بايتاس يؤكد التزام الحكومة بتعهداتها لحل أزمة طلبة الطب والصيدلة    ارتفاع حصيلة حريق الكويت إلى 49 قتيلا    الحكومة تُعلّق على فاجعة تلميذة آسفي    الأمن يُحبط مخططًا للهجرة السرية ويوقف 6 أشخاص في الجديدة    عاجل.. النيابة العامة تواجه "مومو" بالخبرة التقنية والدفاع يلتمس التأخير    جلالة الملك يراسل بوتين    أول تعليق لعموتة بعد قيادته الأردن للفوز على السعودية في عقر دارها    السكوري: المغرب تمكن من تقليص عدد الأطفال العاملين ب 94 في المائة    فاش.. رئيس مقاطعة يضع اسم والده على شارع مكان "يوسف بن تاشفين"    بشرى للسائقين.. إسبانيا تعترف بالبيرمي المغربي    توقعات أحوال الطقس غدا الخميس    المجلس الإقليمي للدريوش يصادق على مشاريع جديدة ويناقش واقع الماء والكهرباء بالإقليم في دورة يونيو    المصادقة على مشروع مرسوم يتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    فعاليات تطالب باستئصال ظاهرة تشغيل الأطفال من خلال الحوار الاجتماعي    "الاتحاد" يفوز برئاسة جماعة أورير    دياز: المغرب يختم الموسم بفوز كبير    تزايد الإقبال على اقتناء الملابس التقليدية بمناسبة عيد الأضحى    "تقرير أممي يكشف عن كمٍ غير مسبوق من الانتهاكات ضد الأطفال في غزة والضفة الغربية وإسرائيل" – الغارديان    الإيسيسكو تجدد التأكيد على التزامها بالمساهمة في القضاء على تشغيل الأطفال    أمام لجنة ال24 التابعة للأمم المتحدة : عمر هلال: على الجزائر أن تقر بإخفاق مشروعها الانفصالي في الصحراء    كيف انطلقت بطولة كأس الأمم الأوروبية؟    إعادة انتخاب المغرب عن جدارة في اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة    توقيع اتفاقية تعاون بين جهة الشرق وجهة اترارزة الموريتانية    العيون.. تقديم العرض ما قبل الأول لفيلم «صحاري – سلم وسعى» للمخرج مولاي الطيب بوحنانة    حقيقة الانسولين الروسي الذي سيدخل السوق المغربية لعلاج مرض السكري؟    أول تعليق لمدرب الكونغو بعد الهزيمة الثقيلة أمام "أسود الأطلس"    رغم المرض .. المغنية العالمية "سيلين ديون" تعد الجمهور بالعودة    إنتاج النفط الخام يتراجع في السعودية    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    أسعار النفط ترتفع وسط تفاؤل حيال الطلب    قدوم أكثر من 1.5 مليون حاج من خارج السعودية عبر المنافذ الدولية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تقرير: المغاربة أكثر من رفضت إسبانيا طلبات تأشيراتهم في 2023    إذاعة فرنسا العامة تطرد كوميديا بسبب نكتة عن نتنياهو    الوزارة تكشف عدد السياح الذين زاروا المغرب عند نهاية شهر ماي    كيوسك الأربعاء | أزيد من 7 آلاف طفل في خلاف مع القانون    الخلاف الحدودي السعودي-الإماراتي على الياسات: نزاع حدودي أم صراع نفوذ؟    تحقيق للأمم المتحدة: النطاق "الهائل" للقتل في غزة يصل إلى جريمة ضد الإنسانية    حكيمي يكشف السر وراء الفوز الساحق على الكونغو    اليد الربعة: تجربة جديدة في الكتابة المشتركة    لوحات فريدة عمرو تكريم للهوية والتراث وفلسطين والقيم الكونية    المنتخب المغربي يتألق بتحقيق فوز عريض ضد الكونغو برازافيل    أقصى مدة الحمل بين جدل الواقع وسر سكوت النص    اليونسكو.. تسليط الضوء على "كنوز الفنون التقليدية المغربية"    إطلاق مشروع "إينوف فير" لتعزيز انخراط الشباب والنساء في الاقتصاد الأخضر    تطورات مهمة في طريق المغرب نحو اكتشاف جديد للغاز    توقيع على اتفاقية شراكة للشغل بالمانيا    "الأسود" يزأرون بقوة ويهزون شباك الكونغو برازافيل بسداسية نظيفة    القناة الرياضية … تبدع وتتألق …في أمسية فوز الأسود اسود    أفاية: الوضع النفسي للمجتمع المغربي يمنع تجذّر النقد.. و"الهدر" يلازم التقارير    غباء الذكاء الاصطناعي أمام جرائم الصهيونية    ندوة أطباء التخدير والإنعاش تستعرض معطيات مقلقة حول مرضى السكري    الأمثال العامية بتطوان... (622)    رفيقي يكتب: أي أساس فقهي وقانوني لإلزام نزلاء المؤسسات السياحية بالإدلاء بعقود الزواج؟ (2/3)    ارتفاع درجات الحرارة من أكبر التحديات في موسم حج هذا العام (وزارة الصحة السعودية)    خبراء يوصون باستخدام دواء "دونانيماب" ضد ألزهايمر    دراسة علمية أمريكية: النوم بشكل أفضل يقلل الشعور بالوحدة    الرسم البياني والتكرار الميداني لضبط الشعور في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب من خلال إسبانيا الرسمية وإسبانيا الواقعية 1906 – 1898
نشر في بيان اليوم يوم 05 - 08 - 2021

سنتناول في هذا العمل مواقف مختلف الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية الاسبانية تجاه المغرب عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وما كان لهذه المسألة من تأثير على القرارات الحكومية وردود فعل هيئات المجتمع المدني. كل ذلك لنسائل بعض الأطروحات التي لم تُولِ للمسألة المغربية الاهتمام المستحق معتبرة أنها شأن ثانوي ينساق بشكل عفوي مع تاريخ إسبانيا السياسي والاجتماعي المعاصر.
الحزب الليبرالي الإسباني
لم تكن مسألة الإصلاح في إسبانيا – خلال المرحلة التي نحن بصدد دراستها- تقتضي التخلص من الماضي؛ بل كانت بمثابة حافز يجعل الدولة تُعيد النظر في ما حدث لها في كوبا سنة 1898، حتى تتمكن من الوقوف على العراقيل التي حالت، ولازالت تحول، دون تقدم إسبانيا. وهي المسألة التي أثّرت في اللبراليين بشكل مباشر؛ إذ توجب عليهم التصدي لمختلف الاتهامات التي وجهت إليهم. فحسب ساگاسطا "Sagasta"، "كانت الدولة بصدد مواجهة معضلة كبيرة، إما الحرب بجميع نتائجها أو التعرض للذل والإهانة".
لم يكن تصريح رئيس الحكومة اللبرالية حول هزيمة 1898 مقنعا بالنسبة للمعارضة التي انتقدت بشدة واقع الحزب الليبرالي الذي كان يمر بأسوإ لحظاته التاريخية. فالضغوطات التي تعرض لها ساگاسطا وزملاؤه جعلته يتنازل عن السلطة.
شهد الحزب اللبرالي الإسباني في بداية القرن العشرين جملة من التغييرات المهمة؛ كما أن مواقف بعض أعضائه المتميزين على الساحة السياسية أمثال موريط، ومونتيرو ريوس "Montero Ríos"، وكناليخاس"Canalejas "، وڤيانويڤا "Villanueva"، ورومانونيس "Romanones" ورفائيل گاسيط "Rafael Gasset" أسهم في بروز توجهات مختلفة داخل الحزب. وبعد وفاة ساگاسطا تطورت الأوضاع بشكل واضح، إذ طفت على السطح بعض الخلافات التي تعود إلى النزاع حول رئاسة الحزب بين موريط ومونتيرو ريوس.
هيمنت الانشقاقات داخل الحزب الليبرالي خلال الفترة الممتدة ما بين يونيو 1905 ويناير 1910، إذ تشكلت خمس حكومات ليبرالية في غضون سنتين. وقد تكرر الوضع نفسه ما بين أكتوبر 1909 ويناير 1910. واقترح أعضاء بارزون في الحزب على الملك ألفونسو الثالث عشر عزل موريط وتعيين كناليخاس. وعموما فالظرفية التي أضحى يعيشها الحزب اللبرالي، أسهمت بشكل كبير في جزء من تلك التحولات التي عرفها المجتمع الإسباني.
جاء انتشار الوعي السياسي غير الرسمي في مختلف أنحاء البلاد، ليؤكد على الطابع الانتهازي والمتأصل لحكومة التناوب. وكان ذلك عندما قرر الحزبان المتناوبان على تسيير دواليب الدولة وإعادة النظر في مخططاتها. فالحزب اللبرالي مثلا قد تبنّى هذه المرّة برنامجا أكثر مرونة يوفّق فيه بين التقرب من تيارات اليسار التقدمي من جهة واليمين المحافظ من جهة ثانية، والذي يشاركه مهام التناوب الحكومي. فهو يراهن على إمكانية التواصل مع التكتلات اليسارية غير الملكية دون قطع العلاقات مع نظام التناوب الحكومي أو التقليل من الدور الوقائي للجيش. ويبدو إذن أن السياسة التي راهن عليها الليبراليون لا تقل دهاء عن غيرها، إلا أنها تفتقد الانسجام من خلال تلك الخلافات الحاصلة بين أهم أعضاء الحزب.
2-1 – الليبراليون والقضية المغربية
تقلّد ساگاسطا زعيم الحزب الليبرالي من جديد في شهر مارس 1901 رئاسة الحكومة الإسبانية. فعين الدوق المودوڤار "Duque de Almodóvar" وزيرا للدولة في الخارجية. وبعد خمسة أشهر من تشكيل هذه الحكومة اللبرالية الجديدة نشر زعيم الحزب المحافظ فرانثيسكو سيلفيلا Francisco Silvela" مقالا في إحدى المجلات تحت عنوان: "القضية المغربية" "La Cuestión de Marruecos" عالج فيه تدخل إسبانيا في الشؤون المغربية بطريقة مثيرة للجدل في أوساط الرأي العام الإسباني. ولم تمر إلاّ لحظات على نشر هذا المقال حتّى جاء الرد على لسان وزير الدولة في الخارجية، الدوق المودوڤار الذي عبر عن رفضه للموقف المحافظ بخصوص قضية المغرب معتبرا أن "المقال افتقد إلى المصداقية؛ وصاحبه يطمح إلى وضع الليبراليين أمام التزام حقيقي ومعقد تجاه الدولة".
وتلقى الليبراليون سنة 1901 أولى العروض المتعلقة بتقسيم المغرب من فرنسا. وقد كان للمراسلات المتبادلة ما بين وزير الدولة في الخارجية وسفيره في باريس دور كبير في التخفيف من حدة الاكتئاب الذي خلفته هزيمة 1898، عن طريق التخطيط لمشروع استعماري جديد في الضفة المقابلة لمضيق جبل طارق. وأولى هذه المراسلات هي التي بعث بها سفير إسبانيا في باريس فرناندو ليون إكاستيو "Fernando León y Castillo" إلى وزير الدولة الإسباني، يخبره فيها بأن الحكومة الفرنسية مستعدة للتعامل حصريا مع إسبانيا بخصوص تقسيم محتمل للمغرب. وقد أدلى السفير الإسباني في هذا الصدد بالتصريح التالي: "إن الحكومة الفرنسية وباتفاق مع الصحافة والرأي العام لديها اقتناع بأنها ستهيمن على شمال إفريقيا وأن سيطرتها لا يمكن مقارنتها بأية وضعية أخرى، وسيكون ذلك بالحرص على حقوق إسبانيا في النسق السياسي والجغرافي والتاريخي مع ضرورة التنسيق والتعاون أثناء تعامل أمتنا مع تلك الجمهورية".
كان الليبراليون على وعي تام بما قد يثيره العرض الفرنسي فيما يخص مسألة تقسيم المغرب من انعكاسات جد وخيمة. لذلك فضلوا تناول هذه المسألة بشكل عقلاني قبل الخوض في أية مغامرة استعمارية. أما وزير الدولة الدوق المودوڤار فقد أدلى في أكثر من تصريح بأن حكومته مطالبة بحل مشاكلها الداخلية قبل الاستعداد لأي مشروع توسعي، وأنه "يجب أن نهتم أولا بإعادة بناء اقتصادنا وعتادنا العسكري حتى نقوم بمشروع استعماري في ظروف جيدة".
إن العرض الذي قدمته فرنسا لإسبانيا بخصوص تقسيم المغرب كان مغريا للغاية. وقد أبلغ ليون إكاستيو حكومته بموافقته على ما اقترحته فرنسا، محذّرا إياها من النتائج التي قد تترتب عن رفضه.
وكانت الحكومة الليبرالية على وعي بالتوتر الدولي الذي أثارته القضية المغربية، فاتفاق محتمل بخصوص التقسيم يمكن أن تترتب عنه ردود فعل قوية من طرف قوى أوروبية أخرى لديها مصالح في المغرب. وقد دفعت الظرفية السائدة بالوزير المودوڤار، إلى مراسلة سفير إسبانيا في باريس ليبدي موافقته على مشروع التقسيم مع فرنسا، شريطة ضمان الأمن والتصدي لأية ضغوطات أو تهديدات أجنبية. وقد عبر عن ذلك قائلا: "يصعب على إسبانيا إفشال مخططات فرنسا ومنعها من الحصول على فوائد أو أراضي في المغرب. وسيتم منعها بالتأكيد، ليس فقط لمعارضة الجمهورية الجارة أو الحيلولة دون تقدمها؛ بل أيضا لتجنب قوات أخرى تطالب بتعويضات وتبحث عنها بالتحديد في الأقاليم التي تعتقد إسبانيا بأن لها الحق في امتلاكها […] ثم إن العلاقات المعقدة بين المسألة المغربية والتوازن في البحر المتوسط جعلت منطقتنا مركزا لكل تلك الأطماع، لهذا أبدت إسبانيا تخوفها من الخطر الذي يهددها في حال عدم الاعتراف بمصالحها نتيجة التصرف الذي تبنته فرنسا".
عموما فتخوف الحكومة الليبرالية من صراع دولي بخصوص قضية تقسيم المغرب خفف من حدته ذلك الاقتراح الفرنسي الطموح؛ حيث طلب وزير الدولة الإسباني من نظيره الفرنسي الأخذ بعين الاعتبار الاقتراح الأول والسماح لإسبانيا بأن تستولي على منطقة جد شاسعة. واشترط المودوڤار أيضا أنه لتوقيع المعاهدة مع فرنسا يجب أن تحتل إسبانيا الأقاليم المغربية التالية: "مجرى نهر أم الربيع انطلاقا من مصبه في الأطلس حتى مدخله إلى قبائل بني مخيلد، كلها تبقى تابعة لمنطقتنا؛ بالإضافة إلى قبائل ايت يوسي الممتدة على طول نهر ملوية حتى مصبه في البحر المتوسط، ويبقي من نصيب إسبانيا كذلك: فاس ومكناس وإقليم الشاوية، وأما فرنسا فسيكون من نصيبها مراكش وتافيلالت، وإقليم عبدة ودكالة والإقليم الشاسع ما بين ملوية والحدود الجزائرية".
نجحت الحكومة اللبرالية الإسبانية في الضغط على نظيرتها الفرنسية. والتي أبدت استعدادها لتعديل عرضها الأول والتنازل عن جزء أكبر مما طالبت به إسبانيا في دجنبر من سنة 1901. ففي المراسلة التي بعث بها ليون إكاستيو إلى وزيره في الدولة، أبلغه فيها بأن "ديلكاسي Delcassé أظهر شخصيا رغبته في التوصل إلى حل مع إسبانيا بخصوص قضية المغرب مثله مثل أعضائه في مجلس الوزراء الذين تقبلوا بدورهم تعديل الاقتراحات السابقة، موافقين على أن تكون مدينة فاس داخل منطقة نفوذنا وكذا كل المجال الممتد بينها وبين المنطقة الفرنسية".
كانت المعاهدة الإسبانية الفرنسية المتعلقة بتقسيم المغرب جاهزة في نونبر سنة 1902، ولا ينقصها إلاّ ترخيص وزارة الدولة الإسبانية لتدخل حيز التطبيق. لكن بوصول المحافظين في دجنبر من السنة نفسها إلى الحكم، تم تبني موقف مخالف بشأن ما يتعلق بالمسألة المغربية، إذ رفض كل من رئيس الحكومة الجديدة ووزير الدولة في الخارجية توقيع المعاهدة مع فرنسا محاولين بذلك عرقلة مخططات السياسة الليبرالية. وقد أثارت أسباب رفض توقيع معاهدة 1902 جدلا كبيرا بين سياسيي المرحلة. فالليبراليون لم يترددوا في انتقاد الموقف المتهاون واللامسؤول الذي تبناه المحافظون تجاه هذه المسألة، إذ طلب الدوق المودوڤار توضيحات حول رفض الرئيس المحافظ لتلك المعاهدة. كما انتقد في إحدى الرسائل المتبادلة مع زعيم الحزب المحافظ، فرانثيسكو سِلْڤِيلا "Francisco Silvela" عدم توقيعه للمعاهدة مع فرنسا بعد أن كان مدعوما من طرف منبر المعارضة. ثم إن عدم ثقة الرئيس المحافظ بنفسه وخوفه وعدم درايته بالتقسيم المتنازع عليه جعلهم يضيعون فرصة لا تعوض، وهو ما علق عليه الدوق المودوڤار قائلا: "الدعم الدبلوماسي الفرنسي لم يبْدُ لسيادتكم كافيا لضمان اتفاق مؤكد. أنا لم أطلب أكثر ولم أوافق أبدا على أمور من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة محتملة الوقوع. ثم إن الحكومة الليبرالية التي انتميت إليها رفضت بشكل قطعي حل القضايا المتعلقة بامتداد نفوذنا الشرعي في المغرب بطرق غير دبلوماسية".
عموما يمكن القول، إن الحزب الليبرالي سيّس بشكل كبير مشروع معاهدة 1902 غير الموقعة. وقد يكون من السذاجة اعتقاد أن انتقادات المودوڤار لرئيس الحكومة المحافظة كانت تستجيب لغيرته الوطنية فقط. واستغل الليبراليون رفض المحافظين لذلك المشروع لشن حملة معارضة ضد الحكومة. وبهذه الطريقة فقط سينجحون في البرهنة على تفوقهم أمام منافسيهم لتولي السلطة. إن الكلمات التي وجّهها المودوڤار إلى سيلفيلا كانت كفيلة بأن تفسر لنا خصوصية هذا السياق: "بينما حضراتكم لم تكسبوا الثقة في قدراتكم الخاصة بدون سبب يذكر، فقط لمجرد أنكم ضعفاء نحن على الرغم من ذلك خضنا تجربة سياسية نشيطة، كل واحد حسب طاقاته وقدراته الاستيعابية، وهو بالنسبة إلينا إنجاز حقيقي بدل التأسف على إخفاقات الشعب".
طغت الديماغوجية خلال العقد الأول من القرن العشرين على مواقف الحزب الليبرالي تجاه المسألة المغربية. واستغل نواب ومستشارو الحزب منابر البرلمان للتعبير عن اقتراحاتهم السياسية، بحيث خصصوا ما بين نونبر 1903 ومارس 1904، خطابا أكدوا من خلاله على اهتمام الرأي العام الإسباني بقضية المغرب، قصد الضغط على الحكومة المحافظة من أجل إقناع كل القوى الأوروبية بضرورة الاعتراف "بحقوق إسبانيا في المغرب".
وتساءل الدوق المودوڤار في 24 نونبر سنة 1903 في أحد مقاعد المعارضة "حول ما إذا قام المحافظون بجميع التدابير اللازمة حتى تبقى المصالح السياسية والتجارية والاقتصادية لإسبانيا في المملكة المغربية سليمة بشكل كلي"، واتهم الماركيز ڤيانويڤا "El Marqués de Villanueva" في 16 دجنبر من السنة نفسها، الحكومة بالتهاون بخصوص التدابير المخصصة لمدينة مليلية. كما حذّرها أيضا من رداءة النظام الإداري والعسكري بتلك المدينة والذي سيهدد بما لا شك فيه مكانة إسبانيا وسيؤثر على مخططاتها التوسعية في المغرب.
إن مداخلات عضوي الحزب الليبرالي تشترك في نقطة واحدة ألا وهي معارضة السياسة المحافظة بخصوص القضايا ذات الصبغة الدولية عامة، وقضية المغرب على وجه الخصوص.
ترتب عن خيبة الأمل التي سببتها الاتفاقية غير المبرمة سنة 1902 خوف كبير من أن تخطط القوى الكبرى لاتفاقية أخرى بخصوص المغرب، دون أدنى اعتبار لإسبانيا. ففي 21 مارس من سنة 1904 انبعثت من مجلس الشيوخ أولى أصوات الاحتجاج، وكان ذلك عندما أدلى مونتيرو ريوس "Montero Ríos" في أحد تصريحاته بأن هناك إشاعات حول إبرام بعض الاتفاقيات بين فرنسا وبريطانيا العظمى. وأن نفس الإشاعات لم تستبعد إمكانية حدوث اتفاق بين حكومتي لندن وباريس حول مسألة المغرب. وتساءل السيناطوراللبرالي عمّا إذا "تأكدت الحكومة من ذلك الخبر بخصوص تلك الاتفاقية".
وقعت كل من فرنسا وانجلترا في 8 أبريل 1904 المعاهدة المتعلقة بمصير المغرب ومصر. وتحول هذا الحدث إلى قضية الساعة الأكثر تداولا بين أعضاء الحزب الليبرالي الإسباني. فمن منصة مجلس النواب تصاعدت أصوات المعارضة الليبرالية فاتهم الكونت رومانونيس "Conde de Romanones" الحكومة بأنها لم تتصرف حيال المعاهدة الفرنسية-الإنجليزية. وأدلى الكونت رومانونيس بالتصريح التالي: "نفى السيد وزير الدولة بأن تكون هناك مفاوضات بين فرنسا وانجلترا من شأنها أن تؤدّي الى معاهدة. وبالفعل، بعد مرور ثمانية أيام عن تلك المعاهدة المكشوفة على لسان السيّد رودريگيث سان بيدرو "Rodriguez San Pedro" توجت المفاوضات حول المغرب بتوقيع اتفاق أثار حيرة واستغراب الجميع".
واعتبر الكونت رومانونيس في السياق نفسه أن الاتفاق الفرنسي-الإنجليزي ترتب عن الوضع المتردي الذي اتسمت به العلاقات بين فرنسا وإسبانيا منذ فشل مفاوضات 1902، مذكّرا وزير الدولة المحافظ بالمسؤولية التي يتحملها حزبه بخصوص تلك المسألة ومؤكدا أنه "إذا تم التأكد من الخبر الذي جاء على لسان السيد وزير الدولة فيما يتعلق بتلك المفاوضات حول المغرب، سنكون للأسف في وضعية تختلف عن التي نعيشها اليوم. ولو استمرت الحكومة المحافظة في المفاوضات التي بدأتها الحكومة الليبيرالية، لكانت قد انتهت منذ مدة، ولما وصلنا إلى هذا الوضع الحزين ولسبقت المعاهدة الإسبانية -الفرنسية، نظيرتها الفرنسية-الإنجليزية".
أثارت معاهدة ثامن (08) أبريل 1904 حملة من الانتقادات تزعمتها مجموعة من النواب البرلمانيين اللبراليين. ففي جلسة سادس (06) يونيو، خصّص ڤيانويڤا " Villanueva" مداخلته لإدانة التصرف اللامسؤول للمجلس التنفيذي الإسباني. فحسب رأيه، اعتقدت الحكومة المحافظة أن القضية المغربية، لن تعالج بدون تدخل إسبانيا، فدعّم أعضاؤها هذه الفكرة ضد كل الشكاوى ومطالب المعارضة؛ لكن صدمتها كانت كبيرة ومؤلمة. وأكد النائب الليبرالي أن المهتمين بالحياة السياسية الإسبانية، وخصوصا منهم أعضاء الحكومة المحافظة، كلهم مطالبون بمساءلة ضمائرهم، بحيث علّق على ذلك قائلا: "اليوم نعيش أحداثا واتفاقيات تحتّم على إسبانيا امتحان ضميرها، بطريقة أو بأخرى. إن التذمر بعد فوات الأوان لا يفيد في شيء، لذلك يجب على الحكومة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاقية ترضي التطلعات الوطنية والتي من شأنها أن تثير شغفا واعتزازا باعتبارها تعالج جميع مشاكل الأمة الإسبانية".
في ثالث (03) أكتوبر من سنة 1904 وقع كل من سفير إسبانيا في باريس ليون إكاستيو، ووزير الشؤون الخارجية الفرنسي ديلكسي "Delcassé " الاتفاقية المتعلقة بالمغرب. وقد أثار توقيع الاتفاقية الفرنسية-الإسبانية إحساسا ممزوجا بالأمل والقلق. ولقي هذا الإنجاز استحسانا من طرف المعارضة، التي طالبت الحكومة بإيضاحات في شأن بنود تلك الاتفاقية. وهو ما دفع ببعض الليبراليين إلى تقديم اقتراحات جديدة تخص تطلعات إسبانيا في المغرب. واستغل النائب البرلماني مركيس دي ڤيانويڤا "Marques de Villanueva" جلسة ثامن (08) أكتوبر للتساؤل حول النظام الذي ستتبناه إسبانيا عند توغلها في المغرب. وخلاصة القول، إن تساؤل مركيس دي ڤيانويڤا لا يعكس في واقع الأمر سوى مدى اهتمام الحزب الليبرالي بالمخططات التي يجب نهجها للتدخل في المغرب واحتلال أراضيه.
بقلم: د. يوسف أكمير
باحث في تاريخ العلاقات المغربية الاسبانية
وأستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر/ أكادير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.