الخط : هل الحمير في المغرب في خطر؟ هذا السؤال جدي كل الجد، ويقتضى أهمية قصوى، وهو أمر يعرفه أهل البادية في المغرب بالتجربة والضرورة والحياة، ويكفي هنا الاشارة إلى ان القوات المسلحة الملكية اعتمدته كوسيلة للوصول الى مناطق جد وعرة ايام محنة الزلزال من اجل تقديم الخدمات والنجدة لسكان مناطق وعرة معزولة، الأمر جد لانه يتعلق بصديق ساكنة البادية، فهو وسيلة النقل الناجعة، وميسر اللقاء في الاسواق، والرفيق في السفر عبر طرق وعرة ومسالك صعبة لا يمكن حمل فيها ولو الخفيف من الوزن، دون هذا الحيوان الذكي الخبير بالممرات والطرق والشعاب والوديان ستكون الحياة شبه مستحيلة في البادية، هذا الحيوان الذي يملك صبرا وتجلدا وتحملا كبيرا للمشقة والتعب، هذا الحيوان الذي لا يكلف كثيرا في اكله وخدمته، انه الحمار وعائلته او الاقرب اليه كالبغل والخيل، وصدق الله في محكم كتابه العزيز : "وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ". لقد ٱن الاوان الاوان للاهتمام به على المستوى البيطري بشكل فعال وقوي، و تقديم الدعم للفلاح له بل ووضع خطة وطنية لتكثير عدده وحمايته من التهريب وهذا احد اركان المقال. 1 لقد أصبح الحنار مطلوب لدى الصين! كما هو معلوم ان الصين تعتمد هذا الحيوان الحمار كعلاج "سحري" تحت مسمى علاج "الإيجياو"، ورغم عدم ثبوت خاصيات الإيجياو العلاجية علميا؛ فإن الطب التقليدي الصيني يعتبرها بمثابة "علاج سحري" يتمتع بخصائص مشابهة لتلك المنسوبة إلى وحيد القرن، مثل تحسين الدورة الدموية وإبطاء الشيخوخة، وتحفيز الرغبة الجنسية وزيادة الخصوبة. ان هذه العناوين المغربة، والمدعومة بالثقافة الشعبية الصينية وحجم ساكنة الصين (اكثر من مليار ونصف)، تجعل هذا الحيوان محل تهديد بالانقراض في السنوات القادمة. ان اهتمام الشعب الصيني بهذا الحيوان الذي يمثل عندهم المادة الاساسية التي تقدم على شكل مشروب أو مع المكسرات كفاتح للشهية، وبينما كانت تُخصص في الماضي للأباطرة، يتزايد الطلب عليها حاليا من الطبقة الوسطى في الصين. ان نمط الاستهلاك الصيني زاحف وعابر للحدود، بل يأتي على الأخضر واليابس، وخاصة ما يرتبط بثقافتهم وطرق الطب والعلاج عندهم، فهي من القناعات التي لم تتزعزع رغم ثقافة الصين الشيوعية، فقد بقيت الافكار الماركسية حبيسة النخب والمثقفين، اما الطبقة العريضة فهي مسكونة بالثقافة التقليدية خاصة ما يتعلق بنظام الطعام والطب. لقد اصبح هذا الحيوان في عين العاصفة، فما يتعرض له الحمير في كثير من دول اسيا وافربقيا يمثل استنزاف لهذا الحيوان الضروري للبادية المغربية والعالم القروي، فبسبب مزاعم احتواء جلودها على مادة ذات خصائص علاجية تدعى "إيجياو" تنتج منها الصين وحدها 5 آلاف طن سنويا. ان سوق الصين وتعداد الحمير في العالم يقدر بقرابة 44 مليونا، يؤكد نتيجة واحدة ان جشع الطلب الصيني الكبير على مادة ال"إيجياو" ستؤدي حتما الى نزيف بل انقراض وسيصبح الحمير ثالث ضحية بعد الأفيال الأفريقية و وحيد القرن. 2 سوق دولي خطير يفرض رقابة صارمة نظرا لعدد السكان ونظرا القناعات الشعبية الرائحة حول أهمية هذا الحيوان، تمثل الصين السوق الاستهلاكية الأبرز لمادة ال"إيجياو"، إذ تحتاج إلى أكثر من 10 ملايين حمار سنويا لتلبية الطلب في سوقها المقدر قيمته بملايين الدولارات، في حين يقتصر العرض العالمي على 1.8 مليون فقط، وفق إحصائيات لمنظمة "دونكي سانكشواري" (The Donkey Sanctuary) البريطانية. ومن هنا فان عدد الحمير الموجود بالمغرب لا يتعدى المليون وبالتالي فإن كل تهاون في حمايته سيعرض الحياة لساكنة البادية الى ظروف ومشقة صعبة وسيجعل ثمنه في غير متناول كل ساكنة البادية، فالجلد المسلوخ هو المطلوب فقط من اجل الاستفادة منه بعد تقطيعه واستخراج مادة الجيلاتين منه، وقد تنشأ مصانع سرية لهذا الغرض وبالتالي وجبت اليقظة لكثير من المتدخلين. علما ان هذه الحيوانات تقتل بطريقة وحشية للغاية لان في اخر المطاف المطلوب هو جلده. 3 الصين اول ضحية الاستعمال، لماذا حمير المغرب بشكل خاص وحمير افريقيا بشكل عام في خطر، لسبب بسيط يتمثل في الانخفاض الشديد في أعداد الحمير داخل الصين التي تراجعت بمقدار النصف تقريبا خلال العقد الأخير بسبب الاستهلاك المفرط؛ تحول التنين الصيني لإشباع نهمه بالإيجياو صوب القارة السمراء. وقد ذكر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times) الأميركية في 2018 إلى أن آلاف الحمير تسرق سنويا من أفريقيا لسلخها واستخراج مستحضر الإيجياو من جلودها، ما تسبب في ارتفاع قيمتها السوقية، مشيرا إلى وقوع حوادث سرقة عديدة للحمير، منها سرقة ألف حمار خلال 3 أشهر فقط في كينيا عام 2017. كما أفاد موقع "ناشيونال جيوغرافيك" (National Geographic) -في تقرير له- أن المئات من حمير أفريقيا تنتظر في المسالخ لذبحها، وهو ما قال عنه الموقع إنه من "أسوأ المشاهد وحشية" إزاء الحيوانات على الإطلاق، مؤكدا أن تهريب الحمير بطرق غير شرعية مستمر في العديد من دول القارة. علما ان بعض الدول تتعرض لعمليات سرقة منظمة وتعد كينيا المركز الأساسي لتجارة جلود الحمير في أفريقيا، حيث يصدر هذا البلد ما يصل إلى 160 ألفا من الجلود كل عام، وفق منظمة "بروك للأحصنة والحمير" (Brooke Action for Horses and donkeys) الدولية. الخلاصة، يجب وضع قانون صارم وواضح لمنع ذبح الحمير او تصديرها، فقد يترتب عن ذلك ضرر يصعب مع الزمن علاجه، فالحياة صعبة في البادية، ولكن بدون هذا الحيوان الذكي والصبور المسمى الحمار ستكون الحياة في البادية جحيما، ومن المؤسف أن اول ضحايا غياب هذا الحيوان هو طفل وطفلة البادية، فهو المكلف بحمل الماء او حمل الحطب، فإذا غاب تحول هذا التكليف الى الاطفال، وهي مجردة أمثلة لمعرفة الآثار السلبية في غياب هذا الخدوم في صمت. كما اننا نحتاج الى إعادة النظر في مجال حقوق الحيوان، حيث بات هذا الحيوان معرضا للانقراض عالميا وطبعا سيكون قبل ذلك محليا، ونتمنى ان تكون هناك دراسة اقتصادية اجتماعية لهذا الأمر، اي آلاثار السلبية على المستوى الاقتصادي في العالم القروي في غياب هذا الحيوان بشكل كاف ، نحن في حاجة وضرورة لفرض إجراءات مشددة ويقضة وطنية قبل فوات الاوان في حماية هذا الحيوان.