إحباط "محاولة انقلاب" في كينشاسا بحسب متحدث باسم الجيش الكونغولي    عطية الله: سقوط سوتشي "أمر مؤسف"    المغرب ينتزع سبع ميداليات في بطولة البحر الأبيض المتوسط لرياضات الكيك بوكسينغ    نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية ..نهضة بركان متفائل بإحراز اللقب القاري من قلب مصر    المالكي : السينما.. جسر تواصل ولغة عالمية تتسامى على الاختلافات    موقع أمريكي يصنف طنجة وشفشاون ضمن أرخص الوجهات السياحية في إفريقيا    شبيبة الأحرار تهاجم "البيجيدي" وتنوه ب"شجاعة" الحكومة    "لا داعي للمالديف".. مصممون سعوديون يعرضون أزياءهم على شواطئ المملكة    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني: تسليط الضوء على تحديات وفرص استعمالات الذكاء الاصطناعي في المرافق الأمنية    مهنيو النقل يرفضون مرسوما حكوميا لولوج المهنة    هولدينغ الإعلام العمومي .. الSNRT تعتزم اقتناء 100% من رأسمال قناة "ميدي 1"    نجم المنتخب الوطني قريب من مجاورة حكيم زياش    أنشيلوتي يوضح موقفه من أزمة تشافي مع برشلونة    بعد صفعة العزل.. بودريقة مطلوب في جامعة الكرة لهذا السبب    تطوان…تخليد الذكرى ال19 لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    تصادم بين سيارتين يرسل 5 اشخاص الى مستعجلات طنجة    بعد إسبانيا.. مزارعون فرنسيون يعتدون على شاحنات مغربية محملة بالطماطم    المغرب وفرنسا يعززان التعاون السينمائي باتفاق جديد    مهرجان "فيستي باز" ينتقد وسائل الإعلام الوطنية والقنوات الرسمية    سائقون يتركون شاحنات مغربية مهجورة بإسبانيا بعد توقيعهم على عقود عمل مغرية    في سابقة بالسعودية.. تنظيم أول عرض أزياء لملابس السباحة    استعدادا لموسم الصيف.. حملة تستهدف تحرير كورنيش طنجة والشاطئ    القصر الكبير.. أزمة قلبية تُنهي حياة شاب بملعب أشرف حكيمي    بسبب أمطار شهر ماي.. فلاحون يتخوفون من تضرر المحاصيل الزراعية    مستشفى بغزة يعلن مقتل 20 شخصا في قصف إسرائيلي    مصرع 3 أشخاص عقب اشتباكات مسلحة اليوم الأحد بمحيط قصر الرئاسة بالكونغو    مهرجان كناوة بالصويرة من المواعيد الموسيقية الأكثر ترقبا خلال 2024 (موقع أمريكي)    أفغانستان: مصرع 50 شخصا بسبب الفيضانات غرب البلد    في ظرف يومين فقط.. عدد زوار الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير يبلُغ 770.000    منصات دردشة الذكاء الاصطناعي تغذي التحيزات الشخصية للمستخدمين    بعد شجاره مع المدرب.. إشبيلية يزف خبرا سارا للنصيري    مواجهات مسلحة بين مغاربة وأفراد عصابة في إسبانيا    نزوح 800 ألف فلسطيني مع تواصل القتال في رفح وبن سلمان وسوليفان يبحثان الوضع في غزة    أوسيك يهزم فيوري ويصبح بطل العالم بلا منازع في "نزال القرن"    لماذا النسيان مفيد؟    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    ناريندرا مودي: عقد من الشعبية والاستقطاب السياسي في الهند    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    أم كينية تسابق الزمن لإنقاذ ابنها من الإعدام في السعودية    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    رئاسة النيابة العامة تستعرض جهود تعزيز الثقة والجودة في منظومة العدالة    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور الجناح المغربي بمهرجان كان السينمائي    الأمثال العامية بتطوان... (602)    فيستي باز والمفارقة الإعلامية    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    مشروع بأزيد من 24 مليون درهم .. هذه تفاصيل الربط السككي بين طنجة وتطوان    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة: المرآة والقط
نشر في بيان اليوم يوم 28 - 11 - 2011

جن الليل. ليل طويل بهيم. صوت العاصفة يزمجر غضبا في الخارج. هل أغلقت كل النوافذ؟ خوفي من الأشرار يغطي على صوت العاصفة. المطر والريح الهوجاء تقتلع كل شيء وتضرب النوافذ بماء مشبع بالغبار. البرق يضيء عتمة البيت على دفعات مثل يد طفل مشاغب تلهو بزر الكهرباء. ماذا لو صاعقة ضربت البيت الآن؟ تضحك من نفسها وهي تتذكر أنها أطفأت النور قبل قد تلتجئ إلى دفء الفراش. لكنها مع ذلك خائفة. ألا يقولون إن البرق لا يحب الضوء؟ غريب كيف لهذا المشاغب أن يعشق الظلام. يبدو أن أداد وزيوس متفقان على ذلك. لا يتجلّيان إلا في العتمة. ربما كي يستأثرا باهتمام البشر. تراقب مندهشة شلالات الضوء تظهر وتختفي بسرعة خارقة لكن خائفة أيضا. أو ربما ليست خائفة بل هي فقط تلك الوحشة التي تنتاب الإنسان حين يقضي مدة وحيدا تماما. منذ أسبوع لم تر أحدا ولم تكلم أحدا. حتى الهاتف أصيب بالخرس. توزع وقتها بين الحاسوب والكتب.
تتقلب في فراش محموم. على الظهر. على البطن. وضعية الجنين. وضعية المحارب، تجلس، تقوم، تغادر الفراش، تجوب أرجاء البيت، تدخل المطبخ، تجول ببصرها، كل شيء في مكانه، حتى الصمت. قط الجيران ذلك المرقط كنمر صغير يدخل عادة من الشرفة الملتصقة بالمنزل المجاور. تجده يموء وراء الباب وينظر إليها بعنينين متوسلتين. حتى هو غائب هذا المساء. ربما ينتقم منها لأنه يشعر أنها لا تحبه. ليس لأنها لا تستلطفه هو بالضبط بل فقط هي لا تحب الحيوانات عموما.
أحيانا يختبئ في الحمام في الدرج المخصص للفوط الذي تنساه دوما مفتوحا فيتخذه القط مأوى. ستطرده بعنف. تكره أن تجد شعره على كل أشيائها و رائحته تلك الكريهة يا إلهي كيف أتخلص منها؟
تمر أمام المرآة. مرآة طويلة مثبته في الجدار جنب الدولاب. تتحاشى النظر إليها. تتذكر كل القصص التي كانت جدتها ترويها لها وهي توصيها ألا تنظر إلى المرآة بالليل. كيف أومن بهذه الخرافات؟ أشباح تخرج من المرآة بالليل؟ يا لي من ساذجة! تغادر الحمام و هي تتحاشى أن تنظر نحو المرآة. تغلق باب الحمام بإحكام.
تفتح عينيها وتغمضهما. هل نمت كثيرا؟ غفوت؟ أم أنا مستيقظة؟ تشعر بخذر في أطرافها المتيبسة. الدنيا حر. تنزع عنها الغطاء. تمدد رجليها وتنبطح على بطنها. تريحها هذه الوضعية كثيرا.
تمشي في الشارع. شمس حنون تطل عليها من بين أغصان الأشجار. زقزقة العصافير جذلانة بنور الصباح تملأ أذنيها طربا. تدور بعينين مفتوحتين عن آخرهما في كل الأرجاء. ماذا يحصل؟ لماذا في بيتي عاصفة؟ الجو في المدينة راق والناس يمشون كما يفعلون كل يوم.
عليّ أن أسأل ماذا يقع؟ هل كانت هنا عاصفة هدأت للتو؟ لا أرى أثرا لها. تتابع السير. لا تسأل أحدا لأن لا أحدا يلتفت إليها. كأنها تعبر مجالهم البصري دون أن تدخل شبكة أعينهم. هل يرونها؟ هل تسألهم؟ ماذا ستقول لهم؟ لماذا العاصفة في بيتي فقط؟ سيتهمونها حتما بالجنون.
فجأة تلمح رجلا في الطرف الآخر من الشارع. تهرول نحوه. يبدو مألوفا. تعرفه رغم أنها لا تتذكر اسمه بالضبط. تتعقبه، توقفه بلمسة خفيفة من يدها على ذراعه. يلتفت. إنه هو. هو فاضل. صديقها فاضل. لم يجب على رسائلها منذ مدة. بل وحذف اسمها من قائمة أصدقائه دون أن يكلف نفسه عناء الشرح. لماذا؟ لماذا يا فاضل؟ تسأله. لا يجيب. يقطع الشارع ويبتعد. وهو يلتفت، يقع بصرها على اللوحة التي يحملها بيديه عاليا فوق رأسه كتلك اللوحات التي يرفعها المتظاهرون في المسيرات الشعبية. أنا ذاهب إلى البحر. كتب على اللوحة. يزداد استغرابها حين تلمح أشخاصا كثيرين يحملون نفس اللوحة مكتوب عليها نفس العبارة ويمشون في نفس الإتجاه الذي ذهب فيه صديقها فاضل.
تتمطى. تعيد الغطاء فوق جسدها. تشعر بقشعريرة تسري في كيانها. ماذا يقع لي؟ يا إلهي! أنا هنا وهناك في نفس الوقت. هل أنا ميتة وروحي هي التي تتسكع تبحث عن شيء لا يزال مبهما لديّ؟ لماذا لا أغادر هذا الحلم الذي يتكرر؟ حلم؟
تشعر بشيء ثقيل فوق جسدها المسجى فوق السرير. هو حتما القط، دخل يبحث عن بعض الدفء. تستيقظ في ليال كثيرة على رائحته النفاذة تقتحم عليها سريرها. تنهض وبغضب شديد تمسكه من رقبته، ترميه خارجا، تغلق الباب بإحكام ثم تعود إلى النوم.
ماذا لو مات من البرد؟
القطط لا تموت بهذه السهولة. ألا تعرفين أن لها سبعة أرواح. يعني تموت وتحيا، تموت وتحيا ست مرات، وفي السابعة فقط تطلع روحها إلى السماء.
سأتركه في الشرفة إذن مادامت أمامه حياة طويلة. أما أنا فلا بدّ لي من الساعات الضرورية للنوم لأني لن أموت إلا مرة واحدة. الشيء فوق جسدها يزداد ثقلا. يضغط عليها بشكل خطير يكاد يخنق أنفاسها. عرق غزير يتصبب من جسدها ويبلل الملاءات. عليها أن تقوم وتنهي هذا الكابوس لكنها لا تقدر. تحاول دون جدوى. تريد أن تصرخ ولو أنها تعرف أن لا أحد في البيت كي يهبّ لنجدتها. لسانها معقود في سقف حلقها. ريقها ناشف والصرخة منحبسة في عمق حنجرتها.
لم يكن عليها أن تقرأ لموباسان* ذاك. يحكي عن الأشباح والظلال في المرايا خاصة في قصته الهورلا. منذ أن قرأتها وهي تتخيل أشياء. موبسان انتهى في مستشفى المجانين وهي لا تريد أن تلقى نفس المصير. لكن ذلك يتوقف على تحررها من هذا الثقل الذي يضغط على أنفاسها.
سأفكر في شيء آخر كي أنسى وجود هذا الثقل فوق أنفاسي. تعودت على هذه اللعبة كلما وجدت نفسها في مأزق ما أو بحاجة ماسة لشيء ما ولا يمكنها الحصول عليه. فتراوغ بالنظر والتفكير في شيء آخر مختلف وبعيد تماما عن الأول، وبذلك تجد عزاءها. وتنسى لبعض الوقت ما يؤرقها.
لا تدري كم من الوقت غفت تحت الجسم الثقيل، لكنها حين فتحت عينيها مرة أخرى، أحست بنفسها خفيفة مثل ريشة، مثل نسمة ريح. كأنها تسبح في فضاء خال من الجاذبية. هل هو الموت مرة أخرى ما يعطيها هذه المرونة في الحركة بكل هذه الخفة.
تطير من غرفة إلى أخرى، ترقص على أنغام ساحرة كأنها آتية من الجنة، تذهب في كل اتجاه، تخترق الجدران والأبواب، تغني ألحانا تخترعها للتو...
من أين تأتيها هذه الغبطة؟ متى راودها هذا الشعور بالضبط؟ قبل قليل، كانت تود أن تنام ذلك النوم العميق الهادئ الذي لا يدخل غماره أي شيء. لا ظلال، لا خيالات، لا أشباح، لا قطط ولا مرايا. كيف نسيت الأمر كليا؟ لم تنس فقط بل تشعر بسعادة أنها خفيفة كالريشة.
رغبة عارمة في الخروج إلى ضوء الشمس تنتابها. سأفعل حتما. لكن لن أخرج هكذا. تتحسس أطراف جسد بارد ونصف عار. تقرر أن تعدّل من هندامها. تتجه إلى الحمام، تفتح الباب على مصراعيه، من دون وجل تنظر في المرآة.
تصرخ! تضع كفها على فمها كما تفعل دوما حين تتحاشى إزعاج الآخرين بضحكة مجلجلة أو بصرخة إثر دهشة أو إعجاب.
في المرآة لا ترى صورتها. المرآة صافية تماما... بيضاء... ناصعة البياض ككفن... ينعكس عليها بريق الزليج الأبيض في الحائط قبالتها. يلمع بشكل غريب. تقرب وجهها أكثر من صفحة المرآة. القط هناك في العمق ينظر إليها بعينين تملؤهما ابتسامة ماكرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.