وجه المعتقلون السياسيون الستة في ملف ما يسمى بـبلعيرج رسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما، يطالبونه بترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعميم فوائد التنمية ومنافعها من أجل وضع حد لكل خطر يهدد الأمن العالمي. ودعا المعتقلون السياسيون الستة الرئيس الأمريكي الجديد إلى إحداث ثورة ثقافية وإعادة الاعتبار والأولوية لمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا التنمية في جدول الأعمال الدولي، مطالبين بمراجعة وتصحيح السياسة الأمريكية في العالم العربي والإسلامي والعمل على تعاقد مالي عالمي جديد مبني على الشفافية والتقنين ومراجعة وتصحيح السياسة الأمريكية في البيئة، وإلى إصلاح الأممالمتحدة وإعادة الاعتبار لها وتفعيل دورها في تدبير النزاعات الدولية. وفيما يلي نص الرسالة: السيد بارك أوباما المحترم رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية المنتخب بتاريخ 4 نونبر ,2008 اختاركم الشعب الأمريكي رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، وكان فوزكم تاريخيا من حيث نسبة المشاركة، ومن حيث الفارق مع منافسكم الجمهوري. لقد انتخبتم وتم منحكم أغلبية ساحقة في تعبير شعبي أمريكي على ما تمثلونه من أمل في التغبير. وبهذا التتويج، أصبحتم تتحملون مسؤولية كبيرة هي بحجم التحديات المطروحة أمامكم على مستوى بلدكم وعلى مستوى العالم. السيد الرئيس: بمناسبة انتخابكم رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، آثرنا نحن مجموعة من المعتقلين السياسيين بالمغرب ومن القارة الأفريقية، أن نراسلكم مقدرين لكم ما عرف عنكم من حسن الاستماع والإنصات حتى لمن خالفكم الرأي، وآملين في نفس الآن أن نتمكن من الحصول على رد من جانبكم حول مضمون هذه المراسلة. ربما قد تستغربون، بل لربما قد تتساءلون: لماذا حرصنا على مراسلتكم؟، والجواب: أولا، لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية فاعل أساسي ومؤثر على الساحة الدولية، وسياساتها إما أن تكون صالحة وعادلة فيستفيد العالم وشعوبه منها، وإما أن تكون فاسدة وظالمة فيتضرر العالم وشعوبه منها، وبالتالي فنحن معنيون بسياساتكم: إنها تؤثر فينا كما تؤثر فيكم، ويهمنا بالنتيجة أن تكون سياسات صالحة وعادلة لأنها ستختصر المسافات أمام العالم لتحقيق الاستقرار والأمن والعدالة والرخاء والسلام. وثانيا، لأنكم اخترتم شعارنريد التغيير شعارا لحملتكم الانتخابية، وإننا نقدر أنكم، بهذا الاختيار، قد عبرتم بدقة عن انتظارات شعبكم وتطلعات شعوب العالم. إن اختياركم شعار التعيير كعنوان لمشروعكم السياسي يحمل دلالات ومعاني عميقة: إنه يبين، من جهة أولى، إدراككم للحصيلة الثقيلة التي تقفون أمامها بسبب النهج السياسي الذي سار عليه سلفكم. كما أنه يعكس، من جهة ثانية، إرادتكم التصحيحية، وهذا الإدراك وتلك الإرادة كانا يقفان وراء إصرارنا على مراسلتكم ولو من وراء القضبان. السيد الرئيس: بسبب المسار السياسي والأمني والعسكري الذي سار عليه سلفكم الرئيس بوش، أنتم اليوم ترثون إرثا ثقيلا جدا، تركة سلبية ثقيلة داخلية لبلدكم في المجالات المالية والصحية والطاقية وغيرها، أزمة مالية عالمية حادة، شرق أوسط مشتعل، شلال دم في العراق وأفغانستان، كراهية متصاعدة لسياسات الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى في دول الاتحاد الأوروبي حليفكم التاريخي والاستراتيجي، مخاطر متنامية ومتعاظمة تهدد البيئة العالمية، والأسوأ من كل هذا وذاك هو تراجع الاهتمام العالمي بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا التنمية. والحال أن ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعميم فوائد التنمية ومنافعها هو الحصانة الحقيقية ضد كل خطر يهدد الأمن العالمي. هذه بعض الملامح الرئيسية للحصيلة التي ترثونها من سلفكم، وملخصها؛ عالم بدون أمن وبلا رخاء، عالم تتزايد فيه المخاطر مع مرور كل يوم وهو ما يستوجب تحركا سريعا لتصحيح الاختلالات. نعم، إنكم ترثون حصيلة الاختيارات الإيديولوجية والإستراتيجية لسلفكم والمتمثلة في تبني مقولات صدام الحضارات والفوضى الخلاقة والحرب الوقائية ومن ليس معنا فهو ضدنا وغيرها من المقولات. وهي الاختيارات التي ترجمت على الأرض دماء ودموعا وفقرا وخوفا وكراهية وأزمات اقتصادية وتنموية. السيد الرئيس: من أجل هذا الفجر الجديد، نتقدم إليكم بانتظاراتنا وتطلعاتنا: أولا ـ إحداث ثورة ثقافية: إن أحد أركان التغيير المطلوب، إن لم نقل شرط إمكانية تحققه ونجاحه، هو مراجعة المرجعية الإيديولوجية التي أطرت نهج سلفكم. فنحن نعيش في عالم متعدد الثقافات والحضارات، والمطلوب هو انفتاح هذه الحضارات والثقافات على بعضها البعض والتعارف والتحاور وتبادل المنافع والمصالح والخبرات فيما بينها. وهكذا نؤسس لعلاقة سليمة بينها ونضع أسس الحوار بين الحضارات بدل تصادمها، ونحقق التكامل بينها بدل تضادها وتنازعها. وهذا يفترض تغيير الرؤية الأمريكية القائمة على تفضيل القيم الأمريكية في النظر إلى الحضارات الأخرى، فالأفضلية تقاس بميزان الحق لا بميزان القوة. إن القيم الكونية هي التي تنتج عن عملية المزج بين الحضارات والثقافات وهي ناتج التلاقح الإيجابي بينها، وهذا ما يعطي القيم الكونية. ومن هنا دعوتنا إليكم إلى بناء جسر متين بين الحضارات والثقافات، وهذا هو مبتدأ التغيير بنظرنا. إن المطلوب أن نرى في الآخر مكملا لنا، لا أن نراه إما شرا أو عدوا أو مجرد تابع مطيع لا رأي له. إن المطلوب، أيضا، هو البحث عن جوانب الإيجاب في الحضارات والثقافات الأخرى والعمل على تقويتها بدل تضخيم جوانب السوء الصادرة عن أقلية عند الآخرين. وفي كلمة، إن المطلوب اليوم هو الإعلاء من شأن حوار الحضارات والثقافات. ثانيا ـ إعادة الاعتبار والأولوية لمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا التنمية في جدول الأعمال الدولي: السيد الرئيس: لقد أعطى سلفكم الأولوية للحرب على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحديات التنمية والفقر، وبدون سعي جدي لحل القضايا الدولية الشائكة، وتحت عناوين الحرب الوقائية والضربات الاستباقية وأطروحة المحاور محور الخير في مقابل محور الشر وغيرها، فتح سلفكم الرئيس بوش الباب على مصراعيه أمام التضييق على الحريات في العالم، فتزايدت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولم تسلم حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها من ذلك. نعم، إنه من حق الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تدفع على أمن مواطنيها، ولكن الدفاع عن الأمن لا يكون بشن الحروب وانتهاك الحقوق والحريات، بل بتدابير سياسية جدية ومسؤولة أولا وابتداء. إننا نقدر أن الحصانة الحقيقية للأمن العالمي تتمثل بنظرنا في ثلاثة عناصر: أولها، بترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وثانيها، بإيجاد حل عادل ودائم وشامل لبؤر التوثر العالمي وفي مقدمتها تسوية القضية الفلسطينية، وثالثها، بتعميم فوائد ومنافع التنمية من أجل الحد من الفقر والتهميش والهشاشة. وإننا لن نعتقد صادقين أن ترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وصيانة الحريات وإعادة الاعتبار والاهتمام بقضايا التنمية هي طريق سيار وآمن نحو استعادة الأمن. وإننا لنأمل أن تضعوا سياسات حقيقة تعيد الاعتبار والاهتمام والأولوية للديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة في العالم. ثالثا ـ مراجعة وتصحيح السياسة الأمريكية في العالم العربي والإسلامي: السيد الرئيس: لقد تابعت الشعوب العربية والإسلامية انتخابات 4 نونبر 2008 ويدها على قلبها، ولربما كانت أكثر الشعوب تطلعا إلى انتخاب رئيس جديد يغير وجه العالم بعد الذي أصابه بفعل سياسات سلفكم الخاطئة والظالمة لأنهم، بكل بساطة، هم أكثر من ضاق طعم تلك السياسات وتذوق مرارتها دماء ودموعا وضياعا وتشريدا وفقرا وحرمانا. السيد الرئيس: اسمحوا لنا في بداية هذا المحور أن نبدأ من منطقة المغرب العربي باعتبارنا مغاربة. لقد دام النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية لأكثر من ثلاث عقود دون أن يجد طريقه إلى الحل مما يعرقل جهود التكامل الإقليمي لما فيه المصلحة والمنفعة المغاربية ، ومن هنا، فإننا نعتبر حل هذا النزاع وإنهاءه أحد الاختبارات الحقيقية لسياسياتكم الخارجية، وحيث إن المنتظم الدولي قد انتهى به المطاف، بعد فشل العديد من مخططاته للتسوية، إلى إقرار مبدأ الحل السياسي المتفاوض حوله، فقد تفاعل المغرب إيجابيا مع هذا التوجه الأممي وبادر إلى طرح تسوية سياسية حضارية تمتع أهلنا في الصحراء المغربية من حكم ذاتي موسع، وفي نفس الآن، تصون السيادة المغربية على أرضه. السيد الرئيس: لقد لاقت مبادرة السياسة المغربية ترحيبا دوليا، وحتى أمريكيا، باعتبارها تمثل أرضية سياسية صالحة لتسوية نهائية عادلة ودائمة لهذا النزاع المفتعل في الصحراء المغربية. وعليه، فإننا نأمل منكم أن تترجموا هذا الارتياح الدولي والأمريكي إلى سياسة فعلية تسهم في التعجيل بالحل النهائي العادل والدائم لهذا النزاع المفتعل لما فيه مصلحة المنطقة المغاربية وشعوبها جمعاء. وإن الولاياتالمتحدةالأمريكية، بما تملك من إمكانات سياسية ودبلوماسية، لقادرة على الدفع بحل سياسي نهائي عادل ودائم على قاعدة المبادرة السياسية المغربية (مشروع الحكم الذاتي الموسع). السيد الرئيس: لم تعرف القضية الفلسطينية أي تحسن في عهد سلفكم الرئيس بوش، بل ازدادت معاناة الشعب الفلسطيني وازداد شهداؤه وجرحاه ومنفيوه ومبعدوه وأسراه. لقد تبنى سلفكم مقولة الفوضى الخلاقة وأطلق العنان للاحتلال الإسرائيلي ليقتل ويجرح ويعتقل ويشرد ويبعد دون حسيب ولا رقيب، بل واستعمل الفيتو الأمريكي ضد كل قرار دولي يدين اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الأعزل. والأخطر من هذا وذاك أن سلفكم قام بخلط فظيع بين الإرهاب وبين المقاومة التي تعتبر حقا مشروعا كفلته الشرائع السماوية والوضعية للشعوب في مواجهات الاحتلال، وبهذا برر عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل المستمر على الشعب الفلسطيني وأعطى غطاء سياسيا للعدوان، وهي سياسة ظالمة بامتياز. السيد الرئيس: نحن لا نطالبكم بتعيير صداقاتكم أو علاقاتكم الدولية، فذلك شأن يعنيكم كدولة ذات سيادة؛ ولكن نطالبكم بإنصاف الشعب الفلسطيني. إن سلفكم الرئيس بوش لم يكن منحازا للاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل كان شريكا له في مختلف أعماله الحربية العدوانية على الشعب الفلسطيني الأعزل. كونوا على يقين، السيد الرئيس، أن احد مفاتيح الأمن والسلام في العالم هو إيجاد حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية، والحل العادل والدائم والشامل هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهذا هو إنصاف الشعب الفلسطيني، وهذا الإنصاف هو السياسة الصحيحة المنتظرة في فلسطين، وهو ما نتمنى أن تقوموا به. السيد الرئيس: كاد العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006 ، وبدعم ومباركة إدارة سلفكم الرئيس بوش، أن يدخل منطقة الشرق الأوسط في أوزار حرب لا تبقي ولا تذر، دفع ضريبتها شعب لبنان من دماء شيوخه ونسائه وأطفاله ليصون استقلاله وسيادته. وعليه، فإن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في الجولان السوري كما في مزارع شبعا اللبنانية سيظل من العوامل الرئيسية في تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة. وهنا، فإننا نراهن على دور سياسي أمريكي صارم يقضي بجلاء شامل للاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي العربية. السيد الرئيس: يدرك العالم اليوم أن شن حرب على دولة عضو في الأممالمتحدة كانت تحت مبررات واهية؛ فلا النظام العراقي كان يمتلك أسلحة الدمار الشامل، ولا ثبت أن له علاقة بتنظيمات متطرفة. أما الأهداف التي قال سلفكم بوش أنه كان يسعى لها وهي تحرير العراق وترسيخ الديمقراطية، فلا نرى منها شيئا؛ لقد أضحى الشعب العراقي محتلا في أرضه ووطنه وضاع منه كل شيء، فلا استقلال أنجز ولا ديمقراطية تحققت، بل ترسخت بسبب سياسات سلفكم كل صنوف الطائفية المقيتة.. لا نرى في العراق اليوم سوى فوضى هدامة، نرى دماء ودموعا وثكالى وأيامي مشردين، نرى أدمغة العراق يلوذون بالفرار بسبب موجة العنف التي تطالهم، نرى هجرة متنامية إلى خارج العراق، نرى تراثا عراقيا إنسانيا عظيما قد تمت بعثرته وسرقته وتضييعه، وهذا وغيره للأسف ما يعاني الشعب العراقي منه ومن تبعاته ولربما لعقود طويلة. السيد الرئيس: إن تصحيح الخراب والدمار الذي تسبب فيه سلفكم الرئيس بوش بسياساته الخاطئة والمتهورة والظالمة هو أحد أوراش التغيير المطلوبة، وذلك بوقف معاناة الشعب العراقي وشلال الدم المنهمر من شرايين أبنائه، وبسحب الجيوش الأمريكية والأجنبية من العراق، على أن يتم العمل مع المنتظم الدولي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لرأب الصدع بين أبناء الشعب العراقي وتمكينه من إعادة إعمار أرضه واستعادة الأمن والاستقرار. السيد الرئيس: مع توالي الأيام، يتبين أن ما يسمى بالحرب على الإرهاب في أفغانستان هي حرب مكلفة ماديا وبشريا: الضحايا في تزايد من جانب الشعب الأفغاني وفي القوات الغازية. لذا نأمل منكم، السيد الرئيس، أن تعيدوا النظر في سياسة سلفكم الرئيس بوش في أفغانستان. إن اللجوء إلى القوة ليس هو الحل. إن دفع خصمكم أو حتى عدوكم إلى الاعتدال يمر عبر الحوار لا عبر الإكراه والقوة، وما فعله سلفكم في أفغانستان لم يسهم أبدا في ترسيخ الاعتدال بل أنعش التطرف. لذا نأمل أن تعملوا، السيد الرئيس، على سحب قواتكم من أفغانستان، وإعطاء دور أساسي للمنتظم الدولي في المصالحة الوطنية بين أبناء الشعب الأفغاني واستعادة الأمن والسلام في أفغانستان، ودعوة الدول المجاورة إلى مساعدة الشعب الأفغاني في إعادة الإعمار، وترسيخ مقومات الدولة، وبناء المؤسسات الديمقراطية. السيد الرئيس: يعد الملف الإيراني من الملفات الثقيلة التي توجد على قائمة أجندتكم. ولقد خلف تصريحكم باعتماد آلية الحوار لحل الخلاف القائم مع إيران أجواء ايجابية لدى المراقبين والمتتبعين. إن منطق التصادم والعقوبات الاقتصادية المفرطة من قبل إدارة سلفكم بوش لم تفض إلى نتيجة، بل على العكس كادت الأمور أن تنزلق إلى حرب ثالثة، وهذه المرة ضد إيران بدعوى امتلاكها لبرنامج نووي عسكري، وهي الحجة نفسها إلى اعتمدت من قبل بوش وإداراته في غزو العراق، وتبين أن هذا البلد لم تكن لديه أسلحة دمار شامل. السيد الرئيس: لقد فندت إيران، وغير ما مرة ادعاءات الإدارة الأمريكية على عهد بوش. وعليه، فإننا نرى أن الحوار الكفيل بفض الخلافات ضمانا لاستقرار العالم وتصحيحا للعلاقات بين الدول في عالم تتطلع فيه الإنسانية جمعاء إلى أن تسود الحكمة وينتصر العدل على العدوان وقانون الغاب. السيد الرئيس: إن السياسة التي سنها سلفكم بوش في السودان كانت سياسة خاطئة وظالمة، بل يراها البعض ذريعة لنوايا خفية تخص السيطرة على الثروات الطبيعية التي يزخر بها إقليم دارفور. السيد الرئيس: لقد كان التضخيم والتهويل هو المنهج المفضل عند سلفكم الرئيس بوش. نعم، لا أحد يجادل في وجود مشكلة بإقليم دارفور بالسودان، ولكن بالحكمة السياسية الخلاقة نسهم في حلها. السيد الرئيس: لقد سعت أطراف عربية وافريقية لإيجاد تسوية مشرفة للجميع بدارفور، ولكن كانت هناك جهات تتحرك بالاتجاه المعاكس. جهات لا تريد حل مشكلة دارفور، بل ولا ترى مصلحة لها في ذلك، وللأسف كانت سياسات سلفكم الرئيس بوش تغذي استراتيجية عدم الحل السياسي واستمرار النزاع والتوتر. السيد الرئيس: لقد تكلم مفكرون ومثقفون أمريكيون جوابا عن سؤال: لماذا يكرهوننا؟ ولماذا الحرب؟، ولكنهم أخلفوا موعدهم مع السؤال الصحيح والجواب الصحيح. السؤال الصحيح هو: لماذا ندفع الآخرين لكراهيتنا؟.. هذا هو السؤال الصحيح. ولو شئنا التدقيق لقلنا إن السؤال الصحيح هو: هل سياستنا تزرع المحبة والسلام والإخاء والأمن أم تزرع الكراهية والفوضى وانعدام الأمن؟. إن السياسات الظالمة وغير العادلة وغير المنصفة، السيد الرئيس، لا تزرع وردا، بل تزرع شوكا وحقدا وكراهية، ولا يمكن أن نجني من زراعة الكراهية إلا الكراهية. حينما لا نكون عادلين ولا منصفين، نزرع الإحساس بالظلم، والإحساس بالظلم يزرع الحقد والكراهية. نعم، القضية هي قضية سياسة ظالمة وغير عادلة وغير منصفة انتهجها سلفكم الرئيس بوش، سياسة تتجاهل حقوق الشعوب وتحرق الأخضر واليابس وتمارس سياسة العقاب الجماعي وتبدأ بالحرب وتسقط من قاموسها المساعي والحلول المبنية على الحوار. هذا هو ما نحتاج تغييره، السيد الرئيس أوباما. إن من يريد أن يفرض حقائقه ومعادلته بمنطق القوة قد ينجح لبعض الوقت، ولكنه في المقابل، وعلى المدى المتوسط والبعيد، يصنع مشاتل الكراهية والتطرف وردود الأفعال غير الموزونة. ليس هناك من طريق لتحقيق الأمن العالمي غير انتهاج سياسات عادلة ومنصفة. السيد الرئيس: لقد انحدرت صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم في عهد سلفكم الرئيس بوش إلى درجة غير مسبوقة في التاريخ. ولم تتضرر صورة بلدكم عند البلدان العربية والإسلامية فحسب، بل تجاوزتها لتشمل دول الاتحاد الأوروبي وهو ما ترجمته استمزاجات الرأي المتعددة والتظاهرات الشعبية التي خرجت منددة بسياسات سلفكم في جل أنحاء العالم. إن تصحيح صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية ليست مسألة تسويق أو قضية إعلانات إشهارية نغري بها مستهلكين. المسألة مسألة سياسات، وتصحيح السياسات هو المدخل نحو تصحيح صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم. نحن نعرف أن تصحيح السياسات ليست مهمة سهلة أمام مركب المصالح الاقتصادية ولوبيات المال والتجارة.. ونحن نعرف أن من يريد التغيير في الولاياتالمتحدةالأمريكية سيواجه صعوبات جمة، ولكن التاريخ يصنعه الرجال بتضحياتهم. السيد الرئيس: ثقوا أن الشعب الأمريكي معكم وأن العالم معكم مادمتم قد اخترتم شعار التغيير، واختيار التغيير هو اختيار الصعب، والصعب طريقه صبر وطول نفس وحكمة وحنكة. وأنتم كما قلتم، تدركون التحديات التي تواجهكم، ومع ذلك قررتم واخترتم وقلت قولتكم الشهيرة: نعم.. نستطيع. فأنتم تستطيعون أن تصححوا ما أفسدته سياسات سلفكم الرئيس بوش. نعم، قد تحتاجون لبعض الوقت وقد تواجهكم مؤامرات، ولكن متى كان طريق التغيير سهلا ويسيرا؟، فكونوا، السيد الرئيس، في مستوى رهانات شعبكم وشعوب العالم. رابعا ـ من أجل تعاقد مالي عالمي جديد مبني على الشفافية والتقنين: سيرحل سلفكم الرئيس بوش عن البيت الأبيض تاركا وراءه أسوأ أزمة مالية خلال قرن كما قلتم. ولقد آن الأوان بنظرنا لصياغة عقد جديد للمالية العالمية، عقد مبني على الشفافية والتقنين. لا يجوز أن يستمر التدبير المالي العالمي طبقا لأوفاق ما بعد الحرب العالمية الثانية. هناك حاجة ماسة لتصيح الاختلالات البنيوية الكبرى، والبداية تعاقد مالي عالمي جديد مع مختلف فرقائكم من أجل تجنيب العالم كوارث أزمة اقتصادية حادة تزيد من محنة الفقراء والاقتصاديات العالمثالثية.. السيد الرئيس: إن هذا التعاقد الجديد لن يغير من موقع الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم، فالتعاقد تفاهم، والتفاهم أخذ وعطاء. التفاهم مصلحة عالمية لا غالب فيه ولا مغلوب. وإن في انبثاق هذا التعاقد المالي العالمي الجديد ما سيعطي معنى للاقتصاديات العالمية وينعشها ويفتحها على آفاق واعدة. خامسا ـ مراجعة وتصحيح السياسة الأمريكية في البيئة: الأرض في خطر.. هكذا تكلمتم السيد الرئيس، في أول تصريح لكم بعد انتخابكم رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية. السيد الرئيس: إن المخاطر التي تتهدد الأرض والبيئة اليوم متنامية ومتعاظمة، فثقب الأوزون في تزايد، ومخاطر الاحتباس الحراري ومضاعفاته السلبية تتزايد، وما تنامي الاضطرابات المناخية التي تهز العالم في السنوات الأخيرة إلا أبرز مؤشر على تلك المخاطر. وعليه، فإن انخراط بلادكم الوازن، في المجهود الدولي من أجل بيئة سليمة تحفظ للأجيال المقبلة حقوقها في عالم نظيف وصحي، أضحى أمرا يفرض نفسه وذلك بالتوقيع على التزامات المجتمع الدولي فيما يخص حماية الأرض والبيئة. سادسا ـ إصلاح الأممالمتحدة وإعادة الاعتبار لها وتفعيل دورها في تدبير النزاعات الدولية: السيد الرئيس: لقد كان من أبرز ما قام به سلفكم الرئيس بوش هو تعطيل دور الأممالمتحدة والاستفراد بالقرار لأن مقاربته قامت على استبعاد كل خيار غير الخيار العسكري للأسف. لقد صم أذنيه ولم يستمع حتى لأصدقائه وحلفائه الأوروبيين. وهكذا تعطلت الأممالمتحدة، وتم شن حروب مدمرة. من هنا، ضرورة التحرك لإعادة الاعتبار إلى المنتظم الدولي. وهذا غير كاف إذ لا بد من إصلاح الأممالمتحدة، وبخاصة مجلس الأمن من أجل تحقيق توازن عادل في أدائه وذلك بتأمين حضور معتبر وفاعل للدول العالمثالثية. ونرى أنه لا بد من تجديد مفهوم الشرعية الدولية حتى لا تبقى مجرد غطاء لشن العدوان، ونقدر أن هناك ثلاثة مبادئ يمكن أن تعصمه من التوظيف السلبي وهي: الشراكة في القرار الدولي، وعدم التحيز فيه، والعدل والإنصاف. ومن جانب آخر، يتعين الإعلاء من قيمة الحوار في النزاعات الدولية حتى تصبح تلك القيمة هي العنوان الآخر لمفهوم الشرعية الدولية. السيد الرئيس: لقد تزايد الخوف في العالم وانتشرت الأنانية والكراهية وعمت الفوضى وافتقد السلام والأمن والاستقرار. وإن كوكبنا اليوم أحوج ما يكون إلى جهود كل ذوي الإرادات الصادقة من أجل انبثاق عالم قائم على الحوار والتشارك والاحترام، عالم محدود الفقر والهشاشة والتهميش، عالم يحترم فيه الإنسان وتصان فيه البيئة. هذه هي التحديات أمامكم، السيد الرئيس، فهل نتكلم عن مستحيل؟. لقد قلتم أنكم تريدون التغيير. وأكدتم أنكم تستطيعون، ونتمنى صادقين أن تتوفقوا في تصحيح صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم وأن تنجحوا في ترجمة شعار التغيير بما يخدم مصلحة شعوب العالم قاطبة. على أمل أن نتلقى ردكم، تفضلوا، السيد الرئيس، بقبول تحياتنا وتقديرنا. وحرر بالسجن المدني بسلا في 06 نونبر 2008 الإمضاء: المعتقلون السياسيون: ـ المصطفى المعتصم: أمين عام حزب البديل الحضاري ـ محمد المرواني: أمين عام حزب الأمة ـ محمد الأمين الركالة: الناطق الرسمي باسم حزب البديل الحضاري ـ العبادلة ماء العينين: عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية ـ حميد ناجيبي: عضو بالحزب الاشتراكي الموحد ـ عبد الحفيظ السريتي: الصحفي ،مراسل قناة المنار اللبنانية