ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الجيش المغربي يستفيد من التجارب الدولية في تكوين الجيل العسكري الجديد    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار شامل مع المفكر الاسلامي ورئيس حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي
نشر في التجديد يوم 01 - 02 - 2008


الشيخ راشد الغنوشي بلا منازع أحد أبرز المفكرين الاسلاميين ومن ألمع قيادات العمل الاسلامي، وتعتبر هذه الشخصية بمثابة بوصلة الحركات الاسلامية المعاصرة في فكرها وتوجهها وخطابها ومشروعها، وقد التقاه، الكاتب الصحفي والاعلامي محمد مصدق يوسفي في منفاه ومقر إقامته بالعاصمة البريطانية لندن، وأجرى معه هذه المقابلة حول مفهوم وتعاطي الإسلاميين أو حركات الاسلام السياسي مع عدد من القضايا المهمة ومنها: الديمقراطية والتعددية الحزبية ودخول العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات والبرلمانات والحكومات. وباعتباره منظر لما يعرف بـ الإسلام السياسي نظرته للتطور في فكر وخطاب التيار الإسلامي والمشروع السياسي، وإلى مراجعة وتطوير رؤية الإسلاميين للعديد من القضايا الملحة. وتقييم الأستاذ راشد الغنوشي لتجارب هذه الحركات والأحزاب الاسلامية في اليمن والأردن والمغرب وتركيا، والسودان، والجزائر...إلخ، وكلها أو بعضها مشاركة في السلطة، ودخلت العملية السياسية، والانعكاسات السلبية والايجابية لانجازاتهم أوالاخفاقات التي رافقت بعضهم على بقية الحركات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي. أيضا رأيه فيما يسمى بالمراجعات التي أعلنها عدد من الجماعات وتحت عنوانها جاءت مبادرات وقف العنف في مصر والهدنة والمصالحة في الجزائر، وما مدى شرعية تشبث بعض المسلحين بممارسة العنف والارهاب في بلاد المسلمين ومنها أعمال المرتبطين بما يسمى القاعدة. وأخيرا وليس آخرا كأحد أبرز المفكرين وقادة العمل الاسلامي المعاصر التحديات التي تواجه الحركات الاسلامية حاليا، والاولويات الرئيسية التي يجب التركيز عليها مستقبلا. وفي ما يلي نص المقابلة: ـ بداية.. كيف تتعاطون مع قضية الديمقراطية التي يرفضها بعض الإسلاميين والحركات السياسية الإسلامية بشكل مطلق ويعتبرونها مخالفة للإسلام نصاً وروحاً، بينما يراها آخرون ضرورة، والخلاف هو حول ما تعنيه في دلالتها الاجتماعية والسياسية؟ * لا تعدو الديمقراطية أن تكون آليات لتنزيل جملة مبادىء نادى بها الفكر السياسي الحديث وناضلت في سبيلها أجيال عديدة من المفكرين والاحرار من مختلف الثقافات والاثنيات. من هذه المبادىء حرية الناس في إختيار حاكمهم وتقسيم السلطة وعدم جعلها حكرا على فرد أو مؤسسة أو طبقة. الحكم الديمقراطي هو وصف للنظام السياسي الذي يقوم على إختيار الحاكم من طرف الشعب بطريقة الانتخاب الحر، السري، والمباشر وتتوزع السلطة فيه على مؤسسة تنفيذية وأخرى تشريعية وثالثة قضائية ورابعة إعلامية رقابية. إذا دققت النظر ترى أن الاسلام سبق ونادى بالمبادىء المشار إليها سالفا. فهو حض على الشورى أي عدم تركيز السلطة عند فرد واحد وحث على إختيار المسلمين لإمامهم ( خير أئمتكم الذين يدعون لكم وتدعون لهم وشر أئمتكم الذين تلعنونهم ويلعنونكم). لقد استحدث العهد الراشدي عددا من الآليات مناسبة لمجتمع محدود العدد والمشاكل، آليات لتنزيل مبدأ الشورى الاسلامي كان بمثابة سبق إسلامي وطليعة للتجربة الديمقراطية الآتية لاحقا، فكان اجتماع السقيفة لإختيار خليفة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمثابة برلمان مصغر بما تم فيه من حوار وتنافس بين ممثلي التجمعين الاساسيين: المهاجرين والانصار، أدلى فيه كل منهما بما يعزز حجته في أن يكون الخليفة من فريقه، وتواصل التشاور بين الفريقين إلى أن ترجحت حجة ممثلي جماعة المهاجرين فكان الخليفة منهم، فبويع أبوبكر من قبل هيأة الترشيح (أهل الحل والعقد)، قبل أن يعرض على البيعة العامة حيث صرح بأنه لم يولّ نفسه عليهم وإنما تم ترشيحه وأنه لا مصدر لشرعيته غير ذلك الترشيح وأن سلطة القانون (الشريعة) فوق سلطانه وأن طاعتهم له إنما هي في حدود القانون فإذا خرج عنه فلا طاعة له عليهم بل عليهم جميعا أن يكونوا حراسا للقانون. وسار الخلفاء الراشدون من بعده على نفس النهج وإن اختلفت الأشكال باختلاف الظروف. غير أن هذه التجربة الرائدة لم تتواصل ولم تترسخ ووقع الارتداد عليها زمن الامويين والعباسيين ليعود الحكم خليطا بين قيم الاسلام الشورية والميراث العربي القبلي والروح الامبراطورية السائدة في العصر. لكن الروح الشورية التي جاء بها الاسلام وإن لم تتواصل في المستوى السياسي بسبب غلبة روح العصر وثقافته الامبراطورية السلطوية فإنها قد تواصلت في المستوى الحضاري فكانت المجتمعات الاسلامية فضاءات مفتوحة لكل ضروب التعايش بين المختلفين في الدين والمذهب واللون وملجأ لكل المضطهدين والمبدعين، وبرئت حضارتنا مما حصل ويحصل في غيرها من حروب تطهير عرقي وديني. إن الآليات الديمقراطية المعاصرة جهد إنساني وخبرة بشرية ساهمت حضارتنا في صياغتها وتطويرها وليست ملكا لقوم دون قوم ولا لحضارة دون أخرى. أما أن بعض الاسلاميين يرى في الديمقراطية مخالفة للإسلام، هل تراهم يرون الاسلام داعية للإستبداد، أم تراهم ضد إختيار الأمة لحكامها، أم تراهم لا يرون المسلمين أهلا للحرية التي ينعم بها غيرهم من الأمم الاخرى، مالهم كيف يحكمون، عجبا لضحايا القمع والاستبداد وغياب الديمقراطية كيف ترتعد فرائصهم من الحرية. هل يخشون منها على الاسلام وقد كان ثورة تحررية شاملة أم يخشون على أنفسهم؟ وهل سجل التاريخ أن مسلما هُزم في مناظرة حرة؟ أوليس الاسلام اليوم أكثر الديانات انتشارا حيث تنداح الحرية وينكمش حيث يسود الاستبداد حتى أن دعاته قد ملؤوا الفضاءات الديمقراطية العلمانية هربا من بيئات إسلامية متخلفة دكتاتورية. وهل من يدفع ضريبة غياب الحرية والديمقراطية أكثر من التيار الاسلامي، تملأ به السجون وينكل بأهله ويصادر حقه في الكلمة والتعبير. والحقيقة أنه ليس هناك في التيار الإسلامي من يعتبر الديمقراطية كفرا ومخالفة للاسلام غير فئات محدودة لم يلحظ لها وجود أصلا كلما توفرت فسحة للتنافس النزيه. ولكن صوتها يعلو كلما غاب التنافس وساد الظلام. إنه على الضد من ذلك بل الامر دأب التيار العريض في الحركة الاسلامية على اتخاذ الحرية طلبهم الأعز حتى اعتبرها أكثر من مفكر إسلامي ومنهم العلامة يوسف القرضاوي مطلبا يتقدم مطلب تطبيق الشريعة، ولذلك طالب الاسلاميون بكل الحريات ومنها الانتخابات التعددية النزيهة سبيلا للحضور والتأثير والقيام بالدعوة إلى الله. الشورى والديمقراطية ـ ماهو الفرق بين الديمقراطية في الغرب وما جاء به الإسلام من مبادئ وأصول سياسية مثل الشورى والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..الخ، ووجدنا عدة تصيفات فهناك من يتمسك بالشورى، هناك من يتمسك بالديمقراطية، وهناك من يطابق بين الشورى والديمقراطية الحديثة بل سماها الشورقراطية؟. * الشورى مبدأ عام والديمقراطية وسيلة أو آلية لتنزيل هذا المبدأ، لا تناقض بين الاثنين. العبرة ليست في التسمية ولكن في المضمون. كثير من الانظمة الديمقراطية ليس لها من الديمقراطية غير الاسم وأخرى تقول أنها شورية بينها وبين الشورى الاسلامية ما بين المشرق والمغرب. ـ يرى البعض أن تعاطي الحركات الاسلامية مع قضايا الديمقراطية والتعددية والمشاركة والاختلاف هو فقط تحت ضغط التجارب الديمقراطية، ولم تصل هذه الحركات إلى حد تبنيها كخيار استراتيجي، لذلك بقيت نظرتها إليها كوسيلة للانتشار وحرية العمل، ما رأيك؟ * الانتشار وحرية العمل حق لكل مواطن مهما كان إنتماءه وليس منة من أحد. بخصوص مدى صدق الاسلاميين في تبنيهم هذا حكم على النوايا لا دليل عليه ولا بيّنة. ولقد أثبت الاسلاميون في تركيا مثلا وفي أكثر من بلد أنهم عندما توفرت لهم فرص المشاركة احترموا قوانين اللعبة كما يقال، وحتى عندما يقع الحيف عليهم غالبا ما يصبرون، فلا يتنادون إلى القتال، إلا أنهم في بعض الحالات عندما يطفّ الصاع ويتمادى العلمانيون المستظهرون بسطوة البوليس والعسكر والدعم الخارجي في سلبهم حقوقهم والدوس عيانا على صناديق الاقتراع قد ينفلت زمام شباب متحمس فيرد على العنف العلماني بمثله كما حصل في الجزائر، وفي مصر، مما يمثل انفعالا غاضبا وليس علاجا وإنما مزيد تعفين للاجواء. التجربة المتكررة أثبتت في الجزائر وفي تركيا وفي تونس وفي دول آسيا الوسطى الاسلامية وغيرها أن من مثل ولا يزال تهديدا للديمقراطية وانتهاكا يوميا سافرا لحقوق الانسان أحزاب علمانية مدعومة من قبل المراكز الكبرى المبشرة بالديمقراطية في العالم. بما يجعل الحاجة اليوم في بسط الديمقراطية في بلاد الاسلام والعروبة لا تتمثل في إقناع التيار الاسلامي بها فذاك أمره يسير فحتى بمنطق المصلحة الديمقراطية حبل النجاة بالنسبة له. العقبة الكؤود من يقنع عسكر تركيا والجزائر وبوليس تونس ومصر ومن وراءهم من الاساطيل الغربية؟ الأولويات والتحديات المستقبلية ـ كأحد أبرز المنظرين وقادة العمل الاسلامي المعاصر ماهي التحديات التي تواجه الحركات الاسلامية حاليا، والاولويات الرئيسية التي يجب التركيز عليها مستقبلا؟ * هناك تحديان رئيسان يواجهان الحركة الاسلامية المعاصرة، التحدي الأول هو شيوع فكر التشدد والتنطع حتى تحول بعضهم في حماقة متناهية الحركة إلى عصابات للقتل العشوائي والفتنة الاهلية. هذا التيار التكفيري والسطحي أصبح المبرر الأول لمزيد من التضييق على الاسلاميين ويقدم من طرف أعداء الاسلام على أنه الشاهد الأول على عجز الاسلاميين وتطرفهم وقصورهم. لا تخطىء العين أن هذه الجماعات أصبحت مجالا لإختراق أجهزة المخابرات إن لم تكن صنعت بعضها. مواجهة هذا الفكر وتدارك آثاره المدمرة جبهة أخرى لا مناص للاسلام اليوم من الانتصار فيها وحماية الاسلام ومشروعه السياسي. التحدي الثاني هو حكم الجور الذي يكاد يحول أوطاننا إلى سجون كبيرة وسجوننا إلى مسالخ آدمية مريعة. هؤلاء الحكام أصبحوا طلائع للقوى الأجنبية في محاربة ديننا وتهديد إستقلال بلادنا والحفاظ على تأخرها وتبعيتها. بل إن بعضهم أشد على الأمة والاسلام وأهله من أعدائه الصريحين، وبلغ الأمر إلى أن نزلاء سجون الظلم والتوحش في غوانتانامو ممن لم يعثر مفتشوا الدولة الأعظم المبشرة بالديمقراطية جريمة تدينهم بها بعد خمس سنوات من القمع الرهيب فقررت تسليمهم لبلدانهم رفضوا ذلك لما يعلمون مما ينتظرهم من توحش أعظم، إذ قد بلغتهم أنباء ما حل بزملاء لهم سبق تسليمهم، كما حصل في تونس حيث سلطت فنون من النكال على أؤلئك المساكين حتى حملوا على الأعواد إلى المحاكم لتصدر عليهم أحكاما تمتد لعشرات من السجين وهو ما حمل قاضية أمريكية على إصدار حكم بمنع تسليم أؤلئك السجناء إلى حكومة بلادهم تونس استجابة لطلبهم. المشروع الاسلامي وبإعتباره المعبر عن طموح الأمة في الحرية والاستقلال والتوحد لا سبيل له غير أن يكون طليعة الأمة في دفع هذين الشرين. هذه معركة متزامنة لا أسبقية لجبهة على أخرى لأن التحديين يخدم أحدهما الآخر ويتناسلان من بعضهما والله غالب على أمره ولكن الناس لا يعلمون. و لله الامر من قبل ومن بعد . الاسلام هو الحل ـ بما تردون على الشكوك التي تلوح في الافق كل مرة، بأن الاسلاميين في أي مكان يريدون تحويل بلدانهم إلى دول إسلامية، وأن برنامجهم الحقيقي هو تطبيق الشريعة تحت شعار الاسلام هو الحل ؟ * لا يحتاج الاسلاميون للقيام بانقلابات على الدول القائمة لتحويلها دولا إسلامية فهي دول إسلامية سواء أكان من جهة أن غالبية سكانها مسلمون، أم كان من جهة دساتيرها فكلها تقريبا تنص على أنها دول ليست علمانية معادية للاسلام أو محايدة إزاءه، بل لها دين هو الاسلام وقد تشرح ذلك بأن الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد أو الرئيسي للتشريع وهو شرح مترتب على أصل الاعتراف بأن للدولة دينا هو الاسلام، وإذن فما يحتاج الاسلاميون إلا لتفعيل هذه الحقيقة حتى تمتد آثار هذا الجذع في كل فروع هذه الدولة ولا تظل مجرد شعار خاو وضربا من النفاق. وأذكر أن هذا الأصل العظيم المحدد للاسلام هوية للدولة كان محل إجماع من قبل أول مجلس تأسيسي جمع ممثلي شعب تونس وهي تستشرف استقلالها عن الاحتلال، وهو ما يجعل الاسلاميين لائذين بركن عظيم من الشرعية الدستورية. والاسلام باعتباره المصدر الاعلى الذي ينبغي أن تهتدي به كل سياسات الدولة لئن لم تكن له كنيسة تحتكر النطق باسمه بل ترك الامر للامة عبر علمائها ومفكريها وأهل الرأي فيها ممثلي قواها الشعبية حق الاجتهاد في تنزيل أحكامه على الوقائع المتبدلة، فإنه ليس من السيولة والهلامية ما يجعله قابلا لكل صورة ويتلون بلون الوعاء الذي يوضع فيه بضرب من السريالية، كلا بل هو يتوفر على قاعدة صلبة من الثوابت تحدد وتوجه مجالات الاجتهاد، فإن من آي الكتاب المتشابه ومنها المحكم آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . تجارب الاسلاميين وانعكاساتها ـ كيف تقيمون تجارب الحركات والأحزاب الاسلامية في اليمن والأردن والمغرب وتركيا، والسودان، والجزائر...إلخ، وكلها أو بعضها مشاركة في السلطة، ودخلت العملية السياسية، وماهي الانعكاسات السلبية والايجابية لانجازاتهم أوالاخفاقات التي رافقت بعضهم على بقية الحركات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي؟ * الاسلاميون هم القوة الشعبية الأولى في المنطقة العربية، تعطي مشاركتهم مصداقية لأي إنتخابات وغيابهم يجعلها محل شك ويفرغ العملية السياسية من محتواها. أي نجاح إنتخابي يحققه الاسلاميون هو مسؤولية وأمانة وأي فشل أو تراجع هو درس وعظة وفي الحالتين إبتلاء من الله وإختبار. فكر وخطاب التيار الإسلامي ـ كيف تجد تطور موقف وخطاب تيار ما يعرف بـ الإسلام السياسي .. التطور في فكر وخطاب التيار الإسلامي والمشروع السياسي، وإلى مراجعة وتطوير رؤية الإسلاميين للعديد من القضايا الملحة؟ * مواقف التيار الاسلامي تتطور تباعا لتطور حالة الامة، عدل الاسلاميون من مواقفهم وإرتقوا بخطابهم حتى غدوا معبرين صادقين عن حاجة الشارع العربي الاسلامي وهمومه وتطلعاته، ليس صدفة أن يكونوا الأكثر أنصارا والأكثر حضورا لأنهم الأكثر تعبيرا عن مطلب الهوية ومطلب الحرية السياسية والعدل الاجتماعي وبذل الدماء والأموال الأسخى في الذب عن الحمى وتطهير الغزاة منها. وعلى المستوى السلوكي الاسلاميون هم الأمل في استعادة الاخلاق إلى سياسات تمحضت للكذب والانتهاز وعودة العفة والامانة والصلاح إلى حياة إجتماعية وأسرية انفلت منها الزمام بأثر تفاقم وتائر العلمنة والعولمة، وذلك مقارنة ـ خاصة ـ بفساد دوائر السلطة والقريبين منها. العنف والارهاب ـ في ذات السياق ما رأيك فيما يسمى بالمراجعات التي أعلنها عدد من الجماعات وتحت عنوانها جاءت مبادرات وقف العنف في مصر والهدنة والمصالحة في الجزائر، ومن الجهة الأخرى ما مدى شرعية تشبث بعض المسلحين بممارسة العنف والارهاب في بلاد المسلمين ومنها أعمال المرتبطين بما يسمى القاعدة؟ * العنف في المنطقة يتغذى أولا من الحيف الاجتماعي حيث يتجاور الثراء والبطر والاستهلاك التظاهري لدى شريحة محدودة من الطبقة الجديدة المعششة في مزبلة الحكم بما حوله إلى عصابة مافيا، يتجاور مع أحياء الصفيح وأحزمة البؤس المحيطة بمدننا بل بأحياء فيها معزولة عن باقي المدينة لها أسواقها وملاهيهها وأساليب عيشها وحتى مساجدها، بما يجعلها بمثابة المستوطنات المحاطة بالاسلاك الشائكة وبجيوش القمع. لا عجب أن يكون حي مؤمن (المغرب)، ومثله في كل دول المنطقة محاضن الشباب اليائس ووقودا للقاعدة، ويتغذى ثانيا من حالة الانسداد السياسي والتزييف الكامل للحياة السياسية (تونس مثلا) أو شبهه (الجزائر، مصر...) ويتغذى ثالثا من الحرب الدولية التي تشن على الاسلام وأمته ومؤسساته ورموزه ولا تجد من الدول القائمة من يحرك ساكنا أو يرد لامسا بل لا تجد غير المستقيل من شأن الأمة في فلسطين أو العراق.. بل المتواطئ مع الأعداء متمعشا مما يسميه الحرب على الارهاب، ويتغذى رابعا من مكائد أجهزة الاستخبارات الحريصة جدا على استمرار قدر من الارهاب حتى تظل الدولة كلها رهينة لها وسلطات البوليس أو العسكر مطلقة، ويتغذى خامسا مما يروج من تأويلات للاسلام شاذة تخلط بين المعنى الحقيقي لجهاد أداة لدفع الصائلين على دار الاسلام، وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وبين تأويلات شاذة تجعل من الجهاد نقيضا للحرية، حرية الاعتقاد والتعبير عنه والدعوة إليه بما يقتضي الاعتراف بالتعدد سنة كونية واجتماعية أكد عليها القرآن وأبدى وأعاد في تأكيدها انطلاقا من مبدأ لا إكراه في الدين، مما يتناقض مع كل محاولة لجعل الناس أمة واحدة بلا اختلاف ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ، هود. التعددية سنة كونية وليس من واحد أحد إلا الذي في السماء سبحانه ولم يسمح لأحد أو مؤسسة النطق بإسمه بعد ختم النبوة وإنما الحجة والرأي والمشورة والبحث عبر ذلك عن المشترك عن الاجماع. وهو ما يجعل تشكيل من قبيل الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والنصارى تعبيرا صارخا عن الجهل بالاسلام إذ يقاتل الناس في الاسلام ليس لاعتقادهم أيا كان بل لدفع عدوانهم. المرأة والعمل العام ـ كيف ترى موضوع الاعتراف بحق المرأة في العمل والمشاركة في الحياة العامة وأن تحتل مختلف المناصب؟ * الاصل في نظرة الاسلام إلى الجنسين المساواة، والتفاضل ليس بالجنس ولا باللون وإنما بالتقوى والعمل الصالح والكفاءة. ولا يخل بمبدأ المساواة توزيع الأدوار وتكاملها. وإنما الحضارة الحديثة هي التي استحدثت بنظرتها المادية للانسان خللا بين الأدوار فجعلت للانتاج الاقتصادي المكانة والميزان الأرفع وحطت من الأدوار الأخرى مثل الرعاية الاجتماعية رعاية البيت والطفولة في حين اعترف الاسلام بكل الأدوار وكرم القائمين بها ما أتقنوا عملهم وأخلصوا حتى جعل الجنة تحت أقدام الامهات. والأمر هنا لا يعني أكثر من توزيع الأدوار وتكاملها بحسب المؤهلات الطبيعية، بمعنى الاعتراف بترتيب لادى المرأة ولادوار وأولويتها، فليست التربية والأمومة قصرا على المرأة ولا الانتاج الاقتصادي ورعاية الشؤون العامة كالعمل السياسي والجهاد قصرا على الرجل، وإنما هي الاولويات كل ذلك متاح للكل على ألا يحيف على سلم الأولويات. وإنما فشا الخلل في الحضارة المعاصرة بسبب إيلاء دور الانتاج الاقتصادي القيمة العليا والمعيار الأعظم فانهارت الأسرة حتى بدأ الحديث عن اتجاه أمم إلى الانقراض، وأعجب ما في الامر أن مجتمعا اسلاميا حديثا مثل تونس بدأ خبراء السكان فيه والصحافة يتحدثون عن اتجاهه صوب الشيخوخة بسبب دفع قادته المنبهرين بالغرب، دفعه دفعا للانخراط الفج في تجربة تحديثية متشنجة مبتسرة كان من مفرداتها الاساسية حرية المرأة، وهي من قبيل كلمات الحق التي أريد بها الباطل أي التمرد على قيم الاسلام قيم الأسرة والعفة والقناعة لصالح قيم الاستهلاك والأنانية والتمركز حول الفرد ولذاته ومكانته بما جعل الأسرة مسرحا صراع انتهى بالسير قدما صوب الاستغناء عنها والتفصي من أعبائها . المشكل إذن ليس في مشاركة المرأة في كل مجالات الشأن العام سياسة واقتصادا واجتماعا وإنما بأي خلفية وفي أي أفق؟

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.