بايتاس يشيد بالسيادة المالية للمملكة    تزايد عدد حجاج الأمن الوطني وحمُّوشي يخصص دعما استثنائيا    ضجة "القبلة الحميمية"..مسؤول يبرئ بنعلي ويدافع عن "ريادة" الشركة الأسترالية    العربية للطيران تدشن قاعدة جوية جديدة بمطار الرباط-سلا    اعتراف إسبانيا وإيرلندا والنروبج رسمياً بدولة فلسطين    العدوان الإسرائيلي يشتد على مدينة رفح.. والذعر يتملك سكان جنوب غزة    الجيش والرجاء يحققان الفوز ويبقيان الصراع على اللقب متواصلا    طقس الأربعاء..جو حار وقطرات مطرية بعدة مناطق من المملكة    القضاء يدين مختلسي أموال مخالفات السير بالحبس النافذ والغرامة    حكم قضائي غير مسبوق لصالح مغربية أصيبت بمضاعفات بسبب لقاح أسترازينيكا    رغم التنديد.. إسرائيل تواصل ارتكاب المجازر في رفح    نواب في فرنسا وإيطاليا يرفعون علم فلسطين خلال جلسات نقاش في البرلمان (فيديو)    300 مليون درهم لتهيئة فضاءات عمومية وتأهيل أحياء ناقصة التجهيز    لقجع يُبرر إفراط المغرب في المديونية وتباطؤ معدل النمو بالسياقات العالمية و"الحرب الجيوسياسية"    البطولة الوطنية الاحترافية القسم الأول (الدورة 28).. النتائج والترتيب    29 قتيلا حصيلة حوادث السير بمدن المملكة خلال أسبوع    الرباط.. استقبال الأبطال الرياضيين المنعم عليهم من طرف صاحب الجلالة بأداء مناسك الحج    الأمثال العامية بتطوان... (610)    وسط أجواء روحانية.. حجاج الناظور يغادرون إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج    من هو ترغالين مفاجأة الركراكي في لائحة المنتخب؟    درك الحوز يوقف قاتل زوجته وحماته وابنه    مهرجان "عشاق النوستالجيا" يعيد أجواء الثمانينيات والتسعينيات للدار البيضاء    عمالة تاونات تودع حجاجها المتوجهين إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج هذا العام    هل تراجع الرئيس التونسي عن دعم مخطط الجزائر في بناء اتحاد مغاربي جديد؟    قبل أن يعتذر.. وهبي عن بعض موكلي المحامين: "والله دين مو ما يدخل لمكتبي"    ظاهرة "الشركي" ترفع الحرارة بالمغرب بين 37 و42 درجة وسط الأسبوع    قتل الجيش الجزائري ل3 مدنيين.. منظمات صحراوية تدين صمت وتحيز المنتظم الدولي    الركراكي: منتخب المغرب يمتلك "جيلا ذهبيا" من اللاعبين قادر على إحراز الألقاب    عبد الكريم برشيد: في معرض الكتاب الحكواتي الجديد يحكي الاحتفالية الجديدة    عيد الأضحى ينعش القطاع السياحي في جهة الشمال    باريس.. حضور قوي للفن المعاصر المغربي ضمن المعرض الطلائعي    الخطوط الملكية المغربية وصندوق الإيداع والتدبير يتحدان من أجل إحداث منظومة مغربية لتكنولوجيا السفر    تصفيات كأس العالم 2026: الركراكي يكشف لائحة "أسود الأطلس" لمباراتي زامبيا والكونغو برازافيل    خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا يبدأ بربط موريتانيا بالسنغال    التعليم العالي:البنك الإفريقي للتنمية يوافق على تمويل بقيمة 120 مليون أورو لفائدة المغرب    مجموعة «رياح كريستالية» تلهب الجمهور بمهرجان فاس للموسيقى العريقة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    وزيرة الخارجية المالاوية: المغرب نموذج يقتدى به لما حققه من تقدم في مختلف المجالات    زياش يرفع العلم الفلسطيني عاليا في احتفالية غلطة سراي باللقب    ٱيت الطالب: المغرب يضطلع بدور محوري في تعزيز السيادة اللقاحية بإفريقيا    الملك يهنئ رئيس جمهورية أذربيجان    السيد صديقي يطلع على تقدم المخططات الفلاحية ويطلق مشاريع مهيكلة بالرحامنة وقلعة السراغنة    المنتخب المغربي لمبتوري الأطراف ثانيا بأمم إفريقيا لكرة القدم    ملابس النجمات تتضامن مع غزة ضد الرقابة    الاستعدادات لمونديال 2030 تجمع وزير الصحة المغربي بنظيرته الإسبانية في جنيف    أيرلندا تعترف رسميا بدولة فلسطين وتقيم معها علاقات كاملة    حج 1445 هجرية: السعودية تلاحق شركات الحج الوهمية دوليا    ايت طالب يناشد من الأمم المتحدة إنقاذ المنظومة الصحية في فلسطين    ارتفاع أسعار النفط في ظل توقعات انتعاش الطلب في الولايات المتحدة    "مستر كريزي" يعلن اعتزال الراب    طنجة.. توقيف شخص يشتبه تورطه في حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    انفجار يحبط عملية إطلاق قمر صناعي للتجسس في كوريا الشمالية    بعد فوضى سوء التنظيم.. سامي يوسف يوجه رسالة خاصة لجمهوره بمهرجان فاس    خبراء ينصحون بفترات راحة لممارسي رياضة الركض    في ندوة صحفية إسبانيا تعترف رسمياً بدولة فلسطين    كيف اكتشف المتحف البريطاني بعد عامين سرقة مجوهرات وبيعها على موقع التسوق "إيباي"؟    انطلاق أولى رحلات مبادرة "طريق مكة" من البيضاء    الغضب يؤذي القلب وقد يقتلك .. كيف؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروفايل نفسي عالم نفس نمساوي يشخص نفسية العقيد
نشر في بيان اليوم يوم 04 - 03 - 2011

شخصية هستيرية مركبة تتضح بداية من ملابسه الفولوكلورية مرورا بلغة جسده وإيماءاته وصولا إلى خطاباته
القذافي نتاج مرحلة تاريخية مرت على العالم العربي تحت ظلال مشروع القومية العربية
أشار عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد في كتابه «علم نفس الجماهير» إلى أن الجماهير أو الجموع الشعبية لديها القدرة على تخليص الفرد من سماته الخاصة المنفردة أمام أهداف الحشد أو الجماعة، فالمجموع الشعبي لا يعبّر بشكل مباشر عن خصائص أفراده المكونين له، فللجماهير سمات نفسية مختلفة ومتفردة. فأهداف المجموع رغم وضوحها وبساطتها، إلا أنها أكثر حيوية وقوة من أهداف الفرد، أياً كانت مرتبته أو ترتيبه في المجتمع.
فطبقاً لنظريات علم النفس، خاصة حال تعاملها مع مفهوم العقل الجمعي، فإن الشعوب العربية على اختلافها قد عاشت طوال عقود تحت مظلة الرضوخ، النابع من قدسية ومكانة عليا أكسبتها لحكامها، بحيث شغل الفرد عقلية المجموع بوصفه الهدف والغاية الواجب إتباعها، فالحاكم تحول من حالته الطبيعية في العقل الجمعي إلى عنصر غير قابل للتغير أو التبدل. مما يدل على أن الشعوب العربية كانت تمرّ بمرحلة عدم نضوج، أو طفولية سكنت العقل الجمعي عقودًا طويلة. لذا كان من البديهي أن تحاول هذه الشعوب أن تهدم ذلك الرمز الأبوي للسلطة في محاولة تاريخية للنضوج والتغيير.
زين العابدين بن علي... مبارك.... معمّر القذافي.... وغيرهم كثير، رؤساء حكموا شعوبهم سنوات طوال، زاد خلالها طغيانهم وظلمهم، ليس لكونهم مجرد حكام، ولكن بوصفهم أوصياء على الجموع أو الجماهير الشعبية التي وصلت إلى الانفجار أو نضوج الوعي الاجتماعي في غفلة من الحكام، الذين اعتقدوا أنهم يدركون التغيرات الفكرية التي قد تطرأ على شعوبهم التي ألّهت حكامها طوال عقود. مما أصاب هؤلاء الحكام بأمراض السلطة والاستبداد التي من أهم سماتها عدم القدرة على الفهم المنطقي للأمور، النابعة من ضلالات وخلل واضح في المنطومات الفكرية لهم، مما قد يفسر لنا ذلك العناد المرضي الظاهر على خطابات الحكام المرفوضين شعبياً، وعلى رأسهم معمّر القذافي الذي قرر أن يظل في السلطة حتى آخر قطرة دم.
القذافي وأمراض السلطة
القذافي قائد الثورة الليبية حكم ليبيا أكثر من 40 عاماً، توحّد مع السلطة، أكسبته هذه السلطة المطلقة والحكم مدة طويلة تغييرًا في المعرفة والأفكار وخللاً في المنظومة الفكرية، والعديد من الأمراض النفسية التي لا يدركها ولا يعيها، وليس لديه أي بصيرة عنها، مما يؤكد علمياً أنه ينطبق عليه كل مواصفات الشخصية (السيكوباتية) العدائية للمجتمع التي تمثل خطراً حقيقياً على من حوله.
فشخصية القذافي من الجانب النفسي هي شخصية هستيرية، مركبة، يشوبها العديد من الاضطرابات النفسية، التي تتضح بداية من ملابسه الفولوكلورية مروراً بلغة جسده وإيماءاته وصولاً إلى خطاباته التي أصبحت مجالاً للسخرية. فمن الوهلة الأولى التي يظهر فيها القذافي مرتديًا ملابسه الغريبة والمختلفة تتضح رغبته في الظهور ولفت الانتباه، وحب الاستعراض، إرضاءً لذاته وتضخم شعوره بها، اعتماداً على ضلالاته الفكرية الخاصة واعتقاده فيها، كأمجاده وأمجاد أجداده، وشعوره بالاختلاف والتفرد والتميز، مما يؤكد على تضخم الأنا لديه.
يلي ذلك لغته الجسدية، وإيماءاته الحركية التي تدل على أنه شخصية مضطربة غير قادرة على التوافق أو التكيف، وتقبل الوضع الراهن، أو حتى التحكم في انفعالاته الناتجة من حالة خوف شديدة يحاول إخفاءها خلف هذه الانفعالات والتهديدات لمعارضيه، تحمل خلفها دلالات عن توتره الشديد إزاءهم وقلقه من أن يفقد الزعامة التي صنعها طوال عقود.
لكنه يخشى أن يظهر بمظهر الضعيف غير القادر على إدارة الأمور. فطبيعة شخصيته النرجسية البارانويدية التي تتسم بالتعالي، تفرض عليه أن يكون محور الارتكاز، ومحط الأنظار، ومصدر القوة والسلطة الوحيد. لا يوجد غيره على الساحة، ولن يسمح بظهور آخرين، ومعارضوه ليسوا من أبناء شعبه، بل هم مرتزقة، أو ضمن تنظيم القاعدة، حتى يُكسب نفسه مشروعية قتلهم ومحاربتهم، ويفرض ذلك على أعوانه ومؤيديه، وهذا يعكس أفكاره الخاصة وهلاوسه وضلالاته الفكرية، فمن المستحيل أن يدرك أن شعبه الذي يعتبر نفسه هدية له وأنه لا يستحقه، قادر على فعل ذلك إلا نتيجة عوامل خارجية تؤثر عليه.
بالنسبة إلى خطابات القذافي الأخيرة فهي تظهر حالة من التوتر والترقب، التي حاول إخفاءها تحت عبارات التهديد والترويع لمعارضيه، ووصفهم بالجرذان والكلاب الضالة، وأنهم يتعاطون حبوب الهلوسة التي تجعلهم غائبين عن الوعي ولا يدركون تصرفاتهم. ويُعتبر ذلك حالة إسقاط عن عدم قدرته الشخصية على إدراك الوضع الحالي وعدم وعيه بها ورفضها، فيحاول أن يصف معارضيه بهذه الصفات على أنهم غير واعيين أو مدركين ما يفعلون.
القذافي يفتقر الأمان النفسي
لا يقتصر الشذوذ والاختلاف في التصرفات ولغة خطاب القذافي فقط، بل يتعدى ذلك إلى سمات شخصيته، فالأكثر غرابة في حياته، الحارسات الملازمات له، فحارساته الشخصية من النساء الجميلات يقسمن على الولاء لحياته، ويختارهن بعناية خاصة وفق معايير محددة، أهمها أن لا يتعدى سنّهن العشرين عاماً، والعذرية وعدم الزواج، وتوفر قدر معين من الجمال، والقوام الفارع والبنية القوية الشبيهة ببنية الرجال، والولاء المطلق له، وهذا مبدئيًا يتنافى مع ما ذكره في كتابه الأخضر بأن مكان النساء هو البيوت لأن تكليفهن بوظائف الرجال يفقدهن أنوثتهن وجمالهن.
لكن هذا يؤكد على رغبته في التفرد والاختلاف والتمييز عن باقي الشعب وعما يعلنه هو بذاته، ووجود حارسات شخصيات خاصين به له دلالة قوية وهي التأكيد على الجانب الأنثوي في شخصيته، ورغبته في الحماية الأنثوية، كما لو كانت حماية أمومية والشعور بالأمان الذي يفتقده.
وإطلاقه عليهن جميعاً اسم عائشة والتفريق بينهن بالأرقام تيمناً بابنته، فهي الانبة الوحيدة له، والتي تضطلع بدور الوسيط في حل الخلافات العائلية، وتعمل في مجال المنظمات غير الحكومية، أي إنها هي الأنثى الوحيدة في حياته التي يشعر معها بالأمان والاستقرار، خصوصاً وأن زوجته الأولى قد انفصل عنها عندما أصبح قائداً للثورة الليبية، واعتبرها لا تليق به في هذه المرحلة، وزوجته الثانية تتسم تحركاتها بالتكتم، وليس لها وجود يذكر على الساحة الليبية.
التوحد مع الذات وجنون العظمة
القذافي نتاج مرحلة تاريخية مرت على العالم العربي تحت ظلال مشروع القومية العربية، أو المشروع الناصري الذي مثل النموذج في عقليته، ولم يتمكن من تجاوزها رغم انهيار الفكرة نفسها بعد وفاة جمال عبد الناصر، فظل موحداً بشكل نفسي مع تلك الفترة التاريخية. يتضح ذلك في تعريف نفسه بأنه قائد الثورة، وليس رئيسًا، بل هو زعيم، هو من يسنّ القوانين ويضع الدستور من خلال كتابه الأخضر الذي اعتمد عليه في إدارة البلاد، ولا يُغفل أيضًا تنصيب نفسه عميد الحكام العرب، وكذلك ملك ملوك إفريقيا وإمام المسلمين، فهو يحاول فرض الزعامة والبحث عنها في كل الجوانب السياسية والدينية، كي يصنع لنفسه كاريزما خاصة. يظهر ذلك على سيبل المثال في أسماء أولاده، (سيف الإسلام، وسيف العرب) تأكيداً على رغبته في زعامة العالم العربي والعالم الإسلامي.
في خطابه الأخير الذي حرّض فيه الآباء على أبنائهم من شباب الثورة الليبية، يُعطي انطباعين غاية في الخطورة، الأول أنه مازال يعاني التوحد النفسي مع الجيل المعاصر لثورته القديمة، وعدم وعيه بالمتغيرات النفسية التي طرأت على الجيل الليبي الجديد. والثاني اعتقاده الضلالي الذي يقارب اليقين أن ثورة الشباب لم يشارك فيها أحد من معاصريه أو جيله القديم، مما يؤكد على انعزاله النفسي وتوحده مع ذاته، وعدم قدرته على الفهم أو التواصل مع شعبه الذي حكمهم طوال أربعة عقود متوالية.
فرغم أن الجيل الحديث من الشباب قد عانوا التسلط الأبوي من قبل أسرهم التي كانت تجرّم مجرد ذكر اسم القذافي يسوء حتى داخل البيوت أو في الجلسات الخاصة، والتي تعكس مدى تسلط القذافي النفسي على الجيل القديم، إلا أن الشباب تمكنوا من هدم ما يمكن تسميته بالتابو (المحرم) السياسي، في مرحلة نضوج ووعي شعبي لم يتمكن القذافي إدراكه، نتيجة تكوينه النفسي المعقد المنسحب على ذاته دائماً.
نهاية متوقعة للقذافي
بناء على التحليل النفسي لشخصية معمّر القذافي، فإنه لن يقبل بأي مساحة للتفاوض أو الانسحاب من الساحة السياسية نزولاً على رغبات الجموع الشعبية، فرغم ما يعانيه الآن سياسياً من انهيار وشبه انحصار لسلطته، لكنه يرفض أن يظهر ضعيفاً أو مهزوماً، اعتماداً على أبنائه الذين يُعدون امتداداً طبيعياً له. ولكن في حال فقد السيطرة الكامل أو انهزامه أمام الثورة، فإنه سيلجأ إلى نهاية استعراضية تليق بشخصيته التي تعشق حب الظهور، فقد يلجأ إلى الانتحار أمام الجماهير حتى يُخلد مشهد النهاية، كما حاول تخليد كل لحظات حياته، سيكون ذلك بعد أن يتسبب في مزيد من حمّامات الدم.
فأزمة القذافي النفسية أنه غير مدرك من الأساس جملة الخسائر التي تسبب فيها لشعبه، فالقضية تحولت من مجرد رغبة الجماهير في تغيير النظام أو إسقاطه إلى حالة انتقامية تشمل القذافي وأسرته، مما يجعل حلّ التفاوض غير ممكن في هذه المرحلة.
فالقذافي لن يهرب أو يختفي، فهو يرفض أن يعيش منعزلاً أو يرى ذاته مهزوماً وضعيفاً، فهو إما أن يقتل نفسه أو يُقتل حتى ينال مجد الشهادة مثل أجداده استكمالاً لجملة الضلالات والاضطرابات النفسية التي تتحكم في بنائه النفسي، فالانهيار الكامل أو الاستسلام ليست من سمات الشخصية التي تعاني أوهام العظمة أو الزعامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.