أحيا الفلسطينيون، أمس الثلاثاء، الذكرى ال 45 ل"يوم الأرض"؛ وسط تصاعد سياسة الاستيطان الإسرائيلية، وتمادي الاحتلال في سياسة تهويد الأرض الفلسطينية، من خلال هدم البيوت بحجج وذرائع واهية لتهجير الفلسطينيين من أرضهم. وحلت ذكرى هذه السنة في ظل ظروف وتحديات جمة تحيط بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها الهجمة المستعرة للمستوطنين للاستيلاء على أملاك المواطنين الفلسطينيين تحت حماية جيش الاحتلال، في محاولة لطمس الهوية، وتزوير التاريخ، وسرقة الأرض الفلسطينية، فضلا عن جائحة فيروس كورونا التي فاقمت من معاناة الشعب الفلسطيني الصامد، والمتشبث بهويته ووحدته الوطنية على الرغم من كل المؤامرات التي يحيكها الاحتلال لتزييف الحقائق. كما أتت وسط متغيرات جديدة على رأسها صعود إدارة أمريكية بقيادة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، الذي يؤكد على ضرورة إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني على أساس حل الدولتين تعيشان جنبا إلى جنب، وإرساء سلام عادل وشامل بمنطقة الشرق الأوسط، إلى جانب انتصار المحكمة الجنائية الدولية للحق الفلسطيني بإعلان ولايتها القضائية على الأرض الفلسطينية، وفتح تحقيق بشأن الجرائم المرتكبة بالأراضي الفلسطينية المحتلة. ويشكل "يوم الأرض" مناسبة تاريخية للفلسطينيين بالأراضي الفلسطينية المحتلة وفي كافة أماكن تواجدهم عبر العالم، للتأكيد على تشبثهم بأرضهم، والحفاظ على حقهم التاريخي من السلب والتزوير، وكسر حصار الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1976 وعاصمتها القدس الشرقية. وتعود أحداث يوم الأرض (30 مارس) لسنة 1976، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الجليل. ومنذ ذلك الحين، يحيي الفلسطينيون يوم الأرض، من خلال وقفات احتجاجية، ومسيرات شعبية ضد العدوان والاستيطان الإسرائيليين، فضلا عن تنظيم محاضرات توعوية تعرف بهذه المناسبة، وكذا معارض وتجمعات وأمسيات تراثية وفنية توثق للحدث وتؤكد على الإصرار على العودة إلى أرض الآباء والأجداد. كما يشكل تخليد هذا اليوم، مناسبة أخرى، لتذكير العالم ولفت أنظاره إلى المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، تحت وطأة الاحتلال، وفي ظل استمرار آلة البطش الإسرائيلية في هيمنتها على الأرض الفلسطينية وقضم ومصادرة المزيد منها، وكذا مواصلة الاعتقالات التعسفية وأعمال العنف الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. وحسب تقرير مركز دراسات فلسطيني، فإن عام 2020 كان حافلا بإعلان إسرائيل عن جملة من المشاريع الاستيطانية، تتضمن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية بما فيها القدس، بالإضافة إلى هدم ما مجموعه 976 منزلا ومنشأة فلسطينية، بارتفاع نسبته 30 في المائة عن سنة 2019. وأضاف التقرير أن السلطات الإسرائيلية قامت، خلال السنة ذاتها، بالاستيلاء على نحو 8830 دونما من أراضي المواطنين الفلسطينيين، كما أعلنت عن الاستيلاء على 11 ألف و200 دونما لصالح ثلاث محميات طبيعية في الأغوار. وأمام فرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي للأمر الواقع، تأتي هذه الذكرى السنوية، التي يخلدها العالم مع الشعب الفلسطيني، لتشكل أيضا مناسبة موجهة للرأي العام الدولي، وللمنتظم الأممي، ولصناع القرار في العالم المعاصر، لتجديد الالتزام والتفكير المنصفين تجاه قضية مشروعة، ومواصلة جهودهم في البحث عن تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية والعمل على إ يجاد أفق عقلاني موضوعي، متجاوب مع رغبة العالم المتحضر لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط. هذا الحل الذي ينسجم، بحسب المتتبعين للشأن الفلسطيني، مع الشرعية الدولية وقرارات ومواثيق الأممالمتحدة، وضدا على الغطرسة الإ سرائيلية وكذا الخطوات المتخذة على الأرض والتي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وذلك باعتراف الإدارة الأمريكية السابقة بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل ومحاولتها شرعنة سياسات الاستيطان الإسرائيلية، ما أدى إلى مقاطعة السلطة الفلسطينية لهذه الإدارة منذ نهاية عام 2017، وقبلها وقف مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ سنة 2014. وهو الموقف الذي عبر عنه وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماعهم الطارئ الذي عقد مؤخرا بالقاهرة، من خلال التأكيد على رفضهم لأي مشاريع أو خطوات إسرائيلية أحادية تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني، وتخالف القانون الدولي، وتقوض حل الدولتين الذي لا بديل عنه، داعين للالتزام بقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها قرارات مجلس الأمن الدولي الداعية إلى الوقف الفوري والكامل لكافة أنشطة الاستيطان بما ذلك في القدس الشرقية. كما حث الوزراء العرب الأطراف الدولية، بما في ذلك الأممالمتحدة والرباعية الدولية، على اتخاذ خطوات عملية من أجل إطلاق مفاوضات ذات مصداقية تعالج جميع قضايا الحل النهائي، تفضي إلى إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة وإلى تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين. وعلى أمل تحقيق هذا الطموح لعودة المفاوضات واستئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي ظل الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية على آليات إجراء انتخابات عامة هذه السنة (الأولى من نوعها منذ 15 عاما)، وما يشكله ذلك من خطوة مهمة نحو إنهاء حالة الانقسام وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات، سيظل "يوم الأرض"، على الدوام، خالدا في الذاكرة الفلسطينية، يستحضر من خلاله الشعب الفلسطيني صموده ونضاله الطويل في نيل حقوقه الوطنية المشروعة العادلة، وفي مقدمتها استرجاع أراضيه المغتصبة وبناء دولته المستقلة وذات سيادة.