التقى الرجاء والوداد في نسخة أخرى من ديربي الدارالبيضاء رقمها مائة وتسعة.. ومرة أخرى يؤكد الحدث استمرار كبر حجمه واتساع مساحة شعبيته في البلاد وخارجها، وسجل اللقاء ترويج حوالي خمسين ألف تذكرة بأسعار متفاوتة مما خلف مبلغ 1845000 درهم في صندوق مالية الفريق المضيف الرجاء. ويبقى الرقم القياسي في عائدات الديربي سجله الوداد في الموسم الماضي حيث بلغ 222 مليون سنتيم، وقيمة المداخيل تترجم ارتفاع نسبة الإقبال الجماهيري على اللقاء الموسمي، مما فرض على مسؤولي كرة القدم الوطنية وسلطات المدينة ومتخبيها قراءة التظاهرة، أبعادها، رسائلها. والذين تابعوا الملتقى عشية السبت ووقفوا أمام اللوحات الفنية التي أبدعها الجمهور وما حملت من رسائل، صرخات، مواقف، وإشارات تنم عن حس وطني وانخراط في قضايا الوطن، يدركون جيدا دور الرياضة في التربية وتحضير الأجيال للحاضر والمستقبل، لكن وحتى الآن ظلت عدة جهات معزولة، بدون دور في الديربي ليبقى المنظمون، رجال الأمن في مختلف الاختصاصات والوقاية المدينة وغيرهم ممن يحرصون على الأمن والسلامة يحملون هموم الموعد، فمتى تتحرك المجالس المنتخبة وغيرهم للمساهمة في إنجاح الحدث بتدعيمه بالفرجة الموازية للفرجة، وفقرات أخرى تخفف ضغط المباراة حفاظا على هذا الديربي الوطني الذي يتبوأ مكانة مميزة في التصنيف الدولي؟ لقد أكد الشباب إدراك مسؤوليته اتجاه اللقاء من خلال ما يحضر من صور وأناشيد يعلن بها مساهمته في العرض بدل الإكتفاء بالاستمتاع بالفرجة، هذه العروض التي ترتقي أحيانا الى مستوى أرفع مما يبلغه التباري. وبعيدا عن بعض الانزلاقات وأحداث الشغب نجد الفضاء وعاء للفرجة ومتعة اللقاء، ومكانا لهذه الثنائية التي استمرت أكثر من نصف قرن من الزمن، ومن نسخة لأخرى يعلن أنه ليس مكانا لتفجير المكبوتات، وتصفية الحسابات. ومن خلال قراءة في مسار كرة القدم الوطنية عبر محطات التاريخ يتضح أن وراء ديربي الوداد والرجاء مجموعة من اللقاءات المحلية تشد اهتمام الجماهير في عدة مناطق، مدن وقرى وأرياف، لقاءات رياضية بحساسيات مختلفة تدور حولها صراعات وتنافس قوي حول النتائج، وهذه الجماهير المهتمة باللقاءات المحلية تتابع بكبرياء وباعتزاز بالانتماء لممثل مسقط الرأس، الحي أو الحارة وغيرها. ومن بين هذه اللقاءات ديربي سايس الذي كان يجمع فريقي النادي المكناسي والمغرب الفاسي، وديربي عبدة دكالة الذي يجمع الدفاع الحسني الجديدي بأولمبيك آسفي، ولقاء قبائل مزاب والمداكرة، من خلال فريقي اتحاد بن أحمد ونهضة الكارة ولقاء فريقي المغرب التطواني واتحاد طنجة في الشمال، والمباراة التي تجمع فريقي آزرو وشباب خنيفرة، الطاس والرشاد البرنوصي، ولقاء الدفاع والاتحاد في مدينة آسفي من قبل والموعد القوي الذي يجمع فريقي وداد قلعة السراغنة وشباب بنجرير، إضافة الى ديربيات أخرى في منطقة تادلة بين الرجاء الملالي وأمل سوق السبت، اتحاد لفقيه بنصالح - شباب قصبة تادلة. وفي محطات أخرى تنافس قوي بين أولمبيك خريبكة وسريع وادزم، ولن ينسى المهتمون والمتتبعون اللقاءات القوية والمثيرة التي كانت تجمع فرقا في منافسات العصب الجهوية وتجلب جماهير غفيرة تتفاعل مع المردود والمنتوج والنتائج. وهذا الإهتمام يبين مدى ارتباط الجمهور المغربي بالأنشطة الرياضية عامة وكرة القدم على الخصوص ومسؤولو الرياضة في بلادنا مطالبون الانتباه والاهتمام باللقاءات التي تشد اهتمام نسبة كبيرة من المتتبعين بهدف الحفاظ على استمرارها وجعلها تتطور والنموذج ديربي الوداد والرجاء الذي يحتل الرتبة التاسعة عالميا ضمن أكبر اللقاءات في العالم، وللأسف لم تسجل في نسخه بصمة للمنتخبين رغم اهتمامهم بدورهم بما يحمل من حماس وتعاطفهم مع أحد طرفيه -الرجاء أو الوداد. هؤلاء المنتخبون يتابعون اللقاء في المنصة الشرفية ولم يفكروا بعد في مبادرة ترمي الى اسعاد هذه الجماهير «وهم من الناخبين». لم يفكروا في توسيع اللقاء وإحاطته بمرافق تواكب التنظيم توفر للمتفرجين ما يحتاجون من تغذية خفيفة سليمة وبأثمنة معقولة وترفيه؟ وفي انتظار ذلك يبقى الجمهور العنصر الأبرز الذي يجتهد أكثر ومن لقاء لآخر يعرض إبداعا رفيعا محملا بالرسائل والدلالات.