خطاب العرش لهذه السنة اكتسب قوته وعمق دلالاته ليس فقط اعتبارا لرمزية المناسبة أو بالنظر لمضمونه والتوجيهات الملكية الواردة فيه، وإنما أساسا لمنهجيته وبنائه، وأيضا للقضايا المتطرق إليها وزاوية النظر الملكي لها. الخطاب لم يكن تقريرا عن حصيلة عام، ولم يكن استعراضا ورديا للإيجابيات فقط، ولم يكن ينتمي للغة المناسبة، إنما هو كان شيئا مختلفا، كان استثنائيا، ومن المؤكد أنه سيؤسس لمرحلة جديدة، وسيكرس لغة مختلفة في السياسة، وفي خطاب بقية المؤسسات. الخطاب أسلوب، الخطاب منهجية، الخطاب أيضا رمزيات ورسائل... في 30 يوليوز 2014 اختار جلالة الملك تقديم خطاب عرش يختلف عن الخطب السابقة، واختار الإعلان عن... الأسلوب. لقد خاطب جلالة الملك الشعب المغربي مستعملا ضمير المتكلم المفرد تعميقا لأسلوب القرب من الناس، وإبرازا للمشترك في المشاعر والانشغالات بين الملك وشعبه. خصص جلالة الملك خطاب 2014 لعقد ونصف هي مرحلة ملكه، ومن ثم جاء الكلام تشخيصا وتأملا، علاوة على أن حيزا وافرا من محاور الخطاب الملكي كان لطرح الأسئلة وإثارة الانشغالات المطروحة في البلاد. خطاب العرش تضمن أيضا أسئلة نقدية للأوضاع، وأثار تساؤلات تفتح الباب اليوم للبحث فيها بغاية صياغة أجوبة وتوجهات وطنية هي بمثابة جيل جديد من الإصلاحات على بلادنا أن تلجها وتخوض رهاناتها بلا انتظارية أو تأخر. في زاوية النظر، يمكن الوقوف عند حث جلالة الملك على تقييم السياسات العمومية والمنجزات التنموية والبرامج التجهيزية من حيث ما تحدثه من أثر ملموس على الواقع اليومي للناس وظروف ومستوى عيشهم في المدن والأرياف، بالإضافة إلى تأكيده القوي على موضوع الثروة، مسجلا ما لاحظه خلال جولاته التفقدية من مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة، ليرفع في وجه الجميع سؤالا جوهريا، هو: أين هي هذه الثروة؟. وترتيبا عما ميز الخطاب الملكي من نفس انتقادي، دعا جلالة الملك إلى إنجاز دراسة لقياس القيمة الإجمالية للمغرب ما بين 1999 ونهاية 2013، داعيا جميع المؤسسات، بما فيها الحكومة والبرلمان، إلى العمل على تفعيل أهم التوصيات التي ستخلص إليها، كي لا تبقى حبرا على ورق. وفي عمق ما أبداه جلالة الملك من انشغال بمستقبل البلاد وأوضاع شعبها، كان لافتا، في السياق ذاته، التركيز على الثروة غير المادية، أي على جودة المؤسسات وحكامة الشأن العمومي، وعلى العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات الوطنية، وعلى ظروف عيش المواطنات والمواطنين وجودة الحياة، وعلى كل ما هو ثقافي وفني، وعلى الشأن الديمقراطي، علاوة على الأمن الروحي وإشعاع النموذج الديني المغربي، وبالتالي إعطاء نفس جديد لمسلسل ترسيخ وتمتين المكتسبات الديمقراطية والتنموية. لقد أعلن خطاب العرش لهذه السنة إذن عن لحظة إستراتيجية في المسار المغربي، تكمن دلالتها في ضرورة التقييم الصريح والموضوعي للحصيلة الوطنية، والتطلع إلى المستقبل بإصرار على العدالة الاجتماعية، وعلى ضرورة أن يكون الإنسان هو محور كل إصلاح وتنمية، والحرص على إنجاح النموذج الديمقراطي والتنموي المغربي. الخطاب الملكي يمثل اليوم دعوة لكل الفاعلين الوطنيين من أجل تحمل المسؤولية تجاه مستقبل البلاد وأوضاع الناس، ودعوة أيضا إلى التحلي بكثير من الجدية في السياسة والاقتصاد والمجتمع، والتفكير في عمق ما يرتبط بهذه البلاد من تحديات وقضايا. خطاب العرش جسد... صراحة ملك. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته