تفكيك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بمدينتي تزنيت وسيدي سليمان    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    البسيج يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش"    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    نقيب المحامين بالرباط يتحدث عن المهنة وعن المشاركة في المعرض الدولي للكتاب    موعد لقاء الرجاء الرياضي والنهضة البركانية    الدورة الثالثة للمشاورات السياسية المغربية البرازيلية: تطابق تام في وجهات النظر بين البلدين    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    الشيلي والمغرب يوقعان اتفاقية للتعاون في مجال التراث الوثائقي    المغرب يستعيد من الشيلي 117 قطعة أحفورية يعود تاريخها إلى 400 مليون سنة    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    إسطنبول.. اعتقال أمين متحف أمريكي بتهمة تهريب عينات مهمة من العقارب والعناكب    عجز الميزانية المغربية يفوق 1,18 مليار درهم عند متم أبريل    الإعلان عن موعد مقابلتين للمنتخب المغربي برسم التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    العثور على باندا عملاقة نادرة في شمال غرب الصين    بنموسى يكشف العقوبات ضد الأساتذة الموقوفين    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    كيف بدأت حملة "مقاطعة المشاهير" التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي؟    اتفاقية مع "عملاق أمريكي" لتشغيل 1000 مهندس وباحث دكتوراه مغربي    بنموسى يعلن قرب إطلاق منصة رقمية لتعلم الأمازيغية عن بعد    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    مخرج مصري يتسبب في فوضى بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    الصحافة الإسبانية تتغنى بموهبة إبراهيم دياز    ميراوي محذرا طلبة الطب: سيناريو 2019 لن يتكرر.. وإذا استمرت المقاطعة سنعتمد حلولا بخسائر فادحة    انقلاب سيارة يخلف إصابات على طريق بني بوعياش في الحسيمة    القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي    وزير التربية متمسك بالمضي في "تطبيق القانون" بحق الأساتذة الموقوفين    الأمثال العامية بتطوان... (597)    جائزة أحسن لاعب إفريقي في "الليغ 1" تعاكس المغاربة    تنظيم الدورة ال23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية التقليدية "التبوريدة"    اليابان عازمة على مواصلة العمل من أجل تعاون "أوثق" مع المغرب    الجمعية المهنية تكشف عدد مبيعات الإسمنت خلال أبريل    النيابة العامة التونسية تمدد التحفظ على إعلاميَين بارزَين والمحامون يضربون    أمن ميناء طنجة يحبط تهريب الآلاف من الأقراص الطبية    المركز الثقافي بتطوان يستضيف عرض مسرحية "أنا مرا"    الاتحاد الأوروبي يرضخ لمطالب المزارعين ويقر تعديلات على السياسة الفلاحية المشتركة    أضواء قطبية ساحرة تلون السماء لليوم الثالث بعد عاصفة شمسية تضرب الأرض    أوكرانيا تقر بالنجاح التكتيكي لروسيا    المندوبية العامة لإدارة السجون تنفي وجود تجاوزات بالسجن المحلي "تولال 2" بمكناس    طقس الثلاثاء.. عودة التساقطات المطرية بعدد من الأقاليم    شح الوقود يهدد خدمات الصحة بغزة    الطلب والدولار يخفضان أسعار النفط    الزمالك يشهر ورقة المعاملة بالمثل في وجه بركان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الارتفاع يطبع تداولات بورصة الدار البيضاء    الدرس الكبير    مصر على أبواب خطر داهم..    الأساطير التي نحيا بها    فيلم الحساب يتوج بالجائزة الكبرى في برنامج Ciné Café    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى ذ. محمد الساسي: بين التنصير والحرية.. أي علاقة؟ - بقلم ابراهيم بوغضن
نشر في التجديد يوم 03 - 05 - 2008


(1) في الأسبوع الماضي أخذت الحافلة التي أقلتني من الرباط في اتجاه المدينة التي أقطن بها، لفت انتباهي راكب واحد ـ في الثلاثينيات من عمره ـ جمع بين اللباس المغربي التقليدي واللحية الخفيفة المهذبة لكن بملامح غربية ظاهرة ، وفي حالة من الانهماك الشديد في مطالعة أحد الكتب حتى إنه بعد إطفاء أضواء الحافلة استعان بمصباح يدوي لمتابعة القراءة، سألته بأدب إن كان بالإمكان أن أطلع على مؤلف وضعه بجانبه، لم يتردد في تسليمي الكتاب الذي حوى حكم ابن عطاء الله السكندري مترجمة إلى اللغة الفرنسية، وليظهر بعد حديث قصير أنه فرنسي اعتنق الإسلام منذ سنتين ونيف، وملم بكثير من أمهات كتب الفكر الإسلامي ومتابعا لكتابات المفكرين الغربيين الكبار مثل طارق رمضان، رجاء كارودي، موريس بوكاي، في معرض حديثنا أبدى أسفه خ في نوع من الاعتذار- على ما تشهده فرنسا في السنين الأخيرة من تطورات متلاحقة لجهة التضييق على حرية الفكر والتعبير والرأي و التدين، واستدل في هذا المقام بالقانون الفرنسي الذي يمنع الطالبات المسلمات المحجبات من ولوج المدارس الفرنسية، رغم مخالفة ذلك للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللاتفاقية الدولية بشان الحقوق المدنية والسياسية لخص كلامه قائلا : فرنسا - والغرب عموما - تشهد محاولة إعادة تعريف مفهوم العلمانية و مفاهيم حقوق الإنسان لمواجهة المد الإسلامي الذي ينتشر بقوته الذاتية. (2) بعد يومين من التقائي مع هذا الفرنسي المسلم سالف الذكر نشر الأستاذ محمد الساسي مقالا بجريدة المساء ( عدد 496 في 23/04/08) بعنوان :حوار بين مغربية مسلمة ويابانية بوذية. بنى مقاله على فكرتين جوهريتين في نظري: أولهما أولوية المرجعية الكونية لحقوق الإنسان على ما دونها من المرجعيات ، ومن هذا المنطلق كتب بأننا عندما نختار أسلوب العقاب في حق المنصر و المتنصر ومنع أي نشاط دعائي لديانة أخرى على أرضنا، ونعتبر ذلك النشاط اعتداء علينا، فإننا نضع أنفسنا مباشرة في تناقض مع شعار المشروع الديموقراطي الحداثي الذي يرفع رسميا، ومع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ومع أساس المعاملة بالمثل الذي تبنى عليه العلاقات بين المجتمعات المتحضرة، واحترام كافة الأديان وكفالة فرص متكافئة لكل منها . ثانيهما : أن الديانة الإسلامية تستفيد من حق التعريف بها والدعوة إليها في البلدان الإسلامية وفي البلدان غير الإسلامية عموما بينما الديانات الأخرى ليس لها حق الدعاية لنفسها في الكثير من البلدان الإسلامية ، واعتبر ذ. الساسي بأن من الشذوذ أن نلجأ في المواجهة (يقصد مواجهة حركات التنصير) إلى اعتبار تلك الحركات خارج القانون والشرعية، وإحالة المشاركين فيها على المحاكم والسجون وتشغيل آلة الحظر والزجر . وهي نقط تستلزم عددا من الملاحظات: ليس صحيحا بأن حرية التنصير غير متاحة في كل البلدان الإسلامية، بل العكس هو الواقع تماما، فمعظم الدول الإسلامية الكبرى جغرافيا وديموغرافيا (مثل اندونيسا، نيجيريا، بنجلاديش ،...) تتعرض لنشاط تنصيري شرس وعلني، وبما أن ذ محمد الساسي يحيل على الأرقام كثيرا فليسمح لي بأن أن أقدم له هذه المعطيات الرقمية حول حجم التنصير باندونيسيا وحدها.تؤكد الوثائق المنشورة بأنه في سنة 1975 فقط يتواجد بالتراب الاندونيسي 17569كنيسة كاثوليكية وبروتستانتية بنيت أساسا في الأحياء الإسلامية و 13897منصر متفرغ إضافة إلى 6527 قس كاثوليكي وبروتستانتي علاوة على 27 مطارا وطائرات و سفن عديدة ،كل هذا وضع رهن إشارة البعثات التنصيرية حتى عبر أحد الكتاب عن هذا الوضع بقوله: في إندونيسيا يزرعون الكنائس كما يزرعون الأشجار. كان هذا قبل ثلاثين عاما أما اليوم فيعلم الله وحده حجم ذلك المخطط الرهيب الذي كان من نتائجه المباشرة انفصال تيمور الشرقية عن اندونيسيا بدعم مباشر من القوى الغربية وبضغط من الكنائس العالمية.ألا يرى معي ذ. الساسي أن هذه الإمكانيات التنصيرية تفوق في حجمها وضخامتها إمكانيات دولة صغيرة مثل المغرب ؟ في بلد عربي صغير جدا وهو الكويت شيدت 35 كنيسة مع العلم أنه لا يوجد كويتي مسيحي واحد بل هناك فقط مسيحيون حصلوا على الجنسية الكويتية وعددهم 192 شخصا. تصورا معي : 192 مسيحي شيدت لهم 35 كنيسة بمعدل كنيسة لكل خمسة أفراد. بعد أن استعرض د. فهد النفيسي هذه الحقائق تساءل بحق : لماذا هذه الكنائس منتشرة مثل الزعتر البري في الكويت؟ إنها وسائل للتدخل، فهذه ليست أماكن للعبادة كما يراها الأمريكان. هذا يعني وجود غرض سياسي وليس دينيا. ( في مقال له بعنوان : أي مستقبل للامة في زمن الاحتكارات). (3) إن مفاهيم حقوق الإنسان العالمية ومنها حرية التدين هي مفاهيم مركبة ولا يمكن فصل بعضها عن البعض الآخر، ومن ذلك أن ممارسة الحقوق تخضع للقوانين المتفق عليها من قبل المجتمع، وذلك صيانة للنظام العام، وفي الحديث الذي دار بيني وبين الفرنسي الذي اعتنق الإسلام نبهني إلى فكرة هامة ـ أشرت إليها أعلاه ـ وهي أن الغرب يشهد محاولة إعادة تعريف مفهوم العلمانية و مفاهيم حقوق الإنسان لمواجهة المد الإسلامي تحت ذريعة حماية النظام العام أو المصلحة العليا للمجتمع. وتحت هذا العنوان (حماية النظام العام) صادق البرلمان الفرنسي سنة 2001 على قانون ابوت-بيكار الذي يحظر نشاط الفرق الدينية الصغيرة.ولقد كان هذا القانون موضوع انتقاد من قبل تقرير الحرية الدينية الأمريكي لسنة 5002 . قائمة مثل هذا التشريع لا حصر لها نجد على سبيل الإشارة: قانون منع معاداة السامية، قانون منع التشكيك في عدد ضحايا الهولوكست، قانون حظر مناقشة وقوع إبادة الارمن على يد الأتراك ، قانون منع الفتيات المحجبات من ارتياد المدارس ، قانون منع المسلم من تسجيل زواجه بأكثر من زوجة في نفس الوقت الذي يسمح فيه المشرع الفرنسي بإقامة علاقات جنسية بين رجل وعشرات النساء أو بين الرجال بعضهم البعض أو بين النساء بعضهن البعض ... مالنا نذهب بعيدا ألم يعلن الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان رفضه انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لأن هذا الأخير يعتبر ناديا للمسيحية وتركيا لأنها دولة إسلامية لا مكان لها فيه؟.ثم ألم يصرح جورج بوش عقب أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 بأن حملته على الإرهاب هي حملة صليبية جديدة ؟ الفكرة التي أود إيصالها هي أن كل دول العالم خ بما فيها الدول العريقة في الديموقراطية وحقوق الإنسان خ تشرع من القوانين ما به تقيد الحريات الفردية التي تصادم المصالح العليا لشعوبها.لقد كان الدكتور يوسف القرضاوي في رسالته الشهيرة إلى جاك شيراك سنة 2003 أكثر حداثة و انفتاحا حين قال : إن منع المسلمات من الحجاب يعارض مبدأ المساواة التي نادت به الثورة الفرنسية وأقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان لأن معنى هذا القرار (يقصد حظر الحجاب) هو اضطهاد المتدينة والتضييق عليها وحرمانها من حقوقها من التعلم أو التوظف والتوسعة على غير المسلمة وغير المتدينة من المسلمات. (4) كل دارس لتاريخ الأديان يعرف بأن الديانات التي لها منزع عالمي تبشيري هي محدودة جدا و قد لا تتعدى الديانة الإسلامية والديانة المسيحية ( البوذية إلى جانب اليهودية تصنف ضمن الديانات الانطوائية). غير أن الحقيقة التاريخية تقول بأن التنصير جاء في ركاب الغزاة وليس تعبيرا عن صحوة ايمانية نصرانية في المجتمعات الغربية.... بل قد كان الأمر على العكس من ذلك تماما... تصعد نشاطها لتنصير المسلمين الذين يشهدون يقظة إسلامية تزيد من التزامهم بحدود الدين وأخلاقيات الإيمان... إن الكنيسة الغربية تصعد من نشاط التنصير بين المسلمين لا خدمة للدين ـ مطلق الدين ـ ... والتدين ـ مطلق التدين ... وإنما خدمة لهيمنة الحضارة الغربية العلمانية كما جاء في كتاب استراتيجية التنصير في العالم الإسلامي محمد عمارة، ومن هنا إذا كان الأستاذ السياسي ـ بصفته يساريا ملتزما ـ يقاوم العولمة المتوحشة والهيمنة الإمبريالية على شعوب العالم فإن التنصير هو من أخطر وسائل تلك الهيمنة على مجتمعاتنا. إن ترك المجال لدعاة التنصير بدعوة حرية التدين يقتضي تحليلا علميا موضوعيا لاستجلاء كل أبعاده الحالية و تداعياته المحتملة على النسيج الثقافي والاجتماعي لوطننا في سياق دولي يتسم بالرغبة الغربية الجارفة في الهيمنة على شعوبنا وفي واقع مجتمعي يتسم بالانغراس الشديد للثقافة الإسلامية فيه وبالالتحام القوي بالإسلام الذي صاغ هويتنا الوطنية، وبنى ضميرنا الجمعي، ونسج علاقاتنا الاجتماعية، ووجه مسارنا التاريخي والحضاري.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.