يستعد كثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لإحياء ليلة القدر يوم غد الأربعاء الموافق ل26 من رمضان بحساب من بدؤوا الصيام يوم السبت22 شتنبر وهم الأغلبية، بينما يحيي من بدؤوا صيامهم يوم الجمعة ليلتهم اليوم الثلاثاء وهي حال ليبيا ودول البلقان في حين سينتظر من تأخروا في صيامهم ليوم الأحد إلى يوم الخميس مثل الهند وباكستان! وهذا وحده لو تأملناه لدعانا لمراجعة هذا الوضع الذي يتكرر بشأنه السؤال كل سنة ولم يحسم بعد إنه أمر تحديد بداية الشهر! والشهر واحد فوجب أن تكون بدايته واحدة ونهايته واحدة. لكن لليلة القدر خصوصيتها التي تجعلها مستوعبة لهذا الاختلاف ذلك أنها مما استأثر الله بعلمه فأخفاها. والمتتبع لأقوال العلماء في تعيينها يجد منهم من جعلها في أول ليلة من رمضان ، ومن جعلها ليلة السابع عشر الموافق ليوم غزوة بدر،ومن جعلها ليلة التاسع عشر...والنصوص والآراء فيها متنوعة ولكنها تتجه لجعلها في العشر الأواخر من رمضان وفي ليالي الوتر خاصة لكن الذي جرى عليه العمل هو الاكتفاء بليلة السابع والعشرين مع العلم أنه ليس في الأمر قطع بل فيه احتمال. ولو أردنا ترتيب الاحتمالات لقلنا إنها في العشر الأواخر منه غالبا ، وهي في ليالي الوتر من العشر الأواخر أي ليلة 21 و23 و25 و27 و29 ، وقصرها على ليلة 27 يجعل الاحتمال في التوافق معها أضعف! فما الذي جرى حتى اكتفى الناس بالاحتمال الأضعف؟ ألا يدل ذلك على منهج في التعامل مع النصوص الشرعية بالبحث دائما عن الحل السهل عوض الاجتهاد في استفراغ الوسع؟ أين هذا من مثل ما روي عن أبي بكر حين حدث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبواب الجنة فسأل هل يدعى واحد من تلك الأبواب كلها؟ ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من انفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير. فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان. فقال أبو بكر: ما على الذي دعي من تلك الأبواب من ضرورة، وقال: هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكررواه البخاري وغيره. فشتان بين من يبحث عن الحل الأسهل، وبين من يرشح نفسه للمعالي ! ونفس هذا المنطق هو الذي غلبه الناس في كفارة اليمين بحيث انحصرت الكفارة في صيام ثلاثة أيام في حين أنها جاءت بعد إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم قال تعالى :لا يواخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يواخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام المائدة 91 لكن الناس وكأنهم كلهم لم يجدوا صاموا و أفتوا غيرهم بالصيام. لكن الأسوأ من ذلك هو نوع من الإقبال على هذه الليالي على أساس ما فيها من الأجر والفضل ثم هجر كل أجوائها إلى السنة المقبلة! بحيث من الناس من يحرص على إحياء هذه الليلة المقدسة ثم لا يشعر بأدنى حرج وهو يقع في أعمال وأحوال وأجواء مدنسة ! وهكذا تتحول ليلة القدر إلى شيء قريب من الصفقة! عوض أن تكون نفسا ومنهجا في الحياة! ومن هنا نفهم التراجع في الإقبال على المساجد الذي تلوح بوادره منذ يوم 27 من رمضان بحيث يصل درجة غير مفهومة ولا مقبولة بعد رمضان. صحيح أن رمضان موسم لكن على أساس الاستمرار على آثاره بعده، وليس الوقوع في ما يتناقض معه بعده، لأنه حينها يكون المرء قد وقع في الصورة التي حذر منها في قوله تعالى: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا إنه نقض الغزل بعد قوة! وإذا كان هذا الفعل ينسب لإمرأة خرقاء كانت في مكة يقال لها ريطة فهل صارت فئات من الأمة في تدينها مثل ريطة مع غزلها؟ لكن قبل الحديث عن آثار رمضان هلا أتممنا العشر الأواخر منه خاصة ملتمسين ليلة القدر في كل ليالي الوتر، ومنها ليلة التاسع والعشرين: وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر