تشتهر مدينة فاس العتيقة، شمالي المغرب، بمحافظتها على حرفة دباغة الجلود بالطريقة التقليدية، التي مارسها حرفيو المدينة منذ قرون. مباشرة من المسلخ، تنقل جلود البقر والغنم والماعز، إلى واحدة من “دور الدبغ” المتبقية بأكثر الأحياء الفاسية جذبا للسياح، لتبدأ رحلة تحضيرها قبل أن تنتقل إلى ورشات صانعي الأحذية التقليدية، والملابس الجلدية، والأحزمة، والمجالس، وأدوات المكتب. بإحدى الأزقة المجاورة لساحة النجارين، يطل سطح منزل، تحول إلى بازار (متجر لبيع الصناعة التقليدية) على “دار الدبغ” سيدي موسى ، حيث اشتغل “المعلم” العلوي عبد الله (يقال “المعلم” لكل حرفي متمكن من حرفته ضابط لأصولها) لسنوات طويلة، قبل أن يتفرغ لبيع السترات الجلدية والحقائب اليدوية وغيرها من المنتوجات الجلدية، التي كان يساهم في دباغة المادة الأولية التي تحتاجها هذه الصناعة: الجلد. “قبل قرنين، كانت توجد بفاس نحو 19 داراً، مثل هذه التي نطل عليها”، يشرح المعلم عبد الله، ليؤكد أنها دباغة الجلد مهنة متأصلة في الأوساط الفاسية، وحرفيوها توارثوا تقنيات الدباغة بشكل واسع. “رغم الروائح الكريهة، المنبعثة من دار الدبغ، قبل أن تصبح الجلود جاهزة، فإننا بفاس، نتميز بتحضير جلود من جودة عالية، لا تنبعث منها أي رائحة”، يقول المعلم عبد الله، وفي عينيه نظرات افتخار وثقة بالنفس، قبل أن يمد قطعة جلدية إلى مراسلة الأناضول، ويطلب منها التأكد بنفسها من خلو الجلد من رائحته الكريهة. يعترف “المعلم” أن الجلود التي تستخدم في نسيج الملابس الجلدية العصرية، تتم دباغتها بمواد كيماوية، لكن الجلود المخصصة للصناعة التقليدية، فلا تتم دباغتها إلا بمواد طبيعية. ويشرح هذا الحرفي والابتسامة لا تفارق محياه الطرق المتبعة لدبغ الجلود قائلا: “تتم عملية الدباغة على مراحل، فبعد سلخ جلد الماشية يبدأ الدباغ عمله، إذ يترك الجلد بما عليه من ملح تحت الشمس قرابة الأسبوعين، حتى يجف من الماء، ثم تشق الجلود باستخدام سكين لتفصل الصوف عن الجلد بعد أن تغسل بالمياه حتى تصبح رطبة، بعد ذلك يخلط “السم الأزرق” (مادة سامة تستخدم عادة من طرف المزارعين لحماية حقولهم من القوارض) بماء ويترك فيه الجلد إلى أن يصبح لونه أزرق، ويضاف عادة الزيت لزيادة نعومة الجلد”. وتتم صباغة الجلود -يضيف المعلم- “باستعمال زق (فضلات) الحمام وقشور الرمان والزعفران، لتوضع في أحواض لمدة عشرة أيام، بعدها تعاد الجلود لتدبغ مرة أخرى وتصنف بعد ذلك حسب النوع واللون”. مثل هذه الشروحات، تكون في الغالب أدلة وحججا كافية، لأصحاب البازار، حتى يقنعوا السياح بدفع أثمنة مرتفعة مقابل المنتوجات الجلدية التقليدية، بعدما شاهدوا المراحل التي تمر منها دباغة الجلد، والعناء الذي يواجه حرفيي دار الدبغ، من فوق سطح البناية.