مسؤول إيراني يؤكد أن حياة الرئيس "في خطر"    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة بركان والزمالك في نهائي الكونفدرالية    سلطات طنجة المدينة تشن حملات لتحرير الملك العمومي والبحري (صور)    المعرض الدولي للنشر والكتاب.. إبراز تجليات مساهمة رئاسة النيابة العامة في تعزيز جودة العدالة    المحصول الضعيف للحبوب يسائل الحكومة عن التدابير البديلة للنهوض بالقطاع    إيطاليا تصادر سيارات "فيات" مغربية الصنع    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير.. منصة "طفلي مختفي" مكنت من استرجاع 124 طفلا منذ إطلاقها سنة 2023    مهنيو قطاع النقل الطرقي للبضائع يرفضون مضامين مشروع مرسوم ولوج مهن النقل ومزاولتها    المبادرة الوطنية للتنمية البشرية : احتفاء بالذكرى ال19 تحت شعار التعبئة والتوعية بالأهمية الحيوية للأيام الألف الأولى من حياة الطفل    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    انفجارات السمارة.. أكاديمي يحمل المسؤولية للجزائر    أخبار الساحة    شبيبة الأحرار تستنكر "التشويش" على الحكومة    الجيش الكونغولي يعلن إحباط "محاولة انقلاب"    الرياض وواشنطن تقتربان من توقيع "اتفاقيات استراتيجية" تمهد للتطبيع    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تُبرز حضور الشباب المغربي في صلب أولوياتها    البطاقة البيضاء تحتفي بالإبداع السينمائي الشبابي خلال مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة    ساكنة الناظور تستنكر إبادة الفلسطينيين في وقفة تضامنية    باحثون مغاربة وأجانب يتخوفون من تأثير الذكاء الاصطناعي على الأدب والفن    بسبب الجفاف.. الجزائر تتجه لخطف المركز الثاني من المغرب    مجموعة «إمديازن» تعود لجمهورها بأغنية «إلى الجحيم يا حساد»    الإطار المرجعي للامتحانات يخلق الجدل ومطالب بحذف بعض الدروس    إحباط "محاولة انقلاب" في كينشاسا بحسب متحدث باسم الجيش الكونغولي    المالكي : السينما.. جسر تواصل ولغة عالمية تتسامى على الاختلافات    عطية الله: سقوط سوتشي "أمر مؤسف"    بعد إسبانيا.. مزارعون فرنسيون يعتدون على شاحنات مغربية محملة بالطماطم    موقع أمريكي يصنف طنجة وشفشاون ضمن أرخص الوجهات السياحية في إفريقيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    تصادم بين سيارتين يرسل 5 اشخاص الى مستعجلات طنجة    نجم المنتخب الوطني قريب من مجاورة حكيم زياش    أنشيلوتي يوضح موقفه من أزمة تشافي مع برشلونة    بعد صفعة العزل.. بودريقة مطلوب في جامعة الكرة لهذا السبب    "لا داعي للمالديف".. مصممون سعوديون يعرضون أزياءهم على شواطئ المملكة    المغرب وفرنسا يعززان التعاون السينمائي باتفاق جديد    مهرجان "فيستي باز" ينتقد وسائل الإعلام الوطنية والقنوات الرسمية    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني: تسليط الضوء على تحديات وفرص استعمالات الذكاء الاصطناعي في المرافق الأمنية    سائقون يتركون شاحنات مغربية مهجورة بإسبانيا بعد توقيعهم على عقود عمل مغرية    مهرجان كناوة بالصويرة من المواعيد الموسيقية الأكثر ترقبا خلال 2024 (موقع أمريكي)    مستشفى بغزة يعلن مقتل 20 شخصا في قصف إسرائيلي    في ظرف يومين فقط.. عدد زوار الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير يبلُغ 770.000    بعد شجاره مع المدرب.. إشبيلية يزف خبرا سارا للنصيري    مواجهات مسلحة بين مغاربة وأفراد عصابة في إسبانيا    أفغانستان: مصرع 50 شخصا بسبب الفيضانات غرب البلد    أوسيك يهزم فيوري ويصبح بطل العالم بلا منازع في "نزال القرن"    لماذا النسيان مفيد؟    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الأمثال العامية بتطوان... (602)    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الصغير جنجار نائب مدير مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية
نشر في بيان اليوم يوم 27 - 12 - 2012

المكتبات اليوم لم تعد للقراءة وعرض الكتب فقط بل فضاء للحوار والنقاش
يشير نائب مدير مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدارالبيضاء، الأستاذ محمد الصغير جنجار في هذا الحوار، إلى أن المؤسسة تسعى إلى تطوير الجانب الرقمي ليصبح ثلث عرضها المكتبي والتوثيقي رقميا بدل الاكتفاء بالعرض الورقي. كما يتطرق إلى اهتمام هذه المؤسسة بمسألة النشر وتوطيد العلاقة مع الجامعة ومع البحث العلمي، والتحديات والاكراهات المطروحة في هذا السبيل.
كيف تساهم المؤسسة في الفعل الثقافي في الدار البيضاء خصوصا وفي المغرب عموما؟
المؤسسة موجهة أولا للبحث العلمي، وهي بشكل من الأشكال امتداد للجامعة المغربية، وباستثناء «العلوم البحتة» كالبيولوجيا أو الفيزياء وغيرهما، نحن نغطي كل حقول العلوم الإنسانية، العلوم التي تدرس في كليات الحقوق (قانون، علوم سياسية وغيرها) أو كليات الاقتصاد، أو العلوم التي تدرس في كليات الآداب (التاريخ، علم اجتماع، لغات، لسانيات وغيرها)، بالإضافة إلى السوسيولوجيا وعلم النفس والدراسات الدينية والفلسفة وغيرها، المؤسسة تساهم من خلال إعداد مرجع عن الدراسات المغاربية في العالم بأسره، نحاول أن نسهل الأمر على الباحث الذي يشتغل على منطقة المغرب الكبير(المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا وموريتانيا) وامتداداتها التاريخية(الأندلس، صقلية المسلمة، إفريقيا الغربية، العلاقات بين المنطقة المغاربية وإفريقيا)، ثم الجاليات المغاربية في أوروبا وعبر العالم، نحاول أن نجمع كل ما يصدر عن هذه المنطقة من دراسات في العلوم الاجتماعية والإنسانية، سواء كتبت داخل هذه المنطقة أو خارجها، سواء كتبت بالعربية أو باللغات الأخرى، بالإضافة إلى اهتمامنا بالعالم العربي، لأنه لا يمكننا بناء مكتبة حول المغرب دون الاهتمام بالعالم العربي، باعتباره العمق الثقافي، الحضاري، التاريخي والإسلامي للمغرب، ثم نضيف إلى ذلك الانفتاح على الإصدارات العالمية في العلوم الإنسانية باللغات الأخرى.
ماذا عن الأنشطة الثقافية الموازية للكتاب؟
لا يمكن بناء مكتبة باعتبارها مخزنا للكتب فحسب، نحاول أن نبني مكتبة على نظام حديث هو نظام الرفوف المفتوحة، ليتمكن كل باحث من الوصول إلى ما يريده من كتب ومراجع، ونظام معلوماتي قوي متاح على الشبكة العنكبوتية، نظام يمكن الباحث من قاعدة معلوماتية تتيح له الإطلاع على ما تتوفر عليه المكتبة، حتى قبل المجيء إليها، كل هذا مساهمة منا في الدفع بالبحث العلمي في المغرب، بحيث يتمكن الشاب الذي ينجز دراسات عن موضوع من الإطلاع على كل ما صدر في المغرب وخارجه بدل السفر إلى الخارج، العنصر الآخر هو النشاط الثقافي، لأن المكتبات اليوم لم تعد للقراءة وعرض الكتب فقط، بل أصبحت فضاء للحوار والنقاش، والمؤسسة منذ 25 سنة تقريبا عرفت بأنشطتها الثقافية والقضايا التي تهم منطقتنا، باستضافة باحثين أجانب من أوروبا أو من العالم العربي، والشراكة مع مؤسسات دولية كثيرة.
كيف تنظر مؤسستكم إلى مسألة النشر؟
المؤسسة ليست ناشرا، لكن بحكم تنظيمها لأنشطة ثقافية وعلمية وندوات، تحاول أن تعرف بمنتوجها عبر نشره، وأيضا عبر إنجاز الببليوغرافيات الخاصة بالإنتاج المغربي أو المغاربي، وفي السنوات المقبلة سيصبح النشاط أكثر قوة، لأننا دخلنا في شراكة مع جامعة محمد الخامس بالرباط، والآن نحن نحتضن عدة فرق للبحث التي تعمل وتنتج، وهذا الإنتاج سيصدر في سلسلة تسمى «أوراش البحث العلمي» هي عبارة عن كتب، ثم أطلقنا برنامج اختيار أحسن الرسائل الجامعية في إطار مجال الدراسات المغاربية، وفي السنة الماضية ترشحت لهذا البرنامج حوالي 100 رسالة جامعية، تم اختيار ثلاث رسائل منها للنشر، وهذا سيدعم عملية النشر داخل المؤسسة التي ستواكب البحث العلمي المحترم والأبحاث المنجزة من طرف الشباب الباحث.
اهتمامكم بالمجال المغاربي ربما سيجعل منكم مؤسسة متخصصة فيه أم سيبقى الشق العربي الإسلامي حاضرا؟
نحاول أن نجمع بين الاثنين، لأنه الوضع المكتبي في المغرب أو في المنطقة العربية والمغاربية، حاليا لا يسمح لنا بالانطلاق في اتجاه المكتبات المتخصصة، لأن الحاجيات كبيرة جدا، إذا تخصصنا في المغرب العربي مثلا، سنجد باحثين في اللسانيات أو في الفلسفة لديهم طلبات وحاجيات في حقول تخصصهم، ولذلك نحاول أن نطور هذا التخصص في المنطقة العربية، بحيث ندفع به إلى أقصى حد ممكن، وبالموازاة مع ذلك نحاول أن نحافظ على هذا التوازن بالانفتاح على العمق العربي الإسلامي من ناحية الدراسات الأكاديمية، وأيضا العلوم الاجتماعية والإنسانية لأن حاجة الجامعة المغربية إلى الكتب لا تزال كبيرة جدا، وليس هناك حقل مكتبي كافي، بحيث نتمكن من توزيع الاختصاصات، لتصبح هناك مكتبات متخصصة في الفن أو الدراسات الإسلامية أو الفلسفة أو غيرها، هذا غير مطروح حاليا.
هل تقيمون شراكات مع وزارة الثقافة المغربية؟
هي شراكات لحظية، ليست هناك شراكة استراتيجية، بمعنى أننا ننجز شراكات ظرفية إذا تعلق الأمر بندوات أو أشياء نقدمها في معرض الكتاب، مثلا في المستقبل القريب سيكون هناك مؤتمر لاتحاد المكتبات العربية، نحتضنه بشراكة مع وزارة الثقافة المغربية، شراكتنا مع وزارة الثقافة تكون في مشاريع محددة.
تعتمد مؤسستكم طريقة الرفوف المفتوحة، ألا يطرح لكم هذا الأمر مشاكل؟
بطبيعة الحال، نظام الرفوف المفتوحة مفيدة جدا للقارئ، لكنه مكلف جدا للمؤسسات التي تشتغل به عبر العالم، نحن فضلنا أن نشتغل بهذا النظام، أولا لتيسير استغلال موارد المكتبة للقارئ ولتدشين تقليد جديد لديه، فعلى امتداد قرون في متخيل المغربي المكتبة هي الخزانة، والخزانة هي المعنى القديم ل»dépôt» الذي يحجب المخزون عن طالبه، أي أن القارئ يطلب وينتظر، التوجه العالمي والذي تجسده الشبكة العنكبوتية بشكل من الأشكال هو الولوج المطلق ، أي أن الحاجة يجب أن تكون في متناول طالبها، وعادة ما يأتي الطالب للبحث عن كتاب معين ليجد كتبا أخرى، لم يكن يظن أنها موجودة في المكتبة، هذا النظام يتيح مزايا معرفية كبيرة جدا، وكلفته معقولة إذا أردنا أن نحافظ على هذه الخاصية التي تميزنا عن غيرنا.
ألا تفكرون في اعتماد الإعارة الخارجية للكتب؟
نظام الرفوف المفتوحة يعني أن الباحث يجب أن يجد الكتاب في كل وقت يطلبه فيه، إذا اعتمدنا نظام الإعارة الخارجية، هذا يعني أن جزءا من الكتب سيِِِفقد داخل الرفوف، ومنذ البداية تم اختيار هذا الطريق، أي أن الاستعمال يكون في عين المكان، خصوصا أننا اعتمدنا النسخة الواحدة في أغلب الكتب التي نتوفر عليها، وطبيعي أن الكتب التي عليها إقبال كبير لدينا منها أكثر من نسخة، وفي العموم الدراسات الأكاديمية نشتري منها نسخة واحدة، لدينا إعارة خارجية وهي نظام جديد، فريد من نوعه في العالم العربي، ذلك أن جامعة محمد الخامس، باعتبار أنها تضم عددا كبيرا من الباحثين المستقرين بالرباط، ويصعب عليهم التنقل باستمرار إلى الدار البيضاء، دخلنا في شراكة مع المكتبة الوطنية وأحدثنا مكتبا تابعا للمؤسسة داخلها، بحيث يستطيع الباحث الولوج إلى موقع المؤسسة، ويطلب الكتب من خلال مكتب الرباط، ونحن نوفر سيارة تنقل الكتب بشكل أسبوعي إلى الرباط، ويتم الاطلاع عليها في عين المكان، وتعاد كل أسبوع، هذا النظام يسمى الإعارة ما بين المكتبات، وهو موجود في ألمانيا فقط، بحكم أن المكتبات في ألمانيا متخصصة، هناك المتخصصة في القرن 17 وأخرى في القرن 18 وهكذا، وهذا لا يعني أن على القارئ أن يتنقل إلى كل المكتبات، بل يكتفي بأن يطلب الكتب من الموقع الإلكتروني، لتصل إلى المكتبة القريبة من وجوده خلال 24 ساعة، توفقنا في محاكاة هذه التجربة مع مدينة الرباط، والآن لدينا حوالي 500 عنوان تذهب وتأتي من وإلى الرباط بشكل أسبوعي.
يمكننا أن نعمم هذا النظام، لكن إذا وجدنا شركاء يتوفرون على إمكانيات، لأنه نظام مكلف ماديا، إذ على الشريك أن يتوفر على مكان خاص، على إمكانات معلوماتية، وعلى إمكانات خاصة بالتنقل المنتظم، إذا توفرت المكتبات الجهوية على هذه الإمكانات يمكننا أن نتوصل إلى الصيغة نفسها في العمل ونطورها، بحيث يصبح الكتاب قريبا من القارئ بدل أن يتنقل القارئ إلى الكتاب.
ألا تفكرون في إنشاء فروع أخرى للمؤسسة داخل أقاليم المملكة؟
في استراتيجيتنا الحالية هذه المسألة غير مطروحة، في أفق 2025 نفكر في توسيع هذه المؤسسة، لنصل إلى مليون عنوان، ونود تطوير الجانب الرقمي ليصبح ثلث عرضنا المكتبي والتوثيقي رقميا بدل الاكتفاء بالعرض الورقي، كما نضع نصب أعيننا مسألة النشر وتوطيد العلاقة مع الجامعة ومع البحث العلمي، وتطوير الجانب الرقمي يعني أن تصبح المكتبة في متناول الجميع وبدون تنقل، والنظرة المستقبلية التي توجد عند الكثير من المكتبات في العالم هي أن تعرض كل النصوص التي ليست لها حقوق التأليف عبر شبكة الإنترنت، ونتوقع أن تطرأ تطورات على حقوق التأليف، إمكانية عرض المطبوعات ستصبح كبيرة جدا لنصل إلى إمكانية أن يتوفر كل بيت على مكتبة خاصة.
الصناعة المكتبية باتت علما قائم الذات، هل تضعون الإلمام به شرطا في طاقمكم البشري؟
هذه من الأمور التي تطرح مشكلا، المجال المكتبي اليوم لا يتطلب كوادر بشرية تتوفر على إمكانيات تقنية فقط، المشكل الذي يطرح اليوم هوأن المكتبات الحديثة، بهذه الصيغة التي نتوفر عليها (مكتبة جامعية، شبه موسوعية، تتوجه للباحثين، تقتني كتبا مختارة، تقدم معلومات عن محتوى الكتاب أو المقالة خصوصا بالنسبة إلى قاعدة معلومات المنطقة المغاربية)، تستوجب الثقافة الموسوعية في الأشخاص الذين يعملون بها، العرض المتوفر اليوم في الكوادر البشرية يميل نحو تدني الثقافة الموسوعية، وحتى الذي يتوفر على تلك الملكات يفضل العمل في مجالات أكثر مردودية من الناحية المادية، القطاع المكتبي اليوم لا يجلب إلا الكوادر التقنية المتواضعة التكوين «الموسوعي» و اللغوي، نحن لا نحتاج إلى تقنين بقدر احتياجنا إلى أناس لديهم معرفة باللغات وأرضية ثقافية قوية، هذا النوع من الناس، ونظرا للرواتب التي توفرها المكتبات ونظرة المجتمع السلبية للشخص الذي يعمل في المكتبة، يفضل العمل في مجالات أخرى «كالصحافة» مثلا.
كيف تستطيع المؤسسة، المحافظة على توازنها المالي وهي تقدم خدماتها مجانا باستثناء خدمات النسخ؟
المؤسسة أنشئت في الثمانينات (1985) من طرف «عبد الله بن عبد العزيز» الذي كان آنذاك وليا للعهد في المملكة العربية السعودية، أرادها أن تكون هدية لمدينة الدار البيضاء التي كان يزورها في العطل، ومنذ ذلك الوقت، وهو يمولها بانتظام من خلال مجلس إدارة مكون من شخصيات مغربية وأخرى سعودية، الثلثين مغاربة والثلث سعودي، يجتمع مرتين في السنة لمناقشة برامج المؤسسة، يناقش ميزانية المؤسسة وتقترحها على صاحب المشروع، الذي كان له منذ البداية سياسة خاصة تجاه المؤسسة، توجد نظيرة أخرى لهذه المؤسسة بالعاصمة السعودية «الرياض» وكليهما يمول من أوقاف أوقفها «عبد الله بن عبد العزيز» لتسييرهما، ومنذ ذلك الحين والمؤسسة تحصل على تمويل منتظم، مع توجيهات محددة على مستوى تدبير هذه الموارد، وبخلاف تجارب موجودة في العالم العربي وفي العالم، هذه المؤسسة والقائمون عليها اختاروا منذ البداية أن تكون الأموال الموجهة لها في خدمة الهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله، وهو تكوين مكتبة محترفة، لهذا فنحن نشتغل بطاقم بشري محدود جدا، ما بين 45 و50 شخصا، بينما قد تجد في مكتبات أخرى ليس لها إمكانياتنا التوثيقية في المغرب وغيره، من 150 و 200 موظف، بمعنى أن الاختيار كان موجها منذ البداية إلى خدمة القارئ من خلال مكتبة تكون لها طاقة شرائية قوية وتتجدد باستمرار، لذا فنحن نحرص كل سنة على اقتناء 25 ألف عنوان، ولدينا اشتراكات في حوالي 2800 مجلة ودورية عبر العالم، واشتراكات في مجلات رقمية أمريكية وغيرها بالآلاف، بحيث يتمكن القارئ من الاطلاع وتنزيل كل تلك المجلات والدوريات بالمجان، المؤسسة لديها توازن مالي كاف، ووفق الإستراتيجية التي ترسمها لنفسها، ففي أفق 2025 نسعى إلى الوصول إلى مليون عنوان بإمكاناتنا الخاصة.
مشروع خاص من هذا النوع يحسدنا عليها حتى بعض الأوربيين الذين يزوروننا من جنوب فرنسا مثلا، ويؤكدون أنهم لا يتوفرون على مكتبات من هذا النوع، وحتى المشاريع المكتبية التي ستؤسس في المغرب من طرف الحكومة، في فاس والدار البيضاء وغيرها، ستجد نموذجا رائدا تقتضي به وربما تتفوق عليه، والمشكل عندنا في هذا المجال هو مشكل اختيارات وليس مشكل تمويل، الآن توجد مكتبات تتجاوز إمكانات مكتبتنا بأربعة مرات، المكتبة الوطنية كبيرة جدا، لديها كوادر بشرية تفوقنا بكثير، مكتبة مسجد الحسن الثاني في طور الإنشاء، هناك مكتبة تم تطويرها بالتعاون مع وزارة الأوقاف في مكناس وغيرها، هذا يعني أن القطاع المكتبي ورش مفتوح يعرف تقدما مطردا في المغرب، أتمنى أن نتوفر على استراتيجية متكاملة في هذا الميدان ورؤية على المستوى العلمي والتوثيقي حتى نصل إلى التخصص والتكامل بين المشاريع المكتبية.
من خلال النظرة الأولية يظهر أن الكتاب الديني هو المهيمن على المكتبة، كيف تفسرون ذلك؟
هذا غير صحيح نهائيا، الدراسات الإسلامية كلها لا تشكل أكثر من 5 في المائة من الرصيد المعرفي بالمؤسسة، الدراسات الدينية ليست إلا جزءا من الإنتاج الإنساني، مهمتنا الأساسية هي أن نقدم للقارئ هذا الإنتاج الإنساني بشكل متوازن، لدينا رصيد معرفي في التاريخ، الجغرافيا، الفلسفة، الأنثربولوجيا، علم النفس، اللغات، اللسانيات، السوسيولوجيا، الاقتصاد وغيرها، المكتبة ليست دينية، ونتحدى أيا كان أن يقول إن هناك كتابا في الأنثربولوجيا مثلا يوجد في المغرب ولا نتوفر عليه في مكتبتنا، المكتبة تحاول أن تلبي جميع احتياجات الباحث في مختلف العلوم الاجتماعية والإنسانية، لدينا الفلسفات، المذاهب، النظريات وحتى الديانات الأخرى، أكبر رصيد عن اليهودية في المغرب يوجد لدينا، أكبر رصيد بالإنجليزية في المغرب يوجد لدينا، هذا اختيارنا الاستراتيجي منذ البداية، وهو اختيار صائب على مستوى البحث العلمي الذي يشترط تنويع المشارب المعرفية.
توفر المؤسسة خدمات متنوعة للمرتادين، منها خدمة الجرائد والمجلات، خدمة الكفتيريا، وخدمة النسخ التي تطرح عدة مشاكل منها غلاء العملية والاكتظاظ.
خدمة النسخ اليوم في كثير من المكتبات مفوتة للخواص، الذين يحكمهم منطق الربح والخسارة، ليس لدينا إمكانات للقيام بهذه العملية، بالنسبة إلى التجليد مثلا لدينا ميزانية تساوي 60 مليون سنتيم سنويا، وهذا رقم كبير، لكننا وضعنا على عاتقنا مسألة استمرار هذه الكتب في المستقبل، نزور بعض المكتبات في أوروبا ونجد كتبا عمرها قرنين أو ثلاثة، كيف يمكننا أن نحافظ على كتاب لمدة 200 أو 300 سنة بدون الاستثمار فيه، نستثمر أيضا في كل التقنيات الخاصة بمقاومة السرقة، لذلك ارتأينا أن نفوض عملية النسخ للقطاع الخاص، ثم إن هذه العملية تطرح مشكلا في حد ذاتها، هناك حقوق الناشرين والمؤلفين، أما قطاع الجرائد نحن في مرحلة تجريبية، لنرى هل هناك إقبال عليه أم لا، إذا وجدنا أنه يلاقي إقبالا، حينها قد نطوره ونجعله مكتبة قائمة الذات.
كيف تنظرون لواقع الثقافة في المغرب، من واقع كونكم أحد صناعها على الأقل، على مستوى توفير الكتاب والفضاء المناسب له.
إذا قصدنا بالثقافة قطاع المكتبات والكتاب والقراءة، فبالأرقام إنتاج الكتاب يتطور في المغرب بوتيرة ضعيفة ولا ترقى إلى المأمول، بحيث اعتقدنا أن انتقال المغرب من بلد تتفشى فيه الأمية التي وصلت حاليا إلى 53 أو54 في المائة في المدن تراجعت هذه النسبة كثيرا، اعتقدنا أن الأمر سينعكس على الكتاب واستهلاكه.
عملية تطوير التمدرس في المغرب لم تواكبها عملية توسيع الإنتاج الخاص بالكتاب، والرفع من نسبة القراءة، الكثير من الباحثين يلحون على أن المنظومة التعليمية في المغرب لم تستطع أن تجعل من القراءة عنصرا رئيسيا في العمل البيداغوجي، والقراءة هنا ليس بمعنى الحفظ والاسترجاع، بل القراءة التحليلية النقدية التفسيرية، هذا النوع من القراءة لم يتطور في المغرب بشكل رئيسي، العنصر الآخر الذي لم نتفوق فيه هو أن الكثير من الدول التي استطاعت أن تطور القراءة وثقافة القراءة والممارسات الثقافية المعتمدة على القراءة وإنتاج المطبوع، هي مجتمعات نجحت في خلق التمدرس قبل أن تأتي وسائل الإعلام الحديثة، كما هو الشأن بالنسبة إلى فرنسا أو إسبانيا أو كوريا الجنوبية، التي تتوفر الآن على شعوب قارئة، عملية انتشار القراءة وتمدرس السكان بشكل مكثف، كانت قبل الخمسينات وانتهت في أواخر الخمسينات، في هذه الفترة كانت إسبانيا مثلا قد نجحت في إدخال الجميع إلى التعليم الابتدائي، أما في المغرب فلم تبدأ عملية تمدرس السكان بالشكل المكثف سوسيولوجيا، إلا في فترة السبعينات والثمانينات، وفي هذه الفترة بالذات جاءت ثقافة الصورة وانتشرت عبر التلفزة والفيديو وغيرها، في الوقت نفسه الذي كان يجب أن تهيمن فيه ثقافة الكتاب، لم تستطع ثقافة الكتاب أن تترسخ في المغرب في الوقت الذي غزت فيه ثقافة الصورة، وما يثبت ضعف مستوى القراءة في المغرب هو ما يعرف برقم مبيعات الجرائد، فالمعروف دوليا أن رقم مبيعات الجرائد يعتبر مؤشرا على القراءة، المغرب لا يزال ضعيفا في هذا المجال، الآن الإستراتيجية الممكنة لتخطي كل هذا هي تطوير إستراتيجية القراءة من خلال منظومة المدرسة، لأنه من الصعب أن ترسخ ثقافة الكتاب دون الاعتماد على المدرسة، وهنا يجب التنبيه إلى أن الإصلاح الواجب اعتماده يجب أن ينصب على النوع وليس على الكم فقط، فقد نتمكن من الوصول إلى نسبة 100 في المائة، لكن التحدي هو الاهتمام بالنوعية والجودة، والمكتبات ستكون مفتوحة لكن أين القارئ، نحن نوفر600 مكان يوميا ولا نصل إلا إلى 300 حتى 500 في أحسن الأحوال، المكتبة الوطنية توفر 1200 مكان ولا يأتيها إلا حوالي 200 إلى 300 قارئ في اليوم، المشكل أن الكتاب المغربي لا يتجاوز 3000 نسخة في الطبع، ليس لدينا ما يصطلح عليه «Best Saler» ، أي الكتب التي تصدر وتستطيع تحقيق 200 ألف إلى 300 ألف نسخة، كل هذه العناصر تبين أن الكتاب لم يصل إلى المكانة اللائقة به في تقاليدنا المغربية.
باحث مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.