"فوكس" المتطرف يصر على تصعيد التوترات بين إسبانيا والمغرب بسبب مليلية    الPPS: جوانب إيجابية في حصيلة الحكومة لا تبرر ادعاءها المتعالي بإنجاز كل شيء وبشكل غير مسبوق    سي إن إن: خلية أمريكية بإسرائيل ساهمت في "تحرير 4 رهائن" بغزة... وحماس: 210 شهداء في العملية    حكيمي يتفوق على صلاح في سباق "الأغلى"    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة.. المنتخب النسوي يعود بالهزيمة من ميدان زامبيا    وفاة سجين أغمي عليه لحظة تنظيفه مجرى للصرف الصحي بسجن الأوداية.. ومندوبية "التامك" تعلق    السعودية تعلن جاهزية منظومتها الصحية لموسم الحج    السعودية تعلن جاهزية منظومتها الصحية لموسم الحج    القصر الكبير.. مصرع ثلاثيني غرقا بعدما توجه إلى واد للسباحة    الفنان خالد بدوي يستحضر فلسطين في المهرجان الدولي للعود في تطوان    أربع أندية أوروبية تتنافس على نجم البطولة المغربية    بتنسيق مع "الديستي".. أمن برشيد يتمكن من إيقاف ثلاث "بزناسة"        الأمن يشن الحرب على مروجي "الماحيا"    توقيف 3 مستبه بهم في ترويج المخدرات بالراشيدية    خبراء برنامج "نخرجو ليها ديريكت": المغرب مقبل على أغلى عيد أضحى في تاريخه بسبب ارتفاع الأسعار    السلاح المغربي المتطور يغري الرئيس التونسي قيس سعيد    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    22 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" (النشرة الأسبوعية)    الأمم المتحدة تقرر إدراج جيش الاحتلال الإسرائيلي على "قائمة العار"    استئناف المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي سيتم في الأيام المقبلة    الإيسيسكو تستضيف أمسية فنية للاحتفاء بمدينة شوشا عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024    بعد منعها من الغناء بتونس.. نادي الفنانين يكرم أسماء لزرق    الباحثة أمينة الطنجي تحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا بتطوان    وفاة الفقيه الدستوري عبد الرزاق مولاي رشيد    مصنع السيارات المغربي الأول يفتتح صالته للعرض بالرباط    بووانو: ما قامت به الحكومة ليس إصلاحا للمقاصة بل زيادة في الأسعار فقط    مطالب للحكومة بصرف الدعم الاجتماعي قبل عيد الأضحى    الامتحانات الجهوية للباكالوريا.. ضبط 66 شخص في حالة غش    بنعبد الله: حكام الجزائر يُغَذُّون العداء والكراهية ضد كل ما هو مغربي مؤسساتيا وشعبيا    وزارة الصحة تعلن عن تسجيل حالة وفاة بفيروس كورونا    المغرب يسجل 22 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" وحالة وفاة واحدة    وزارة الأوقاف: عيد الأضحى يوم الإثنين 17 يونيو 2024    أداء "روبوتات الدردشة" كأداة تعليمية يسائل الفرص والعقبات    رئيس الأرجنتين يتجنب "ممثل فلسطين"    السلطات الدنماركية توقف رجلاً اعتدى على رئيسة الوزراء في كوبنهاغن    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة: "متى يحل عهد أفريقيا" لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    الجزائر ترد على المغرب بعد إحداث منطقتين للصناعات العسكرية    مشروع مبتكر .. اطلاق أول مشروع مبتكر الالواح الشمسية العائمة بسد طنجة المتوسط    لاغارد: مصاعب ترتبط بكبح التضخم    هل يرحل إبراهيم دياز عن ريال مدريد؟    بنكيران مهاجما وهبي..لا نريد أن تصبح فنادقنا أوكارا للدعارة والفجور وإشاعة الفاحشة    كيوسك السبت | المغرب سيشرع رسميا في إنتاج الغاز المسال مطلع 2025    زياش والنصيري يُوقّعان الركراكي في المحضور    كأس أوروبا 2024: كوبارسي ويورنتي وغارسيا خارج القائمة النهائية لمنتخب اسبانيا    بطولة إنجلترا: فاردي يمدد عقده مع ليستر سيتي    ارتفاع مؤشر أسعار الأصول العقارية بنسبة 0,8 في المائة برسم الفصل الأول من 2024    الأشعري في قصص "الخميس".. كاتب حاذق وماهر في صنع الألاعيب السردية    بن كيران يدعو إلى حل حزب الأصالة والمعاصرة    إدارة الرجاء تلعب ورقة المال للفوز بالبطولة    المخابرات المغربية تفكك لغز تحركات شخص خطير في إسبانيا        الأمثال العامية بتطوان... (619)    دراسة: السكتة القلبية المفاجئة قد تكون مرتبطة بمشروبات الطاقة    افتتاح فعاليات الدورة المائوية لمهرجان حب الملوك    فيتامين لا    الدكتورة العباسي حنان اخصائية المعدة والجهاز الهضمي تفتتح بالجديدة عيادة قرب مدارة طريق مراكش    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الإسلامية المغربية بين النجاح الميداني وضعف الانتاج الفكري
نشر في التجديد يوم 16 - 07 - 2003

على الرغم من النجاحات المتتالية التي حققتها وتحققها الحركة الإسلامية المغربية على مستوى الممارسة العملية في العديد من المجالات، إلا أن ثمة بعض الاختلالات التي تختفي وراء كهوفها بعض مظاهر الأزمة التي تحول دون تحقيق الإنجازات المطلوبة أو تخرج هذه الإنجازات في طبعات غير مرضية، سواء بالنسبة لصانعيها، أي الإسلاميين أنفسهم، أو المخاطبين بها من أجل كسب ولائهم (عموم المواطنين) أو للمدَافَعين بها (الأطراف السياسية والمجتمعية الأخرى).
ولعل من جملة هذه الاختلالات ما يمكن نعته بركود صناعة الأفكار أو أزمة صناعة الأفكار، وهي خاصية لا تنفرد بها الحركة الإسلامية، بل تكاد تكون قاسما مشتركا لدى كل الأطياف العاملة في الساحة المغربية، وإن بنسب متفاوتة.
نقصد بصناعة الأفكار ذلك الإنتاج النظري الحيوي المقارب للظواهر والإشكالات الفكرية والاجتماعية المشكلة أو الموجهة للممارسة العملية والميدانية للحركة الإسلامية، والنابعة من الخصوصيات المحلية للبلاد المغربية، مع استصحاب الأفكار والتجارب الوافدة، إسلامية أم لاتينية غربية (نافعة وإيجابية بطبيعة الحال)، وسنحاول بعجالة في هذه افكافة تشخيص هذه الأزمة من خلال الوقوف على بعض تجلياتها وتمظهراتها الفكرية والواقعية، وكذا بيان بعض الأسباب الكامنة وراء ظهورها وربما الضامنة لاستمرارها ثم اقتراح بعض الحلول لتجاوزها أو للحد من آثارها...
مظاهر الأزمة
تتعدد مظاهر أزمة صناعة الأفكار لدى الحركة الإسلامية المغربية ويمكن حصرها في الآتي:
أ ضعف وضآلة الإنتاج الفكري لرواد الحركة الإسلامية المغربية، إذ لا نكاد نجد في المكتبة المغربية كتابات رصينة لأبناء الحركة الإسلامية تحلل وتناقش بعمق بعض القضايا الفكرية الحساسة، أو تنبش في بعض الإشكالات التي تشكل جوهر التنافي أو التلاقي مع الأطراف الأخرى، من قبيل الحرية بمختلف تشعباتها (الدينية، الفردية، السياسية، النقابية...)، المواطنة والتعدد اللغوي والثقافي، المرأة وتولي المسؤوليات، التعددية السياسية والقبول بالآخر في حال التمكين، تطبيق الشريعة ومقتضيات الحداثة... ونحوها من الموضوعات التي تحتاج إلى تحليل وإجابات مقنعة، خاصة بالنسبة للأطراف التي تتوجس من المد الإسلامي وتخشى على مواقعها.
ب ظهور انفلات فكري وتربوي لدى الجيل الثالث للحركة الإسلامية المغربية (جيل التسعينيات) ، ذلك أن الأفكار الحيوية الوافدة في معظمها التي كانت متداولة في صفوف أبناء الحركة الإسلامية خلال الجيلين الأول والثاني لم تعد تغري الجيل الثالث، بل ووجد فيها ما يسميه بالأفكار المحافظة والضاغطة، الشيء الذي حذا به إلى البحث عن مرجعيات أخرى بديلة، بدعوى وجود ركود فكري مزمن لدى التنظيمات الإسلامية العاملة في الساحة، بما فيها الحركة الأكثر انفتاحا (التوحيد والإصلاح). وقد استتبع هذا البحث والانفتاح انفلات تربوي صادم، سواء على مستوى السلوكيات الشخصية لبعض أفراد هذا الجيل، أو على مستوى التشكيك في حجية بعض الأصول (السنة) المعتمدة في البناء العقدي والفكري للحركة الإسلامية بمختلف توجهاتها..
وفي ذات الجيل اختارت عناصر كثيرة خيار الاغتراب المكاني والزماني في سلوكها ولباسها وأفكارها، فبحثت لها عن ولاءات فكرية وعقائدية خارجية تدعو إلى التطرف والعنف ومواجهة المجتمع بما فيه الحركات الإسلامية العاملة... الشيء الذي يدل على أن أفكار هذه الحركات عجزت، أو لم تقدر على احتواء وتوجيه مجتمع الصحوة المغربي، الذي تنامى بشكل سريع في زمن قياسي..
ج الانتظارية واللجوء إلى رد الفعل، ففي غياب مشاريع فكرية نظرية نابعة من خصوصياتها المحلية ومسددة بمرجعيتها الإسلامية، تضطر الحركة الإسلامية في ممارستها الميدانية، ومن أجل إدامة فعلها السياسي والاجتماعي إلى تتبع عثرات وسقطات الآخرين نقدا وتقويما ومواجهة، وهو أمر محمود في بعض جوانبه إن جاء عفويا، لكن يكون معيبا وغير مرضي حين يشكل جوهر تحركات وانشغالات هذه الحركة، لأنه يوحي بأنها لم توجد إلا للتقويم وليس للبناء والإبداع، كما يستبطن في بعض وجوهه نوعا من الوصاية على أفكار ومبادرات المجتمع... ولا سبيل لتجاوز هذا المنهج إلا بإعداد المشاريع الفكرية الناضجة والبحث عن كيفية تنزيلها أو على الأقل عرضها للنقاش والتداول، وبذلك يمكن للحركة الإسلامية المغربية أن تتحول إلى قاطرة تجر المجتمع بأفكارها وليس مجرد عربة مجرورة !!
أسباب الأزمة
بالنظر إلى المظاهر أعلاه، يمكن أن نحدد الأسباب المنتجة لها في:
أ الاعتماد على الكتابات الفكرية لرواد الحركة الإسلامية المشرقية (نستثني هنا جماعة العدل والإحسان)، أمثال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ الغزالي رحمه الله والدكتور حسن الترابي والأستاذ راشد الغنوشي والدكتور فهدي النفيسي والأستاذ جودت سعيد، وغيرهم من رواد التنظير الفكري الحركي، وبالنظر إلى كتابات هؤلاء، سواء في مستواها التأسيسي أو التصحيحي، نجدها تتسم في الغالب بنوع من التعميم أو تنطلق من خصوصيات محلية مغايرة بشكل من الأشكال للخصوصيات المغربية.. وهنا لا ننكر أن هذه الكتابات ساهمت بشكل كبير في بناء التصورات النظرية لبعض فعاليات الحركة الإسلامية المغربية، بل وأفلحت أحيانا في تنزيل بعض القناعات الكامنة في طياتها بشكل دقيق وناجح أكثر من الحركات التي أنتجت في ظل تجاربها.. إلا أنه ينبغي التنبيه أن هذه الكتابات بطبيعتها التعميمية لم تعد تستجيب لكثير من الإشكالات التي أفرزتها التجربة الميدانية للحركة الإسلامية المغربية، خاصة في المجال السياسي.
ب الإغراق في الممارسة الميدانية، ذلك أن عددا لابأس به من المعول عليهم في الإنتاج الفكري للحركة الإسلامية استهلكوا في الممارسة الميدانية الصرفة، الشيء الذي جعلهم غير قادرين على إنتاج أفكار جديدة، بل إن البعض منهم ومن خلال الندوات أو المحاضرات التي يشارك فيها يُلْمس أنه لا يضيف شيئا إلى رصيده الفكري، مكتفيا بترداد ما اكتسبه منذ عقدين من الزمن تقريبا!! مما أفقد تحليلاتهم وآراءهم تلك الجاذبية التي كانت تحظى بها في البدايات الأولى للحركة الإسلامية، خاصة على مستوى تصحيح المسار والتأصيل لقضايا المشاركة والانفتاح على المجتمع...
ج غياب سياسة للتكوين الفكري، إذ أولت الحركة الإسلامية منذ نشأتها سواء في المشرق أو المغرب الجانب التربوي اهتماما كبيرا، فانكبت جل برامجها على جوانب التخلية والتحلية لأفرادها، وذلك بغية إخراج نماذج صالحة ومصلحة تربويا، نظرا للانحرافات المستفزة المنتشرة في المجتمع.. في حين كان التكوين الفكري أمرا استثنائيا واهتماما شخصيا في غالب الأحيان، ولذا نجد أن العدد الذي يجيد الوعظ والإرشاد في صفوف الإسلاميين أوفر من الذين يجيدون المناظرات الفكرية والسجالات العلمية، وهو ما يفسر أيضا إلى حد ما غياب، أو شبه غياب، الحركة الإسلامية في صفوف عدد من الأطر الجامعية المتخصصة في العلوم الإنسانية والقانونية والاجتماعية، نظرا لعدم قدرة الأطر الإسلامية في الدراسات الإسلامية حيث معظم الإسلاميين الجامعيين على التأثير أو الإقناع لغلبة التكوين التربوي على الفكري على معظمهم!!
د الإغراق في استصحاب الآراء الفقهية القديمة، ونشدد هنا على الآراء الفقهية دفعا لأي التباس. فالحركة الإسلامية على الرغم من كونها جاءت أساسا لتصحيح الأوضاع الفاسدة وتجاوز فكر عصر الانحطاط وآرائه الفقهية، إلا أنها ومن خلال ممارستها العملية وفتاواها العلمية في العديد من القضايا (المرأة بعض المعاملات المالية ...) ظلت أسيرة تلك الآراء، بدعوى أنها تعبر عن الإجماع الفقهي، مع أنه عند التمحيص والنظر الدقيق يتبين أن مستند تلك الآراء ليس أصول الشرع الثابتة، وإنما الاجتهاد واستصحاب واقع الحال المبني على تحقيق المصالح ودفع المفاسد، مما جعل نسبة التحديث في فكر الحركة الإسلامية تكاد تكون غير معتبرة، مع أن واقعنا المعيش ثري بالوقائع التي تسعف في إعمال مقاصد الشرع دون الحاجة إلى الاحتجاج بآراء فقهية قديمة هي في جوهرها نتاج تفاعل بين النظر في النص المطلق وواقع الفقه النسبي..
مقترحات لتجاوز الحالة
لتجاوز هذه الحالة يبدو لزاما على الحركات الإسلامية المغربية اعتماد سياسة التكوين الفكري والعلمي بالموازاة مع التكوين التربوي، وتوجيه الكفاءات للانشغال بالبحث والإبداع بدل اعتمادها كطاقات تنفيذية، والقيام بحملات داخلية للتحسيس بأهمية القراءة في المجالات المختلفة... كما يتوجب إيجاد مؤسسة للنشر تساعد الباحثين والمبدعين خاصة الشباب والمبتدئين لنشر أعمالهم وتوزيعها على أوسع نطاق، وإحداث مراكز للأبحاث يسهر عليها خبراء وفنييون من مختلف التخصصات، مهمتها إعداد الدراسات الاستراتيجية والفنية الموجهة للعمل الميداني للحركة الإسلامية.
كما أن الضرورة تدعو إلى تزويد نوادي القراءة في الجمعيات الثقافية الإسلامية بالكتب الفكرية المفيدة والمتنوعة بدل إغراقها بالمطبوعات الفقهية المختصرة، ثم الدفع في اتجاه إحداث مجمع فقهي يضم مختلف التخصصات العلمية، وكذا الحساسيات الفكرية، مهمته الاجتهاد وتقريب وجهات النظر الفقهية في القضايا الشائكة التي تشغل بال المجتمع المغربي، بالإضافة إلى عدم التنقيص من الأفكار الإيجابية الصادرة من الأطراف غير الإسلامية، والعمل على استثمارها في الاتجاه الذي يخدم المصلحة العامة فالحكمة ضالة المؤمن...
بقلم ذ. محمد إكيج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.