عبور سردي في ذاكرة فضاء اجترح كل التحولات وقع الإعلامي والسينمائي فؤاد سويبة مؤخرا بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط روايته الأولى «ولد الحي» التي صدرت عن دار النشر «سماين». يراهن سويبة، وهو الموزع منشأ وإقامة بين مراكش والرباط،على متخيل مشبع بمحصول معرفي تاريخي مركز،ليقترح عبورا سرديا في تاريخ الحي المحمدي بالدار البيضاء،ذلك الفضاء المثقل برمزيته والمهيمن بدوره المتفرد في صنع التحولات الكبرى لمغرب المقاومة وما بعد الاستقلال. يخضع فؤاد سويبة مجمل الأحداث الكبرى التي شكل الحي المحمدي ساحة مصغرة لها لمعالجة فنية يتجاور فيها البعد التأريخي مع «حرية التصرف» في الحكاية،انطلاقا من مسارات شخصيات،بعضها حقيقي،وإن توارى خلف أسماء مستعارة،وغيرها من وحي خيال السارد،الذي وجد في تجمع إنساني طافح بديموغرافيته المنفجرة وتلاوينه الطبقية والسوسيو اقتصادية مادة دسمة لصنع اختياراته السردية. الشخصية المحورية للرواية هي «سبع الليل»،ذلك الطفل الذي كان على ظهر أمه «امي عيشة» حين سقطت بنار قوات الاحتلال في أوج احتدام المقاومة. نموذج لشاب فتح عينيه على مغرب الاستقلال،بكل الآمال العريضة،وبمرارات الطريق الصعب،نحو تحقيق الذات،تحت وطأة ظروف اجتماعية قاهرة،وتقلبات سياسية. هي رواية عن تفاعل الناس مع الزمان والمكان،من خلال مسار شخصية مدهشة وممتعة،حسب الناقد حسن نرايس الذي وجد في «ولد الحي» كتابة أنيقة تقود السرد الى اللامتناهي،تحمل ظلال ادريس الشرايبي،تربط الذات بالآخر،العلمي واللاعلمي،الفقر والغنى،الضعف والقوة...رواية -يضيف نرايس- «تربط الأدب بالحياة.ليست واقعية ولكنها تعبر عن واقع ما». في تجربته الإبداعية الجديدة،لا يخلع سويبة معطف الصحافي والناقد السينمائي،بل يستعين بتقنيات الكتابة الصحافية بسلاستها ووضوحها وتماسكها المنطقي،كما يتوسل مشهدية الكتابة السينمائية وإيقاعيتها في تخصيب انعطافات الحكاية وصنع أفق انتظار القارئ تجاه سؤال المآل،كتابة وشخوصا. يصر فؤاد سويبة على هوسه بالاشتغال على الواقع،كدأبه في أعماله الصحافية والسينمائية (خصوصا الوثائقية)،لكنه يشدد في المقابل على أن الواقعية لا تصنع عملا جيدا ،في أي قطاع إبداعي. تفاصيل التخييل وتفاعل اليومي مع الحلمي،وتدافع الممكن مع المستحيل، بهارات تصنع خصوصية النص وشرعيته وتؤشر على مستقبل تلقيه أيضا. «سبع الليل»..الطفل اليتيم الذي أصبح شابا..يعيش في حضن والد قاس «باسو» وزوجة أب تحمل زورا إسم «رحمة». ها هو يزامن مخاضات التأسيس للفنون الحديثة بالمغرب. مساره سيناريو مفتوح يجد فيه كل فنان مغربي نفسه،من حيث رصده لطريق الآلام الطويل الذي يتجشمه من عشق الضوء وراودته شياطين المسرح وسكنه حلم صعود الخشبة. كان ذلك التماهي سرا لامعا في عيون نخبة من الممثلين الذين حضروا حفل توقيع الرواية: رشيد الوالي،محمد مفتاح ومحمد الشوبي. «ولد الحي» إذن حكاية عائلة مغربية تعيد إنتاج مخاض اجتماعي مفعم بالآلام والآمال في ثلاثة أجيال تقارب قرنا من الزمن. عائلة خبرت كل أصناف النضال ضد المستعمر لكن وضعها الإحتماعي المتواضع ظل يلازمها،فلم يبدده انخراط ابنها «سبع الليل» في عالم الأضواء. فؤاد السويبة من مواليد 1963. حاصل على دبلوم السلك الثالث في الإعلام و الإتصال. ابتدأ منذ 1982 العمل في الصحافة الوطنية و الدولية و في وسائل الإعلام السمعية و البصرية كما أنتج وقدم برامج متنوعة في التلفزيون المغربي والعربي. هو مؤلف سيناريو،منتج،مخرج لعدة أفلام تسجيلية وثائقية،وأخرى قصيرة،آخرها فيلم «بوابة السعادة».