جولة بان كي مون الأخيرة في المنطقة كان يمكن جعلها مناسبة لتجديد التزام الأممالمتحدة بمواصلة مساعيها في إطار الحياد اللازم من أجل الوصول إلى حل سياسي دائم ومقبول من كل الأطراف للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وهذا هو الموقف الحكيم المطلوب من الهيئة الأممية، وأساسا من أمين عام تقترب ولايته من نهايتها، وهو ملزم، على كل حال، بعدم الخروج عن سقف القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في هذا الموضوع أو في غيره. وحتى لو كانت زيارة الأمين العام الأممي إلى المنطقة لن تغير شيئا في مسار القضية، فهو يتحمل مسؤولية الحرص على الانسجام، في مواقفه ومبادراته ومساعيه وتصريحاته، مع قرارات ومواقف مجلس الأمن الدولي، وأن يلتزم كذلك بالمعجم اللغوي الأممي المرتبط بذلك. أن يصل بان كي مون إلى حد التلفظ بعبارة الاحتلال في حق المغرب، فهذا لا يمكن وصفه سوى بالانزلاق، وبكونه ينم عن تجاوز واضح وخطير لمقررات الهيئة الأممية التي يترأسها ويتحدث باسمها. وفي الإطار ذاته، لا يمكن لأمين عام الأممالمتحدة أن يقفز على مطلب إحصاء اللاجئين في تيندوف ويبادر قبل ذلك إلى الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للمانحين، ولا يمكنه أيضا تجاهل تأكيدات أوروبية ودولية عديدة بخصوص اختلاسات المساعدات الإنسانية الدولية، وتنامي مخاطر الإرهاب والجريمة والتطرف التي تهدد المنطقة بكاملها، وقبل كل هذا لا يمكنه الإصرار على كل هذا الجهل والشرود وزيارة منطقة تفتقر إلى كل شروط ومقومات الدولة، وفق بديهيات القانون الدولي. بان كي مون كذلك ليس من حقه اليوم في 2016 الحديث عن واقع هذا النزاع المفتعل ومحطات البحث عن حل له، وذلك دون أي إشارة إلى جهود المملكة المغربية، وأساسا مقترحها المتعلق بالحكم الذاتي، والذي وصفته الأممالمتحدة نفسها وعواصم دولية عديدة بكونه جديا وذا مصداقية، وبدل كل هذا يصر على استعمال توصيفات ومصطلحات لا علاقة لها نهائيا بقاموس الأممالمتحدة المألوف، وإنما هي أقرب إلى الموقف السياسي الشخصي الذي لم يطلبه أحد من كي مون. كل هذا يجعل سلوك الأمين العام الأممي أقرب إلى الاستفزاز المتعمد للمملكة وشعبها في الوقت الميت من عمر ولايته على رأس الأممالمتحدة، كما أن توجيه هذه الألفاظ والتصريحات ضمن زيارة للمنطقة، وخصوصا للجزائر، يجعلها بمثابة رضوخ من لدنه لضغوط اللوبيات المناهضة للموقف الوطني المغربي، كما أن ذلك كله يعيد السؤال إلى المربع الأول، وما إذا كانت الزيارة كلها لا تهدف من البداية سوى إلى إصدار هذا الاستفزاز في حق المغرب. وعلى كل حال هذا السلوك المتهافت وغير الحكيم من طرف بان كي مون هو أولا يؤثر على دور الأمين العام الأممي كوسيط محايد مقبول من لدن كل الأطراف لتسوية النزاع، كما أنه يجعل الزيارة بكاملها بلا أي نتيجة ولم تحقق أي خطوة إلى الأمام في مسار البحث عن حل واقعي دائم لهذه القضية، ومن ثم فالفشل هو عنوان الزيارة، وغياب الحكمة هو عنوان نهاية ولاية مون على رأس الأممالمتحدة. وبالنسبة للمغرب، فهذا لن يؤثر في صلابة موقفه الوطني، وفي إصراره على حقوقه الوطنية المشروعة، كما أنه سيبقى مستمرا في سياسته التي تحضى بإجماع شعبه ومختلف القوى الوطنية الأساسية في البلاد، وهو مدعو اليوم لتمتين دبلوماسيته الهجومية الناجعة بهذا الخصوص، بالإضافة إلى ضرورة تطوير أدائه الدبلوماسي والسياسي عبر العالم وفي العلاقة مع الأممالمتحدة دفاعا عن ثوابت الموقف الوطني، وفي نفس الوقت مواصلة أوراشه التنموية والديمقراطية بالأقاليم الجنوبية وعبر مختلف جهات البلاد لتعزيز استقرار البلاد وأمنها وإنجاح مساراتها الديمقراطية والتحديثية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته