مهنيو قطاع النقل الطرقي للبضائع يرفضون مضامين مشروع مرسوم ولوج مهن النقل ومزاولتها    فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني .. وطهران تؤكد فقدان الاتصال    المبادرة الوطنية للتنمية البشرية : احتفاء بالذكرى ال19 تحت شعار التعبئة والتوعية بالأهمية الحيوية للأيام الألف الأولى من حياة الطفل    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    شبيبة الأحرار تستنكر "التشويش" على الحكومة    الجيش الكونغولي يعلن إحباط "محاولة انقلاب"    الرياض وواشنطن تقتربان من توقيع "اتفاقيات استراتيجية" تمهد للتطبيع    ساكنة الناظور تستنكر إبادة الفلسطينيين في وقفة تضامنية    أخبار الساحة    ألف تذكرة لمشجعي بركان أمام الزمالك    المعرض الدولي للنشر والكتاب.. إبراز تجليات مساهمة رئاسة النيابة العامة في تعزيز جودة العدالة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تُبرز حضور الشباب المغربي في صلب أولوياتها    البطاقة البيضاء تحتفي بالإبداع السينمائي الشبابي خلال مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة    انفجارات السمارة.. أكاديمي يحمل المسؤولية للجزائر    باحثون مغاربة وأجانب يتخوفون من تأثير الذكاء الاصطناعي على الأدب والفن    بسبب الجفاف.. الجزائر تتجه لخطف المركز الثاني من المغرب    مجموعة «إمديازن» تعود لجمهورها بأغنية «إلى الجحيم يا حساد»    الإطار المرجعي للامتحانات يخلق الجدل ومطالب بحذف بعض الدروس    إحباط "محاولة انقلاب" في كينشاسا بحسب متحدث باسم الجيش الكونغولي    المالكي : السينما.. جسر تواصل ولغة عالمية تتسامى على الاختلافات    عطية الله: سقوط سوتشي "أمر مؤسف"    "لا داعي للمالديف".. مصممون سعوديون يعرضون أزياءهم على شواطئ المملكة    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني: تسليط الضوء على تحديات وفرص استعمالات الذكاء الاصطناعي في المرافق الأمنية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    تصادم بين سيارتين يرسل 5 اشخاص الى مستعجلات طنجة    بعد إسبانيا.. مزارعون فرنسيون يعتدون على شاحنات مغربية محملة بالطماطم    موقع أمريكي يصنف طنجة وشفشاون ضمن أرخص الوجهات السياحية في إفريقيا    نجم المنتخب الوطني قريب من مجاورة حكيم زياش    أنشيلوتي يوضح موقفه من أزمة تشافي مع برشلونة    المغرب وفرنسا يعززان التعاون السينمائي باتفاق جديد    مهرجان "فيستي باز" ينتقد وسائل الإعلام الوطنية والقنوات الرسمية    بعد صفعة العزل.. بودريقة مطلوب في جامعة الكرة لهذا السبب    سائقون يتركون شاحنات مغربية مهجورة بإسبانيا بعد توقيعهم على عقود عمل مغرية    استعدادا لموسم الصيف.. حملة تستهدف تحرير كورنيش طنجة والشاطئ    بسبب أمطار شهر ماي.. فلاحون يتخوفون من تضرر المحاصيل الزراعية    مستشفى بغزة يعلن مقتل 20 شخصا في قصف إسرائيلي    مهرجان كناوة بالصويرة من المواعيد الموسيقية الأكثر ترقبا خلال 2024 (موقع أمريكي)    في سابقة بالسعودية.. تنظيم أول عرض أزياء لملابس السباحة    في ظرف يومين فقط.. عدد زوار الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير يبلُغ 770.000    بعد شجاره مع المدرب.. إشبيلية يزف خبرا سارا للنصيري    مواجهات مسلحة بين مغاربة وأفراد عصابة في إسبانيا    أفغانستان: مصرع 50 شخصا بسبب الفيضانات غرب البلد    أوسيك يهزم فيوري ويصبح بطل العالم بلا منازع في "نزال القرن"    لماذا النسيان مفيد؟    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الأمثال العامية بتطوان... (602)    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة الجالية المغربية المقيمة بالخارج في ظروف أحسن من العام الماضي :القلق على مستقبل الآبناء وهويتهم يهيمن على الآباء
نشر في التجديد يوم 16 - 08 - 2004

جل الذين قابلناهم من المهاجرين المغاربة العائدين إلى أرض الوطن هذا العام، أكدوا أن ظروف الاستقبال كانت جيدة مقارنة مع الفترات السابقة، حيث لم تعد تذكر مشاهد الوقوف المستمر في طوابير طويلة بفعل طبيعة الإجراءات والتدابير المتخذة من لدن مديرية الجمارك لجعل عملية العبور تمر في أحسن الأحوال، وعزا بعض المهتمين هذا التحسن الملموس إلى "السعي الجاد للدولة إلى تحويل وجهة الجالية نحو الموانئ المغربية بهدف دفع عجلة التنمية الاقتصاد ية إلى الأمام"، وأضاف مستدلا على صحة قوله أن "هذا التحسن غير المسبوق خصص للعابرين من ميناء بني انصارفقط. أما العابرين لميناء مليلية المحتلة فالإجراءات المتخذة فيه تعتريها بعض التعقيدات الجمركية. واعتبر البعض الآخر هذا التحسن في الاستقبال "نوعا من المصالحة مع المهاجرين المغاربة الذين أصبحت لديهم فكرة العودة بداية لقصة طويلة من المعاناة، الشيء الذي جعل البعض منهم يفضل قضاء العطلة الصيفية في المهجر على أن يقضيها بين أقربائه ومعارفه."
وهذا السهر المتواصل لمؤسسة محمد الخامس ومديرية استغلال الموانئ ومفوضية الشرطة لميناء بني أنصار والمديرية الجهوية للجمارك ومؤسسات أخرى على تأمين عملية العبور لا تخلو من وجود بعض المشاهد الغاضبة للمهاجرين، نتيجة جهلهم للقوانين المعمول بها تارة وتجاوزات أخرى.
وإذا كانت هذه الجهود المبذولة لتيسير وتخليق عملية العبور قد رسمت ابتسامات طويلة على شفاه الكثير من المهاجرين ولقيت استحسانا واسعا في أوساط الجالية، بحيث انبهر الكثير منهم قائلين: «لم ألبث في الميناء أكثر من عشر دقائق، الشيء الذي لم يكن في السابق"، فإنها لاتزال تشكل حلا لجزء يسير من ترسانة من المشاكل التي يعاني منها المهاجرون داخل الوطن وخارجه.
مستقبلون بأجر زهيد:
أول ما يلفت أنظار الداخلين إلى ميناء بني أنصار، الذي يبعد عن وسط مدينة الناظور بحوالي 14 كلمترا مجموعة من جنود الخفاء بلباس موحد، يعملون بشركة آنسي ماروك في إطار اتفاقية بينها وبين المكتب الوطني لاستغلال الموانئ حسب ما أدلى به بعض الموظفين في الشركة موزعين بانتظام في كل أرجاء الميناء الواسعة لا يبرحون أماكنهم، ينتظرون خدمة يسدونها لكل وافد على الميناء تظهر عليه علامة الغربة أو علامة التيه... هذه هي مهمتهم، يقدمون المساعدة للجالية المغربية وأقاربهم دون توقف أو مماطلة، إضافة إلى أعمال أخرى كثيرة... من هؤلاء (محمد سطافي) من مدينة تازة، يحكي لنا عن معاناته، شأنه شأن زملائه الآخرين . يلتفت يمينا وشمالا وهو يحدثنا قائلا : «نعمل 12 ساعة على فوجين، وفي بعض الأحيان حينما تتم عملية تغيير الأفواج نضطر لنعمل 6 ساعات إضافية لتصبح في مجموعها 18 ساعة. وهذا مقابل أجر زهيد لا يتعدى 1200 درهم في الشهر، لا يكفي للتغلب على تبعات وتكاليف الحياة. ويضيف: «نقدم المساعدة للجالية وننظف المكان بعناية ونعمل كل ما في جهدنا لجعل المكان في أبهى صوره وهذا كله يصب في تهييء المناخ الجيد للاستقبال.. وهذا هو المطلوب
منا».
ميناء بني أنصار ... إجراءات أمنية مشددة
الساعة كانت تشير إلى الثانية وأربعين دقيقة بعد الزوال، حينما بدأت الباخرة الآتية من ألمرية الإسبانية تقترب من المحطة وتستعد للرسو، بعدما تأخرت عن موعدها المقرر بثلاث ساعات بفعل هبوب رياح خفيفة، حينها، انقلب السكون الذي كان سائدا داخل المحطة إلى تحركات غير عادية يحسبها الداخل لأول مرة إنذارا بخطر قد اقترب. إجراءات أمنية مشددة، قوات الشرطة والقوات المساعدة تحيط بالمكان ربما لمنع أي محاولة للتسلل من قبل المهاجرين السريين الذين يتحينون الفرصة للتسلل والانفلات من الرقابة وسط جمع غفير من الجالية نحو الباخرة، وقيامنا بالتقاط صورة لبوابة الباخرة لحظة خروج السيارات لم يكن سهلا، بل كان رفقة ظابط شرطة كلف بمرافقتنا حتى المكان الذي لم يكن فيه غير الضابط المذكور ومصور التلفزة المغربية. هذا بعد قطع أشواط مهمة بين مسؤول وآخر، وكل هذا يؤكد الضابط «جزء من الواجب، إلى جانب مجموعة من الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها لتأمين عملية العبور...»، ويضيف: «العميد (محمد إصلاح) يشرف بنفسه على متابعة عملية العبور».
سألنا الكثير من أفراد الجالية المغربية عن دواعي اختيار ميناء بني أنصار للعبور دون غيره، كميناء مليلية مثلا، فكانت الإجابات مختلفة، إلا أن الكثير يؤكدون أن حسن الاستقبال بتخفيف إجراءات العبور هو الدافع الأساس، يقول محمد، البالغ من العمر 55 سنة، مهاجر إلى فرنسا منذ 1982: «عبر بني أنصار، ظروف الاستقبال جيدة، أما عبر مليلية فكنا ننتظر لساعات طوال لأسباب تافهة وإجراءات معقدة مفتعلة، وكنا ندرك ذلك، فنسارع إلى إعطاء قهوة مكرهين للتخلص من طوابير الانتظار...
أما (ميمون احميتي) الذي يبلغ من العمر 59 سنة، و له من الأولاد سبعة، مهاجر إلى بلجيكا منذ ,1974 فالدافع لديه هو أنه يفضل بني انصار على مليلية ويقول : «ألتقي مع المسؤولين من بلدي، أتبادل معهم التحية» وأضاف ميمون قائلا :لم أعد أنتظر كثيرا، فساعة واحدة كانت كافية لخروج 750 سيارة من الباخرة، إذن فالأمر تحسن بشكل كبير، وهذا ما كنا نتمناه».
جهود مكثفة لا تخلو من تجاوزات:
عملية العبور تجندت لها جميع المؤسسات على اختلاف أنواعها واختصاصاتها وقد تم توفير 9 بواخرمن لدن مديرية استغلال الموانئ تربط ميناء الناظور وموانئ ألميرية الإسبانية بمعدل 7 إلى 8 رحلات في اليوم وسيت الفرنسية بمعدل رحلتين في الأسبوع ونابولي الإيطالية برحلة واحدة في الأسبوع .
ومن المتوقع أن يسجل ارتفاع في عدد الوافدين من المغاربة المقيمين بالخارج خلال النصف الأخير من شهر يوليوز وبداية شهر غشت بنسبة تفوق 10 % مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، أي حوالي 630 ألف مسافر و146 ألف سيارة و1350 حافلة.
إلى جانب هذا قد اتخذت المديرية الجهوية للجمارك والضرائب غير المباشرة مجموعة من الأجراءات والتدابير التي من شأنها أن تسهم في التخفيف من الاكتظاظ الحاصل في نقطة التفتيش من بينها:
توقيف الرخص الإدارية لجميع الأعوان وإرسال مجموعة من الأعوان على متن البواخر لمتابعة عملية ملء وتعبئة تصاريح الاستيراد المؤقت للسيارات تفاديا للاكتظاظ عند الوصول. إضافة إلى توزيع دليل جمركي خاص للمغاربة المقيمين بالخارج يتضمن معلومات حول التسهيلات والإعفاءات المخولة لصالحهم، وكذا الإجراءات اللازمة في بعض الحالات، وكذا إعفاء جمركيا كليا عن كل الهدايا العائلية وبعض الأشياء غير ذات قيمة، ثم الاستيراد المؤقت لمدة 6 أشهر لذوي السيارات الصغرى و3 أشهر بالنسبة للسيارات الكبرى، والجديد في هذا أن العمال المؤقتين لهم الحق في الاستفادة من الاستيراد المؤقت للسيارات. كل هذه الإجراءت المتخذة من طرف الجمارك لتأمين عملية العبور وتحسين ظروف الاستقبال استحسنتها الجالية المغربية وتلقتها بنوع من الارتياح، إلا أنه في بعض الأحيان تسمع هنا وهناك مشاداة كلامية واحتجاجات من طرف بعض أفراد الجالية، من هذه الحالات، حالة محمد أقشار، لفت انتباهنا وسط المحطة البحرية يتنفس بصعوبة ويتلفظ بكلمات تدل على أن الغضب قد أخذ منه كل مأخذ. يقول بصوت مرتفع: «لا أريد التسجيل أريد أن أتكلم مباشرة أمام الكاميرا (ينظر إلى كامرا
التلفزة المغربية التي كانت بدورها تستجوب الجالية) ليس كل شيء على ما يرام كما تسمعون»، اقتربنا منه محاولين معرفة ما وراءه فاسترسل يقول: «حجزوا لي سيارتي لكونها لا تتوفر على نوافذ زجاجية (شفافة) خيروني بين أمرين أحلاهما مر... إما إحداث فتحة في جوانب السيارة (النوع الكبير) أو إرجاعها من حيث أتت (ألميرية) وهذا أمر مستحيل، زيادة على هذا عمد أمين الجمارك إلى إدخال يده في جيبي ليسحب مني جواز سفري عنوة»، وتابع يقول: «أولادي هنا في المحطة يعانون منذ 3 أيام، يكفي ما عاينته في السفر لقطعي آلاف الكلومترات»، ويختم قائلا: «لن أعود ثانية».
الشيء نفسه وقع لمهاجر آخر لكن هذا الأخير عرف كيف ينجو من التعقيدات، فأخذ الفأس غاضبا وأحدث فتحات على أماكن جانبية من السيارة وعندها خلوا سبيله.
وبالمقابل اعتبر مسؤول في الجمارك أن مثل هذه الاصطدامات «هي حالات شاذة تقع نتيجة جهل بعض أفراد الجالية للقوانين الجمركية المعمول بها والمبينة في الدليل الجمركي المعد خصيصا للمغاربة المقيمين بالخارج، كرفض أداء الرسوم الجمركية بدعوى أن السلعة لم يشترها في حين أن القوانين الجمركية المعمول بها تنص على أداء الرسوم».
مظاهر تجبر الأولاد على البقاء في المهجر رغم حب الوطن:
كثيرا ما يصطدم أبناء المهاجرين بمظاهر تتقزز منها النفوس كالأزبال المتراكمة في أماكن مختلفة من المدينة، أو غيرها من المظاهر الأخرى، يقول مغربي مقيم ببلجيكا: «نحاول جاهدين غرس حب الوطن في قلوب أبنائنا، لكن عندما يدخلون يجدون الروائح الكريهة والحشرات والطرق المحفرة ولا يجدون أماكن للاستجمام، إضافة إلى سوء المعاملة في الإدارات، فيكرهون المجيء، رغم أننا نؤكد لهم أن الفرج سيأتي قريبا... لكن في الحقيقة نكذب عليهم».
الحاج الطاهر، مقيم في بلجيكا يبلغ من العمر أزيد من 60 سنة، يأتي كل سنة برفقة زوجته، يقول مبينا أسباب رفض أبنائه قضاء العطلة بين أهلهم في بلدهم وهو يشيربسبابته إلى الأزبال المتراكمة وسط المدينة: «هذا هو السبب بالنسبة لأبنائي، الأزبال ، الحشرات، والأوساخ في كل مكان لهذا يفضلون البقاء في أوربا».
وأما محمد، المقيم بهولندا، فيقول: «الأغلبية يرفضون المجيء لأن المعاملة تختلف عما ألفوه»، الشيء نفسه يؤكده ( ب ، ع ) قائلا: «أهنت أمام أبنائي من قبل أحد عناصر الجمارك حينما رفضت إعطاءه ما يريد لطبع الجواز داخل الباخرة، وكانت معي ثلاجة صغيرة، ولما شاهد أولادي ذلك المنظر طلبوا مني عدم العودة مرة أخرى، رغم أنني لم أدخل إلى المغرب منذ سنتين».
أبناء الجالية : مستقبل غامض .. وهوية ضائعة
ما أن تفاتح أحد المهاجرين في موضوع الأبناء ومستقبلهم حتى تبدو عليه علامات الحسرة وكأنه نادم على إقامة أولاده رفقته في بلاد المهجر، لكن لقمة العيش، التي يتطلب الحصول عليها المكوث في بلاد الغربة فترة من الزمن لا يستهان بها، أرغمته على المغامرة بأعز ما يملك، «فغالب أبناء هذا الزمان، يقول (ب ع) غلبت عليهم شقوتهم ولا يملكون إلا مجاراة دعاة فتنة الموضة. فمظاهرالتدين بكل صراحة تكاد تنعدم، والولد أوالبنت في هولندا تمر بمراحل تعليمية في غياب الدين، فمن السنة الثالثة تبدأ الدراسة في التعليم الأولي حتى السنة السادسة ومنها إلى مدرسة ليس لتعاليم الدين فيها ذكر». «أما بخصوص الفتاة، يضيف المتحدث ذاته، فلها أن تفعل ما تشاء... تتمتع بحرية زائدة... وأنت لا يحق لك أن تتكلم، وإلا فمأوى دارنا، داركم بهولندا أوسع لها وأرحب»، و هو مكان يقصده الغاضبون من أبناء الجالية، وهذا الذي أشار إليه مهاجر آخر يقيم ببلجيكا قائلا: «عندما يصل الولد سن 16 أو 17 سنة فالأمر قد يصبح كارثة كبرى، إذا تكلمت معه ناصحا حمل محفظته وذهب ولم يعد، أما بالنسبة للتدين، فقليل ماهم، وهذا القليل إذا دخل المسجد لا يستفيد شيئا لأنه لا يعرف
اللغة العربية». أما (م ا) فيقول متحسرا وبنبرة حزينة «أرى أبنائي ضائعين تائهين متنكرين لهويتهم ولدينهم، لا مستقبل لهم بالنسبة لي . ولم أقو على فعل أي شيء...فات الأوان».
هذا الإحساس بفقدان الأبناء لا يعرف سبيلا إلى نفس (محمد) المقيم بفرنسا، فهو مرتاح البال ومطمئن على مستقبل أبنائه والسبب كما يقول: «الحمد لله أنا أحب وطني وأريد أن يبقى أولادي مسلمين، لذا تركتهم هنا، فإذا كان هناك من خسارة فعلى الأقل لن أخسر كل شيء».
أما بخصوص دور التلفزة المغربية في ترسيخ الهوية وتقوية الانتماء الحضاري والإسلامي للمهاجر المغربي، فما زال حلما بالنسبة للآباء لم يتحقق، وبهذ تظل التلفزة المغربية ببرامجها الهزيلة والمهترئة عاجزة عن بناء أجهزة المناعة ضد تيارات التغريب وخطر الذوبان، عن هذا الواقع يحدثنا (ب ع) فيقول: «الإعلام المغربي لم يرق بعد إلى مستوى الفضائيات العربية الأخرى، رغم كونها أضعف منا اقتصاديا وأقل منا تقدما، التلفزة المغربية يميزها عن باقي القنوات ضبابية في الصورة وضعف في الصوت وهزالة البرامج فالشطيح والرديح والأفلام الغربية والمسلسلات المكسيكية لا حاجة لنا بها فنحن مللناها في المهجر. نريد إنتاجا مغربيا و برامج هادفة تفيدنا وتعيننا على تربية أبنائنا، أما الإذاعة الريفية فنحن محرومون منها منذ أن استغنينا مرغمين عن (البارابول) العادي، فنحن ندعو المسؤولين، كل في موقعه، لحل هذا المشكل».
الأمر نفسه ينبه عليه مهاجر مقيم في بلجيكا فيقول: «نناشد المسؤولين ليمكنونا من التقاط الإذاعة الريفية بواسطة (البارابول) الرقمي لأن العادي الذي كنا نشاهدها بواسطته لم يعد متداولا.. 4 ساعات فقط في اليوم حرمنا منها، وقد آن الأوان كي نستيقظ من هذا السبات العميق. أولادنا انساقو وراء الفضائيات الغربية لما لم يجدوا ما يعجبهم».
جل من سألناهم من الشباب عن الفضائية المغربية كان ردهم «نادرا ما أشاهدها لأنها ليست في المستوى لا من ناحية الإنتاج ولا الصورة»، ويقول حفيظ الختوتي، شاب في العقد الثالث من عمره: «أنا أتابع قناة الجزيرة... بصراحة لا تستهويني التلفزة المغربية ليس ثمة فيها ما يفيد».
أضرار ومنافع اليورو
إذا كان مشكل العنصرية التي يعاني منها المهاجرون المغاربة المقيمون بالخارج أمرا طبيعيا ومألوفا بسبب الأحداث الإرهابية الأخيرة في إسبانيا، فإن مشاعره قد تنامت بشكل كبير بعد فوز الحزب المسيحي الهولندي (CDA) في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأرجع الختوتي ذو الجنسية المزدوجة (هولندية / مغربية) السبب في فوز هذا الحزب على منافسه العريق حزب العمل (PNDA) إلى تقاعس المغاربة عن الانتخابات فكانت النتيجة، يضيف المصدر نفسه، تقلص فرص العمل حتى أصبح الناس يخافون على فقدان وظائفهم، وتنامي حدة العنصرية ضد الأجانب كجزء من سياسة هذا الحزب الحاكم الذي يؤيد الحرب على العراق بقيادة رئيس الحكومة (ALKANENDE) .
على عكس ذلك ما وقع في بلجيكا، حيث شارك المهاجرون بقوة مؤيدين الحزب الذي يرونه أقرب تعاطفا مع قضاياهم.
يرى ميمون احميتي، المقيم ببلجيكا أن اعتماد اليورو نفعه يقتصر على فترة السفر فقط، بحيث «عندما نريد العودة إلى المغرب لا نحتاج إلى عملة البلدان التي نعبرها وإنما نحتاج لعملة واحدة، أما بالنسبة للظروف المعيشية فأصبحت صعبة، ولا نستطيع جمع الكثير من الأموال كما في السابق، فمثلا كيلوغرام واحد من السمك انتقل مما يعادل 10 دراهم إلي ما يعادل 30 درهما، والشيء نفسه أكده الحاج الطاهر، المقيم بالبلد نفسه قائلا: «تضررنا كثيرا، فقد أصبح الثمن مضاعفا، فإذا كان ثمن الشيء سابقا يساوي 20 فرنكا، فقد أصبح الآن 20 أورو، فتم تغير اسم العملة فقط». ما يعانيه المغاربة والبلجيكيون بصفة عامة في بلجيكا يعانيه غيرهم في هولندا، ويؤكد ذلك حفيظ الختوتي بقوله: «أصبح سعر المواد الغذائية مضاعفا».
زلزال الحسيمة ومصير الأموال
رغم الوضعية المعيشية التي أصبحت دون المستوى بعد اعتماد اليورو، فإن أحداث الحسيمة حركت فيهم مشاعر الأخوة، وكان حالهم كالجسد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فتحركوا على أوسع نطاق وعلى جناح السرعة مباشرة بعد سماع الخبر / الفاجعة.
يحكي لنا احميتي، المقيم ببلجيكا، تعامله مع نبأ الزلزال قائلا : «وقعت أحداث الحسيمة يوم الثلاثاء وبعد يومين أصبحت في الحسيمة، والسبب هو إحساسي بفجاعة ما وقع لأهلها الذين أعتبرهم كلهم إخواني وأهلي وعشيرتي في الإسلام»، ويرى أن تحرك كل المغاربة كان على قدم وساق وعلى أوسع نطاق وعلى كل المستويات...
«جمعنا قدرا هاما من المال، يقول احميتي، حتى النساء كانت لهن اجتماعات خاصة لجمع التبرعات تحضرها النساء من مختلف المدن».
لفتت انتباهنا في بداية الحديث عبارة الحسيمة على قميصه، فسألناه عن السبب فأجاب ضاحكا: «هذه أعتبرها خطوة جيدة أعبر من خلالها عن تضامني المطلق مع ضحايا الحسيمة وتأكيد على حبي لوطني.»
ويستطرد قائلا: «ولكن أين ذهبت تلك الأموال الطائلة التي كانت تتقاطر على الحسيمة من كل حدب وصوب؟! فليس لها أثر على أرض الواقع... كانت الإعانات الدولية والوطنية ستكفي لبناء الحسيمة من جديد ولكن...!
خوف على الممتلكات
مضى أكثر من أسبوعين على دخول (الحاج الطاهر) إلى أرض الوطن قضاها جيئة وذهابا بين المحاكم ليحسم في قضية كلما أوشك على الانتهاء منها عادت لتطفو على السطح من جديد أثناء غيابه، وهذه القضية، يحكي لنا، تتعلق بقطعة أرض يملكها في المكان المسمى بتمسيوين ببني أنصار ذات الرسم العقاري عدد : ,112374 قام المدعى عليه ببناء منزل له بالقرب من القطعة المذكورة، ولم يترك له ولو سنتيما واحدا يخول له فتح الواجهة الأمامية على أرضه، «ولم يقف عند هذا الحد، بل زاد واستغل أرضي ليمرر قناة للصرف الصحي رغم أن هذه القطعة محفظة...»، وزاد بالقول: «المال يفتح الطريق في البحر (يعني الرشوة) الحكومة لا تريد حل مشاكلنا وإنما هي شعارات وأقوال ليس تحتها أي عمل»، ويضيف قائلا: «مازلت أذكر (يبتسم ساخرا) ذلك الحل السخيف الذي اقترحه علينا العامل في اللقاء الذي دأب على تنظيمه كل سنة للتواصل مع الجالية المغربية لحل بعض مشاكلهم العالقة في نظره، والتي لا تحتاج إلى جهد إلا أداء الواجب، بعدما اقترح أحد المهاجرين مشكل إلحاق الأضراربمنازل المهاجرين أثناء غيابهم في الوقت الذي يخفق فيه المجرمون في السطو عليها وسرقة ما فيها من المتاع في
واضحة النهار أحيانا، أجاب العامل قائلا: «ما عليكم إلا بحارس يحرس ممتلكاتكم تؤدون ثمنه سنويا...»
ويشير احميتي بدوره قائلا: «الأفضل أن نبني خياما على الشاطئ، فمشاكل المنازل عويصة، نجمع المال لمدة طويلة لبناء سكن يحفظ لنا كرامتنا وكرامة أولادنا فإذا تركناه مغلقا يتعرض للسرقة، وإذا أسكنا فيه أحدا رفض الخروج منه ويصبح قضاء عطلتنا بين المحاكم... والحكومة عاجزة بمؤسساتها وادعائها للانتماء إلى العصرنة والديمقراطية والحداثة عن حل مثل هذه المشاكل لحد الساعة».
حتى لا يكرهوا بلدهم
أمام الواقع المعقد ومتعدد الأبعاد للمهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج، فإنه بات من اللازم تجاوز النظرة النفعية المادية في معالجة مشاكلهم وقضاياهم والانتقال إلى المقاربة الشمولية والنظرة المتفحصة في احتياجات ومتطلبات المهاجرين المغاربة، خاصة وأن البعض منهم أصبح يكره مجرد الدخول إلى وطنه، وأحرى أن يستثمر ويساهم في تنمية البلاد لما يعرفه هذا القطاع من التعقيدات القانونية التي أصبحت جل الدول العربية (تونس نموذجا) في غنى عنها. وقد ظهرت مؤشراته في السنوات الأخيرة، حيث أن البعض أصبح يبيع الممتلكات ناويا البقاء في أوربا إلى الأبد.
محمد الدرقاوي-الناضور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.