.
وتأتي استجابتي واستجابة المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح لهذه الدعوة تقديرا لهذا العمل الجليل وتقديرا لكون المشاركة في هذا العمل ستستغرق مدة محدودة وهي المرحلة الأخيرة، التي ستعطي الطابع النهائي لهذا العمل الكبير.
وماذا عن أهداف المشروع؟
المشروع إسمه معلمة القواعد الفقهية، وقد قرره مجمع الفقه الإسلامي منذ عشر سنوات أو يزيد في إحدى دوراته ضمن مشاريعه الكبرى، وهو يرمي إلى استخراج القواعد الفقهية، والتي هي عصارة الفقه الإسلامي وزبدته من التراث الفقهي الإسلامي كاملا، ومن جميع المذاهب بما فيها المذاهب التي انقرضت أو تعد في حكم المنقرض، فهناك الآن ثمانية مذاهب معتمدة، بالإضافة إلى تراث فقهاء عديدين ليس لهم انتماء مذهبي محدد، خاصة في القرون الأولى، فالمذاهب الثمانية التي اعتمدت واستكتب أصحابها المعاصرون من الفقهاء تضم
المذاهب السنية الأربعة: المالكي، والحنفي، والشافعي، والحنبلي، ثم المذاهب الفقهية الأخرى وهي: المذهب الجعفري والزيدي، والإباضي، والمذهب الظاهري، وسيتم استخراج ما عندهم من القواعد الفقهية من الكتب المخصصة للقواعد الفقهية أو مبثوثة في كتب الفقه وغيرها، وقد قام المجمع بجدة باتصالات متعددة في أنحاء العالم الإسلامي كله، وأتذكر أن أمينه العام العلامة محمد الحبيب بلخوجة كان قد زار المغرب عدة مرات، وكان يجري اتصالات مباشرة، وكنت من بين من اتصل بهم وعرض عليهم التعاون في هذا المشروع منذ سنة 1997، وساهمت منذ ذلك الوقت، حيث طلب مني الكتابة في قواعد المقاصد وسلمتها سنة 1998، وبقي الاتصال قائما مع المعلمة والأمين العام للمجمع الدكتور بلخوجة في استشارات وتعاون في جوانب متعددة، وبعد أن تم استكتاب عشرات من الفقهاء من كل المذاهب في أنحاء العالم الإسلامي، وتجمعت المادة العلمية الغزيرة، سيدخل الإنجاز في مرحلته الأخيرة، التي سأسافر للإسهام فيها إن شاء الله تعالى.
وهذه المعلمة منذ أن تعرفت عليها، أقول في حقها كلمة وهي أنها: في نظري أهم عمل علمي في تاريخ الإسلام بعد تدوين السنة النبوية في القرون الأولى ، سواء من حيث ضخامة العمل، وشموليته لكل التراث الفقهي باتجاهاته ومذاهبه، أو من حيث إنه لا يتركز على الفقه نفسه، لأن معظمه ظرفي زمانا ومكانا، بل على القواعد التي ليست ظرفية، التي تمثل الخلاصات والمبادئ التشريعية، سواء كانت عامة للتشريع كله، أو كانت خاصة بأبواب فقهية معينة، أي أنها تركز على ما هو صالح وثابت لجميع العصور، بل هو ثروة تشريعية للبشرية كلها، فأي قانوني وأي قاض وأي دارس للتشريعات والشرائع والمناهج التشريعية، سيجد فيها بغيته، وهي ثروة لا يتصورها أحد قبل أن تطبع وتنشر.
ألا يطرح التمذهب (السني الشيعي مشكلا في قضية الترجيح بين هذه القواعد؟
أولا هذه القواعد تقل فيها الصفة المذهبية، لأنها قواعد عامة، في التطبيقات ربما يظهر التمذهب، لكن من أهمية هذا المشروع أنه يستخرج القواعد كما هي، ويقدمها ويبين أصولها في القرآن والسنة، وأصولها العقلية، ويبين تطبيقاتها في المذهب الذي صاغها. وجميع المذاهب ستكون موجودة في المعلمة، ولن يتم تفضيل مذهب على مذهب، بل جميع القواعد سيتم اعتماها، وقد استكتب أهل كل مذهب في تلك القواعد، وسيجد كل مذهب نصيبه وافيا عادلا في المعلمة، وهي ليست لمذهب على حساب مذهب آخر.
وأتصور أن يكون حجم القواعد عند المذاهب مختلفا بحسب تآليفها. وسيخصص قسم للقواعد المتفق عليها بين جميع المذاهب وقسم للقواعد الخاصة بكل مذهب فنقول: هذه القاعدة وجدت في المذهب الفلاني دون غيره، وهذه تطبيقاته فيها وهذه أصولها عنده، وبهذه الكيفية لن تطرح المذهبية مشكلا في المعلمة.
هل للمعلمة قوة تنفيذية أم هي مجرد ترف نظري؟
هذه الموسوعة هي عمل علمي وسيكون الإقبال عليه والاستفادة منه بحسب أهميته بعد إصداره، وهي استفادة كبيرة، فما من دارس للفقه الإسلامي والتشريع الإسلامي ولقواعده من أي مذهب كان، وحتى إن كان غير مسلم، مثل المستشرقين وكثير من المتخصصين الغربييين ومن شتى الأمم، سيجد كنزا ثمينا في هذه المعلمة وسيجد ضالته فيها. ونعلم أن كبار الباحثين والأكاديميين يركزون على الموسوعات، خاصة وأن الموسوعة تمتاز بفهرستها وسهولة الدخول إليها وكثرة مفاتيحها والتكشيف الميسر لها من خلال الموضوع أو الأشخاص أو المذاهب أو العصور، ومن باب أشخاص المذهب الفلاني أو من باب الأعلام.بالإضافة إلى أن هذه الموسوعة تأتي بحمد الله في زمن النشر الإلكتروني والتخزين الإلكتروني على الأقراص المدمجة التي تسهل البحث، بالإضافة إلى الطباعة الورقية والتي ستكون في عشرات المجلدات، وهذا تقدير ليس نهائيا، ولكنه ينم على أن العمل ضخم وغير مقيد، إذ كل ما يدخل في الموضوع سيدخل أيا كان الحجم.
هناك انتقادات للهيئة المشرفة على المعلمة، إذ يقال إن ظروف اشتغالها لا تعطي مصداقية لعملها، خصوصا وأن لكل دولة مؤسساتها الدينية؟
هذا المجمع ستكون له قيمة مستقبلية أكثر من القيمة الحالية، فنحن نعيش في عصر العولمة، فلا أقل من العولمة الإسلامية أولا، وهذا المجمع مهيأ وقدم خدمات كبيرة اتجاه هذه العولمة الإسلامية.
وشخصيا، على سبيل المثال، حينما تأتيني استفتاءات واستشارات فقهية، ولا يكون لي فيها رأي ولا دراسة أحيل مباشرة السائلين على قرارات مجمع الفقه الإسلامي لأني أطمئن إليها أكثر من غيرها، لأنها تمثل فيها المذاهب، والدول الإسلامية، وفيه من الشخصيات الوازنة ومن التوازن ما يجعلني أطمئن إلى ذلك، فكل قضية جديدة ومتجددة تكون فتوى المجمع الإسلامي فيها ذات مصداقية ومشروعية أكثر من غيرها، وحتى المفتون في أقطارهم في المغرب وباكستان والسعودية وغيرها، وكذا الهيئة المحلية تنظر بعين التقدير والاعتبار للفتاوى الصادرة عن هذا المجمع الدولي الأكبر في العالم الإسلامي، ويمكن القول إن مجمع الفقه الإسلامي يعاني من بعض الآفات التي يعاني منها الكثير من المؤسسات الرسمية، رغم أن فيه ناسا مجاهدين ليل نهار، ولكن دائما مؤسساتنا الرسمية تعاني من ضعف الفاعلية وعدم تفعيل قراراتها، فمثلا قرارات المجمع وفتاويه على الأقل كان ينبغي أن تذاع في وسائل الإعلام الرسمية، مادام مؤسسة رسمية، رغم أن له مجلداته ومنشوراته يطلع
عليها المتخصصون، لكن هذا المجمع بصفته مجمعا رسميا تابعا لمنظمة المؤتمر الإسلامي ينبغي أن تعمم فتاواه بشكل أوسع وتفعل، إذن فالمشكل هنا ليس مشكل المجمع، بل هو مشكل الحكومات العربية والإسلامية مثلما يقع في مؤتمرات القمة، فمعظم ما يتخذ فيها من قرارات يبقى حبرا على ورق، ينعكس شيء من هذا على مجمع الفقه الإسلامي، والذنب ليس ذنبه، لكن أثر المجمع وقراراته لدى العلماء والفقهاء والدرسين المتخصصين كبير، لأنه ينظر إليه الآن على أنه المجمع الأكثر مصداقية، وأنه المرجعية العليا في الإفتاء في العالم الإسلامي.
باعتباركم عضوا في المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح ورئيسا للجنتها العلمية بها، كيف جاءت موافقة المكتب التنفيذي لتلبية الطلب الذي تلقيتم؟
بكل صراحة، العرض الذي تلقيناه، والمشروع الذي دعينا للمشاركة فيه أحدث مناقشة صعبة سواء في نفسي أو في المكتب التنفيذي، ويكفي أن أقول إن المكتب التنفيذي ناقش الموضوع في ثلاثة اجتماعات، ولم يستقر الأمر إلا في الاجتماع الثالث، بل إن بعض الإخوة طالبوا باجتماع مجلس شورى الحركة لمناقشة هذه القضية، وقد كان النقاش معمقا، ينطلق فيه الإخوة من موازنة بين أمرين: احتياج الحركة لأعضائها والعاملين فيها، والمسؤولين فيها بصفة خاصة، ومن جهة أخرى الفوائد العامة والجمة لهذا المشروع، التي ستنعكس على العالم الإسلامي كله ومنه المغرب، والإخوة في المكتب ارتأوا أن هذه الدعوة تشريف للمغرب وإسهام من أحد أبنائه في هذا العمل الحضاري الجليل.
ومن ناحية أخرى وقف الإخوان عند فقدان الحركة، كما يحصل في كل المناسبات لأحد أعضائها، وما هو الضرر والنقص الذي سينتج عن هذا الغياب، فكانت الموازنة، وغلب المنطق المتجرد مصلحة الأمة والمصلحة البعيدة للمغرب، كما نظر إلى الموضوع من ناحية ثالثة، كنت قد أثرتها شخصيا، وقد أشير إليها في بلاغ المكتب التنفيذي وهو المسار العلمي لي شخصيا، حيث إن هذه المشاركة ليست فقط مناسبة لأفيد وأقدم ما يمكن تقديمه، ولكنها مناسبة لكي أستفيد في تكويني، فهي مناسبة لدراسة مكثفة على مدى سنتين للتراث الفقهي الإسلامي كله، ولقواعد الفقه الإسلامي كله.
هذه الحيثيات استحضرت كلها في النقاش ووقع التصويت في النهاية، فكان أكثر من ثلثي أعضاء التنفيذي مع هذا الذهاب، ولو أنهم جميعا عبروا وما يزالون يعبرون عن أسفهم وحسرتهم لهذا الغياب، ولكن يشفع له أهمية المشروع وكون المدة محدودة، لذلك انتهى الامر إلى الموافقة على هذا الانتداب العلمي، الذي اعتبره بعض الإخوة إسهاما من الحركة، وقد قال بعض الإخوة: إذا كنا قد وافقنا لأحمد الريسوني كي يغيب عنا، فإن الله تعالى قد أهدى لنا الأخ عبد الله بها، حيث أنجاه الله من موت محقق.
في مقابل أسى أعضاء المكتب التنفيذي بخصوص ذهابكم إلى السعودية، ابتهجت بعض الجرائد واعتبرته تخلصا للحركة ولحزب العدالة والتنمية من بعض الإحراج الذي تسببه بعض أقوال الدكتور أحمد الريسوني، كيف تفسرون هذا الابتهاج؟
أن يبتهج بعض الناس، وهم لحسن الحظ قلائل معدودون، فهذا شيء طبيعي، لكن مما ينغص ابتهاجهم بدون شك أنني سأظل قريبا، وسأظل في عمق الحركة ورهن إشارتها، سواء في المكتب التنفيذي أو بالإشراف على اللجنة العلمية، فأنا ملتزم التزاما تاما بالحركة وقوانينها، ولم أعط جوابا للمجمع الذي اتصل بي إلا بعد أن وافق الإخوان في المكتب التنفيذي، فأظن أن هذه الأمور ستنغص ابتهاجهم، لكن كان لابد ان يتظاهروا بهذا السلوك ظنا منهم أن هذه مغادرة للمغرب وللحركة، وقد كنت أرفض على مدى سنين عديدة دعوات كثيرة لمغادرة المغرب، ولكن الآن سأغادر، إن شاء الله تعالى، لعمل محدد ولفترة محددة. وبعد مشاورات عديدة قبلت الدعوة، وسأعود حالما أنتهي من هذه المهمة.
تعتبرك بعض الجرائد المنظر الإيديولوجي للحركة والحزب، كما أن الحركة تسير وفق الخط الذي رسمتموه لها، كيف تنظرون إلى هذا الوصف؟
أولا إذا كان لي من تأثير في الحركة فبكل بساطة لأني إبن بار لها وخريج مدرستها الفكرية والتنظيمية، وما أقدمه لها، إنما هو بضاعتها ردت إليها، ففكري وآرائي من إنتاج هذه الحركة ومن تجربتي فيها ومن التوجهات الفكرية والعلمية المعتمدة لديها، فأنا أعبر عن الحركة قبل أن أكون منظرا لها، و أنا ثمرة لعملها ولخطها قبل أن أكون موجها لمسارها، من جهة أخرى أنا أمارس منذ مدة عملا فكريا وعلميا يجد صداه داخل الحركة وخارجها، فأنا لا أنظر لحركة التوحيد والإصلاح تحديدا، وإنما للحركة الإسلامية عموما، لذلك فلا أذيع سرا إذا قلت بأن كثيرا من الأفكار التي أكتبها وأدافع عنها تجد صداها خارج المغرب أكثر من داخل المغرب، فأنا أدافع عن أفكار أتحرى فيها العدل والاعتدال والصواب، ومثل هذا المنهج يجد قبولا، ويجد مصداقية لدى كل من يتلقاه ويمعن النظر فيه، والأفكار الصحيحة والمبنية عن تجربة وصدق تجد صداها وطريقها إلى العقول التي تنظر بحيادية، ولدي بعض الأصدقاء الاشتراكيين واليساريين والقوميين يرحبون بأفكاري ويعبرون عن تقديرهم واتفاقهم معها.
يقال إن مغادرتكم للمغرب هي تخلص من الحساسية التي تثيرها الأفكار التي تعبرون عنها؟
أولا نحن في حركة التوحيد والإصلاح مما نعتز به إتاحة الحرية لكافة أعضائنا وقياديينا بأن يعبروا عن أنفسهم وآرائهم، ونشجع ذلك ونرحب به، فما كان متوافقا ومتفقا مع خط الحركة فبها ونعمت، وما لم يكن كذلك فهو فكر نرحب به وبحرية التعبير عنه، سواء صدر مني أو من جميع إخواننا، ويمكن أن أعدهم واحدا واحدا، يعبرون عن أفكارهم بكل حرية مهما كانت درجة اتفاقها مع ما هو مقرر في الحركة، لكن بطبيعة الحال تبقى هذه الحرية الفكرية التي تعبر عن خصوصية صاحبها، تبقى مسؤولية فردية لا يمكن أن تزعج أحدا، لأن الحركة إنما يلزمها أمام القانون وأمام الشعب والمثقفين وأمام الرأي العام، إنما يلزمها بياناتها ومقرراتها الرسمية، وما يعبر عنه رئيسها ومكتبها التنفيذي، فلذلك لم تنزعج الحركة في يوم من الأيام بأفكاري، والمرة الوحيدة التي أثارت تصريحاتي المبتورة والمؤولة شيئا من البلبلة، كان ذلك لأني كنت رئيسا للحركة فقط، فكثير من الناس تلتبس عليهم الأمور أو هناك من يلبسون بأنه: مادام هذا رئيس الحركة ويقول كذا، إذن فهذا رأي الحركة، ودرءا لهذا الالتباس وقطعا لهذا الخلط والاصطياد في الماء العكر بادرت إلى تقديم استقالتي، وبعد ذلك
فآرائي لا تسبب أي إزعاج، علما بأن آرائي في جملتها مقبولة في صفوف الحركة وعند قياديها ويرحبون بها، وفي جميع الأحوال فسواء وافقت أم لا توافق، فهي لا تثير أي إزعاج، لأن الحرية عندنا شيء محترم ومقدر وحق مصون، وحتى إن جاءت هذه الحرية برأي مخالف، فالرأي المعتمد لدى الحركة معروفة مصادره ووسائل التعبير عنه.
وصفت بعض الجرائد انتقالك بأنك ستكون مثل سمكة تسبح في بحر الوهابية في التعبير عن أفكارك؟
سمكة في بحر، هذا صحيح، لأن البحر الذي أعشق السباحة فيه هو بحر الفقه الإسلامي وقواعده ومقاصده. وفعلا، سنتان من السباحة في بحر الفقه الإسلامي والتراث الإسلامي شيء جميل، لكنها سباحة في المذاهب كلها وليست سباحة في مذهب معين أو توجه معين، وإن كان كثير من أساتذتي وزملائي يعتبروننيمالكيا متعصبا فأنا أعتبر نفسي مالكيا وأعتز بذلك، ولكن مالكي في الأصول، لأنها تتسع للمذاهب كلها، وهي أوسع الأصول وأكثرها انفتاحا وقابلية للتطور واحتواء التطورات.
كيف تقرؤون الحملة التي تشنها بعض الجرائد الفرنكفونية على شخصكم، وما أهدافها؟
قرأت في إحدى هذه الصحف عنوانا يقول: الريسوني ماذا يريد؟، وأنا ليس واردا عندي الآن ولا في المستقبل أن أرد على ذلك، وقلت في نفسي: لو كان الريسوني يريد شيئا لما كان يتكلم بالطريقة التي يتكلم بها، فأنا أتكلم بالطريقة التي أتحدث بها بحرية وصراحة، لأني ببساطة لا أريد شيئا، لكن فعلا أتساءل معكم عن أصحاب الحملات ماذا يريدون مني؟ (ضاحكا)، هل يريدون التشويه؟ هل يريدون محاصرتي خوفا من أن أصل إلى ما لا يحبون؟ هل يريدون ضرب الحركة الإسلامية من خلالي؟ فعلا فأنا من يتساءل، ويتساءل كثيرون: ماذا يريد هؤلاء؟
هناك من يرى أنهم ببساطة يبحثون عن الشخصيات والعناوين والقضايا التي تزيد من مبيعاتهم، فهناك احتمالات كثيرة، والجواب الحقيقي في نفوس هؤلاء وليس عندي.
ما هي مشاريع أحمد الريسوني العلمية المستقبلية؟
كنت قد طلبت المغادرة الطوعية في التعليم وحصلت عليها لأتفرغ لبعض المشاريع العلمية، لكن فجأة انضاف هذا المشروع الجديد، الذي لم يكن في الحسبان، والآن فهو المشروع العلمي الأول إذا يسر الله والتحقت بجدة وبفريق العمل بمعلمة القواعد الفقهية، فالمشروع الذي سأشتغل عليه خلال هذه المدة هو أن أقوم بما طلب مني في إطار هذه المعلمة التاريخية الكبيرة، بعد ذلك أو على هامشه اشتغل على مشروع آخر مع فريق من العلماء والباحثين في المغرب وخارجه، هو تجديد علوم أصول الفقه، وهناك إلحاح من جانب هؤلاء الزملاء بأن يستمر لهذا المشروع ولو هامش زمني خلال السنتين على أن نتفرغ له مباشرة بعد مشروع معلمة القواعد الفقهية، وعندي مشاريع علمية شخصية تتعلق بمقاصد الشريعة والبحث المقاصدي ومشروع يتعلق بمعالجة الأغلال والآصار التي أصابت الفكر الإسلامي والممارسة الدينية الإسلامية.
في سؤال أكثر حميمية، كيف هو شعور الدكتور أحمد الريسوني وأنتم ستغادرون المغرب، وهل أنتم مطمئنون لعمل الحركة الإسلامية بالمغرب؟
تجربتي تجعل تخوفي على الحركة الإسلامية منعدما، فمن خلال تجاربي المتعددة، ثبتت لدي هذه القناعة، فقد كنت مسؤولا عن الجمعية الإسلامية في القصر الكبير، ولما غادرت المدينة بدأ الإخوة يتخوفون، وبعد ذلك أصبحت الجمعية أفضل مما كانت عليه عندما كنت على رأسها، وكنت بمدينة مكناس وأسهمت في تأسيس العمل وتسييره لعدة سنوات، وحينما غادرتها إلى الرباط، قيل إن العمل سيتضعضع ويتلاشى، ولم يقع شيء إلا التحسن، وكنت في رئاسة حركة التوحيد والإصلاح، ولما استقلت من رئاستها نادى بعض الإخوة بالتخوفات والهواجس والتشاؤم ولم يقع شيء مما تخوفوا منه، والحركة تمضي راشدة كما كانت أو تزداد رشدا، هذه التخوفات لا ألقي لها بالا، وأنا أومن بالسلم المتحرك للمسؤوليات وللحياة والمواقع، لا بد أن نتعامل مع هذه السنة ولا بد من إفساح المجال، وأِمن كذلك أن بعض الوجوه والأسماء والقيادات تحجب غيرها من الطاقات والمؤهلات، فلو انزاحت قليلا أو غيرت موقعها، لتغير وبرز موقع طاقات أخرى، ويمكنها أن ترتقي وتتقدم في أدراج السلم، فمن هذه الناحية لا ينتابني أي انزعاج أو قلق أو تخوف، والذي أجده فعلا ثقيلا على نفسي هو مغادرة المغرب، لأنه كان لي
قرار قديم وهو أن لا أغادر المغرب أبدا، وأحس اليوم أنني اضطررت هذه المرة أن أستجيب، لكن لفترة محدودة.
هل هو نذر بعدم مغادرة المغرب يتطلب منكم الوفاء به؟
(ضاحكا)، ليس الأمر بهذه الصورة، ولكن فقط كنت أرى أن خروج الإنسان من بلده هو نوع من الهروب وأنا أقول كما يقول الصوفية: مقامك حيث أقامك، فالله تعالى أقامني في المغرب، وليس المغرب مستغنيا عني ولا عن غيري من ابنائه ومواطنيه، ولا أريد الذهاب إلى بلد قد أجد فيه نفسي أقل حقوقا وأقل حرية وربما أكثر مالا ووجاهة، لكن ليس هذا هو الحل، وأرى أن كثيرا من الحركات لما هاجرها وهاجر أوطانها قادتها أو بعض قادتها بكيفية فيها من التخلص من المتابعات والتضييقات، أو طلبا لبعض امتيازات، فإن ذلك يحدث آثارا سيئة، وأنا مطمئن، لأن مغادرتي كانت مغادرة شورية وبقرار شوري من الحركة وإلى أجل مسمى وفي إطار موازنات ولست وحدي من قمت بها، بل كنت واحدا من بضعة عشر شخصا تداولوا وقرروا فيها، إضافة إلى مشاورات هامشية وعائلية، لذلك فأنا مطمئن لهذا الذهاب ولهذه المخالفة ولهذا العزم الذي كان عندي، لأني اعتبرها مغادرة مؤقتة واقتضاها نظر موضوعي شوري ومؤسساتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.