ولي العهد يترأس حفل تخرج بالقنيطرة    تأجيل "الكان" بالمغرب إلى مطلع 2026    جريمة "الماحيا" تطيح ب7 أشخاص    دراسة…إرتفاع حرارة الأرض الناجمة عن النشاط البشري إلى "مستوى غير مسبوق"    بورصة البيضاء تنهي التداولات على وقع الأحمر    ماذا قال مدرب منتخب زامبيا عن مواجهة المغرب؟    49 في المائة من المواطنين يقتنون الأضحية قبل عيد الأضحى خلال فترة من 3 إلى 7 أيام    ولاية أمن تطوان تتفاعل بجدية مع مقطع فيديو يوثق لتبادل الضرب والجرح    انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    الاضراب يشل المؤسسات الصحية بإقليم الحسيمة للأسبوع الثاني    الاتحاد السعودي يوافق على رحيل لاعبه المغربي حمد الله    نصف نهائي كأس العرش يومي 21 و23 يونيو بأكادير    يونس البحاري كاتبا إقليميا بتازة    ترقب في القدس لمسيرة الأعلام الإسرائيلية وبن غفير يهدد بدخول باحات المسجد الأقصى    التكنولوجيا تُعزّز مصداقية امتحانات الباك    دفاع "مومو" يطالب بالكشف عن الخبرة التقنية على هاتف موكله    سائقو سيارات الأجرة يحاصرون حافلات المطار ويمنعونها من نقل المسافرين    مطالب بإنصاف حراس الأمن المدرسي    المخرج عزيز السالمي يترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الرباط كوميدي    أنتونيو كونتي مدربا جديدا لنابولي الإيطالي    مناهضو التطبيع يواصلون الاحتجاج ضد المجازر في غزة ويستنكرون التضييق وقمع المسيرات    إطلاق نار يستهدف سفارة أمريكا في بيروت    صديقي يكشف عدد الأغنام المستوردة الموجهة لأداء شعيرة عيد الأضحى    "اتفاق الرباط" يوصي بالاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي    دراسة…حرارة المياه الجوفية ستجعلها غير قابلة للاستهلاك بحلول نهاية القرن    تعزية في وفاة زوجة محمد الحمامي رئيس مقاطعة بني مكادة بطنجة    ماركا تُرشح دياز للفوز بالكرة الذهبية الإفريقية    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    إقليم برشيد…أونسا تكشف سبب نفوق رؤوس الأغنام    الأكاديمية فاتحة الطايب تُشرّح واقع الأدب المقارن بجامعة محمد الخامس    "سفر في الوجوه، رواق" للكاتب عزيز الشدادي    توقعات أحوال الطقس غدا الخميس    مبادرة بوزان تحتفي بزي "الحايك" الأصيل    تقصي الحقائق: ماذا يحدث على حدود رفح بين مصر وغزة؟    مراكش.. شاب يقتل والده بطريقة بشعة ويلوذ بالفرار    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الأربعاء    ارتفاع أسعار الذهب بدعم من ضعف الدولار    مجلس المستشارين يصادق على مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة    علماء أمريكيون يقتربون من تطوير لقاح مركب ضد جميع فيروسات الإنفلونزا    23 قتيلا و2726 جريحا حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    قصف مستمر على غزة والجيش الإسرائيلي مستعد "لتحرك قوي" على حدود لبنان    تقرير: 70 في المائة من الأطباء يتمركزون في أربع جهات فقط وطنجة ليست ضمنها    مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغربي القصير يفتح باب المشاركة في دورته الجديدة    لطيفة رأفت: القفطان المغربي رحلة طويلة عبر الزمن    سلوفينيا تعترف بدولة فلسطين    بطولة رولان غاروس: الايطالي سينر يبلغ نصف النهائي ويضمن صدارة التصنيف العالمي بانسحاب ديوكوفيتش    مجلس النواب الأميركي يصوّت على معاقبة مسؤولي "المحكمة الجنائية الدولية"    خبراء: حساسية الطعام من أكثر الحالات الصحية شيوعا وخطورة في زمن تنوع الاطعمة    فرق محترفة تقدم توصيات مسرحية    الرجاء يتلقى ضربة موجعة قبل موقعة مولودية وجدة    حكم يدين إدريس لشكر بسب صحافيين    كيف ذاب جليد التطبيع بين إسرائيل والمغرب؟    "أونسا" يكشف نتائج التحقيق في أسباب نفوق أغنام ببرشيد    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (15)    السعودية تحذر من درجات حرارة "أعلى من المعدل الطبيعي" خلال موسم الحج    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    دراسة: القطط بوابة خلفية لانتقال أنفلونزا الطيور إلى البشر    الأمثال العامية بتطوان... (615)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة:أي موقف للإدراة الأمريكية اليوم اتجاه الإسلاميين؟
نشر في التجديد يوم 09 - 12 - 2011

بعد الربيع العربي الذي تحول إلى ربيع إسلامي إثر صعود تيار الإسلام السياسي للحكم في كل من تونس والمغرب، وبروز بوادر اكتساح الإخوان للانتخابات المصرية التي دخلت مرحلتها الثانية بعيدا هذه المرة عن تدخل النظام المستبد.. ظهر تغير لافت في المواقف بالنسبة للقوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي ظلت إلى وقت قريب تستعمل فزاعة الإسلاميين لتمديد عمر النظم الفاسدة، والاستفادة من الثروات والتحكم في المشهد السياسي للدول العربية.
وأمام هذا التغير، تقدم دراسة أعدها الدكتور "ناتان براون" أكبر المساعدين ببرنامج الشرق الأوسط بمعهد كارنجي للسلم العالمي، قدمها شهادة أمام الكونغرس الأمريكي في شهر أبريل الماضي، حول "الإخوان المسلمون"، حاول من خلالها أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن يغير موقف الإدراة الأمريكية واللوبيات المتحكمة فيها اتجاه الإخوان، إذ قام برصد تطور الفكر السياسي للحركة استنادا على المعاينة والمتابعة واللقاء مع القيادات والقواعد، قبل أن يقدم جوابا عن الموقف الذي ينبغي أن تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية في ظل التغيرات التي عرفها ومايزال يعرفها الإقليم العربي. الإخوان المسلمون والطرح السياسي.. كيف؟
اعتبر "ناتان براون" أكبر المساعدين ببرنامج الشرق الاوسط بمعهد كارنجي للسلم العالمي، أنه من اليسير إجراء بحث عن جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي، بخلاف ما يعتبره البعض من كون الجماعة منغلقة على ذاتها، بحكم اشتغالها داخل بيئة سياسية صعبة، إذ قال في شهادة أمام الكونغرس الأمريكي "قادة الإخوان صرحاء ومن السهل الوصول إليهم، وانتقاداتهم معلنة ومفصلة في ملاحظاتهم، ويمكن وصف تصريحاتهم بالجريئة.. أما خطاباتهم المسجلة فهي غنية عن التعريف".
وقدم المتحدث في دراسته، جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة منتشرة في عمق المجتمع تهدف إلى إصلاح الفرد والمجتمع من خلال رؤية إسلامية، باستلهام منهج التدرج والوسطية الذي يسمح لها بالاستمرار رغم كل ظروف الاستبداد في العالم العربي، وشدد على أن الانتقال نحو نظام ديمقراطي هو من أهم التحديات المطروحة على تنظيمات الإخوان المسلمين، ليس لأنها تنظيمات ضد الديمقراطية بل لأنها لم تحسم بعد في برنامجها السياسي.
ويبقى أهم سؤال من وجهة نظر "براون"، كيفية اندماج الإسلاميين في السياسة، والذي يتفرغ عنه معطيات أخرى يطرح حولها الاستفسار، من قبيل تنافس الإخوان المسلمين على المناصب ومسألة التحالفات. لكن الواقع والبيئة المستبدة، يؤكد "براون" تجيب نسبيا وبشكل سهل عن هذه الأسئلة، كما يمكن من خلالها فهم الإخوان بحسب الأنظمة الموجودة، وهكذا يقول "إذا ظهرت ديمقراطية جديدة في ظل هذه الثورات في العالم العربي؛ آنذاك يمكن للإخوان أن يتخذوا قرارات صعبة بخصوص تصورهم للعمل من الناحية السياسية".
من جهة أخرى، ذهبت الدراسة، إلى التأكيد على أن الإسلاميين أكثر وضوحا من غيرهم وليس لديهم أنواع من المشاريع الخفية، والشكوك التي قد تحوم حولهم تنتشر في وسط سياسي منغلق بسبب النظام المستبد، وحالة الإخوان المسلمين غالبا ما تشوه من طرف الأنظمة التي تنشر ادعاءات باطلة ونظريات مؤامرة غريبة. وهكذا أوضحت الدراسة أنه من غير المدهش وجود تأويلات تآمرية تنتشر عن الإخوان، لذلك طالب "براون" من الجمهور الأمريكي أخذ الخطابات الرسمية للإخوان بجدة أكثر من الادعاءات المقترحة، وقراءة فكر الإخوان للتعرف على موقفهم بشكل نهائي ودقيق.
وأضاف، أن الشكوك التي تحوم حول خطاب حركة الإخوان المسلمين، مبنية أساسا على فهم ضعيف لكيفية انتشار إيديولوجية الحركة، فقادة الإخوان المسلمين كأي قادة سياسيين آخرين يخطفون حب الجمهور، وقال "براون" الذي كتب في موضوع الحركات الإسلامية في العالم العربي منذ سنة 2004، في شهادته، إن قادة الإخوان أقل من الآخرين في تغيير موقفهم. وأعلن أنه تعلم شيئين اثنين من خلال قراءته وسماعه لخطابات قادة الحركة الإسلامية، أولا ضرورة تحديد كلام القائد هل هو موقف شخصي أم موقف الحركة؟ ثانيا، مدى دقة الخطاب؟ دون أن يتجاهل الإشارة إلى أن الخطابات التي تعكس وجهة نظر شخصية أو عمومية تظهر مدى تنوع الآراء داخل الحركة.
الإخوان المسلمون يعتنقون الديمقراطية السياسية
قبل أن تتوقف الدراسة عند مسألة تبني الإسلاميين للديمقراطية، كشفت موقف الإخوان المسلمين من العنف السياسي، إذ أكدت الدراسة أن الجماعة صادقة حتما حينما تصف نفسها بالسلمية، وعلى نفس الدرجة من الصدق حينما يتعلق الأمر بالاستثناءات التي تصوغها لهذه القاعدة.
ففي معظم الدول، موقف الحركة جد واضح، مطلبها الوحيد هو تغيير سياسي سلمي؛ فهي ترفض العنف كسبيل لحماية أهدافها؛ ورفض العنف هذا ليس مجرد تعديل تكتيكي ( لملائمة الممارسة السياسية) و لكنه موقف استراتيجي، تؤكد الدراسة. وبالمقابل فإن حركة الإخوان المسلمين ترى أن العنف يكتسب مشروعيته في حالة الاحتلال الأجنبي، وبهذا فإن الحركة -تضيف الدراسة- تعلن دعمها لاستخدام العنف الذي يستهدف إسرائيل والتواجد الأمريكي بالعراق. وموقف الحركة يشكل إلى حدود الآن الأغلبية في الرأي العام العربي.
وبخصوص هذا الموقف الذي رصدته الدراسة، لم يخفي "براون" استغرابه، إذ قال "إن حماس التي ولدت من حركة الإخوان المسلمين الفلسطينية تواصل مقاومة إسرائيل، بينما الحزب الإسلامي العراقي –الحزب الأقرب للحركة- يشارك في إعادة البناء السياسي في البلاد بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية بعد سنة 2003"، وأضاف في معرض شهادته "لعل هذا أكبر دليل على تنوع طبيعة حركة الإخوان المسلمين".
وانتقلت الدراسة، بعد الإشارة إلى سلمية المشروع الإصلاحي الذي يتبناه الإسلاميون، إلى التأكيد على أن حركة الإخوان تبنت الديمقراطية في معظم الدول التي تنشط فيها، فلم ترفضها مبدئيا، رغم أنها لم تثق لمدة طويلة في السياسات الحزبية (عنصر هام للديمقراطية) وبدت في أحيان كثيرة غير مهتمة بالشأن السياسي اليومي. وأضافت أن الأجيال الأخيرة حملت وفاء الحركة للسياسات الانتخابية، وقبولها للأحزاب السياسية، ورفضها ل "دغمائية" سيد قطب، ودعمها لتناوب السلطة الذي أصبح أساسيا في مطلبها. ونبهت الدراسة إلى أن بعض الحركات أصبحت أكثر ديمقراطية في عملياتها الداخلية و كل الحركات التي لم تسلك نفس المسار أصبح موقفها دفاعيا و تبريريا (مفسرين ذلك بعدم القدرة على تطبيق ديمقراطية داخلية إن لم يكن وضعهم شرعي بالكامل).
الاستعداد لتحديات الديمقراطية منذ الثورة
أوردت الدراسة، أن انهيار الدكتاتور بمصر فتح الباب بمصراعيه لمشاركة غير مسبوقة للإخوان، وكتب "براون" "من المهم أن نتذكر أن الإسلاميين لديهم أجندة شاملة غير مقتصرة على السياسة فقط، فهي غير مستعدة لترك دورها الاجتماعي والتربوي والدعوي والخيري لتعتلي الحكم"، وأضاف "ليست للحركة كذلك رغبة في ممارسة السياسة بحد ذاتها وإنما الممارسة السياسية سبيل لإنجاز مهمتها في عملية أسلمة أوسع". وتعتبر الدراسة، أن فترة ما بعد ثورة 25 يناير في مصر تروق للإخوان المسلمين بالمقارنة مع حقبة مبارك، وبمقدورهم تحقيق نجاح كبير بفضل تنظيمهم السياسي المحكم، وفي غياب المؤامرات المتوقعة حول تحالفات سرية مسلحة في علاقتهم مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يبقى الإخوان أمامه ضعفاء.
أي سياسة للولايات المتحدة الأمريكية اتجاه الإخوان؟
طرح "براون" أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن في دراسته، سؤالا عريضا يهم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه الإخوان المسلمين. قبل أن يشدد على أن الإدارة الأمريكية لا تملك سياسة واضحة اتجاه الإسلاميين، مستدلا على ذلك بقوله "نتعامل في المغرب مع حركة إسلامية مماثلة لجماعة الإخوان المسلمين (وإن لم يكن هناك انتساب فكري رسمي) كفاعل سياسي عادي، بالمقابل نمنع دبلوماسيينا من لقاء حماس بالقانون والسياسة، وفي مصر لا وجود لاتصالات مباشرة مع ممثلي الإخوان المسلمين في البرلمان. أما الأردن، فهناك اتصالات هادئة لكن الدبلوماسيين والإسلاميين معا يخجلون من عقد اللقاءات، بينما في الكويت لدى الدبلوماسيين اتصالات ليس مع الإخوان المسلمين فقط وإنما مع الإسلاميين من مختلف الاتجاهات".
وفي سياق متصل، توصلت الدراسة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، لا تحتاج إلى سياسة اتجاه الدول التي تعمل فيها جماعة الإخوان المسلمين أكثر مما تحتاج إلى سياسة اتجاه أحزاب الخضر والأحزاب الاشتراكية وأحزاب اليمين القومي. إذ أفادت الدراسة، أن هذه الأحزاب تجعل جماعة الإخوان المسلمين تأخذ مواقف سياسية تعارض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية (موقف الإخوان المسلمين من معظم قضايا السياسة الخارجية عامة، غير خارجة عن الخط الرئيسي داخل البلدان التي تعمل فيها). وأبرزت، أن جماعة الإخوان المسلمين في الأماكن التي تعمل فيها مثل مصر والكويت والأردن تهدف إلى بناء علاقات ثنائية قوية مع أمريكا ذات تنوع اقتصادي ودبلوماسي وأبعاد أمنية.
من خلال هذه المنهجية، تؤكد الدراسة، أن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية يجب عليها عموما أن تستند على تقدير بأن الإخوان المسلمين يمكن لهم أن ينتشروا بعمق في المجتمع، وهذا يعني أن وجود نظام سياسي صحي هو الذي ينبغي أن يشمل الإخوان المسلمين.
من جهة أخرى، أكد "براون" أنه ظل دائما حائرا عند صياغة السؤال التالي "هل يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن ترتبط مع الإخوان المسلمين؟"، إذ أكد أن المناقشات التي جرت بين الدبلوماسيين والقادة من مختلف الأنواع وسيلة لجمع المعلومات وممارسة السياسية وليس الحد منها. وأضاف في شهادته، أن المسألة ليست الارتباط مع الإخوان المسلمين من عدمه "دبلوماسيونا يجب عليهم -طبعا- القيام بمهمتهم على أحسن الأحوال من خلال تطوير اتصالات مفيدة مع جميع الفاعلين السياسيين، من أجل أن تؤكد أن سياستنا أكثر اطلاعا دون أن تصبح هذه الاتصالات مركزا في أي سياسة"، وأعلن "براون" أن السؤال الحقيقي هو أن تتصل مختلف القوى السياسية المحلية مع بعضها البعض، حتى تساهم في المشاركة السياسية بطريقة واضحة وتكون على استعداد للعمل مع أي قيادة شرعية.
وأشارت الدراسة، أنه في مصر (و في عدة دول عربية أخرى بما فيها المغرب و الأردن على سبيل المثال) ليس من السهل أن تقرر الولايات المتحدة تضمين أو استبعاد الإخوان المسلمين، حيت تنظم الانتخابات في هذه البلدان وفقا للقانون، و الولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة على تحديد قوة الدخول في الحياة السياسية الانتخابية للإخوان، كما لا يمكن أن توجد أي قوة سياسية تضغط من أجل تنحي الإخوان المسلمين باعتبارهم فاعلا سياسيا.
بدايات الإخوان وتطور فكرة التغيير
حرص "براون" في مستهل دراسته، على رصد تطور فكر جماعة الإخوان المسلمين، من خلال النبش في الماضي ومعاينة مدى الإشعاع الذي خلفه الإسلاميون في العالم العربي، قبل التطرق إلى طموحاتهم التي نبعت من اجتهادهم، وتعرضت الدراسة إلى بداية الإخوان المسلمين كمربين من خلال الحركات الإصلاحية التي عرفت بشعارها "كن مستعدا"، ثم تطور فكرهم بعد العنف والتضييق الممنهج الذي لحقهم في فترة تاريخية، كما توقفت الدراسة أيضا عند منهجية سيد قطب في مواجهة "الراديكالية" داخل صفوف الإخوان وما خلفته من تساؤلات. وفيما يلي أهم ما جاءت به الدراسة في هذا الجانب.
كان "حسن البنا" مؤسس الحركة واعيا بأهمية التربية، وكان يطمح إلى إيجاد تنظيم متماسك يهتم بتربية الأجيال الناشئة، لكن الإخوان كانوا متميزين عن حركة المربين ليس فقط بتوجههم الإسلامي بل ببرنامجهم الطموح أيضا، الذي جعل رسالتهم اليوم تهدف إلى إصلاح الفرد والمجتمع في كل نواحي الحياة. وفي نظر "حسن البنا" فمهمة الإخوان ليست بناء مجموعة ملتزمة معزولة عن المجتمع يعيش أصحابها الخلاص الفردي، وإنما الانتشار في المجتمع، والاشتغال بمنهج المربين الأوائل. عبقرية "البنا" جعلته يخلق حركة بعث روحي و عمل جماعي أكثر مما هو تنظير فكري، وهذا يتأكد من خلال بداية نشأة الإخوان المسلمين، بعدم اهتمامهم بالأفكار المجردة مقارنة مع العلاقات الفردية الوثيقة المرتبطة بإصلاح الفرد و المجتمع، بهذه الطريقة يمكن اعتبار تنظيم الإخوان تنظيما قويا و توجهاته نادرة. وبسبب هذا المنهج المعتدل لا يتم فصل أي عضو عن الإخوان بسبب تفكيره أو آرائه.
ركزت جماعة الإخوان المسلمين في عملها على المستوى الاجتماعي و السياسي، و تأثرت بشكل كبير بالظروف التي تعمل فيها، وبالرجوع إلى انطلاقتها الأولى، نجد أنها كانت عبارة عن حركة اجتماعية واسعة أخذت منحى سياسي، تمخض عنه في الأربعينات خروج أجنحة للشباب اتخذت شكل تنظيم عسكري (كنماذج من الحركات الأوربية اليمينية و اليسارية في نفس المرحلة). وقد شكلت هذه الحركات في أواخر الأربعينيات " أجهزة خاصة" انخرطت في أحدات عنف ثم انحل جسمها على امتداد نصف قرن مضى، إلا أنه أدى إلى استمرار تضرر سمعة الإخوان. وخلال مرحلة الخمسينات والستينات تحول النظام المصري إلى قمع الإخوان باستعمال طرق قاسية جدا ( تشتيت، اعتقالات، إعدامات، محاكمات، تعذيب، نفي) مما أدى إلى بداية العمل السري للإخوان المسلمين.
عانت جماعة الإخوان المسلمين صعوبات في مصر، إلا أنها انتشرت على المستوى الدولي و جذبت اهتمام باقي الدول العربية مبكرا ما بين الثلاثينيات و الأربعينات، الشيء الذي جعل أعضائها في مصر يسافرون إلى دول أخرى من أجل نشر أفكارهم. وكانوا يجدون بعض الأحيان بيئة سياسية مساعدة جدا، أهلتهم أن يصبحوا ذوو خبرات واسعة؛ ففي الأردن مثلا، كان الإخوان أول حركة استفادت من قانون الحزب الليبرالي سنة 1992 لتخلق نموذجها المتمثل في جبهة العمل الإسلامي.
رغم الإشعاع الذي أخذته الجماعة منذ بداياتها، فقد حملت بين صفوفها بعض الأفكار الراديكالية التي استأصلت بقاياها فيما بعد، وذلك يرجع إلى أثر القمع المصري القاسي ما بين الخمسينات والستينات على قياداتها، مما جعل معظمهم أكثر حذرا وأقل استعدادا سياسيا وأكثر حرصا على تجنب المواجهة مع النظام. رغم ذلك، خلق النظام المصري أنواعا جديدة أكثر قمعا على فكر الإخوان، تمثل في الحيلولة دون توغلهم في المجتمع والسياسة ومحاولة إرغامهم على الانسحاب من المجتمع، فتراجع نشاطهم الدعوي، إلى أن بادر "سيد قطب" إلى تطوير منهجية جديدة تعتمد على تأهيل جيل وفق منهج التربية والتزكية، قادر على المواجهة والتدافع في المجتمع.
منهجية "سيد قطب" ظهرت كتناقض وسط صفوف الإخوان، مما أدى إلى عدم تقبل أفكاره بوضوح، وهو الشيء الذي قاد إلى شبهة كبيرة لحقت الإخوان المسلمين. فتناسلت الأسئلة حولهم بشكل كبير، أهمها، هل الحركة غيرت منهجها في التغيير بالقوة رغم توفرها على وسائل العنف؟. جواب هذا السؤال واضح، "لا، فرفض التغير السلمي بواسطة العنف جاء عن رؤية إستراتيجية واضحة".لقد كان الإخوان المسلمين مترددين في الإعراض عن أفكار سيد قطب التي تدعو إلى الابتعاد عن أعمال العنف، لأنها غالبا ما تؤدي إلى مزيد من القمع و السجن. ويمكن اعتبار المشكل الحقيقي المتصل بين سيد قطب وجماعة الإخوان المسلمين، اقتراحه الانسحاب من المجتمع بدل مسايرة نمط الحياة، وهو ما يطلق عليه أحيانا من طرف بعض الناشطين "النزعة التنظيمية" من أجل بناء حركة قوية يمكن أن تقوم بمهمتها و دورها السياسي في المجتمع.
مقاربات الدراسة لحركية الإخوان قبل وبعد الثورة
حركة الإخوان ووجهت بسياسات قمع قاسية لكنها ظلت وفية لنهجها السلمي في التغيير
أكدت الدراسة التي قدمها "ناتان براون" شهادة في الكونغرس الأمريكي شهر أبريل الماضي، أن أفضل دليل على سلمية حركة الإخوان المسلمين في مصر هو نشاط الحركة خلال الجيل الأخير، إذ رغم كونها ووجهت بأدوات و سياسات قمع قاسية، فإنها ظلت وفية لنهجها السلمي في التغيير خلال السنوات الأخيرة لمبارك على رأس النظام السياسي المصري. وأجبرت الحركة على الانسحاب التدريجي من الحلبة السياسية تحت القهر الشديد، إذ أضحت تعاني فتورا جعلها غير مستعدة للثورة عند قيامها، قبل أن تصبح فاعلا بارزا فيها.
قبل الثورة: قمع وانكماش
بعد ربع قرن من القمع و القهر، سمح لقيادات الإخوان المسلمين بإكمال نشاطهم إبان حكم السادات سنة 1970. فأعاد الإخوان تنظيم صفوفهم بخطى بطيئة، إلا أن الحركة الصاعدة من جديد لم يكن لها شرعية وتم عرقلة دخولها للنشاط السياسي، فوجدت طرق أخرى للمشاركة السياسية، من خلال انتخابات الجمعيات المهنية و المنافسة على مقاعد في البرلمان من داخل أحزاب أخرى.
سمح النظام بمستوى معتدل للمشاركة السياسية في الثمانينات، لكن التسعينات شهدت تدخلا مباشرا لإبعاد مرشحي الإخوان عن المشاركة السياسية عن طريق أخذ القيادة في بعض الجمعيات المهنية التي كان يرأسها الإخوان، وإغلاق بعض المشاريع والمنظمات الغير حكومية التي كان يرأسها الإخوان ثم محاكمة بعض أعضاء الجماعة.
في العقد الأول من الألفية الثالثة، قام النظام بتوسيع الدائرة الضيقة للسياسة بعقد انتخابات برلمانية سنة 2005 شارك فيها الإخوان، الانتخابات -بمراحلها الثلاث- أبرزت الحنكة الانتقالية للإخوان المسلمين، فلم يستطع النظام تحمل نجاحهم البين فتدخل بشكل متصاعد و سافر (وأشهر هذه التدخلات كانت منع المنتخبين من الوصول إلى مكاتب الاقتراع بالأماكن ذات الولاء للإخوان المسلمين). وبعيد رجة الانتخابات، قام النظام بمحاصرة الحركة في لحظة كان ثلث القياديين الكبار يقبعون داخل السجون.
الحقيقة أن النظام ظهر وكأنه يلعب لعبة "القط والفأر" مع الإخوان، إذ سمح للحركة بالعمل داخل حدود غير ثابتة، وسارع في لحظة بدت فيه الحركة قادرة على خلق تحد سياسي إلى التكشير عن أنيابه، وهو ما جعل الحركة تختار الانكماش إبان السنوات الأخيرة من حكم مبارك.
الثورة: شبيبة الإخوان تمتص الحركة
عندما بدأت الثورة في 25 من يناير، عملت قيادة الإخوان بحذر شديد لاختيار الدور المناسب، أما الشباب فتطلعوا إلى المشاركة في المظاهرات وضغطوا على القيادة لاتخاذ القرار، وبالفعل اتخذت الجماعة موقفا يسمح بمشاركة فردية لأعضائها دون أن يكون للحركة كتكتل أي دور، ومع تعاظم الاحتجاج لم يعد بإمكان قادة الحركة تفادي رهاناتهم بسهولة.
بعد أيام من مشاركة الشبيبة، لاحظ قادة الإخوان رد الفعل الشعبي والإجابة القاسية المتقطعة للنظام فقرروا النزول بكامل ثقل الحركة إلى جانب المتظاهرين، وكان ذلك نصرا للشباب الذين أنهوا عناد كبار قادتهم. رغم ذلك لم ينته التوتر القائم بين مقاربة شباب الإخوان والقادة، وتسارعت وثيرة الاختلاف عندما قام نائب الرئيس حينها عمر سليمان بفتح حوار مع ممثلي المعارضة، وشاركت الحركة بوفد في اللقاء، كان من المحتمل أن يزداد الانشقاق لولا أن المشاركين من الإخوان في اللقاء أعلنوا أن مشاركتهم من أجل تمثيل مطالب المعارضة. وفي خطوة أخرى أرجعت الانقسام إلى السطح، عقد شباب الحركة لقاء دعوا إليه مهمشي الحركة مما أثار حفيظة القادة، واستمرت الجهود لخفض التوثر.
يعود أصل الاختلاف بين شباب الحركة وشيوخها، إلى خلافات ثقافية، فالقادة الكبار يعتبرون الهرمية والنظام الداخلي، والتأني، ووحدة الصف من أسمى المبادئ، مستحضرين بذلك التجارب القاسية للحركة ومتوخين الحذر اتجاه الخارج أيا كان. أما الشباب فيرون الحركة أفضل حالا بقيادة متحررة من خلال شبكة كبيرة توحدها رؤية مشتركة ومقاربة شاملة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.