التمثيلية النسائية تضع ممثلي الأمة أمام امتحان تفعيل مقتضيات الدستور «يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها». هذا هو نص الفصل 19 من الدستور الجديد الذي صادق عليه المغاربة في شهر يوليوز المنصرم وعبروا بكثافة عن تأييدهم له ولمضامينه الجديدة بما فيها مبدأ المساواة بين الرجال والنساء. واعتبر هذا التصويت، في حينه، بمثابة ثورة هادئة في العقليات التي كان الكثيرون يزعمون أنها ضد تحقيق تلك المساواة وضد منح المرأة، نصف المجتمع، حقوقها المعتبرة، إنصافا ومناصفة مع أخيها الرجل. مما جعل الجمعيات النسائية وعموم الحركة المدافعة عن حقوق النساء، تستبشر خيرا بهذا التغيير الذي بدا أنه يمنح المساواة أولويتها المستحقة بل ويضفي عليها «قداستها» حسب تعبير البعض غداة المصادقة على الدستور، في إحالة لا تخلو من دعابة ورمزية للفصل 19 من الدستور الأسبق. وجاء الدستور الجديد بمقتضيات أخرى تكمل هذا المطلب/الحلم وتحوله إلى حقيقة، من خلال فقرات تنص على ضرورة ضمان ولوج النساء بقوة إلى كافة مواقع الحياة المجتمعية، بنسبة لا تقل عن «الثلث في أفق تحقيق المناصفة»، هذا المبدأ الذي اعتبر بدوره بمثابة إنجاز تاريخي للمغرب وخطوة رائدة للمشرع المغربي في إطار تعزيز وتسريع وتيرة توجه المغرب نحو آفاق التنمية والتقدم والتحديث، آفاق بدأت تبدو قريبة، قريبة جدا، للمتطلعين والمتطلعات إلى مغرب الغد. اليوم، الاثنين 27 شتنبر 2011، أقل من ثلاثة أشهر مرت على المصادقة على دستور فاتح يوليوز، واليوم، يستعد ممثلو الأمة للتصويت والمصادقة على مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، فيما يعد أول امتحان للديمقراطية في ظل الدستور الجديد. لن ندخل في تفاصيل الجدل الذي صاحب مناقشة هذا القانون خلال الأسابيع الأخيرة، ولن نعيد تكرار ما بحت أصوات الحركة النسائية بكل تلاوينها ومعها عدد من الأحزاب والهيئات وفعاليات المجتمع، في ترديده خلال هذه المدة للدفاع عن مطلب تعزيز التمثيلية السياسية للنساء، بل نستغل فرصة اللحظات الأخيرة قبل التصويت على هذا القانون لنتساءل فقط: هل ستقترب منا هذه اللحظة، لحظة التصويت على القانون التنظيمي لمجلس النواب، من تحقيق حلم المغرب الواثق بغده برجاله ونسائه والمعزز بقوانينه وبديمقراطيته ومؤسساته؟ أم أنها ستبعد بنا مسافات ضوئية عن الحلم لتكرس مسخ وكابوس ديمقراطية مفصلة على المقاس نغطي بها عُرينا في «فترينة» نعرض فيها «إنجازنا» للسياح الأجانب؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم على نخبتنا السياسية وعلى ممثلي الأمة وسلطات الدولة، سؤال يضعهم أمام مسؤوليتهم التاريخية في مواجهة الفصل 19 من الدستور الجديد، بل في مواجهة المشروع المجتمعي الذي جاء هذا الدستور لترسيخ لبناته. خديجة الرباح، منسقة الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، لا تخفي امتعاضها من مسؤولين سياسيين، ممثلين في الحكومة ووزارة الداخلية، ونخبة سياسية، ممثلة في عدد من الأحزاب والفرق البرلمانية، يضمرون خلاف ما يظهرون، ويتناقضون مع ذواتهم ومع القوانين الوطنية بما فيها الدستور، أسمى قانون للبلاد، ومع العهود والمواثيق الدولية ومع الحقوق الإنسانية للنساء. فحتى آخر لحظات ترافع تنسيقية الحركة النسائية حول المقتضيات المتعلقة بالتمثيلية النسائية في مشروع القانون التنظيمي، مافتيء الجميع يبدي «إرادته الحسنة» في «البحث عن صيغة توافقية» جديدة تضمن للنساء حقوقهن السياسية كما ينص عليها الدستور، في حين، وكما تقول الرباح في اتصال هاتفي مع بيان اليوم، تواصل نفس الأطراف- الداخلية وبعض الأحزاب- ضغطها باتجاه تكريس الوضع القائم والإقصاء المجحف للنساء من الحياة السياسية، وبالتالي في تغييب لغة القانون وإلغاء دور المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة البرلمانية. بل إننا علمنا، تضيف الرباح، أن أطرافا بعينها، لا تتردد في التصريح عاليا داخل اللجان البرلمانية بأنها ضد توسيع التمثيلية النسائية وضد التراجع عن الصيغة «التوافقية» التي جاء بها مشروع القانون التنظيمي، وهو ما يدل، تتأسف الرباح، على أننا «مازلنا بعيدين عن الديمقراطية الحقيقية التي تبنى بأيدي نخبة سياسية تتحمل مسؤولية وجرأة اختياراتها وتدافع عنها داخل المؤسسات ومن داخل القوانين وليس من خارج البرلمان بمنطق التوافقات والمقايضة على حقوق النساء». نفس الاستغراب تعبر عنه نزهة العلوي البرلمانية ضمن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، والتي تابعت عن كثب النقاشات داخل اللجان حول مشروع القانون التنظيمي واللائحة الوطنية، ودافعت عن موقف حزبها الداعي إلى تخصيص لائحة وطنية للنساء مع توسيع تمثيليتهن من خلال إجراءات أخرى وخاصة اللوائح المحلية، مشيرة في اتصال هاتفي مع بيان اليوم، أنه في الوقت الذي دخل القانون إلى البرلمان «معززا» بتوافق بين الداخلية والأحزاب، برزت هنالك تفاوتات كبيرة خلال النقاش، وارتفعت دعوات مع، وأخرى ضد، لائحة وطنية مخصصة للنساء. وهو ما جعل النقاش حول القانون التنظيمي، يكتسي نوعا من الإثارة إلى آخر لحظة، وجعل بالتالي، تقول العلوي، مسألة التمثيلية النسائية غير خاضعة لأي توجه واضح. وتختم العلوي بأنه في غياب وجود أي ضمانات لتعديل المقتضيات التي جاء بها المشروع فيما يتعلق بالتمثيلية النسائية، فإن الأمل يظل معقودا، لآخر لحظة أيضا، على الجهود التي تبذلها عدد من الفرق من أجل توحيد مواقفها المدافعة عن حق النساء في الاستمرار من الاستفادة من إجراء التمييز الإيجابي ضمن اللائحة الوطنية. رشيدة الطاهري، عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، تؤكد بدورها على ضرورة أن يأخذ التصويت على مشروع القانون التنظيمي بعين الاعتبار المعطيات والحراك الاجتماعي الذي خلقته مقتضيات المشروع حول التمثيلية النسائية، وكذا الانتقادات الموجهة لتلك المقتضيات لعدم توافقها مع الدستور ولا مع التزامات المغرب وتعهداته خاصة فيما يرتبط بأهداف الألفية. مشيرة أن حزبها ظل وما يزال يدافع عن تجديد نخب البرلمان ووصول النساء إليه بكثافة، وذلك من خلال إجراءات وأدوات تضمن تحقيق نسبة الثلث بصفة مرحلية، وهذا ما يجب أن يجيب عليه المشروع المطروح على المصادقة اليوم، بحيث مهما اختلف الأطراف على الأدوات والوسائل، فإن الأهم، تقول الطاهري، هو تحقيق النتيجة، أي الوصول بالضرورة إلى نسبة الثلث، في البرلمان القادم، في أفق تحقيق المناصفة لاحقا، وذلك من خلال اللائحة الوطنية ومن خلال، أساسا، ضمان تصدر النساء للوائح المحلية بنسبة لا تقل عن 20%. ويظل السؤال الذي تطرحه الحركة النسائية ومعها مختلف الفعاليات المدافعة عن دولة الحق والقانون والمتطلعة إلى مغرب نبنيه اليوم لأجيال الغد: لمصلحة من وماذا يصوت ممثلو الأمة اليوم؟ لقوانين تقوم بتنزيل مبادئ الدستور الجديد وتفعيلها في الواقع لمواجهة مختلف مظاهر الفساد والإقصاء واللامبالاة في المجتمع، أم لصالح ديمقراطية الواجهة ومنطق التوافقات الذي يقايض بحاضر المغرب و بمستقبله؟