تعديل القانون التنظيمي للمالية مدخل للدفع بجيل جديد من الإصلاحات درجت الصحافة مع كل دخول سياسي جديد على تداول كل القضايا التي من شأنها أن تتصدر الحالية السياسية والاجتماعية للبلاد وتستقطب اهتمامات الرأي العام. ومن هذه القضايا يثور ما سبق أن تعهد به صلاح الدين مزوار من كون سنة 2010 ستكون سنة إصلاح المالية العمومية، وأن مشروع إصلاح القانون التنظيمي للمالية شبه جاهز لدى الوزارة، في ضوء ما أكد عليه بهذا الخصوص، في معرض افتتاح المناظرة الدولية الرابعة حول المالية العمومية المنظمة خلال اليوميين الأخيرين بالرباط من طرف وزارة الاقتصاد والمالية والجمعية من أجل المؤسسة الدولية للمالية العمومية، من كون هذا الإصلاح يشكل ورشا وطنيا مهما وخاصة من خلال التغيرات العميقة التي يحدثها بالنسبة لمالية الدولة ومسار الإصلاحات الرامي إلى تحديث الإدارة وشفافية الشأن العام. وفيما يرجح إحالة مشروع القانون التنظيمي للمالية على مجلسي النواب والمستشارين في دورة أكتوبر التشريعية، يستبعد بعض المتخصصين في المالية العمومية، في حال تقديمه، دخوله إلى حيز التنفيذ قبل سنة 2013، وذلك بحكم الإجراءات التي تتطلبها عملية إقراره الدستوري، من مناقشة ومصادقة من قبل البرلمان بغرفتيه وإحالة على المجلس الدستوري ونشر بالجريدة الرسمية. وإذا كانت المحاور الكبرى لإصلاح القانون التنظيمي للمالية، تتطلب على الأقل أربع سنوات لتنزيلها تدريجيا، حسب الأستاذ عبد اللطيف بروحو عضو لجنة المالية في مجلس النواب، فإن مشروع الإصلاح المطروح للقانون التنظيمي للمالية سيكون حينها أمام حكومة جديدة. وعلى العموم فإن إصلاح القانون التنظيمي بات يفرض نفسه بقوة، على اعتبار أن النص الحالي متجاوز بل وغير فعال سواء فيما يتعلق بالتدبير المالي للحكومة أو المراقبة البرلمانية للإنفاق الحكومي، هذا مع العلم أن آخر تعديل للقانون التنظيمي للمالية يرجع إلى سنة 1998. وكانت مكونات البرلمان قد أجمعت السنة الماضية حول ضرورة إعادة النظر في القانون التنظيمي المتعلق بقوانين المالية، بشكل يصبح معه هذا القانون دعامة قوية لتعزيز الحكامة الجيدة، عبر تقوية دور البرلمان على مستوى تتبع ومراقبة تنفيذ الميزانية وتقييم نتائجها، وإلزام المدبرين بتقديم الحساب والخضوع للافتحاص. وعليه، فإن ضرورات إصلاح القانون التنظيمي للمالية باتت تتجاوز ما هو حكامة اقتصادية ومالية إلى ما هو تدبير ديمقراطي مؤسساتي للشأن العام المغربي، وبالتالي مواكبة متطلبات إصلاح التدبير العمومي في سياقه العالمي وعبر معاييره الدولية، بغاية ضمان تنزيل منظومة حقوق الإنسان وكل المواثيق والقوانين ذات الصلة في السياسات العمومية المنتهجة في جميع أوجه حياة المجتمع. وبموازاة ذلك، ثمة ضرورة للعمل على تعميق واستكمال مسلسل إصلاح تدبير الميزانية بما يستجيب لمتطلبات الجهوية واللامركزية واللاتمركز، وملاءمة القانون التنظيمي للمالية مع الإصلاح الذي عرفته المالية العمومية، وبالتالي اعتماد منهجية التدبير الاستراتيجي للمالية العمومية وبما يدمج المخططات التدبيرية الكبرى للميزانية العامة كالتدبير المندمج للنفقات والتدبير الشمولي للاعتمادات المالية، كما جاء في جملة من تدخلات المشاركين في هذه المناظرة الدولية. والحالة هذه، فإن اعتماد قانون تنظيمي من هذا النوع، وفضلا على استجابته لمقومات إبرام الشراكات الدولية واتفاقات التبادل الحر وتدفق الاستثمار الأجنبي، يروم إلى مواكبة مستجدات الساحة السياسية عبر جعل النفقات العمومية قابلة للمحاسبة الوطنية وترسيخ ثقافة المساءلة ووضع تصويت البرلمان على مشروع القانون المالي بناء على النتائج التي التزمت الحكومة بتحقيقها وليس على الأهداف والتوقعات المعلنة، بحيث أنه من شأن اعتماد مقاربة «ميزانية النتائج» إدماج الإصلاحات ضمن عملية تحديث الدولة، وبلورة رؤية شمولية لإصلاح الميزانية. فبدون ملاءمة الميزانية وفق معايير المنظمات الدولية، وتعزيز اختصاصات المؤسسة التشريعية في مجال وضع وتعديل مشاريع قوانين المالية، وتقييم ومراقبة السياسات العمومية، وإقرار حكامة تطال الشأن العام بكل أبعاده على قاعدة أولوية محاربة الفساد بجميع تلاوينه، لا يمكن لأي إصلاح أن يستقيم، وأحرى أن يستجيب لمتطلبات الإصلاحات الكبرى التي تعرفها بلادنا في مختلف المجالات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفي مقدمتها إدماج البعد الجهوي للميزانية، حيث لن تقدم الميزانية على حساب القطاعات، بل تبعا لجهات المملكة، في مسعى لتوفير الأرضية المالية لمشروع الجهوية الموسعة. فلطالما حال القيد الزمني دون حق السلطة التشريعية في إعداد السياسات، بحيث لا تسعف البرلمانيين تلك ال 70 يوما المحددة لمناقشة الميزانية، في تعديل البعض من مقتضياتها.. ولطالما جرى التعامل مع البرلمان كمجرد أداة لتمرير الميزانيات السنوية كما أعدتها الحكومة، عبر امتشاقها لسيف ديموقليس المتمثل في الفصل 51 من الدستور لقطع الطريق على كل تعديل. لذا، فقد آن الأوان لفتح ورش هذا الإصلاح المؤسساتي الكبير وكسب رهاناته، كمدخل أساس تتوافق حوله مكونات السلطة التشريعية لتنزيل جيل جديد من الإصلاحات.