فتحت إحدى الصحف الوطنية نقاشا بشأن موضوع اللباس أو بالأحرى التطرف فيه بين البرقع والسترينغ!! وللأمانة أقول بأني لا أعرف معنى السترينغ، ولكن واضح أنه مفهوم مستورد للباس مستورد لقوم مستلبين!! أما البرقع فهو معروف دلالة، غير موجود واقعا في بلادنا، وأستغرب أن الجريدة قدمت صورة للبرقع الأفغاني، وفي حدود ما أعلم لم أر يوما إمرأة مغربية تلبس لباسا أفغانيا، ولكني رأيت ورأى غيري المئات والألوف ممن يلبسن مثل الفرنسيات وأخواتهن الأوربيات والأمريكيات، فلماذا الخلط ؟! كان يمكن عقد المقارنة مع اللثام المغربي، ونسبته تتضاءل مع الأيام، أو أن تقع المقارنة مع الحايك المغربي أو المغاربي وهو ما يزال موجودا في بعض الجهات، بل يكاد يكون هو اللباس المعروف فيها... ولعل ما يثير الاستغراب أن ذات الجريدة التزمت بنشر صور مثيرة لنساء مثيرات في صفحتها الأخيرة، والصورة المنشورة في نفس العدد الذي يتضمن الملف غاية في الاستفزاز، ولعل الجريدة تراجع رأيها في الموضوع يوما ما!! الجانب المسكوت عنه في الموضوع هو التمييز بين لباس الشارع ولباس البيوت، فاللباس الذي يتم الاعتراض عليه هو لباس للأماكن العمومية، حيث يختلط المحارم مع غيرهم، أما حيث لا يوجد إلا المحارم فإن الحكم يختلف، وذلك هو منطوق النص القرآني: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ الآية(النور : 31 ) فهناك نهي وهناك استثناء، الذي يجري في الجهة الأخرى هو تعميم الاستثناء إلى درجة يصير هو القاعدة، فلا تمييز حينها بين المحارم وغير المحارم. فالحديث عن التطرف أو الغلو يصدق على من غالت في دينها وتطرفت وجعلت غير محارمها في حكم المحارم والعكس صحيح متى وجد!! الأمر الثاني ان القرآن الكريم الذي لا يهتم غالبا بالتفاصيل، بل يحدد الكليات، وجدناه في هذا الموضوع يشير إلى تفاصيل التفاصيل، وذلك بعد تحديد الأمر الكلي الجامع، والذي يشترك في جزء منه الرجال والنساء، ثم يخص النساء بما يتناسب معهن. أما المشترك بين الجنسين فهو غض البصر وحفظ الفروج، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، وبنفس الألفاظ يتوجه الخطاب للنساء وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، أما الزيادة التي وردت في حق النساء فهي: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، مع ما في الآية من اعتدال ورفع للحرج في قوله: إلا ما ظهر منها، ويرفع هذا الحرج بشكل أوسع حين يتعلق الأمر بالمحارم كما سبقت الإشارة. أما التفاصيل التي أوردها القرآن الكريم في هذا الموضوع فمن ذلك قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ، والخمار غطاء الرأس، والجيب فتحة الصدر، فأمر الله تعالى بإسدال الخمار على فتحة الصدر، قال ابن العربي المالكي: وهذا يدل على ستر العنق والصدر بما فيه، وللشيخ الشعراوي إضافة مفيدة في الموضوع يقول فيها: وتأمل دقة التعبير القرآني في قوله تعالى وَلْيَضْرِبْنَ، والضرب هو: الوَقْع بشدة، فليس المراد أن تضع المرأة الطرحة (يعني الخمار) على رأسها وتتركها هكذا للهواء، إنما عليها أنْ تُحكِمها على رأسها وصدرها وتربطها بإحكام. ومن التفاصيل قوله تعالى: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ، قال ابن العربي المالكي: كانت المرأة تضرب برجليها ليسمع قعقعة خلخاليها، فمن فعل ذلك فرحا بحليهن فهو مكروه، ومن فعل ذلك تبرجا وتعرضا للرجال فهو حرام، والآية بلفظها العام مستوعبة لكل ضرب بالأرجل وجد الخلخال أو فقد، فيدخل فيها ما تحدثه أحذية النساء من أصوات، وخاصة ذوات الكعب العالي. ومن التفاصيل في غير هذا السياق قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ (الأحزاب : 59 ) وفي معنى الجلباب يقول الشيخ المكي الناصري: والجلباب هو الثوب الذي يستر جميع البدن، ونحن نلاحظ كيف أن الجلباب نفسه لم يسلم من التعديلات التي أدخلت عليه حيث فقد كثيرا من خصائصه ومن أهمها الستر. وفي الأخير نقول هذه سورة النور وسورة الأحزاب وهذه الآيات من الوضوح والبيان بحيث تغني عن الحاجة إلى كتب التفسير بكل مدارسها ومذاهب أهلها، والتي لا يمكنها هي الأخرى إلا تأكيد التوجيهات القرآنية الصريحة في موضوع اللباس، والتي يجمعها قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (الأعراف : 26 ) وللحديث بقايا.