في الغالب ما يستعمل الأستاذ نبيل بن عبد الله لغة دبلوماسية للتعبير عن مواقفه، لكن في هذا الحوار الذي خص به التجديد يقف عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أمام ثلاثة معطيات أساسية يتعذر معها استعمال هذه اللغة، قضية التطورات الأخيرة في ملف الصحراء أو ما بات يعرف بمسألة أمينتو حيدر والموقف المغربي الأخير منها، والتقرير السياسي الموجه لعمل اللجان التحضيرية لمؤتمر حزب التقدم والاشتراكية المرتقب في شهر أبريل القادم، والظرفية السياسية التي آل إليها المغرب بعد انتخابات 2007 التشريعية واستحقاقات 2009 وما استتبعها من تحالفات لتشكيل المجالس والخريطة الانتخابية التي تم إفرازها وتأثيرها على مجمل الحياة السياسية في المغرب. في هذا الحوار، يخرج نبيل بن عبد الله من لغته الدبلوماسية، ويكشف مواقف واضحة بخصوص تدبير ملف الصحراء، وتحليل الوضعية السياسية التي يعيش فيها المغرب، وانتقاد الأسلوب المفبرك والفوقي الذي تدبر به العديد من القضايا وتتخذ به جملة من القرارات، فضلا عن الموقف الجديد من الإسلاميين، وقضية التحالفات ومستقبل عملية توحيد قطب اليسار في المغرب. كيف تقرؤون رجوع أمينتو حيدر إلى المغرب؟ هل يشكل ذلك تراجعا في الموقف المغربي؟ وهل تتصورون أن يكون لهذا الرجوع تداعيات سلبية قد تؤثر على المكتسبات الدبلوماسية التي حققها المغرب من خلال مبادرته للحكم الذاتي؟ أعتقد أنه ما حصل بالنسبة إلى قضية أمينتو حيدر يجدب أن يفهم في بعده الشمولي. في البدء لا بد أن نشير إلى أن المغرب كان ولا يزال ضحية انفتاحه الديمقراطي؛ خلافا لما يجري في الجزائر أو في مخيمات تندوف، فلا أحد يناقش حقوق الإنسان أو الديمقراطية أو الحريات، والمغرب من خلال انخراطه في مسلسل الانفتاح والدمقرطة وفي مسلسل علاقاته مع الاتحاد الأوربي، وفي علاقات التبادل الحر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وكذا اتفاقيات سياسية عالية مع هذا البلد، كل هذا جعله يتحول إلى موقع البلد الملزم بمقتضيات ديمقراطيته الداخلية، وأعداء الوحدة الترابية أرادوا استغلال هذا الانفتاح الديمقراطي وجعل عدد من العناصر ومن بينهم أمينتو حيدر تعبر عن صوت انفصالي، ليس فقط داخل المغرب ولكن أيضا في منابر دولية مختلفة، ولمدة سنوات، إذ تنقلت وعبرت عن هذه المواقف، وكان المغرب يجد نفسه في حرج شديد نتيجة طرحه لسؤال كيفية التعامل مع هذه العناصر. في تقديري القرار الذي اتخذ في نهاية المطاف خ أقصد قرار ترحيل أمينتو حيدر وعدم قبول رجوعها إلى أرض الوطن كان يجب أن يدرس بشكل جيد ويتشاور بشأنه مع مختلف الفاعلين السياسيين قبل اتخاذه. إذ كان من المنتظر أن تستعمل عدد من الأوساط بدءا بالجزائر ومرورا بمرتزقة البوليساريو وانتهاء بمنظمات ومنظمات إسبانية سياسية وجمعوية وبأوساط برلمانية في الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدةالأمريكية، فكان من الطبيعي أن تستغل هذه القضية من زاوية حقوق الإنسان لمحاولة إبعاد المسلسل المؤدي إلى المفاوضات من أجل حل سياسي متبلور من خلال المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي اقترحها المغرب. خلاصة القول الآن، أنه بعد الأزمة التي عشناها عادت أمينتو حيدر، ويمكن أن ننظر إلى المسألة على أساس أنها عادت إلى المغرب بجواز سفر مغربي، أي أنها في نهاية المطاف تعترف ولو شكليا بجنسيتها المغربية، وصدرت في هذا الشأن بلاغات من الرئاسة الفرنسية ومن إسبانيا تؤكد أن المغرب قام بالتفاتة إنسانية، وهذا مهم على أي حال؛ لأن أقاليمنا الجنوبية المسترجعة طالما أن الحل النهائي لم تتم بلورته تظل منطقة تسود فيها القوانين المغربية، وأعتقد أن ذلك يرمز إلى أنه غدا إذا كانت بعض التصرفات والسلوكات التي يعتبرها المغرب منافية لسيادته ومعاكسة لضرورة احترام أي مواطن مغربي لعلمه ووطنه وهويته وجنسيته، فهذا الأمر قابل لأن يبلور أمام محكمة وأن يعالج قضائيا انطلاقا من القوانين المغربية. هل أفهم من هذا الكلام أنه كان على المغرب أن يعالج منذ البدء القضية قانونيا ويحاكم أمينتو حيدر بدل ترحيلها خارج المغرب؟ على أي حال؛ في نهاية المطاف ما يجب الإقرار به هو أننا عدنا إلى منطقة الصفر، بمعنى أنه علينا الآن أن نتعامل قضائيا مع مثل هذه الواقعة إذا وقعت مستقبلا، فأمينتو حيدر توجد حاليا داخل التراب الوطني، توجد بمدينة العيون، ولذلك إذا استمرت في تحركاتها الانفصالية وفي استهدافها للوحدة الوطنية، فسيكون على المغرب أن يتخذ قرارا ضمن المنظومة القانونية المغربية، أي أن يتعامل قضائيا مع هذه المسألة. معنى هذا أنكم تقرون بأن التدبير المغربي لهذه الأزمة كانت فيه أخطاء كبيرة تم استثمارها بشكل جيد من أعداء وحدتنا الترابية؟ على أي حال؛ في هذا الشأن تحديدا، وحتى لا أستعمل لغة الخشب، أعتبر أننا اعتدنا في المغرب بخصوص تدبير ملف وحدتنا الترابية، أن هذا شأن داخلي ونناقشه ونعالج التطورات المرتبطة بهذا الملف ونتخذ بشأنه القرارات المناسبة في إطار البيت العائلي، ومن ثم، أعتقد أنه علينا ألا نسقط في إمكانية جعل أعداء وحدتنا الترابية يستغلون التباينات التي يمكن أن تكون على هذا المستوى. هذا أمر يجب أن يناقش، والعبرة الأساسية التي ينبغي أن نخلص إليها هي أنه في القضايا المرتبطة بملف وحدتنا الترابية ينبغي أن تكون هناك استشارة كبيرة واسعة قبل اتخاذ أي قرارات يمكن أن تكون لها تداعيات وانعكاسات سلبية. وعلينا اليوم أن ندبر هذا الأمر بهذا المنظور. أمينتو حيدر توجد اليوم في التراب المغربي، وأي مواطن مغربي ملزم باحترامه للقوانين المغربية، ولا يمكن أن نقبل أن يكون هناك تعامل مخالف للمنظومة القانونية المغربية. علينا اليوم أن نجد الصيغ المناسبة للتدبير الأنجع للملف داخليا، وبالأقاليم الجنوبية على وجه الخصوص، حتى نتجنب أي تطور سلبي يمكن أن يقع. وعلينا أن نجد الصيغ المناسبة لجعل الاهتمام الدولي يرجع مقترح الحكم الذاتي ولا يلوث بمسألة حقوق الإنسان كما تريد ذلك بعض الأطراف. تقول: علينا أن نجد الصيغ المناسبة لجعل الاهتمام الدولي يرجع إلى مقترح الحكم الذاتي، هل يعني هذا أن التدبير السيء لهذه الأزمة أفقد المغرب بعضا من الدعم الدولي الذي اكتسبه من جراء مبادرته للحكم الذاتي، أي كان له تأثير سلبي على المكتسبات التي حققتها الدبلوماسية المغربية منذ إطلاق مبادرة الحكم الذاتي؟ هناك تأثير ظرفي لا شك فيه، فلاشك أن الأوساط المعادية لوحدتنا الترابية استعلموا هذه الواقعة للقيام بحملة شرسة مستغلين بذلك قضية حقوق الإنسان، وأعتقد أنه اليوم بعد تجاوز هذه الأزمة علينا أن نعود بقوة إلى الساحة الدولية لجعل الاهتمام ينصب بالدرجة الأولى حول استئناف المفاوضات وحول ضرورة المضي قدما لتنفيذ المقررات الأممية في شأن إيجاد الحل السياسي، وعلينا في ذات الوقت ألا نترك الإمكانية لأعداء وحدتنا الترابية لاستغلال كل ما يمكن أن يقع داخليا في واجهة حقوق الإنسان حتى لا نعيد الكرة مجددا. أعلنتم مؤخرا عن موعد مؤتمركم القادم في أبريل ,2010 ونشرتم تقريرا سياسيا مؤطرا للقضايا والإشكالات التي ستكون موضوع نقاش في المؤتمر، ووصفتم ضمن هذا التقرير السياسي الظرفية السياسية بالقول إن الانتقال الديمقراطي يحتاج إلى أن يكتمل، واشترطتم لذلك ما أسميتموه مصاحبة دستورية، ماذا تقصدون بهذه الصياغة؟ نريد أن نفهم بالضبط هل المغرب يعيش تراجعا ديمقراطيا، أم أن الأمر يتعلق فقط بالحاجة إلى رتوشات استكمال الانتقال الديمقراطي، لاسيما وأنكم تحدثتم عن ما سميتموه بالنقائص التي شابت انتخابات 2009 وما استتبعها من تحالفات لتشكيل مكاتب المجالس المنتخبة؟ ما يحدث في الفترة الأخيرة يمكن أن يعتبر بمثابة فترة انتقالية داخل الانتقال، وهذا بالضبط ما عملنا على تحليله ضمن التقرير السياسي الذي قدمه الديوان السياسي للجنة المركزية في دورتها السابقة، وهو ما عملنا على طرح ملامحه في التقرير الذي يوجه أعمال المؤتمر القادم، نحن في الحقيقة نتساءل: هل نحن بصدد صياغة خريطة سياسية جديدة؟ وهل يتم صنع هذه الخريطة السياسية انطلاقا من تجربة انتخابية حرة نزيهة وسليمة، أي أن المجتمع المغربي يفرز بشكل طبيعي نخبه السياسية؟ أم أننا بصدد التأثير باستعمال أساليب مختلفة على شكل هذه الخريطة السياسية وكيف يجب أن تكون؟ وهنا لا بد أن أسجل أننا في استحقاقات 2007 لاحظنا استمرار الأساليب السلبية المنطلقة من استعمال المال بشكل واسع وكثيف، والمنطلقة أيضا من ترك مجال واسع للمفسدين للعملية الانتنخابية، والمنطلقة أحيانا من تواطؤ بعض ممثلي السلطة المحلية وتدخلهم للضغط على مسار العملية الانتخابية في اتجاه معين، ، ثم ينبغي أن نؤكد أيضا أنه في استحقاقات 2009 لاحظنا أن الأساليب التي استعملت لا تختلف البتة عن الأساليب التقليدية العتيقة التي كانت تعتمد من قبل بعض الفاعلين السياسيين والأعيان وبعض المنتخبين؛ بتواطؤ مع بعض ممثلي السلطة المحلية لصنع نتائج انتخابية معينة. بمعنى أوضح؛ عندما يتقدم حزب سياسي بخطاب سياسي يعتبر فيه أن الحياة السياسية في حاجة إلى تجديد، وأن الخروج من الجمود السياسي يبتدئ من اكتساح ساحة الممتنعين عن المشاركة السياسية والمبتعدين عن الحقل السياسي والرافضين لأوضاع معينة، ويعلن هذا الخطاب السياسي أن مبرر وجوده هو تجديد النخب السياسية عبر استقطاب هذه الكتلة الكبيرة غير المدمجة في الحقل السياسي، وأنه جاء بنظرة جديدة وجاء بنخب جديدة في اتجاه توسيع مجال الجهوية في المغرب، لكن الذي لاحظناه هو العكس من ذلك تماما، إذ سجلنا أن الهدف كان هو الوصول إلى مركز الصدارة في الانتخابات، ولاحظنا استعمال عدد من الأساليب والأوراق الانتخابية التي كانت موجودة في أحزاب مختلفة التحقت بهذا الحزب فقط لضمان نتائج انتخابية، لاحظنا سيطرة متجددة لأصحاب المال، ولاحظنا أيضا تواطؤ عدد من ممثلي السلطات المحلية مع منتخبين بعينهم. كل هذه الملاحظات دفعتنا للتساؤل مرة أخرى: إلى أين يسير المغرب؟ هل نحن بصدد السعي إلى تقوية البناء الديمقراطي ببلادنا في اتجاه التحضير لجيل جديد من الإصلاحات السياسية والدستورية والحقوقية الديمقراطية ولضرورة تفعيل الإصلاحات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والمساهمة تعزيز دور الطبقة السياسية لمواكبة هذا التوجه، وهذا هو الخطاب السليم الذي نطمح إلى تحقيق مضامينه جميعا، أم نحن بصدد إعادة إنتاج نفس الأساليب المصطنعة واستعمال أمور تميل أكثر إلى الضغط واستعمال نفوذ وإلى استعمال أساليب قديمة، أنا لا أعتقد أن ذلك يمكن أن يقدم المغرب في الوجهة الديمقراطية التي تحدثت عنها. أن تكون هناك مسؤولية لأحزاب سياسية لأنها لم تكن قادرة في عدم قدرتها على التكيف مع واقع جديد وعدم قدرتها على مواكبة هذه الإصلاحات، وعدم قدرتها على عدم تأطير الشارع المغربي كما في الدستور، هذا واقع نعمل على معالجته بقوانين ومساطر مختلفة، بمقاربة سياسية تهدف إلى تحالفات طبيعية بين أحزاب تتقارب فيما بينها على مستوى المرجعية والمواقف والتصورات والمبادئ، هذا كله سليم ولا جدال حوله، لكن أن نفبرك كل ذلك دون أن تكون له أسس قوية، أعتقد أن البناء يظل هشا، وأننا لم نصل إلى المبتغى. الملاحظ أن الغالبية من الناخبين توجد اليوم خارج مبدأ المشاركة السياسية، وأننا لم نصل إلى تجميع القوى السياسية أو جزء منها، ولم نصل إلى القطبية السياسية كما دعت إلى ذلك عدد من الأوساط، نحن كذلك في حزب التقدم والاشتراكية نؤمن بضرورة إفراز تكتلات سياسية كبيرة انطلاقا من تحالفات طبيعية بين أحزاب تتقارب على مستوى المرجعية والمواقف والتصورات، لكن بقدر ما تفهمنا أن تكون هناك من المساعدة والمواكبة لجعل هذه الأحزاب تسير في هذا الاتجاه، بقدر ما لا يمكن أبدا أن يتم ذلك بشكل فوقي مفروض، واعتقادنا في حزب التقدم والاشتراكية أن ذلك يمكن أن يشكل خطرا على المسار الديمقراطي وأن يؤدي إلى تراجعات، وقد نبهنا خاصة حلفاءنا السياسيين إلى ضرورة أن يقع الالتفاف حول هذه المقاربة السياسية، وأن نفهم اليوم أين نحن بالضبط، وأن نلعب ذلك الدور الذي استطعنا أن نلعبه في التسعينيات أساسا عندما دعت الضرورة إلى الدخول في إصلاحات سياسية عميقة، وهو ما أدى إلى الانخراط في تجربة التناوب التوافقي التي كانت في مجملها إيجابية، وهذا ما يفسر تواجدنا اليوم في الحكومة، لكن هذا لا يمعنا من التأكيد على أنه إذا لم يتم تدارك النقائص والاعوجاجات التي أصابت تجربة الانتقال الديمقراطي فإنها لاشك ستزداد عمقا وسنجد أنفسنا حينئذ في موقع المتفرج الذي لم تبق له أي قدرة على التأثير على الأمور، وأخطر وأعمق من ذلك، وهو أننا ربما سنجد المغرب دخل مرحلة لا تدخل في صلب ما كنا نتمناه من انتقال ديمقراطي حقيقي. لذلك نحن نقول إننا نعيش مرحلة انتقالية داخل تجربة الانتقال، بمعنى أنه بإمكان هذا الانتقال أن يصل إلى نهايته الإيجابية وأن يتحول إلى ممارسة ديمقراطية عادية، وهو ما نعبر عنه باستكمال الانتقال الديمقراطي وما يتم التعبير عنه عند الآخرين بالدخول في النمطية السياسية (التطبيع السياسي) أو ما يصطلح عليه البعض بالخروج من مرحلة التوافق إلى الحياة الديمقراطية الطبيعية، ونحن نقول إن البلد يحتاج إلى توافق من نوع جديد ليس التوافق الذي تم بناؤه قبل عشر سنوات، وإنما هو توافق جديد مضمونه أن نجد الإطار الذي يجعل الفاعلين السياسيين في بلادنا للالتفاف حول جيل جديد من الإصلاحات يمكن أن يتوافق عليها الجميع، سواء كانت سياسية أو دستورية أو اقتصادية أو اجتماعية، والتأكيد على حرص المغرب على أن يصبح بلدا صاعدا على مستوى تجربته الديمقراطية وعلى مستوى انخراطه في المنظومة الاقتصادية العالمية وفي العولمة، وأن ندخل أيضا في جيل جديد من الإصلاحات الاجتماعية. ولذلك، ينبغي أن نقر في سياق التقييم للظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المغرب أنه على الرغم من المجهودات الكبيرة التي تم بذلها في السنوات السابقة، إلا أن هناك عجزا كبيرا على المستوى الاجتماعي، وأنه للأسف مايزال مستمرا، ونحن من موقعنا، على غرار أحزاب سياسية أخرى، من أنصار التوزيع العادل للخيرات والثورات المغربية، ونحن من أنصار العدالة الاجتماعية، وعلينا أن نؤكد أن المغرب يجب أن يسير في هذا الاتجاه، ومعنى ذلك أن هذا التعاقد السياسي الجديد الذي ندعو إليه ينبغي أن يسير على هذا الهدي، لكن للأسف البعض يفهم في مثل هذا الخطاب السياسي بأننا ننادي بنوع من التوافق الجديد مع المؤسسة الملكية، وكأننا نساوم وكأننا نريد أن نعيش على أمجادنا وليس بناء على ما نمثله انتخابيا، وهذا فهم مغلوط. ما نقوله بكل وضوح، هو أن المغرب يحتاج إلى أن يحصن مكتسباته، وأن يضمن بالنسبة للعشرية المقبلة أنه سيتمكن من إعطاء وتيرة تقدم أكبر وأقوى مما شهده في العقد المتقدم، وأن ذلك لا يمكن أن يتم انطلاقا من قدرة قوة سياسية واحدة، على أن تؤثر في جميع أنواع القرارات التي يمكن أن تصدر هنا أو هناك وأن تتحكم فيما يجري داخل البرلمان الجماعات المحلية وحتى داخل الأحزاب السياسية إلى درجة أن قضية استقلالية قرار بعض الأحزاب السياسية أصبحت اليوم قاب قوسين أو أدنى. هذا كله ليس سليما، ولا يمكن أن يدفع المغرب إلى مواجهة التحديات التي تعترضته ولا يمكن أن يؤهله لاستشراف جيل الإصلاحات الجديدة. استعملتم عبارة مصاحبة دستورية ولم تستعلموا عبارة الإصلاح الدستوري، هل يعني هذا أن حزب التقدم والاشتراكية تخلى عن مطلب الإصلاحات الدستورية؟ هذا ليس صحيحا، ما زلنا ندعو إلى إصلاحات سياسية، ونعتبر أن الإصلاح الدستوري هو جزء من هذه الإصلاحات، وكنا قبل سنتين تقريبا قد استعملنا عبارة نعتبر أنها من الناحية التواصلية وكذلك السياسية جميلة ودالة، وذلك حين قلنا لعهد دستور جديد لعهد جديد. الدستور الذي نعمل به اليوم هو الدستور الذي مكن من الدخول إلى فترة التوافق وتجربة الانتقال الديمقراطي، واليوم وبعد عشر سنوات، أعتقد أنه بإمكاننا أن ندخل إلى عهد دستوري جديد، ونحن حين نعبر عن ذلك بوضوح، نعي أنه لا يمكن أن يكون هناك أي إصلاح دستوري إلا إذا وفرنا له شروط التوافق السياسي وأساسا مع المؤسسة الملكية، ونعي أيضا أنه لا تعديل في الدستور دون موافقة المؤسسة الملكية عليه ودون إقدامها على السير في هذا الاتجاه. ولا أعتقد أنه يوجد ضمن الأحزاب السياسية سواء داخل أحزاب الكتلة، أو داخل الأحزاب التي تتمتع بتمثيلية سياسية وازنة داخل المؤسسة البرلمانية، لا أعتقد أنه يوجد ضمن هذه الأحزاب من يطرح قضية الإصلاحات الدستورية من أجل أن يعاد النظر في صلاحيات المؤسسة الملكية وأن يقلص منها. نحن وغيرنا من الأحزاب السياسية نريد توضيحا لدور المؤسسات وصلاحياتها، ونعتقد أن المغرب يحتاج إلى مؤسسة ملكية قوية وديمقراطية، نحن نريد أن يكون للحكومة المغربية صلاحيات تحترم، ويجب أن تفرز بشكل واضح حتى تقوم بدورها البارز، كما ينبغي أن تفرز صلاحيات البرلمان وتكون له القوة التي تتمتع بها البرلمانات في الأنظمة الديمقراطية.. إذا قمنا بمقارنة سريعة بين ما خرج به مؤخرا المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي والمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية وما أكدتم عليه في هذا التقرير نجد توافقا خاصة على مستوى الأفق السياسي، ويمكن أن نركز هنا على نقطتين على الأقل: تتعلق الأولى بإعادة الاعتبار للسياسة من خلال نقد المسلكية السياسية التي تم الانعطاف إليها بعد انتخابات ,2007 وتتعلق الثانية بمركزية المطالبة بإصلاح المنظومة الانتخابية ببلادنا، هل يؤشر هذا التقارب في الفهم والتشخيص للظرفية السياسية على تقارب في التموقع السياسي بين هذا الأحزاب؟ أعتقد أن ذلك يدل على أن التعاقد السياسي الذي نتحدث عنه، وهو بالمناسبة توافق ينبغي أن يشمل كل الأحزاب السياسية، لم تعد قواعد العللبة التي سرنا عليها في التجربة السابقة تناسبه، وأن عليها أن تمر إلى مرحلة جديدة. وبما أن هناك نضجا سياسيا في عدد من القوى السياسية كما ذكرتم، أعتقد أن ذلك يرمز إلى أن هذا التعاقد السياسي ممكن، وهو لا يعني بالضرورة التحالف السياسي، ويرمز أيضا إلى أن المغرب في حاجة ماسة إلى جيل جديد من الإصلاحات من الباب الدستوري، ولا أعتقد أن المدخل الدستوري هو المدخل الأول الضروري، والذي من دونه لا يمكن أن يقع أي شيء.... لكنكم في وثيقة التقرير السياسي ألقيتم بجزء كبير من المسؤولية على الأحزاب السياسية التي لم تستثمر كما وصفتم بشكل جيد ما يتيحه دستور 1996 من إمكانات؟ أكيد هذا ما انتهينا إليه، وأتصور أن أي تقييم موضوعي لما يجري في بلادنا سينتهي إلى أنه ربما هناك عجز من جهة الأحزاب السياسية عن استثمار كل ما يتيحه دستور 1996 من صلاحيات، ولذلك أعتقد أن المدخل الدستوري للإصلاح هو مدخل هام، لكن هناك أيضا مدخل سياسي هام وهو إصلاح المنظومة الانتخابية وإيجاد الصيغ التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في تطهير الحقل السياسي من شوائبه، وأعتقد أنه ينبغي أن نقر بأنه لا يمكن لأي بلد أن يتقدم بدون مؤسسات سياسية قوية، ولذلك أتصور أن هذه المطالب المعبر عنها اليوم من قبل فاعلين سياسيين وازنين تدل على أن هناك بوادر تجعلنا نلتف حول هذا الجيل الجديد من الإصلاحات، مما لا يمكن أن ينفي إمكانية التباري الشريف والسليم والنزيه حتى يبرز أي حزب سياسي من خلال التمثيلية السياسية التي يستحقها. وأعتقد أن إصلاح المنظومة الانتخابية، سيسهم في إفراز نخب سياسية حقيقية، وفي تشكيل حكومة قوية وبرلمان يراقب أداءها بفعالية وهذا ما نطمح إليه، وأعتقد أنه كان بإمكاننا أن نصل إلى ذلك دون أن نسقط في فخ الاصطناع والفبركة.